مستوطنة يهودية أُنشئت إبان الحكم العثماني عام 1896 على أراضي قرية درزية مهجرة حملت الاسم نفسه، وهي تمتلك موقعا إستراتيجيا مهما، إذ تمثل نقطة التقاء أقصى الشمال الفلسطيني المحتل مع الجنوب اللبناني، الأمر الذي جعلها على مدى عقود موضع اشتباكات عسكرية مستمرة بين الاحتلال والمقاومة في لبنان.

وعلى إثر معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة أصبحت المستوطنة مرمى دائما لصواريخ وقذائف حزب الله اللبناني، وتسبب ذلك في إخلائها من سكانها، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة وثكنة للقوات الإسرائيلية وفرق الاستنفار والطوارئ.

الموقع والجغرافيا

تقع المطلة في الجليل الأعلى في أقصى نقطة في شمال فلسطين المحتلة على بعد نحو 6 كيلومترات من الحدود مع لبنان، وتحيط بها الأراضي اللبنانية من 3 جهات، مما يمثل نحو 75% من حدودها.

وتحدها قرية كفر كلا اللبنانية من الشمال والغرب وقرية العمرا اللبنانية من الغرب، ولا تتصل بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلا من جهة الجنوب، حيث تقع قريتا آبل القمح وهونين الفلسطينيتان.

وترتفع المستوطنة نحو 520 مترا عن مستوى سطح البحر، حيث تتربع على تلة أسفل وادي التيم على حدود سهل مرجعيون في لبنان شمالا ومرج ابن عامر في فلسطين جنوبا، ويمر من شرقها "وادي البريغيث" أو "وداي الدردارة" كما يسمى في لبنان.

وتتبع المستوطنة إداريا قضاء صفد، وتمتد على مساحة تبلغ نحو 9413 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وتتميز بإطلالة على حوض بحيرة الحولة الكبيرة وجنوبي لبنان وجبال الجليل والجولان، لذلك يُطلق عليها الاسم العربي "المطلة"، أي المشرفة.

ويسودها مناخ البحر الأبيض المتوسط الذي يتميز باعتداله، فالشتاء فيها بارد ورطب والصيف دافئ وجاف، وتتراوح درجات الحرارة عادة بين 5 و31 درجة مئوية على مدار العام، ويقدر متوسط ​​الهطول السنوي بنحو 900 ملم.

الاحتلال الإسرائيلي بنى حاجزا على الحدود بين المطلة وجنوب لبنان (غيتي) السكان

يبلغ عدد سكان المطلة نحو 1500 نسمة، كلهم من اليهود، وقد كانت القرية حتى العقد الأخير من القرن الـ19 عربية خالصة، وكان سكانها من العرب الدروز الذين طردوا منها أو بدؤوا يغادرونها تدريجيا بعد ذلك التاريخ، بسبب شراء الحركة الصهيونية أراضي القرية وتوطين اليهود فيها.

وبحسب الإحصاءات الرسمية لسكان فلسطين عام 1931، بلغ عدد سكان المطلة 205 نسمة، جميعهم من اليهود ذوي الأصول الروسية أو من دول أوروبا الشرقية، ولم يتبق من سكانها العرب في ذلك الوقت سوى 10 أشخاص غادروها لاحقا، فبعد ذلك العام لم تأت المصادر على أي ذكر للوجود العربي فيها.

التاريخ

كشفت الدراسات الأثرية عن وجود استيطان بشري في موقع المطلة منذ القرن الثالث الميلادي، فقد تم العثور على معاصر نبيذ قديمة وأرصفة فسيفسائية تعود إلى العصرين الروماني والبيزنطي، ومجموعة من القبور يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والسادس الميلادي.

وفي فترة الحكم العثماني ذُكرت المطلة كونها قرية زراعية لبنانية تابعة إداريا لقضاء مرجعيون، وكانت أراضيها أو جزء وافر منها مملوكة لأحد الأثرياء المسيحيين من صيدا يدعى جبور رزق الله، وكان قد أجّر أراضيه للمواطنين الدروز الذين سكنوا القرية منذ مئات السنين.

