لجريدة عمان:
2024-09-10@22:09:58 GMT

ماذا بعد سقوط الإعلام الدولي؟

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

حتى وقت قريب كنا ننظر إلى الإعلام الدولي باعتبار أنه يشمل فقط وسائل الإعلام التي يتخطى توزيعها أو إرسالها الحدود الوطنية، وبوجه عام الوسائل التي تستهدف الجمهور العالمي سواء كانت صحفًا أو مجلات أو محطات إذاعية وتلفزيونية.

ووفقًا لـ«توماس ماكفيل» في كتابه الشهير «الإعلام الكوني» الذي سبق أن ترجمته إلى العربية بالاشتراك مع المكرم الدكتور عبدالله الكندي، فإن الإعلام الدولي «يركز بشكل أكبر على الجوانب العالمية لوسائل الإعلام والأنظمة الاتصالية والتكنولوجية أكثر من التركيز على الجوانب المحلية أو حتى الوطنية»، وفي إطار هذا التصنيف تمتعت بعض الوسائل الأمريكية والغربية تحديدا وعلى مدى سنوات طويلة وتحديدا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بنفوذ عالمي واسع، وكان لبعضها تأثير واضح في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، كما كان لها تأثير على صانع القرار في غالبية دول العالم، ومن المقولات المتواترة والمتكررة في هذا الصدد والتي تناقلها الدارسون والباحثون في الإعلام أن قادة كثر في العالم كانوا ينتظرون وصول نسخ المجلتين الأمريكيتين الأسبوعيتين «التايم» و«نيوزويك» ليتعرفوا منهما على اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية، وكواليس المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها، وتطورات ومآلات القضايا العالمية الكبرى.

كنا أيضا في ذلك الوقت ننظر بتقدير شديد لحجم الحرية الذي تتمتع به بعض الصحف والمجلات العالمية مثل «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» و«الواشنطن بوست» في الولايات المتحدة، و«التايمز» و«الجارديان» و«التلغراف» في بريطانيا، و«لوموند» و«ليبراسيون» و«لفيجارو» في فرنسا، و«دير شبيجل» في ألمانيا، وبعض المحطات التلفزيونية مثل سي إن إن، حتى أن زعماء كثر في دول العالم الثالث ومنها الدول العربية كانوا يهتمون ويحتفون بإجراء الأحاديث المهمة مع هذه الوسائل، ويسعون إلى ذلك سعيا حثيثا، بينما لا يبدون اهتماما كبيرا بالحديث إلى وسائل إعلامهم المحلية.

في العشرين سنة الأخيرة جرت في نهر الإعلام الدولي مياه كثيرة، وتأثر مثل غيره بانتشار وازدهار شبكة الإنترنت وتطور الإعلام الرقمي، التي أسقطت مفهوم الإعلام الدولي التقليدي بعد أن أتاحت الفرصة لكل وسائل الإعلام بأن تكون وسائل دولية سواء من خلال مواقعها الإلكترونية على الشبكة أو من خلال حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة أو تطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بها، ووفقًا لهذا التحول أصبحت الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية والإذاعية في كل دول العالم تقريبًا وسائل إعلام دولية كونها أصبحت متاحة ودون قيود تقريبًا لكل مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم، خاصة مع توفر خاصية الترجمة التي توفرها محركات البحث للمضامين الإعلامية على الشبكة.

سقط إذن مفهوم الإعلام الدولي، وأصبح من الصعب اعتماد التصنيف القديم لوسائل الإعلام إلى محلية وقومية ودولية، وقد سارعت وسائل الإعلام التي كانت تنظر إلى نفسها على أنها وسائل دولية إلى مواكبة التغيرات في بيئة الإعلام الدولي، من خلال تبني سياسات تحريرية جديدة تقوم على تنويع المحتوى ليناسب مناطق العالم المختلفة، وتغيير تبويبها لتشمل تغطية واسعة للشؤون الدولية موزعة على قارات ومناطق العالم، بالإضافة إلى تنويع مواد الرأي لكي تعبّر أكثر عن وجهات نظر متباينة في الأحداث والقضايا المختلفة.

ولعل هذا ما يفسر استمرار نفوذ هذه الوسائل حتى بعد سقوط مفهوم الإعلام الدولي، كما يفسر التباين في الاتجاهات التي يعبّر عنها كُتاب الرأي في الصحيفة الواحدة في الحدث الواحد أو القضية الواحدة. لذلك لا عجب عندما تقرأ على موقع صحيفة مثل «الواشنطن بوست» الأمريكية مقالات تؤيد إسرائيل في عدوانها الغاشم وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها على غزة منذ أكثر من عشرة أشهر، ومقالات مقابلة، ربما في الصفحة نفسها، متعاطفة مع أهل غزة ومطالبة بوقف الحرب ومعاقبة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية.

