الفقهاء والنِّساء… ما يُراد تطبيقه في الأحوال الشّخصيّة العِراقيّة
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
آخر تحديث: 14 غشت 2024 - 10:05 صبقلم:رشيد الخيّون ما كنا نطرح ونجادل الفقهاء، ونشجب ما يريدون تطبيقه من أحكامهم، لولا وضعوا أنفسهم، أو وضعتهم الأحزاب الدّينيّة، في مثل هذه المواقف المحرجة حقاً لهم، فبسببها أخذنا نلتفت إلى محتويات رسائلهم، وما فيها من ارتداد على الزّمن، وليعذرونا عن ذلك، فهم مَن دفعوا إلى المواجهة.
هذا، وسأستهل مقالتي بمشهدين: الأول، كنا في ندوة عن تطبيق الشّريعة (1993)؛ وبطبيعة الحال تأتي وصايا الفقهاء على النّساء في المقدمة، فانبرى أحد الإسلاميين – حزبه الآن متصدر الحملة لإعادة الأحوال الشّخصية إلى سلطة الفقهاء – قائلاً: أتعلم، أنّ للأمّ حقّها، في الفقه، بدفع الزوج أجرة لها على رضاعة طفلها؟ استغربت من هذا الطّرح الفظيع حقاً، الذي يجعل الأمّ أجيرةً، لا أماً يدر لبنها لطفلها، وهذا ما ورد في رسائلهم: “إذا طلبت الأمّ أجرةً للرضاع زائدة على غيرها، أو وُجد متبرع به، وكان نظر الأب الإرضاع مِن غيرها يسقط حقّ الحضانة” منها. الآخر: عندما صدر “بعد إذن الفقيه” (الأولى 2011، الرابعة 2024)، فيه خمسة فصول تخص النساء، ومنها فصل “عرائس الموت”، وفصل في الأحوال الشّخصية (188/ 1959)، المراد نسفه. حينها بُلغتُ أنّ شباباً كربلائيين، عقدوا ندوةً عن الكتاب، فتدخل أحد المعممين، شاكلاً على العنوان: “أي فقيه أعطى مؤلف الكتاب الإذن؟”. بمعنى الفقه مِن اختصاصهم، وهذا لهم في العبادات، أو حقّ الله، لكنّ علاقات الآدميين ببعضهم بعضاً (المعاملات)، قابلة للجدل، ليس لهم الحقّ بحكم الدّنيا والآخرة، فالفقيه، بحسب الأوضاع التي يريدها الإسلاميون اليوم، هو مَن يحدد زواجنا، وطلاقنا، وميراثنا، ولا يريد أن نجادله بها، وكأننا نتعامل مع عالم في الفيزياء أو الرّياضيات، وليس بشؤوننا الاجتماعيّة، حتّى تجده دخل الفراش بين الزّوجين، وهذا الدّليل: “ليس لها اسْتِدْخالُ ذَكَرِ زَوْجِها، وهو نائمٌ بلا إذْنِه، ولها لَمْسُه وتَقْبِيلُه بشَهْوَةٍ”! أرأيتم كيف يفكرون، بسحبنا إلى عصور غابرة، يستخدمون أرقى التقنيات، ولا يفكرون بقفزة الزّمن التي جاءتهم بها. لا يدري المعترض على عنوان كتابنا أنه كان معاراً مِن عنوان “مَن لا يحضره الفقيه” للشيخ الصّدوق (تـ: 381هـ)، وهو بدوره استعاره من الطّبيب محمّد بن زكريا الرّازيّ (تـ: 313هـ) “مَن لا يحضره الطَّبيب”. لستُ كاتباً لتخطئة رسائل الفقهاء، في ما لو حُصرت في أزمنتها، لكن عندما تتعدى إلى الحاضر، يظهر النّفور منها، إلا عند مَن ظل مصدقاً أنّ مصيره في الدّنيا والآخرة مرتبط برضا الفقيه أو غضبه، لأنّ الحبل الذي يربطه بالله بيده، فقيل: “ذنبه برقبة عالم واطلع منها سالم”، أو “خل بينك وبين الله (أو الجنَّة) مطوع”. نقرأ حكمةً في التّراث، في أمر تبدل الأحكام بتبدل الأزمان، نُسبت إلى معاوية بن أبي سفيان (تـ: 60هـ)، نذكرها، مع علمنا، أنّ مَن نوجه إليهم كلامنا في شأن الأحوال الشّخصيّة، الساعين لتحقيق سلطة الفقيه، يعتبرون أقوال معاوية مزيفة، لكنها تبقى حكمة، بغض النّظر عن قائلها: “معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى، ومنكر زماننا هذا معروف