هل سيكون الاقتصاد سبب سقوط نتنياهو؟
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
ضربة السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب متعددة الجبهات التي أشعلتها إسرائيل بعد أن شعرت بالخطر الوجودي الحقيقي لأوّل مرة منذ قيامها قبل 75 عامًا، كلفت – ولا تزال- الاقتصاد الإسرائيلي أكبر خسائر اقتصادية في تاريخه.
وعلى عكس المشهد السياسي، الذي يمكن فيه لنتنياهو وأبواقه الإعلامية العديدة الزعم بأن "الانتصار المطلق" أصبح على مرمى رصاصة، وأن حماس ومقاتليها على وشْك الانهيار في كل لحظة، وأن عودة المخطوفين ستكون قريبة على ظهر دبابات الجيش الإسرائيلي، فإن وصف واقع المشهد الاقتصادي في إسرائيل لا يتحمل أيًا من هذه الادعاءات.
الاقتصاد أرقام وإحصائيات وبيانات دقيقة، ولا يمكن حتى "للساحر"، كما يحبّ عشاق نتنياهو وصفه، تزييف صورة الواقع المالي والاقتصادي الذي يسود في إسرائيل منذ اندلاع الحرب وحتّى يومنا هذا.
ملامح الواقعكيف يبدو إذًا هذا الواقع؟
ليس بالسوء الذي يظنه البعض. الوضع الاقتصادي في إسرائيل سيئ جدًا، لكنه جيد بالنسبة لدولة تخوض حربًا متعددة الجبهات منذ 10 أشهر.
يمكن إيجاز الثمن الاقتصادي للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة والجبهات الأخرى بالتكلفة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، والتي ستصل حتى عام 2025 بحسب التقديرات الرسمية إلى 70 مليار دولار تقريبًا، أي ما يعادل 13% من الناتج المحلي السنوي للاقتصاد الإسرائيلي، وأكثر من 50% من ميزانية الدولة لعام 2023.
تشمل تكلفة الحرب المذكورة تكاليف القتال المباشرة (مثل الزيادة في ميزانية وزارة الأمن للتسليح وشراء الذخيرة ومدفوعات جنود الاحتياط)، الخسائر المادية للبلدات في مناطق الجنوب والشمال، تكلفة نزوح 150 ألف مواطن من بيوتهم، شلل قطاع السياحة بالكامل، ركود قطاعات البناء والإنشاءات والزراعة؛ بسبب نقص الأيدي العاملة، تضرر الإنتاج الاقتصادي؛ بسبب تجنيد عشرات آلاف جنود الاحتياط، تراجع حادّ في الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة (الهايتك)، تضرّر الصادرات والواردات، وغير ذلك من التكاليف والخسائر.
لكن على الرغم من ذلك، بقي الاقتصاد الإسرائيلي صامدًا أمام كل هذه التحولات. الصمود في هذا السياق يعني عدم تأثر سعر صرف الشيكل بشكل ملحوظ أمام العملات الرئيسية، بقاء معدلات البطالة بنفس مستوياتها المنخفضة جدًا قبل الحرب، مستويات تضخم مالي مضبوطة، صمود الجهاز المصرفي الإسرائيلي، زيادة في جباية الضرائب، وتوقعات بمعدلات نمو اقتصادي تصل إلى 1.9% في سنة 2024 و4.6% في سنة 2025.
لا مكانَ هنا لشرح أسباب صمود الاقتصاد الإسرائيلي بالشكل المذكور، لكن بالمجمل، يمكن إيجاز كل الأسباب بجملة واحدة: إسرائيل دخلت الحرب باقتصاد قوي ومتين يعطيها حتى الآن "النفس" المطلوب للتعامل مع المخاطر والتحديات الأمنية والجيوسياسية التي تحيط بها من كل جانب.
حرب في أروقة الوزارةمع ذلك، يرى محللون في إسرائيل أن التحدي الاقتصادي، هو التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجه دولة إسرائيل في هذه المرحلة، وأن سياسات حكومة نتنياهو ووزير ماليته، اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، تهدد استقرار إسرائيل اقتصاديًا وتدفعها نحو هاوية الانهيار المالي بسرعة وثبات.
وبحسب التسريبات المختلفة، هناك حرب مستعرة في أروقة وزارة المالية وبنك إسرائيل بين كبار الموظفين من جهة والمستوى السياسي من جهة أخرى، حول السياسات الاقتصادية المتهورة التي يتبعها سموتريتش، وعدم اكتراثه بآراء المستوى المهني في الوزارة التي تحذره من العواقب الوخيمة لهذه السياسات.
