كيف هيّأ قيس سعيد الساحة السياسية والشعبية قبل الانتخابات؟
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
تونس- قبل صعوده إلى سدة الحكم في تونس، قدم الرئيس التونسي قيس سعيد نفسه بوصفه قائدا نزيها ومنقذا للشعب من الفساد والتجاذبات السياسية التي أرهقت البلاد، لكن بعد توليه الحكم استحوذ على السلطات كافة، مستغلا السخط الشعبي والتراجع الاقتصادي، ليهيئ الساحة السياسية والشعبية لانتخابات خالية من المنافسة الحقيقية.
بدأ سعيد، الذي كان أستاذا للقانون الدستوري سابقا، خطواته الأولى نحو تعزيز سلطته عبر إعلانه التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021، التي شهدت تجميد البرلمان وحل الحكومة السابقة. ورغم الدعم الشعبي الواسع في البداية، فإن هذه الخطوة تحولت إلى أداة لفرض السيطرة الكاملة على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ويعتقد مراقبون أن سعيد -في الآونة الأخيرة- حوّل الانتخابات إلى مسرحية مشابهة لتلك التي أجراها نظام الرئيس زين العابدين بن علي، حين كان التونسيين يعرفون مسبقا من سيفوز بها، والمشاركون هم أساسا داعمون لمسار الرئيس، مما يعزز الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية واستقلاليتها.
تعديل القوانينيقول المحلل السياسي إبراهيم العمري للجزيرة نت إن سعيد قدم نفسه بوصفه بديلا نظيفا وصارما ضد الفساد، مما جعله يكسب دعما شعبيا واسعا، خصوصا أنه كان يقوم بزيارات ميدانية إلى مختلف المناطق في تونس ويتحدث مباشرة إلى المواطنين.
وشدد سعيد، بحسب العمري، في مختلف خطاباته على التزامه بتحقيق مطالبهم، وهي إستراتيجية ساعدت في تعزيز صورته قائدا قريبا من الشعب، وجعلت منه الخيار الوحيد تقريبا في أذهان كثيرين، منذ الحملة الانتخابية التي أجراها عام 2019.
ويرى أن الرئيس التونسي استخدم معرفته العميقة بالنظام القانوني للالتفاف على الدستور السابق، وإعداد دستور جديد يمنحه سلطات شبه مطلقة، بهدف ضمان بقاء المنافسة الانتخابية تحت السيطرة، إذ أدخل تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات.
ويعتبر العمري أن هذه التعديلات شملت شروطا صارمة للترشح وتمويل الحملات الانتخابية، مما جعل من الصعب على أي منافس جدي الترشح، حتى أولئك الذين حاولوا الدخول إلى الساحة السياسية وجدوا أنفسهم في مواجهة جهاز حكومي يعوق مساعيهم بكل الوسائل المتاحة.
كما يرى أن استفتاء 25 يوليو/تموز 2022 الذي نظمه الرئيس على دستور جديد يمنحه سلطات غير مسبوقة، وأنه "ولد ميتا"، مبينا أنه رغم ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء التي لم تتجاوز حدود 10%، فإن سعيد نجح في تمرير الدستور، مما عزز من قبضته على السلطة.
هذا الدستور الجديد، الذي جاء في سياق سيطرة شبه كاملة على الساحة السياسية، بحسب العمري، أعطى سعيد إطارا قانونيا يشرعن حكمه، ويمهد الطريق أمامه للترشح وحيدا في الانتخابات المقبلة.
المعارضة في تونس نظمت عديدا من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بانتخابات نزيهة (الجزيرة) إضعاف المعارضةوبالتوازي مع تعزيز سلطته، عمل قيس سعيد على إضعاف المعارضة وتفكيك الأحزاب السياسية، التي كانت تشكل جزءا أساسيا من المشهد الديمقراطي التونسي، ووضع عديدا من السياسيين البارزين تحت الإقامة الجبرية، أو تم استبعادهم من العملية السياسية عبر تهميشهم، أو استخدام القضاء لملاحقتهم.
و"تعمد تشويه صورة الطبقة السياسية، مستخدما خطابا شعبويا يصفهم بالفساد والتآمر ضد مصلحة الشعب"، كما وصف وسام الصغير الناطق الرسمي للحزب الجمهوري في حديثه للجزيرة نت، مضيفا أن سعيد قام بتجميد تمويل الأحزاب وتهميشها في الخطاب السياسي، مما جعلها غير قادرة على تنظيم نفسها لمواجهته.