زمان لم يأت (أو يأتي)” (البلاذُّري، جمل من أنساب الأشراف، التّوحيديّ، الذّخائر والبصائر). توقفت رسائل الفقهاء، والتي يُنحل بعضها بعضاً، عند زمان واحد، ويمكن كانت تُعد معروفاً، لكن بتعاقب الأزمنة، اصطدمت بواقع آخر، فصارت محل استنكار في إدارة المعاملات، جاءت لحل مسألة في زمن ما له طبيعته الاجتماعيّة والثّقافيّة، فلا يمكنها البقاء مناسبة لكلّ زمان، فإذا كان المصحف القرآني قد نزل على مصالح العباد، وله أسباب نزول (القاضي عبد الجبار، كتاب المغني)، فكيف بصحف الفقهاء يا تُرى! نصوص الفقهاء
نأتي إلى نصوص مِن رسائل الفقهاء، بخصوص الزّواج، ما كان يمكن قبوله قبل قرون، وما لا يُقبل بعدها، بل يُعدّ منافياً للإنسانيّة، فإذا كان غزو قبيلة لقبيلة، وأسر النّساء واستباحتهنّ كجوارٍ، مثلما حصل للإيزيديات العراقيات أخيراً، وكان قد تزوج من أسيرات الماضي صحابة وأئمة وأنبياء؛ صارت هذه الممارسة اليوم مرفوضة، في الوقت الذي كانت منسجمة مع التقاليد والأعراف السّائدة آنذاك، وهذا الكلام ليس لنا بل سمعناه مِن آية الله العراقيّ كمال الحيدريّ، وكان له رأي ضد التغييرات في الأحوال الشّخصيّة العراقيّة. صار ما ورد في رسائل الفقهاء منافياً للزمن؛ ونأخذ الأشهر منهم، ممِن ذُكر الرجوع إليه في الأحوال الشّخصيّة، من دون ذكر الأسماء، كي لا يُفهم أنه تقصد لمراجع دون آخرين؛ وكان المشترك بينها هو “الاستمتاع”، في كلِّ فقرة من فقرات باب النّكاح، فما المرأة إلا وعاء متعة وآلة إنجاب. 1- ما يخص الزّواج والاستمتاع بالصَّغيرات، بينما الدول حددت سن الزواج بـ(18) سنة، ومنها العراق في قانون 188/1959:
– “لا يجوز وطء الزّوجة قبل إكمال تسع سنوات، دواماً كان النّكاح أو منقطعاً، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والتّقبيل والضّم والتّفخيذ، فلا بأس بها (الكثير من الفقهاء أضافوا الرّضيعة بالاسم)، ولو كان وطأها قبل إكمال التسع ولم يفضها لم يترتب عليه شيء غير الإثم على الأقوى، والفض هو التمزق الموجب لاتحاد مسلكي البول والحيض، أو مسلكي الحيض والغائط أو اتحاد الجميع”. – “ولو دخل بزوجته بعد إكمال التسع، ففض بكارتها لم تُحرم عليه، ولم تثبت الدِّية، ولكنّ الأحوط وجوب الإنفاق عليها، كما لو كان الفض قبل إكمال التسع، ولو فض بكارة غير الزوجة بزناء، أو غيره تثبت الدِّية، ولكن لا إشكال في عدم الحرمة الأبدية، وجود الإنفاق عليها”. مثل هذا الرّجل، يُعاقب اليوم كمغتصب أطفال، ويُحال إلى مصحة نفسية. – “يجوز اللمس والنّظر مِن الرّجل للصبية غير البالغة – ما عدا عورتها كما عُرف مما مرَّ – مع عدم التلذذ الشّهويّ والريبة، نعم الأحوط الأولى الاقتصار على المواضع التي لم تجر العادة بسترها بالملابس المتعارفة من دون مثل الصّدر والبطن والفخذ والإليتين، كما أنَّ الأحوط الأولى عدم تقبيلها، وعدم وضعها في الحِجر إذا بلغت ست سنين”. لكن كل هذا يجوز إذا كانت خطيبة للرجل، مثلما تقدم، فتجوز الخطوبة والعقد حتّى لمن عمرها يوم واحد. -“ما تعارف مِن إيقاع عقد الانقطاع ساعة مثلاً، على الصّغيرة أو الرّضيعة، أو ما يقاربها مِن أجل محرمية أمها على المعقود له، خلاف الاحتياط، بل لا بد مِن كون المدة بالعقد إلى حد تصلح المرأة للاستمتاع والتمتع، ولو بغير الوطء”.
