لجريدة عمان:
2024-09-10@22:11:11 GMT

الوحشية الصهيونية

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

حينما نصف الصهيونية بالوحشية، فإننا بذلك نصدر حكمًا أخلاقيًّا مشينًا على أولئك الذين يُسمون بالصهاينة. وهنا لا بد أن نفرق منذ البداية بين الصهيونية واليهودية؛ ثم بين الصهاينة واليهود بما هم يهود. ذلك أن أكثر الناس يخلطون بين هاتين الصفتين: فاليهود هم من يدينون بالديانة اليهودية من بني إسرائيل، وهؤلاء أهل كتاب؛ فكتابهم هو التوراة، مثلما أن الإنجيل هو كتاب المسيحيين، والقرآن هو كتاب المسلمين؛ ودع عنك الخلافات حول شكل الكتاب وأسلوب تنزيله ومدى موثوقية حفظه بصورته الأصلية.

أما الصهيونية فهي أيديولوجية سياسية معاصرة التحفت بالدين أو قامت باستدعاء رمزية دينية قديمة بهدف اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود. وصهيون تل في القدس احتله داود واتخذه حصنًا، وتحول فيما بعد إلى مكان مقدس عند اليهود يُعرَف بالهيكل أو المعبد الذي يسكنه الرب فيما اعتقد اليهود وروجوا له من أساطير؛ ولذلك سمى الصهاينة ما حوله من الأرض بأرض الميعاد.

وعلى الرغم من أن خلفاء داود قد طُردوا أكثر من مرة من الأرض التي احتلوها، فقد ظلوا يحلمون بالعودة إليها. وهكذا فإن الصهاينة هم اليهود الذين قاموا بتوظيف رمزية دينية قديمة للاستيطان في أرض فلسطين، وهذا هو المشروع الصهيوني الذي أسسه تيودور هرتزل، بناءً على وعد بلفور، وهو الوعد الذي جسد رغبة المحتل الإنجليزي في زرع الكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الكيان ذراعًا للغرب يدعمه بالمال والسلاح، وشيئًا فشيئًا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي رأس الحربة في هذه المنظومة العدوانية، بل أصبحت هي الراعي الرسمي المعلن للكيان الإسرائيلي الذي أصبح بدوره الوكيل المعتمد لممارسة الإمبريالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط: فإسرائيل هي القاعدة العسكرية الأمريكية الكبرى في هذه المنطقة أو هي كما قال الفيلسوف جارودي في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»: حاملة طائرات نووية أمريكية في شرق المتوسط. وكل هذا قد أسهم بوضوح في تنامي روح العدوان في نفوس الصهاينة، ما داموا يجدون هذه الحماية الجبارة. وأنا أقول عبارة «تنامي روح العدوان» عن قصد؛ بهدف التأكيد على أن هذه الروح في الاعتداء على الغير واحتلال أرضه والإصرار على العودة إلى تلك الأرض باختلاق تصورات ورموز دينية كغطاء لهذا العدوان، هي روح متأصلة في تاريخ اليهود (بينما اليهود المؤمنون حقًّا يؤمنون بأن الشتات قدرهم، وبأن وعد الله لهم لن يتحقق إلا في نهاية التاريخ!).

وحشية الصهاينة في العدوان والقتل والتدمير قد بلغت أوجها، وأصبحت تستولي علينا أو على كل نفس لا يزال فيها ضمير حي أو شيء من الإنسانية. ومهما حاولنا أن ننصرف عن هذا الموضوع إلى غيره، نجد أنه يلح علينا بحيث لا يمكن تجاهله أو نسيانه بحكم اعتياده.