هذا الخطاب، حسب وصف الصغير، كان له صدى واسعا بين شريحة كبيرة من التونسيين المحبطين من فشل النخبة السياسية السابقة، مما ساعد على تعزيز شعبية سعيد كقائد يسعى لتحقيق العدالة وإصلاح البلاد. وبذلك، وجد الرئيس نفسه في موقع القوة، بعد توظيفه كل أجهزة الدولة لخدمة "مشروعه الانقلابي".
ويتهم الصغير الرئيس التونسي بارتكاب "مجزرة سياسية" انتخابية، تهدف إلى تصفية خصومه السياسيين، بدأت من خلال تشويه سمعة المعارضة، إلى وضع دستور يتيح له السيطرة على مفاصل الدولة، وصولا إلى إصدار المرسوم 35، الذي حلّ بموجبه المجلس الأعلى للقضاء ليصبح الجهة الوحيدة التي تتخذ القرارات.
ويضيف أنه مرّ أكثر من عام ونصف عام على سجن رموز سياسية بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، كما أشار إلى أنه تم منع خصومه السياسيين ذوي التأثير الكبير من الحصول على بطاقة "السوابق العدلية"، التي أصبحت شرطا جديدا في القانون الانتخابي، وذلك بهدف إقصائهم وتمهيد الطريق له لتحقيق الفوز منفردا.
تراجع المؤشراتويشير الناطق باسم الحزب إلى "فشل" سعيد في وضع حل لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، وهو ما يترجمه ارتفاع أسعار السلع وفقدانها في الأسواق، وقد بلغت نسبة النمو 0.2%، وارتفاع معدلات البطالة بزيادة 1800 عاطل عن العمل في الأشهر الأولى لسنة 2023 والأشهر الأخيرة لسنة 2024، على عكس ما تعهد به.
من جهته، يقول القيادي بحزب العمال (يسار) الجيلاني الهمامي إن الرئيس سعيد خطط للوصول للحكم منذ قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، ولم يخفِ نيته الحقيقية حول طبيعة النظام السياسي الذي قام بتعديله، وأيضا بشكل عام حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى للدولة.
ويعتقد الهمامي أن قيس سعيد استغل إخفاقات الحكومات السابقة، واستثمر في غضب الشعب على حساب المعارضة، موضحا أنه عمل في مرحلة أولى على القضاء على حركة النهضة بإجراءات غير قانونية، عبر تجميدها والسطو على مقراتها وإيقاف قياداتها، ثم توجه بعدها لتصفية باقي الأحزاب.
و كانت المعارضة قد قاطعت كل الاستحقاقات التي أشرف عليها سعيد، منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية، التي تسببت في أزمة سياسية واستقطاب حاد في البلاد.
التضييق على الإعلامومنذ إعلانه تلك التدابير عام 2021، بدأ النظام في مراقبة وسائل الإعلام وتوجيهها لترويج صورة إيجابية للرئيس، في حين تم تقليل أو حتى منع التغطية الإعلامية للمعارضة. في المقابل، كانت هناك حملات إعلامية مكثفة لتمجيد إنجازات الرئيس وتقديمه بوصفه قائدا لا غنى عنه في المرحلة الحالية.
في هذا الشأن، قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن ما بدأ كتحرك شعبي لإعادة هيكلة النظام السياسي ومحاربة الفساد، تحول تدريجيا إلى نظام يُقصى فيه المنافسون وتُقيد فيه الحريات، مؤكدا أن قيس سعيد، الذي كان يُنظر إليه كرمز للأمل والتغيير، أصبح اليوم مرشحا وحيدا.
ويضيف أن الإستراتيجيات التي يتبعها الرئيس التونسي باتت تثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الديمقراطية في تونس، من قبل المؤسسات التي تدافع عن الصحفيين، معتبرا أن البلاد تتجه نحو مرحلة جديدة من الحكم، يصبح الصوت الوحيد فيها هو صوت الرئيس، بينما يتم تهميش جميع الأصوات المعارضة الأخرى.
وشدد الجورشي على أن تصاعد النهج السلطوي للرئيس سعيد أدى إلى تقويض المكاسب الديمقراطية وتعثر حرية التعبير، ولكل المكاسب التي حققتها تونس بعد الثورة، خاصة مع غياب توازن حقيقي في مؤسسات الدولة وضعف المعارضة، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية خانقة، مما يعزز من سيطرة سعيد على الحكم ويفتح الباب أمام فترة طويلة من الحكم الفردي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الساحة السیاسیة الرئیس التونسی قیس سعید فی تونس
إقرأ أيضاً:
رسالة كاتبة إلى أختها المعارضة التي ماتت قبل أن ترى سقوط بشار
"أكتب إليك من دمشق. نعم، لقد أتى هذا اليوم يا بسمة! وهو أعظم مما حلمنا به لسنوات عديدة.. لدرجة اليأس من رؤية ذلك يحدث في يوم من الأيام.. ها قد سقط نظام بشار الأسد وها هم السوريون مبتهجون (..) لقد غنيت وهتفت مع الحشود: "ارفع رأسك فوق، أنت سوري حر" في ساحة الأمويين، في قلب مدينتنا التي كانت محرمة علينا".