– “يجوز التمتع بالصغيرة، وإن كانت المدة قليلة، مع إمكان الاستمتاع بها بغير وطء، وإنما لا يجوز الدخول بها قبل بلوغها”.
– “صحة العقد متعة للصغيرة لمدة لا تكون قابلة لاستمتاع فيها محل إشكال والاحتياط لا يترك”.
2- ما يخص النَّفقة مقابل الاستمتاع والتأديب من أجله:
– “يجب على الزَّوجة التمكين (الاستمتاع الجنسي للرجل)، وإزالة المنفرات، وله ضرب النّاشز (التي تمتنع) مِن دون إدماء لحم، ولا كسر عظم، بعد وعظها، وهجرها على الترتيب، ولو نشز طالبته الزَّوجة، ولها ترك بعض حقِّها، أو كلَّه استمالةً، ويحل قبوله”.
– شرط النفقة الاستمتاع: “ألا تكون ناشزة، وقد مر معناه، ألا تكون صغيرة غير قابلة للاستمتاع بها، أو كانت كبيرة، وهو صغير غير قابل لأنْ يستمتع بها”. – “لا يجوز للزوجة أن تخرج مِن بيتها بغير إذن زوجها، فإن خرجت بغير إذنه كانت ناشزاً، ولا نفقة مع النشوز، ولا يُحرم عليها سائر الأفعال بغير إذن الزوج، إلا أن يكون منافياً لحقّ الاستمتاع”.
– عيوب الرجل الموجبة وللمرأة فسخ العقد: “الجنون، العنن، الجب الذي لا يقدر معه على الوطء، الخصاء وهو سل الخصيتين، أو رضهما”.
– عيوب المرأة الموجبة وللرجل فسخ العقد: “الجنون، الجذام، البرص، القرن ما ينبت في فم الرحم يمنع الوطء، الإفضاء (إفضاء الصَّغيرة) العمى، الإقعاد”. المرأة لا تطلب الفسخ في حال إصابة الرّجل بالأمراض المذكورة. 3- الحضانة وحالات سقوطها عن الأمّ:
– “مدة الحضانة (للأمّ) سنتان إن كان ذكراً، وسبع سنين إن كانت أنثى، وقيل في الذكر سبع سنين أيضاً”. (في المادة 57 من قانون 188 لسنة 1959 عشر سنوات).
– “تسقط حضانة الأمّ لو تزوجت، ومثله سقوطها بإسقاطها”(لا تسقط عن الأب).
4- على المرأة دفع الفدية:
– إذا استوجبت الأمور وعجزت المرأة عن استمرارها مع زوجها، تخلعه مقابل دفع الفدية، كالتنازل عن مهرها، جاء في الخلع والمباراة: “الخلع هو طلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها”. بينما استخدام الفدية عادة في العتق من العبودية، أو ما يدفعه القاتل لذوي المقتول، كي يحرر رقبته. مع إضافة “ويأخذ الزوج أكثر مما أعطاها”.
