يواجه النفوذ العسكري التقليدي لحلف شمال الأطلسي "الناتو" تحديات غير مسبوقة، وكشفت الحرب في أوكرانيا عن نهج ثوري جديد في الحروب، لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله، عنوانه قوة الدرونز (الطائرات المسيرة).

ومع اقتراب العالم من نقاط اشتعال محتملة، مثل هجوم روسي على أراضي الناتو، أو حصار صيني لتايوان، يبدو الاعتماد على الاستراتيجيات العسكرية التقليدية غير كاف بشكل متزايد.

والحل النووي التكتيكي الذي استخدم خلال الحرب الباردة يبدو الآن قديما وخطيرا، وفق تحليل لمجلة تايم. 

ومع ذلك، فإن النجاح غير المتوقع لأوكرانيا في صد القوات الروسية باستخدام مجموعة هائلة من الطائرات المسيرة يكشف عن أبرز ملامح حروب المستقبل.

وقد يؤدي الوضع المتوتر بين الولايات المتحدة والصين إلى اندلاع حرب حول تايوان. وتعززت هذه المخاوف بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، للجزيرة في عام 2022، والتي زادت من حدة التوترات بين البلدين.

السلطات الأوكرانية وسعت مشاريع تطوير إنتاج المسيرات ـ صورة أرشيفية

وتايوان تحكم نفسها بشكل مستقل عن الصين منذ عام 1949، لكن بكين تعتبر الجزيرة جزءا من أراضيها، وتعهدت "بتوحيد" تايوان مع البر الرئيسي، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة.

في الوقت نفسه، شهدت التوترات تصاعدا كبيرا بعدما فاز الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي يدعم استقلال تايوان، بولاية ثالثة على التوالي في عام 2024، في حين كثفت بكين ضغوطها السياسية والعسكرية على تايبيه.

ولذلك فإن الولايات المتحدة تستعد لسيناريوهات قد تحدث في أي لحظة، خاصة أن هناك بقعا أخرى من العالم تشهد توترا وجبهات عسكرية، وهو ما يرفع من مستويات القلق الدولي في بحر الصين الجنوبي.

وفي أبريل قال أكبر مسؤول عسكري ألماني إن روسيا قد تكون مستعدة عسكريا لمهاجمة دول حلف شمال الأطلسي في غضون خمس إلى ثماني سنوات إذا اختارت ذلك، بمجرد إعادة بناء قواتها المتضررة من تأثير حرب أوكرانيا.

الجيش الأوكراني يعتمد على أسراب من الطائرات المسيرة لصد القوات الروسية وتوصيل الإمدادات. أرشيفية - تعبيرية

وقال الفريق أول، كارستن بروير، للصحفيين خلال زيارة لبولندا: "بحلول ذلك الوقت، وبناء على تحليلنا، ستكون روسيا قد أعادت بناء قواتها إلى درجة تجعل شن هجوم على أراضي حلف شمال الأطلسي أمرا ممكنا".

وأثار غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 أعمق أزمة في علاقات موسكو مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

تركيا من الدول الرائدة في صناعة الطائرات المسيرة الحربية ثورة الدرونز الأوكرانية

كاتبا التحليل، لورينز ماير، رئيس مؤسسة DroneCode ويحمل درجة الدكتوراه في هندسة الطائرات بدون طيار، ونيال فيرغسون، زميل بارز في جامعتي ستانفورد وهارفارد، يقولان إنه عندما أطلقت روسيا غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، لم يكن بإمكان أحد التنبؤ بحجم المقاومة التي ستبديها أوكرانيا.

ورغم ذلك، لم تقم أوكرانيا فقط بصد الهجوم الأولي، بل تمكنت أيضا من الحفاظ على دفاعها ضد ما كان يُعتبر في السابق ثاني أقوى جيش في العالم.

وكان أحد العوامل الأساسية في هذا النجاح هو استخدام أوكرانيا الرائد للطائرات المسيرة، مما أدى إلى تشكيل فرع عسكري جديد أطلق عليه "قوات الأنظمة غير المأهولة في أوكرانيا".

ويمثل هذا الابتكار، وفق المجلة، تحولا كبيرا يشبه إلى حد كبير إنشاء سلاح الجو الملكي البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، والذي غير مسار الحرب الجوية.

دخلت الصين أيضا مجال المنافسة على قوة الطائرات المسيرة

ونشر أوكرانيا للطائرات المسيرة غيّر المعادلة على أرض المعركة بشكل جذري. ولم تقم هذه الطائرات بصد الهجمات الآلية المدرعة الكبيرة فحسب، بل شلت أيضا القدرات البحرية الروسية، بما في ذلك أسطول البحر الأسود.

ويشير الكاتبان إلى أن استخدام كييف الاستراتيجي لأسراب الطائرات بدون طيار سمح حتى بشن هجمات مفاجئة في عمق الأراضي الروسية، مما يثبت فعالية الأنظمة غير المأهولة في الحروب الحديثة.