وفي القرن الـ19 بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واستهدف الاستيطان المناطق السهلية في فلسطين، لذلك أصبحت الحولة -وهي منطقة سهلية خصبة- موضع اهتمام الحركة الصهيونية التي أنشأت أولى المستوطنات في نواحي منطقتي طبريا وصفد.

وفي تلك الفترة قام دروز وشيعة مرجعيون -بمن فيهم أهل المطلة- بثورة على الدولة العثمانية، وذلك في فبراير/شباط 1878 احتجاجا على التجنيد الإجباري للشباب، فاقتحمت القوات العثمانية المطلة، وحدثت اشتباكات بين الطرفين راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من السكان الدروز.

وتشير المصادر إلى خلاف نشب بين رزق الله والدروز على أراضي المطلة، فرفع رزق الله شكوى ضد المزارعين إلى السلطات العثمانية، واستمرت القضية نحو 20 عاما استطاع عقبها كسب القضية وحيازة الأراضي وفقا لذلك.

"موشاف" زراعي

باع رزق الله في العقد الأخير من القرن الـ19 ممتلكاته من أراضي المطلة للبارون إدموند جيمس دي روتشيلد الذي وضع تلك الأراضي تحت إدارة الشركة الاستعمارية- الاستيطانية (يكا)، وفي عام 1896 تم تأسيس موشاف (قرية زراعية) استيطاني على تلك الأراضي.

وتؤرخ بعض المصادر اليهودية لثورة الدروز ضد العثمانيين بعام 1895، وتقول إن الدروز غادروا القرية أثناء التمرد، وفي تلك الآونة تم بيع الأراضي، ومع عودتهم عقب انتهاء التمرد طالب الدروز باستعادة الأراضي المستأجرة، وأسفرت المداولات مع الوكالة الصهيونية عن اتفاق يقضي بتعويضهم مبلغ 60 ألف فرنك مقابل مغادرتهم المنطقة.

وفي صيف عام 1896 بدأ المستوطنون الأوائل يتوافدون إلى المطلة من مستوطنات أخرى، مثل زخرون يعقوب وريشون لتسيون، وقد وصلت نحو 60 عائلة يهودية، معظمها من أصول روسية، كما قدم مستوطنون آخرون من بتاح تكفا، والتحق بالمستوطنة كذلك بعض علماء التلمود الذين جاؤوا من صفد.

وقد بدأت المطلة مستوطنة زراعية شبه تعاونية، وساعد البارون روتشيلد المهاجرين اليهود على الاستقرار فيها، وفي أواخر الحكم العثماني تعرضت المستوطنة لهجمات عدة من قبل العرب الفلسطينيين واللبنانيين الذين ساءتهم سيطرة المستوطنين على الأراضي العربية، فتم إخلاء المستوطنة إلى حين قدوم القوات البريطانية التي أعادت اليهود إلى المستوطنة.

تحت الانتداب

وُضعت الخرائط الأولى لحدود بلاد الشام في معاهدة "سايكس بيكو" عام 1916، وتم فيها تعيين حدود النفوذ بين بريطانيا وفرنسا في المنطقة، وبحسب تلك الخرائط كانت المطلة جزءا من منطقة الاحتلال الفرنسي.

وقد جعلت الاتفاقية المصادر المائية المهمة مثل نهر الليطاني وبحيرة طبريا ومياه الحولة والوزاني والحاصباني ضمن المناطق التابعة للجانب السوري اللبناني الواقع تحت السيطرة الفرنسية.

ولم يلبِ ذلك التقسيم أطماع الحركة الصهيونية التي بدأت تنشر مستوطناتها في فلسطين تمهيدا لقيام دولة إسرائيل فيها، وفي العامين 1919 و1920 تم توقيع اتفاقيات جديدة بين بريطانيا وفرنسا من أجل إعادة ترسيم الحدود.

وقد عارض السكان العرب بشدة الاتفاقيات التي قطعت أوصال القرى والبلدات العربية وحدّت من حرية تنقل سكانها، وتحولت المعارضة إلى صدامات عنيفة في الأجزاء الشمالية من فلسطين وجنوب لبنان.

وهاجم المواطنون العرب بعض المستوطنات الصهيونية، بما فيها مستوطنة المطلة، ولكن تلك الاحتجاجات قوبلت بالقمع الشديد من قبل قوات الاستعمار.