أعلم أن الكتابة لا تغير شيئًا في الأوضاع الراهنة، ولكنها على الأقل يمكن أن تغير شيئًا في نفوسنا بحيث لا ننسى وضعنا الوجودي، وبحيث يمكن أن تدعم مواقف المقاومة لعدوان ووحشية الاحتلال. بطبيعة الحال، فإنني لا أقصد بذلك مقالي هنا، وإنما أقصد كل مقال وكل كتابة تدعم هذا الاتجاه بحيث تشكل ظهيرًا للمقاومة على الأرض. ولا ينبغي أن يفت في عضد نفوس الشرفاء حول العالم ذلك التصفيق الذي ناله رئيس وزراء هذا الكيان الصهيوني في الكونجرس الأمريكي أكثر من سبعين مرة، فمواقف الساسة- حتى إن كانت حقيقية وليست مزيفة أو مدبرة- هي مواقف تعبر عن الدولة والمصالح والرشاوى أحيانًا بسائر أنواعها، وهي تختلف تمامًا عن مواقف الناس والشعوب؛ وهذا ما رأيناه بالفعل مؤخرًا في مواقف شباب الجامعات المناهض للعدوان الإسرائيلي على أهل غزة، سواء في الجامعات الأمريكية أو غيرها من الجامعات الأوروبية. ولكن الحقيقة المؤكدة هي أن العدوان الصهيوني هو في المقام الأول عدوان أمريكي، بدعم أمريكي وبأسلحة أمريكية.

لا يمكن لنفس بشرية سوية أن تصمت عما تراه من وحشية لا تعرفها سوى الوحوش والمفترسات التي تنقض على فرائسها وتنهشها من دون رحمة. ولكن الوحوش- والحيوانات عمومًا- لا تُسأل عما تفعل؛ لأنها تتصرف وفقًا لغرائزها ومنطق وجودها الذي يجعلها تتغذى بعضها على بعض؛ فلا يُقال للنمر: كان ينبغي أن تترفق بفريستك؛ لأنه يفتقر إلى العقل والضمير؛ ومن ثم يفتقر إلى الأخلاق، ولا يُسأل عنها. فما بالك حينما ترى أناسًا في هيئة البشر لا يمارسون حربًا، وإنما يمارسون وحشية القتل المتعمد للمدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال، بل أحيانًا لكل موجود بشري يتحرك على الأرض في نوع من الإبادة البشرية، وهي الجريمة التي أقرتها محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.

وحشية العدوان الإسرائيلي غير مسبوقة في التاريخ الإنساني المعاصر على الأقل، ولا نجدها حتى في ممارسات النازية بذلك النحو من البشاعة والتكرار في القتل على الهوية. ومما يدعو إلى الدهشة بروح الأسى على البشر أن أولئك اليهود/ الصهاينة الذين طالما اشتكوا من محرقة النازية لهم المعروفة باسم «الهولوكوست»، والذين طالما ولا يزالون يتاجرون بها، هم أنفسهم الذين يمارسون يوميًّا محارقَ للأبرياء من البشر بمن فيهم الأطفال والرضع الذين يحاول أهلهم حمايتهم من نيران العدو داخل المدارس المدمرة وما شابهها مما يظنونها أماكنَ آمنة. ولكن العدو الوحشي لا يعبأ بشيء من ذلك: فهو لا يعرف شيئًا عن أخلاقيات الخصومة والحرب، بل لا يعرف شيئًا عن الإنسانية نفسها، ولا يتصف بشيء من صفاتها وطبائعها. يكفي هنا أن أذكر مثالًا واحدًا: مشهد الرجال والشباب الذين يجمعون أشلاء وكتل اللحم البشري للأبرياء من ذويهم في جرادل وجوالات؛ وهو مشهد تكرر مرات عديدة آخرها ما جرى في مدرسة التابعين، حيث قصف العدو بلا رحمة عند الفجر أبرياء من المصلين والنائمين. هذا الوصف لمآسي البشر الأبرياء يفوق حتى خيال شوبنهاور في تصويره لمآسي الوجود البشري.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذین ی

إقرأ أيضاً:

من هم الذين يريدون انهاء دور القضاء العراقي؟

‫ بقلم‬ : د. سمير عبيد ..

‫تمهيد .. مهم جدا‬!
‫أ‬:قبل ان يتحامل علينا البعض، وقبل ان تنهشنا الجيوش الإلكترونية التابعة لخصوم القضاء والعدل والقانون نُثبت الحقائق وبكل حيادية ومهنية . فالقضاء العراقي مؤسسة رسمية تعمل في العراق وضمن هيكلية النظام الجديد في العراق .وبالتالي هو ليس مكاناً للملائكة لانه يعمل في بلدٍ تعرض ويتعرض إلى أزمات داخلية بحتة,وازمات مرتبطة بأزمات اقليمية ودولية انعكست وتنعكس على جميع مفاصل الدولة والمجتمع” ثم القضاة بشر” يصيبون ويخطئون ولدى بعضهم نقاط ضعف مثل جميع البشر .وبالتالي فالقضاء العراقي فيه خروقات وفيه ثغرات وفيه نفوس ضعيفة على مستوى القضاة والمحققين ناهيك ان (الادعاء العام ليس بالمستوى المطلوب أبدا) ولكن القيادة القضائية بقيادة القاضي الدكتور فائق زيدان عمل ويعمل في مشروع تجديد وتنقية القضاء وقطع شوطاً كبيرا ويحتاج الدعم من الشعب ومن الإعلام ومن الحكومة.
‫ب‬:ولكن على المستوى العام هو مؤسسة قانونية وعدلية عليا وقامت بادوار جبارة لصالح بقاء الدولة وتماسك المجتمع .وفيه قامات قضائية تخجل النزاهة من نزاهتها .وقدمت هذه المؤسسة “القضاء”تضحيات جسيمة طيلة ال21 سنة الماضية .ولعب القضاء دورا مهما في منع انهيار المجتمع والدولة(وللامانة لم يبق للعراقيين ملاذاً وحائطاً يحمي ظهورهم غير القضاء)فحذاري من التهاون في مخطط اسقاط القضاء والمؤسسة القضائية.ففي هذه الحالة ( لا سمح الله) سوف يدخل العراق في مرحلة “الصوملة أو الأفغنة”وحينها ستعم ثقافة القتل وفوضى في القيم والأعراف والاخلاق وفي المنظومة الاخلاقية داخل المجتمع!
‫من‬ هم اعداء القضاء العراقي؟
مثلما أسلفنا فالقضاء العراقي تعرض ويتعرض إلى عملية تشويه محلية ودولية مُنسّقه لإفشاله وتسقيطه وتسقيط رموزه ،ومن ثم تحويله لقضاء متقاعس وفاشل. ولكن من هم الذين يريدون افشال القضاء العراقي؟
‫أولا‬:هناك دول ومؤسسات مالية وبنوك في المنطقة “في دول” هُربت لها اموال ضخمة عائدة للفاسدين في العملية السياسية فتعمل على افشال وتعويم القضاء العراقي لكي يتوقف عن مشروع استرداد الاموال المنهوبة سواء كانت تابعة للنظام السابق او لنظام اللصوص مابعد عام ٢٠٠٣.فهذه الجهات بذخت وتبذخ اموال طائلة وهدايا لصحفيين وإعلاميين ولحيوش إلكترونية لتسقيط القضاء ورموز القضاء والهاء القضاء
‫ثانيا‬:هناك جهات سياسية داخل العراق ومعهم شبكة فاسدين” ساسة ،ورجال دين ،ونواب، وإعلاميين، ومقاولين، وقادة عسكريين وامنيين” نافذين عملوا ويعملون على تعويم القضآء باختلاق عشرات القضايا الفرعية لإشغال القضاء ،وخلق ازمات وخروقات امنية متعمدة لإلهاء القضاء عن فتح ملفات الفساد.وحال ما يتحرك القضاء بهذا الاتجاه يحاولون تعطيله بخلق الأزمات للقضاء او تسقيط قضاة او شراء ذمم بعض القضاة والمحققين،او خلق ازمات بين الجهات الرقابية لتعطيل عملها وتشويه القضاء .او تهريب المتهمين لاحراج القضاء ومثلما حصل مع المتهم نور زهير ( رأس الحربة بسرقة القرن ) .. الخ !
‫ثالثا‬:هناك جهات سياسية لازالت لديها صلات مع تنظيمات ارهابية ومع دول داعمة للتنظيمات الارهابية وحتى مع تنظيمات محظورة مثل تنظيم حزب البعث تعمل سراً على نشر الفوضى من جهة ، والانتقام من القضاء ورموزه من جهة اخرى لان القضاء ومثلما اكدنا الحصن المتبقي للشعب والدولة. وتلك الجهات تعتبر القضاء ورموزه اعداء وخصوم لانهم وقفوا بوجه الأرهاب ولانهم اصدروا احكام ثقيلة ضد الأرهابيين وقادة التنظيمات الأرهابية وضد قادة تنظيمات حزب البعث. وهناك سياسيين ونواب دخلوا العملية السياسية بدعم سري من تنظيمات أرهابية ودعم جهات محظورة مثل حزب البعث وللاسف (بمساعدة شيعة بريمر) لديهم واجبات افشال النظام السياسي من جهة ولديهم ملفات سوداء في القضاء من جهة اخرى فيحاولون تسقيط وتشويه وتعطيل القضاء لكي لا تفتح تلك الملفات السوداء ولكي يسقط آخر حصن متبقي للعراقيين!
‫الكرة‬ بملعب القضاء نفسه!
نعتقد هي فرصة تاريخية للقضاء العراقي ان يوقف ويُسقط جميع المجاملات والمحسوبيات مع رموز النظام السياسي الذي باتَ يترنح ومعزول عن الشعب. ويستعد القضاء من الآن لمرحلة جديدة عنوانها ( الضرب بيد من حديد ضد الفساد وضد الفاسدين، وضد من اخترق ويخترق القضاء، وضرب القضاة والمحققين الذين سقطوا في فخ المجاملات والمحسوبيات والفساد).. فالقضاء العراقي وقفت عند بابه هذه الايام الفرصة التاريخية، ووقفت امام مكتب رئيسه القاضي الدكتور فائق زيدان فرصة تاريخية لن تتكرر وعليه اغتنامها برفع شعار الضرب بيد من حديد ليكون بطلا قوميا ويكون هو رمز من رموز الإصلاح والتغيير ومثلما فعل ( القاضي عدلي منصور ورفاقه القضاة في مصر ) والذين دخلوا التاريخ الوطني وخلدوا للأبد!
——
(حفظ الله العراق والعراقيين )
سمير عبيد
٧ ايلول ٢٠٢٤

سمير عبيد

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تنشر فيديو النفق الذي قُتل فيه الرهائن
  • الحكيم يطالب بموقف إسلامي وعربي حازم تجاه المجازر الوحشية لإسرائيل
  • الرشق: ادعاءات العدو حول مطالب جديدة لحماس كاذبة وتهدف لعرقلة المفاوضات: ارتفاع حصيلة شهداء حرب الابادة الصهيونية على غزة إلى 40988 شهيداً جلهّم اطفال ونساء
  • الخارجية العمانية تدين العدوان الصهيوني الذي استهدف الأراضي السورية
  • عشرات المستوطنين الصهاينة يدنسون المسجد الأقصى المبارك
  • عاجل| من هم التجار الذين رفعوا أسعار البيض لمستويات قياسية؟
  • لهذه الأسباب وغيرها لا يريد الغرب الاعتراف بجرائم الصهاينة
  • الصحة تكشف نسبة الأطفال الذين تلقوا لقاح شلل الأطفال في غزة
  • من الذي سمى الرسول باسم "محمد"؟
  • من هم الذين يريدون انهاء دور القضاء العراقي؟