استجابة الولايات المتحدة

واعتمادا على التجربة الأوكرانية، فإن تحليل مجلة تايم يشير إلى أن حلف الناتو والولايات المتحدة يمتلكان حاليا ترسانات طائرت مسيرة صغيرة نسبيا، لذا فإن التغيير يلوح في الأفق.

ويشير التحليل إلى استراتيجية "مشهد الجحيم" للقيادة الأميركية في منطقة المحيط الهادئ، والتي تهدف إلى ملء المياه المحيطة بتايوان بعشرات الآلاف من السفن والطائرات غير المأهولة للتصدي لأي هجوم صيني محتمل.

وبالمثل، فإن مبادرة "النسخ المتماثل" التي أطلقتها وزارة الدفاع الأميركية تهدف إلى تأسيس قاعدة تصنيع قوية قادرة على إنتاج الطائرات المسيرة على نطاق واسع.

لكن هذه المبادرات تمثل فقط البداية، وفق المحلة، فتجربة أوكرانيا تظهر أن الطائرات المسيرة تقدم رادعا حقيقيا للقوات البرية والبحرية على حد سواء.

وعلى عكس الأسلحة النووية، فإن الطائرات المسيرة لا تنتج تداعيات كارثية، لكنها يمكن أن توفر رادعا تكتيكيا مماثلا، كما يعتقد مايرز وفيرغسون.

ومع ملايين الطائرات المسيرة، يمكن لدولة ما أن تتصدى بفعالية لهجوم آلي مدرع أو حصار بحري، تماما كما فعلت أوكرانيا ضد روسيا.

تقول التقديرات إن القوة التقليدية لن تكون كافية في حرب المستقبل خاصة إذا اندلعت في بحر الصين الجنوبي مستقبل الحرب: تبني الأنظمة غير المأهولة

ويشير تحليل المجلة إلى أن تداعيات نجاح أوكرانيا في استخدام الطائرات المسيرة عميقة على المعدات العسكرية التقليدية. وكما تطورت الطائرات في الحرب العالمية الأولى من طائرات بسيطة إلى الطائرات النفاثة الحديثة، فإن الطائرات المسيرة التي تستخدمها أوكرانيا وروسيا الآن هي البدايات لموجة جديدة من الأنظمة غير المأهولة المتقدمة.

هذه الطائرات الجديدة، بما في ذلك الطائرات "عميقة الضربات"، لديها القدرة حتى على التغلب على أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا.

وفي مجال الحروب البحرية، تظهر الطائرات المسيرة أنها قادرة على جعل السفن الكبيرة، بما في ذلك حاملات الطائرات، قديمة وغير فعالة.

ولأول مرة في التاريخ، تقوم كل من أوكرانيا وروسيا ببناء الطائرات المسيرة على نطاق صناعي.

الصين تجهز ترسانتها البحرية استعدادا لغزو تايوان خلال بضعة سنوات بحسب توقعات خبراء.

وبحلول نهاية عام 2024، من المرجح أن يشهد العالم لأول مرة، أسرابا من الطائرات المسيرة يتم توجيهها بواسطة عدد قليل من المشغلين، مع الاعتماد على التحكم الأرضي بشكل أقل.

التكيف الأميركي

يقول، الكاتبان مايرز وفيرغسون إن على الولايات المتحدة أن تدرك التحول الذي لا يمكن إيقافه نحو الحرب غير المأهولة، كما أظهرت أوكرانيا.

ويضيفان أن مبادرة "النسخ المتماثل" وخطة "الجحيم" هما خطوات مهمة، لكن يجب توسيع نطاقهما لإنشاء قوات الأنظمة غير المأهولة في أميركا.

ويؤكد كاتبا التحليل أن عدم التكيف قد يؤدي إلى فشل كارثي في الردع، مما يترك الرئيس الأميركي المقبل يواجه عواقب الاستراتيجيات العسكرية القديمة.

كما يشيران إلى أن الدرس المستفاد من أوكرانيا واضح "مستقبل الحرب هو قوة الطائرات غير المأهولة، والوقت للاستعداد هو الآن".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الأنظمة غیر المأهولة الطائرات المسیرة الولایات المتحدة أوکرانیا فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

انتهاء حرب روسيا وأوكرانيا: هل يدفع العراق ثمن تركيز ترامب على إيران؟

25 فبراير، 2025

بغداد/المسلة: يترقب العالم تطورات حرب روسيا وأوكرانيا مع توقعات بقرب انتهائها، ويبرز ذلك تأثيرات محتملة على العراق في ظل التوجهات الأمريكية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب.

ويرى المحللون أن ترامب يسعى لإنهاء النزاعات الدولية الكبرى، بما فيها هذه الحرب، لتوجيه تركيزه نحو ملف إيران النووي والإقليمي.

ويعتبر هذا التوجه بمثابة تحول استراتيجي قد يضع العراق في دائرة ضغوط جديدة، خاصة مع علاقاته الاقتصادية والسياسية الوثيقة بطهران. فكيف ستتأثر بغداد بهذا السيناريو؟

يتوقع الخبراء أن يضغط ترامب على العراق لتقليص تعامله مع إيران، ويربط ذلك بفرض عقوبات محتملة إذا استمر النفوذ الإيراني في البلاد دون تغيير. وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة قد تستخدم أدوات اقتصادية وعسكرية لتحقيق هذا الهدف، مستفيدة من استقرار الوضع في أوكرانيا لتفرغ جهودها للملف الإيراني.