وفي عام 1923 تم ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين بشكل نهائي، وذلك في إطار اتفاقية "بوليه- نيوكمب"، وتم تعديل خط اتفاقية "سايكس بيكو" بما يتوافق مع مطالب الحركة الصهيونية، بحيث أُلحق سهل الحولة وبحيرة طبريا بمناطق النفوذ البريطاني في فلسطين.

وفي العام التالي تم إقرار الاتفاقية من قبل عصبة الأمم، ووفق التقسيم الجديد أصبحت المطلة تمثل أقصى الشمال الفلسطيني المحتل.

وخلال الحرب العالمية الثانية أصبحت المستوطنة قاعدة مهمة للجيش البريطاني، واستقرت فيها شركة الأعمال الحرفية، وهي إحدى الوحدات الهندسية التابعة للجيش البريطاني، والتي كانت مهمتها تركز على إنشاء تحصينات دفاعية حدودية في المستوطنة.

سكان المطلة يعيشون في أغلبهم على الزراعة وتربية المواشي (غيتي) قيام إسرائيل

بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948 توسعت المستوطنة، واستقر فيها مهاجرون جدد، وتم تزويدها بالمياه والكهرباء، وبدأت مع الوقت تنمو لتصبح بلدة ثرية، وتأسس فيها مجلس بلدي، وباتت وجهة سياحية أساسية في إسرائيل.

وفي النصف الثاني من ستينيات القرن الـ20 بدأ التوتر الأمني يسود المنطقة في أعقاب استقرار بعض خلايا منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب اللبناني، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات مستمرة بين المقاومة والاحتلال في البلدة.

وفي عام 1982 اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية بحجة القضاء على المقاومة، وسيطرت على مناطق واسعة من الجنوب اللبناني، وتراجعت المواجهات بشكل كبير بعد إجبار عناصر منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة لبنان عام 1982.

ومنذ ذلك العام أصبحت المطلة بوابة إلى لبنان ونقطة عبور للعمال والبضائع بين لبنان وإسرائيل، وكانت المستوطنة تستفيد من العمالة اللبنانية التي كانت تقدم خدماتها مقابل أجر زهيد، وامتد الأمر إلى عام 2000 حين انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان، وتم إغلاق المعبر.

موضع استهداف عسكري

شهدت المستوطنة على مدى عقود استهدافا عسكريا مكثفا من قبل المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني استمر منذ النصف الثاني من ستينيات القرن الـ20 إلى أوائل ثمانينيات ذلك القرن، وخفّ بخروج عناصر منظمة التحرير من لبنان وسيطرة إسرائيل على الجنوب اللبناني.

وبحكم موقعها الحدودي تعتبر المطلة من أكثر المستوطنات تعرضا للقصف الصاروخي، ولهذا يضطر سكانها إبان الحروب والعمليات العسكرية مع لبنان للفرار إلى المناطق الداخلية من إسرائيل، وهو ما حدث عام 1996 حين شن الاحتلال العملية التي أطلق عليها "عناقيد الغضب" على لبنان.

وفي الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 غدت البلدة مدينة أشباح حين اضطر سكانها لمغادرتها هربا من صواريخ حزب الله التي قدرت بنحو 120 صاروخا سقطت على البلدة.

وبهدف حماية السكان من نيران القناصة أو الهجمات بالحجارة التي قد يتعرضون لها عبر بلدة كفر كلا اللبنانية المجاورة بنت السلطات الإسرائيلية في يونيو/حزيران 2012 جدارا عازلا بين المطلة والأراضي اللبنانية بلغ طوله 1200 متر وارتفاعه 7 أمتار.

وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2018 أطلق الجيش الإسرائيلي عملية سماها "درع الشمال" كانت تهدف إلى تدمير أنفاق لحزب الله استخدمت -بحسب المزاعم الإسرائيلية- لتسلل المقاومة إلى شمال إسرائيل، وكان أحد الأنفاق يهدف إلى دخول المطلة والسيطرة عليها.