هذا بعض ما جاء في الفقرة الأولى من رسالة الكاتبة هالة قضماني لأختها بسمة قضماني التي توفيت في 23 مارس/آذار 2023 وهي أكاديمية سورية كانت متحدثة باسم المجلس الوطني السوري الذي تشكل من الأطياف المعارضة لبشار الأسد بعيد انطلاق الثورة السورية عام 2011.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2جدعون ليفي: إسرائيل تجرع شعبها الخوف مع حليب أمهاتهمlist 2 of 2موندويس: المؤسسات الأميركية الطبية تهمل واجبها بشأن جرائم الحرب في غزةend of list
تقول هالة في رسالتها بصحيفة ليبراسيون الفرنسية إنها لا تعرف ما يجعلها تحس أنها تعيد اكتشاف دمشق من جديد، هل ذلك بسبب مشاعرها الفياضة أم ذكرياتها الباهتة أم بسبب انعكاس ضوء الشمس على جبل قاسيون المطل على العاصمة، أم لأن كل شيء أصبح جميلا في عينها وهي ترى البسمة المشرقة المرتسمة على وجوه الناس في الشوارع؟ لكن ما هو مؤكد أن " الحب الذي أشعر به هنا لكل شيء وكل شخص لم يسبق له مثيل على الإطلاق"، على حد قولها.
غير أن ما يحز في نفسها، تقول هالة، بل وترى أنه قاس ومؤلم للغاية هو أن "بسمة" لم تعش هذا الحدث.. هي التي حشدت طاقاتها وعلاقاتها طيلة 10 سنوات من أجل "سوريا خالية من الاستبداد"، وهنا تصف الكاتبة الغصة التي تنتابها والدموع تنهمر من عينيها ليس فقط فرحا بهذا الحدث العظيم بل كذلك حزنا على غياب بسمة الذي "لا يطاق"، غياب ليست هي وحدها من يأسى عليه بل إن العشرات ممن عرفوا بسمة بعثوا لهالة رسائل تعكس مدى حزنهم على أن بسمة لم تكن موجودة في هذه اللحظات.
إعلان
وتمضي هالة لتقص على بسمة ما حصل فتقول لها: "لا يمكنك أن تتصوري أو تتخيلي يا بسمة كيف حدثت المعجزة وكيف جاء الخلاص! لم يتدخل جيش أجنبي، ولا وقع انقلاب عسكري، ولا جرى اغتيال، ولم يكن ما حدث حتى نتيجة مفاوضات سياسية.. لم يحدث أي من تلك السيناريوهات التي تصورتها، بل فر الدكتاتور مكرها في منتصف الليل دون أن يقول أي شيء بعد انهيار جيوشه ومليشياته في مواجهة هجوم مبهر شنه مسلحون سوريون ولم يكن أحد يتوقعه".
لم يتدخل جيش أجنبي، ولا وقع انقلاب عسكري، ولا جرى اغتيال، ولم يكن ما حدث حتى نتيجة مفاوضات سياسية
ولخصت ما حصل في أن هؤلاء المقاتلين جاءوا من إدلب وخلال 10 أيام فقط سيطروا على حلب ثم حماة فحمص وأخيرا دمشق "حيث ألقى جنود النظام أسلحتهم وتخلوا عن عتادهم ورموا زيهم العسكري أمام أعين السكان المندهشين".
أما عن هوية هؤلاء المقاتلين فإن هالة تقول: "لا أجرؤ على الكشف لك عن هوية المحررين الجدد. إنهم نفس الجهاديين الذين سرقوا منا ثورة ربيع 2011 والذين حاربناهم"، لكنهم تغيروا وما يتمناه الجميع هو "سوريا التي تتماشى مع رؤية بسمة، سوريا الملهمة لقادتها ولشعبها".
ولفتت هالة في رسالتها لأختها إلى أنها تود أن تطلعها على ما ينتاب السوريين وأصدقاءهم من أمل، معبرة عن دهشة الجميع من التصرف الراقي للمحررين الإسلاميين الجدد وما ميزهم من انفتاح لم يشتهروا به في السابق.
وختمت الكاتبة بالتأكيد على أن إدراك السوريين بالمخاطر المتعددة التي تهدد بلادهم، لا يثنيهم عن الأمل في مستقبل مشرق بعد "سنوات عديدة من اليأس".