هذا غيض من فيض مما ورد في رسائل الفقهاء، التي لا تناسب مجريات الزّمن، ويكون سلطة الفقيه بديلاً، وسلبيات ذلك تقع على المرأة، وعلى المجتمع العراقي، وروح التحضر، كارثية حقاً، فالأحوال الشّخصية وفق التغيير، أُلحقت برسائل الفقهاء، وما المحاكم المدنية إلا مكاتب تنفيذ.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
خلال ندوة بالمعرض.. كيف كانت الحياة اليومية في عصر الرعامسة؟
استضاف معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، وتحت محور "مصريات"، ندوة لمناقشة كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" لعالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه.
وتولي إدارة النقاش الباحث محمود أنور، بينما قدم التحليل العلمي للكتاب الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أستاذ الآثار والديانة المصرية القديمة بجامعة القاهرة.
واستهل محمود أنور الندوة بالإشارة إلى عظمة الحضارة المصرية القديمة وما قدمته للبشرية من إنجازات لا تزال ماثلة حتى اليوم.
وأوضح أن كتاب "الحياة اليومية في مصر في عصر الرعامسة" يعد دراسة رائدة تبتعد عن السرد التاريخي التقليدي، وتقترب من تفاصيل الحياة اليومية للمصريين القدماء، متناولًا المساكن، الحرف، الفنون، النشاط الزراعي، الأسرة، والمعابد، ليقدم صورة أكثر حيوية وإنسانية عن المجتمع المصري القديم.
وأضاف أن مونتيه استند إلى مصادر أصلية غنية، وهو ما دفعه لاختيار عصر الرعامسة تحديدًا، إذ يتميز بوفرة الوثائق والنقوش التي تسجل ملامح الحياة خلال تلك الحقبة التي شهدت ازدهارًا حضاريًا واسع النطاق.
من جانبه، أكد الدكتور ميسرة عبد الله حسين، أن الكتاب يشكل علامة فارقة في دراسات التاريخ المصري، حيث يتناول عصر الرعامسة، وهو العصر الذي شهد استعادة أمجاد الإمبراطورية المصرية بعد تأسيسها في الأسرة الثامنة عشرة.
وأوضح أن بيير مونتيه ينتمي إلى المدرسة الفرنسية في علم المصريات، وهي إحدى أهم المدارس الأثرية التي أسهمت بعمق في دراسة الآثار المصرية، حيث كان على رأسها جان فرانسوا شامبليون، مكتشف رموز حجر رشيد. كما أشار إلى أن علم الآثار المصرية كان يُصنّف في الماضي ضمن الآثار الشرقية، إلا أن جهود علماء مثل مونتيه جعلته مجالًا مستقلاً بذاته.
وسلط الدكتور ميسرة عبد الله حسين الضوء على الرحلة البحثية لـبيير مونتيه، حيث بدأ اهتمامه بالآثار الشرقية، ثم انتقل إلى مصر عام 1932، وتوجه إلى منطقة تانيس حيث أجرى أهم اكتشافاته. وكان من أبرز إنجازاته العثور على المقابر الملكية للأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين، حيث اكتشف خمس مقابر ملكية بحالة جيدة الحفظ عام 1939. وعلى الرغم من أهمية هذه الاكتشافات، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، مقارنة بمقبرة توت عنخ آمون التي اكتُشفت في ظروف أكثر استقرارا.
وأوضح الدكتور ميسرة عبد الله، أن مونتيه اتبع منهجية دقيقة في دراسة الحياة اليومية، حيث اختار فترة تاريخية محددة بدلًا من التعميم الذي لجأ إليه بعض الباحثين. فبدلًا من تقديم صورة شاملة عن مصر القديمة بكل عصورها، ركّز على عصر الرعامسة، مستعرضًا تأثير الظروف الاجتماعية والسياسية على تفاصيل الحياة اليومية.
وأشار إلى أن الكتاب يختلف عن الدراسات التقليدية من حيث التعمق في تفاصيل معيشة المصريين القدماء، إذ يناقش جوانب مثل أنماط السكن، أساليب الزراعة، النشاط الحرفي، وشكل الحياة الأسرية، مقدمًا بذلك صورة نابضة بالحياة عن المجتمع المصري في تلك الفترة.