ويبدو أن الفصائل الموالية لإيران في العراق لن تكون بمنأى عن هذه الخطط، حيث قد تتعرض لضغوط مباشرة أو غير مباشرة للحد من نشاطها.

ويؤكد هذا التحليل أن ترامب يهدف إلى ترتيب الأولويات الدولية لضمان هيمنة أمريكية أقوى في الشرق الأوسط.

واستقرت أسعار النفط مؤخراً عند مستويات تتراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل، ويعزو المستثمرون ذلك إلى تفاؤل حذر بانتهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ويربط المراقبون بين هذا الاستقرار وبين خطط ترامب لاستئناف تصدير النفط من حقول كردستان العراق، التي توقفت منذ مارس 2023 بسبب نزاعات قانونية مع الحكومة الاتحادية في بغداد.

ويُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من استراتيجية أمريكية لتعزيز الموارد النفطية تحت سيطرتها، مما قد يُستخدم كأداة ضغط اقتصادي على إيران. ويدعم ذلك تصريحات مسؤولين أمريكيين سابقين أشاروا إلى نية ترامب للسيطرة على نفط كردستان كخطوة “سهلة” لخنق طهران.

ويحذر الاقتصاديون من أن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط بنسبة تصل إلى 15-20%، نتيجة عودة الإمدادات الروسية الكاملة إلى الأسواق العالمية. ويؤثر ذلك مباشرة على العراق، الذي يعتمد على النفط بنسبة تزيد عن 90% من إيراداته العامة، حيث سجلت هذه الإيرادات نحو 130 مليار دولار في 2022 عندما كانت الأسعار مرتفعة.

ويرى المحللون أن تراجع الأسعار سيضعف الاقتصاد العراقي، مما يجعل البلاد أكثر عرضة للضغوط الأمريكية لتغيير سياساتها تجاه إيران. ويبرز هنا سؤال: هل ستتمكن بغداد من تحقيق توازن بين مصالحها الوطنية ومتطلبات واشنطن؟

ويعتقد المراقبون أن ترامب يخطط لحسم الملف النووي الإيراني، سواء عبر مفاوضات صارمة أو خيارات عسكرية مثل القصف، بعد أن يستقر الوضع في أوكرانيا. ويظهر ذلك في تصريحاته السابقة خلال حملته الانتخابية لعام 2024، حيث وعد بـ”إنهاء الحروب” للتركيز على “التهديدات الكبرى”. ويُحتمل أن يشمل هذا التصعيد استهداف حلفاء إيران في المنطقة، بما في ذلك العراق، حيث ينشط الحشد الشعبي والفصائل المسلحة الأخرى. ويشير هذا إلى أن العراق قد يجد نفسه في مواجهة معادلة صعبة: إما الامتثال لترامب أو مواجهة تبعات اقتصادية وسياسية قاسية.

ويبدو أن ترامب يتبنى نهجاً براغماتياً يجمع بين الحسم العسكري والضغط الاقتصادي لتحقيق أهدافه. ويُظهر تاريخه في التعامل مع إيران، كما في اغتيال قاسم سليماني عام 2020، استعداده للمخاطرة بخطوات جريئة. ويؤكد هذا أن العراق قد يصبح ساحة صراع غير مباشر، حيث ستحاول واشنطن عزله عن طهران بأي ثمن. ومع ذلك، قد يواجه ترامب تحديات داخلية في العراق، حيث يمتلك الحشد الشعبي دعماً شعبياً وسياسياً قوياً، مما قد يعقد خططه.

وتظل القدرة العراقية على الموازنة بين إيران والولايات المتحدة عاملاً حاسماً في استقرار البلاد خلال الفترة القادمة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • المغرب يدق ناقوس الخطر بشأن انتشار الأسلحة في إفريقيا ويدعو لتحرك دولي عاجل
  • الأمن العام: نقل السلاح المرخص خارج المملكة مخالفة تستوجب العقوبة
  • انتهاء حرب روسيا وأوكرانيا: هل يدفع العراق ثمن تركيز ترامب على إيران؟
  • إيران تحت المجهر.. تصدير الطائرات المسيرة وتأثيرها على الأمن الدولي
  • نواف سلام: السلاح وقرار الحرب بيد الدولة اللبنانية.. وحزب الله يمنح الثقة
  • مجلس الأمن يوافق على قرار أميركي لإنهاء حرب أوكرانيا
  • «القاهرة الإخبارية»: العالم على حافة الهاوية النووية.. تصعيد غير مسبوق في سباق التسليح «فيديو»
  • العالم على حافة الهاوية النووية.. تصعيد غير مسبوق في سباق التسليح
  • عراقتشي: الأسلحة النووية التي يملكها العدو الصهيوني تشكل أكبر تهديد للأمن
  • المفوضية الأوروبية: أوكرانيا تستفيد من خطتنا لزيادة إنتاج الأسلحة