وشهدت المنطقة في مناسبات عديدة حالة من الاستنفار العسكري، وخضعت لإجراءات أمنية مشددة قد تصل إلى حد الإغلاق كما حدث في يناير/كانون الثاني 2021 في الذكرى الأولى لاغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني السابق اللواء قاسم سليماني، إذ أعلنت إسرائيل المستوطنة منطقة عسكرية مغلقة تخوفا من عمليات عسكرية إيرانية انتقامية قد تنطلق من لبنان.

وفي أعقاب معركة طوفان الأقصى استهدفت قوات حزب الله في لبنان المنطقة الشمالية في إسرائيل، وأصبحت المطلة هدفا دائما لصواريخه ومسيّراته.

وفي غضون أيام من بداية المعركة ومع تصاعد حدة الهجمات الصاروخية لحزب الله على المطلة أعلنها الجيش الإسرائيلي منطقة عسكرية مغلقة، وفرض فيها إجراءات أمنية مشددة.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول قررت الحكومة الإسرائيلية إخلاء 28 تجمعا سكنيا بالقرب من الحدود اللبنانية، من بينها بلدة المطلة، وتم نقل السكان للعيش في فنادق وبيوت ضيافة ومستوطنات أخرى في مناطق مختلفة بإسرائيل.

ولم يتبق في البلدة سوى 40 شخصا من سكانها يشكلون قوات الحماية المحلية والسلطات المحلية والجنود، وتحول المكان إلى ثكنة عسكرية ومقرا لقوات الجيش الإسرائيلي وفرق الاستنفار والطوارئ، وفي ظل هذا الوضع استأنف حزب الله إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه المطلة، واستهدف مواقع عسكرية واستخباراتية فيها.

وأعلن رئيس مجلس المطلة ديفيد أزولاي في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن البنى التحتية في المستوطنة دمرت بفعل الاستهداف الصاروخي المستمر.

وفي أواخر يونيو/حزيران 2024 صرح أزولاي بأن نحو 40% من المنازل السكنية في المستوطنة تضررت منذ بداية الحرب، وتم حرق ما يقارب 200 منزل.

حقول زراعية محيطة بمدينة المطلة (غيتي) الاقتصاد

يعتمد اقتصاد المطلة بشكل أساسي على قطاعي السياحة والزراعة، إذ تعتبر المستوطنة مركز السياحة في الجليل الأعلى، وتشتهر بأنها وجهة سياحية ومنتجع صيفي بفضل جمال الطبيعة فيها، فهي منطقة ريفية هادئة تطل على المناظر الطبيعية الخضراء في الجليل وسوريا ولبنان.

وقد أقيمت في المطلة العديد من الفنادق الصغيرة والمتنزهات والمطاعم والمقاهي والخدمات السياحية الأخرى.

وتنتج المستوطنة أنواعا عديدة من الفاكهة، مثل المشمش والتفاح والكرز والدراق والخوخ والكمثرى والبرقوق، والتي فضلا عن الاستهلاك المحلي يتم تصديرها إلى الخارج، كما تشتهر المنطقة بكروم العنب والحبوب وبالثروة الحيوانية، خصوصا الماشية.

المعالم البارزة

تضم البلدة معالم طبيعية ومراكز ثقافية وتراثية ورياضية جعلتها مركز جذب سياحي، ومن أشهر معالمها:

متحف بيت هيكار: وهو متحف صغير، يؤرخ لأيام الاستيطان الأولى، ويشتمل على صور ووثائق قديمة وأثاث وأدوات منزلية من القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، ويقدم عرضا صوتيا وبصريا عن تاريخ المنطقة. متحف صندوق موسيقى زامي: وهو منزل خاص لعازف البيانو زامي رافيد، يعرض فيه مجموعة مكونة من 160 آلة موسيقية مختلفة جلبت من 50 دولة حول العالم. جبل حزفيا: يقع على بعد كيلومتر واحد إلى الغرب من المطلة، ويشتهر بنقطة مراقبة دادو التي تطل على أحياء البلدة القديمة والجديدة، وتشرف على مناظر طبيعية تمتد إلى وادي العيون ووادي الحولة بأكمله وجبال الجليل وجبل الشيخ ومرتفعات الجولان وجبال لبنان. محمية العيون الطبيعية: تقع في وادي العيون جنوب المطلة، وتعد وجهة سياحية وشعبية، حيث يتدفق نهر عيون مُشكّلا مجموعة من الشلالات، منها شلال عيون وشلال المطحنة وشلال تنور. مركز كندا: وهو مركز رياضي ومنتجع صحي يقدم نشاطات رياضية وترفيهية، ويعد أحد أهم مراكز الجذب السياحي في البلدة، ويضم أكبر ساحة للتزلج على الجليد في إسرائيل، إضافة إلى صالات رياضية وحمامات سباحة ومنتجعات صحية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحرکة الصهیونیة الجنوب اللبنانی القرن الـ19 فی فلسطین رزق الله حزب الله فی لبنان من قبل

إقرأ أيضاً:

قاذفة B-2 في مرمى النيران.. أي معادلة فرضها اليمن باعتراض هذه القاذفة؟

يمانيون../
كشف السيد القائد عبدُ الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله تعالى- في خطابه الأخير عن حُزمةٍ من الإنجازات العسكرية التي حقّقتها قواتُنا المسلحة بفضل الله تعالى خلال معركة الإسناد وجولة التصعيد القائمة ضد كيان العدوّ الإسرائيلي والأمريكي،

وفيما يبدو أن من أهمِّ تلك الإنجازات هي العملياتُ الجوية التي نفّذتها وحداتُ الدفاع الجوي لأول مرة بمستوى 11 عملية اعتراض ضد مجموعة من أهم الطائرات الأمريكية على رأسها:
– مقاتلات F-18 الحربية.

– طائرات الشحن والتزوُّد بالوقود.

– طائرات التنصُّت والاستخبارات الاستراتيجية.

– قاذفات القنابل الشبحية B-2.

وحسب طبيعة الموقف العملياتي، فَــإنَّ اعتراضَ قاذفات B-2 تحديدًا في هذا التوقيت وبمنظومة دفاعية محلية الصنع لقواتنا المسلحة، يُعَدُّ عمليةً سابقة من نوعها ونقطةَ تحول لها أبعاد وتداعيات استراتيجية مباشرة، خُصُوصًا على موازين معركة الجو.

فالقيمة الحسَّاسة لقاذفات القنابل B-2 وقدراتها التقنية وبرنامج عملها في منظومة العدوان، لم يطرح فيها خبراء العدوّ الأمريكي فرضيةَ أن يتم اكتشافُ هذه القاذفة من قبل الدفاعات الجوية اليمنية أَو أن تتعرض لعملية اعتراض خطيرة ومباشرة بصاروخ أرض جو محلي الصنع. لذلك، هذا الأمر بالنسبة للعدو الأمريكي واقعٌ كالصاعقة على فرضياته وتقديراته العسكرية.

ما هي قاذفةُ الشبح B-2؟

دخلت القاذفة B-2 الخدمة في سلاح الجو الأمريكي في العام 1997م، وهي قاذفة شبه تقليدية من مختلف النواحي، تُعَدّ من القاذفات الشبحية التي تعمل بتقنيات التخفِّي عالية السرية في العالم. يمكنها حملُ 27 طُنًّا من القنابل والصواريخ التقليدية والنووية، ويمكنها التحليقُ لمسافة 11 ألف كلم دون الحاجة إلى تزوّد بالوقود. صُمِّمت B-2 أَسَاسًا للإفلات من مختلف الأنظمة الدفاعية الحديثة لدى الدول وتنفيذ مهامَّ هجومية في أعماق أية دولة تريدها أمريكا. تم استخدامُها لأول مرة خلال عملية الناتو في يوغوسلافيا، ثم قاتلت لاحقًا في العراق وأفغانستان وليبيا. يمتلكُ سلاحُ الجو الأمريكي نحو 19 قاذفة من هذا النوع؛ باعتبَارها ذاتِ كلفة باهظة فقيمة الوحدة منها تبلغ 700 مليون دولار.

أبعادُ اعتراض B-2:

عسكريًّا، يمكن تقييمُ الأبعاد والتداعيات المترتبة على عملية اعتراض دفاعاتنا الجوية لقاذفة B-2 في التالي:

أولًا- عمليةُ الاعتراض تعني عمليًّا أن الدفاعاتِ الجوية لقواتنا المسلحة تمتلك أنظمةَ كشف متطورة للغاية مكَّنتها -بفضل الله تعالى- من اكتشاف القاذفة وتتبُّعها واعتراضها.