مبدئيًا، لا يرى سموتريتش مشكلة كبيرة في تعميق مستوى العجز في ميزانية الدولة، وفي سدّ هذا العجز بالاستدانة أكثر وأكثر من الأسواق المحلية والعالمية، وفي تبنّي حلول شعبوية للتعامل مع الأزمة الحالية.
بيدَ أن رأي المستوى المهني وجهات اقتصادية مركزية أخرى، وعلى رأسها بنك إسرائيل، يرى أن لا مناص أمام الحكومة من اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية صعبة وموجعة لتفادي الوقوع في أزمة اقتصادية كما حدث مع الاقتصاد الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
بالنسبة لبنك إسرائيل، فإن ما يتوجب على الحكومة فعله فورًا هو ضبط العجز في الميزانية، والسيطرة على وحش الدين العام المتفاقم من خلال تقليص النفقات العامة، رفع الضرائب، تقييد مدفوعات الضمان الاجتماعي، وما شابه من إجراءات موجعة.
وبحسب تقديرات أمير يارون، محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، فإن عدم تنفيذ الحكومة هذه الإجراءات يعني أن نسبة الدين العام للناتج الإجمالي ستكون بين 75% و81%، ما يعني أن مكانة الاقتصاد الإسرائيلي في الأسواق العالمية ستتضعضع، أو بكلمات أخرى ستكون تكلفة الاستدانة أعلى بكثير مما هي عليه الآن.
خياران أحلاهما مرّيقف نتنياهو حاليًا أمام خيارين اقتصاديين أحلاهما مرّ.
الخيار الأول، والأسهل، هو الاستمرار في تبني سياسات مالية واقتصادية منفلتة وشعبوية لا تغضب قاعدته الشعبية على المدى القصير ولا تهدد بقاءه على سدة الحكم. لكن هذا التوجه سيعني دخول الاقتصاد الإسرائيلي في دوامة التّضخم والركود وتهديد استقراره ومكانته في الأسواق العالمية على المديين: المتوسط والبعيد، وحصول تراجع مؤكد في جاذبية الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، وعلى رأسها قطاعات (الهايتك) والصناعات المتطوّرة التي تعتمد الآن بشكل أساسي على الاستثمارات الخارجيّة.بحسب شخصيات مركزية في الاقتصاد الإسرائيلي، فإن هذا السيناريو يمكن أن يحصل خلال فترة قصيرة، أي خلال حكم نتنياهو، وأن تأثيراته على مستوى الحياة في إسرائيل ستكون موجعة وغير مسبوقة، وسيدرك الشارع الإسرائيلي أن المسؤول الأول عن هذا التحول هو نتنياهو.
الخيار الثاني، الذي يرى فيه الخبراء والمسؤولون في وزارة المالية وبنك إسرائيل الحل الصحيح والمطلوب، فهو أن يأمر نتنياهو وزير ماليته بإجراء تقليص حاد في ميزانية الدولة للسنة القادمة (8 مليارات دولار تقريبًا) ورفع الضرائب على مختلف أنواعها، وتقليص مدفوعات الضمان الاجتماعي المختلفة.ومن سيدفع ثمن هذه الإجراءات التقشفية ستكون بالأساس الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل التي تعتبر القاعدة الشعبية لليمين في إسرائيل ولنتنياهو بالذات. لكن هذا القرار سيتطلب موافقة أحزاب الائتلاف التي لن تضحي بقاعدتها الشعبية لإنقاذ اقتصاد تل أبيب، حتى لو أمرها نتنياهو بذلك.
الخياران، إذن، يُهددان بقاء نتنياهو، لكن الفارق بينهما هو التوقيت. هل سيختار نتنياهو مصلحة الدولة على غضب جمهور اليمين الذي بايعه "ملكًا" على إسرائيل، أم أنه سيشتري رضا هذا الجمهور الآن مقابل المخاطرة باقتصاد الدولة لأجيال قادمة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاقتصاد الإسرائیلی فی إسرائیل
إقرأ أيضاً:
هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.
آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.
لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.
الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.
وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.
فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.
ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.
وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.
مبادرتان استباقيتانفي هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.
صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".
وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.
أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".
والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.
كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".
العامل الأميركيلم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.
فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.
ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.
وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.
على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.
أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.
وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.
هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية