نحنُ لا نمشي فحسب، بل نُخبر الأرض بأسرار خطواتنا، نُعيد ترتيب شيء ما في أنفسنا، المشي ليس رياضة جسدية تقتصر على تحسين العمليات الفيسلوجية، إنما كون نتحرك بداخله ويتحرك بداخلنا. المشي سرّ لإيجاد مالم يطرأ مُسبقًا في أذهاننا، باب لتأمل ما فاتنا طويلًا في ضجيج الحياة. المشي فكرة لصُحبة النفس والولوج بداخلها ببطء، معنى يقوم عليه النشاط النفسي.
ينصح الأطباء بالمشي, ومن هم مختصون باللياقة القلبية كذلك، لخسارة الوزن أو لمعالجة أمر ما، الجميع ينصح بالمشي. ضرورة تحريك الجسد مرتبط بعوامل أخرى، فالانسان كله ترابط، جسده وعقله وروحه.
الحركة ليست فكرةً عبثية، إنها أصل كل شيء. المشي دواء وفن.
يتعب الجسد عندما نهمله، وليس العكس، قد يخمل ويثقل بسبب قله الحركة، إنه يوجه لنا رسالة يحتاج فيها أن يبعث من جديد.
تتعدّد أفكار المشي في حاضرنا الذي قد يختلف عن الزمان الماضي.
المشي للحديقة في عصر يوم هادئ بصحبة من تحب.
المشي إلى البقالة لشراء أغراض المنزل.
المشي نحو فكرة عجز العقل عن التقاطها.
المشي في أروقة الجامعة.
تهتم بعض المدن في حاضرنا بعمل مبادرات تشجع
على المشي في مسارات مخصصة، مممّا أسهم في زيادة الوعي.
قديما للعرب تاريخ مذهل في المشي، وكجزء مهم من هذه الثقافة، التنقل بين المدن كان مشياً، وفي الطقوس الدينية كذلك. للمشي مكانه خاصة، كالحج والعمرة جميعها تتم سيراً على الأقدام.
المشي ليس وسيلة تنقل فحسب، إنه تجربة روحانية.
يحكي هاروكي موراكامي تأملاته وسيرته في كتابه ما أتحدث عنه عندما أتحدث عن الجري : فيما فعله الجري في مساعدته على بناء روتينه وانضباطه حتى في الكتابة والتحدّيات التي استطاع التخفُّف منها بعملية الجري والاستمرار عليه؛ مما أسهم في توازنه النفسي.
اركض، أوامشِ إن شئت، فالعوالم هنالك لا تنتهي.
iil9s@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
الحركة الشعبية والدعم السريع- رؤى متضاربة وصراع المصير
زهير عثمان
تشهد الساحة السودانية تصاعداً في تعقيد الصراعات السياسية والعسكرية، حيث تُعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وقوات الدعم السريع فاعلين رئيسيين في المشهد السوداني. ورغم اختلاف أهدافهما وسياقاتهما، يتشاركان النفوذ العسكري والسياسي. يُثير هذا التساؤل حول مصير البلاد إذا ما قررت الحركة الشعبية إعلان حكومة في مناطق نفوذها، وما قد يعنيه ذلك على المستويين الداخلي والإقليمي.
الفروق الأساسية بين الحركة الشعبية والدعم السريع
الأيديولوجيا والأهداف
الحركة الشعبية لتحرير السودان , تعتمد الحركة على رؤية سياسية واضحة تُعرف بـ"السودان الجديد"، التي تسعى لإعادة تشكيل الدولة السودانية على أسس المواطنة والمساواة واحترام التنوع. تهدف إلى إنهاء التهميش التاريخي لمناطق مثل جبال النوبة والنيل الأزرق.
الدعم السريع وطرحه نعلم انها تفتقر قوات الدعم السريع إلى أيديولوجيا متماسكة أو رؤية سياسية طويلة المدى. يُنظر إليها كقوة عسكرية تهدف إلى تعزيز نفوذ قيادتها، وعلى رأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع التركيز على تحقيق مكاسب تكتيكية بدلاً من طرح مشروع وطني شامل.
القاعدة الشعبية والجغرافية
الحركة الشعبية اسست والان تمتلك قاعدة شعبية راسخة في المناطق المهمشة مثل جبال النوبة والنيل الأزرق، وتطرح نفسها كممثل للمهمشين والمظلومين في السودان.
الدعم السريع قاعدته الأساسية في دارفور مع توسع نفوذها إلى مناطق أخرى، لكنها تُعتبر أكثر ارتباطاً بالبُنى القبلية والمصالح الاقتصادية لقادتها.
الشرعية والممارسات
الحركة الشعبية بالرغم تعرضها لانتقادات في قضايا كثيرة مثل علمانية الحكم والحقوق المدنية ، إلا أنها تُعتبر فاعلاً سياسياً مشروعاً يسعى إلى تغيير بنية الدولة السودانية.
الدعم السريع يواجه انتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتمادها على القوة العسكرية المفرطة في حروبها كلها .
إعلان حكومة من قبل الحركة الشعبية: السيناريوهات والتداعيات
الأثر على وحدة السودان
إعلان حكومة في مناطق نفوذ الحركة الشعبية سيُعيد إلى الأذهان تجربة جنوب السودان. قد يُعزز ذلك الشعور بانعدام الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة، ويُؤدي إلى مزيد من الاستقطاب.
التحديات الداخلية
الاعتراف الدولي أول ما ستواجه الحركة تحدياً كبيراً في الحصول على اعتراف دولي بحكومتها.
الخدمات والبنية التحتية: تعتمد هذه المناطق على المركز في تقديم الخدمات، ما يعني أن إعلان حكومة سيضع عبئاً هائلاً على موارد الحركة.
التداعيات الإقليمية
التدخل الإقليمي وقد يدفع إعلان حكومة دول الجوار مثل إثيوبيا وجنوب السودان إلى اتخاذ مواقف متباينة، بناءً على مصالحها.
التوازنات الجيوسياسية سيُربك ذلك حسابات القوى الدولية والإقليمية لفترة وخاصة التي تسعى لاستقرار السودان.
مقارنة مع تجربة الدعم السريع
إذا كانت قوات الدعم السريع تُركز على تثبيت نفوذها داخل النظام الحالي، فإن الحركة الشعبية قد تسعى لتأسيس كيان مستقل تماماً. الفرق الجوهري هو أن الدعم السريع لا يمتلك مشروعاً سياسياً متكاملاً، بينما للحركة الشعبية رؤية تتجاوز حدود السلاح.
وفي حال أعلنت الحركة الشعبية حكومة في مناطق نفوذها، سيشكل ذلك تحولاً جذرياً في المشهد السياسي السوداني. بينما تظل احتمالات نجاحها مرتبطة بقدرتها على كسب الاعتراف الدولي والتعامل مع تحديات داخلية معقدة. ومع ذلك، يبقى الحل الأمثل هو السعي نحو تسوية سياسية شاملة تُعالج جذور الأزمات السودانية وتجنب البلاد سيناريوهات التفكك والمزيد من الصراع.
zuhair.osman@aol.com