ثانيًا- ‏الميزةُ المهمة في قاذفات B-2 التي تحافِظُ على تفوقها في أية معركة هي تصميمها الهندسي الشبيه بالمثَّلث وتقنية غطاء الشبح الذي يغطِّي هيكلها الخارجي ويمنحُها القدرةَ على تشتيت وامتصاص موجات الرادارات. فإذا سقطت هذه الميزة وتم اكتشافُ القاذفة، ينتهي تفوُّقُها وَتصبح مسألة اعتراضها أسهلَ من اعتراض مقاتلة F-18؛ نظرًا لحجمها الضخم، وضَعف قدرتها على المناورة وسرعتها البطيئة التي لا تتجاوز 1000 كم/ساعة؛ أي أقل من “1 ماخ”. بالتالي، إذَا توافرت ظروف مناسبة في اختيار المكان والزمان والسلاح المناسب، يمكن إسقاطها وتدميرها عمليًّا بعون الله تعالى.

ثالثًا- تعتبر القاذفة B2 درّة سلاح الجو الاستراتيجي الأمريكي، وإحدى الأذرع الرئيسية للثالوث النووي، فأهميتها بالغة خُصُوصًا أنها مصنَّعة بتقنيات متطورة وسرية للغاية، وذات ثمن باهظ يصل إلى 700 مليون دولار للطائرة. لذلك، اعتراضها أَو إسقاطها ستكون ضربة قاصمة لأمريكا ولأمنها القومي ولسُمعة أقوى أسلحتها الجوية، وستكون الشركات الأمريكية أمام مصيبة خسارة تقنيتها السرية، وخسارة فاعليتها وموقعها في الحرب وقيمتها الباهظة.

تقدير عسكري:

القدرة التي فرضتها دفاعاتنا الجوية -بعون الله تعالى- في مجابهة مثل هذه الطائرات الحديثة يُعتبَرُ خرقًا كَبيرًا في موازين معركة الجو، وكسرًا لتفوُّق أخطر التقنيات الأمريكية؛ كون الأمر يحتاج إلى منظومات متطورة موازية لأنظمة “إس 300 أَو إس 400” الروسية ونظيراتها من منظومات الجيل الرابع التي يمكنها التعاملُ مع أنظمة الحرب الإلكترونية وتقنيات التخفي “الشبح”.

ما حقّقته دفاعاتُنا الجويةُ ضد هذه التكنولوجيا يؤكّـد مستوى تطوُّرها الذي بات ينافِسُ أحدثَ المنظومات عالميًّا، ويبشِّرُ بأنه فاتحةٌ لمرحلة يمكن من خلالها -بعون الله تعالى- وضع حَــدٍّ لعربدة طائرات العدوّ الأمريكي في أجواء اليمن، والإطاحة بأهم ركائز القوة الأَسَاسية التي يعتمد عليها في عدوانه وفي عملياته العسكرية.

*زين العابدين عثمان – باحث عسكري

مقالات مشابهة

  • انفراجة على خط العلاقات اللبنانية – الاماراتية.. خطوات ايجابية قريباً
  • الخارجية اللبنانية تعتزم استدعاء السفير الإيراني بعد تصريحات عن نزع السلاح
  • قاذفة B-2 في مرمى النيران.. أي معادلة فرضها اليمن باعتراض هذه القاذفة؟
  • أبو الغيط: ندعم الحكومة اللبنانية الجديدة
  • حزب الله يُدين جريمة اغتيال الشيخ ‏حسين عطوي واستمرار استباحة السيادة اللبنانية
  • حزب الله يطالب الدولة اللبنانية بالخروج من موقع المتفرّج العاجز
  • وزير الخارجية: نطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية
  • لبنان.. استشهاد عنصر من حزب الله في غارة إسرائيلية على بلدة الحنية
  • الخارجية اللبنانية تستدعي سفير طهران لدي بيروت
  • أفعال تمنع استجابة الدعاء.. 3 معاصي يقع فيها كثيرون