ماذا فعلت وسائل الإعلام العربية عندما أخرجتها شبكة الإنترنت من إطار المحلية الضيق إلى إطار العالمية الواسع؟ وهل استفادت من وجودها على الشبكة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من القراء في مختلف دول العالم، والتحول إلى وسائل إعلام دولية؟

باستثناءات قليلة جدا تعد على أصابع اليد الواحدة ما زالت الصحافة العربية الرقمية تتحسس طريقها نحو العالمية. تتقدم خطوة وتتراجع خطوات، غير قادرة على الفكاك من أسر الماضي باعتبارها أداة من أدوات السلطة السياسية وذراعا من أذرعها المتعددة، ولم تتخلص من رؤية السلطة لها بأنها صحافة محلية تستهدف الجمهور المحلي، ولا تتطلع إلى الانتشار الدولي الحقيقي الذي يمكن أن تصل من خلاله إلى العالمية، وتصبح ذات حضور مؤثر في تشكيل الرأي العام العالمي نحو القضايا الوطنية والعربية المصيرية وعلى رأسها الصراع العربي-الإسرائيلي.

إن المتابع للشأن الإعلامي العربي يستطيع أن يلحظ أن التأثير العالمي في مجريات الأحداث والقضايا العربية يكاد يقتصر على عدد قليل من المحطات التلفزيونية الإخبارية العربية. وإذا أخذنا الحرب على غزة كمثال، نجد أن استجابة الصحافة العربية لهذه الحرب الهمجية كانت محدودة وغير فعالة على المستوى الدولي، إذ لم تتغير أولويات التغطية الإخبارية في غالبية الصحف والمحطات التلفزيونية العربية، وظلت كما هي تضع الأخبار الرسمية في المقدمة بينما تتأخر أخبار الحرب على غزة وما يرتبط بها من أحداث في الضفة الغربية ولبنان واليمن وإيران إلى مراتب متأخرة. بل إن بعض المحطات العربية الإخبارية تبنت السردية الصهيونية وأصبحت بوقًا للدعاية الإسرائيلية، كما حدث في «مجزرة الفجر» التي وقعت في مدرسة «التابعين»، بحي الدرج شرق مدينة غزة، أثناء تأدية نازحين صلاة الفجر، واستشهد فيها أكثر من مائة شخص، وعلى جانب آخر ما زالت تلك الوسائل تعتمد فيما تنشره عن الأحداث العربية على ما يرد لها من وكالات الأنباء الدولية دون أن يكون لها وجود فعلي ومؤثر على الأرض من خلال المراسلين.

لقد تحولت بعض الصفحات الشخصية والمؤسساتية على شبكات التواصل الاجتماعي إلى وسائل إعلام دولية، خاصة في ظل تراجع غالبية وسائل الإعلام العربية عن القيام بواجباتها في إيصال الصوت العربي إلى العالم. صحيح أن هناك قيودا تفرضها شركات التقنية العملاقة، التي تمتلك وتدير هذه المنصات العالمية، على المحتوى العربي المساند للفلسطينيين والمعادي لدولة الاحتلال، ولكن ما زالت هناك منصات أخرى يتم استخدامها والتحايل على محظورات النشر فيها للتعبير عن دعم المقاومة في غزة والأراضي المحتلة وكشف جرائم إسرائيل وشركائها.

إن تراجع الإعلام الدولي التقليدي وصعود الإعلام الدولي الرقمي البديل يمثل فرصة نادرة وسانحة لحضور إعلامي عربي دولي جديد لم تتمتع به من قبل. على وسائل الإعلام العربية استغلال هذه الفرصة التاريخية، إذا كانت تريد استعادة مكانتها لدى جمهورها في الداخل والخارج. والخطوة الأولى لتحقيق ذلك تتمثل في تغيير أولويات التغطية الإخبارية، وتبني سياسات تحريرية جديدة تعتمد على الاهتمام بالشأن العربي والدولي، والخروج من أسر التبعية لوكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية الدولية التي رغم تنوع محتواها ما زالت تخضع إلى حد كبير للسردية الصهيونية، وثنائية قوى الخير «الغربية» في مواجهة قوى الشر (العربية والإسلامية).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإعلام الدولی وسائل الإعلام دول العالم ما زالت من خلال

إقرأ أيضاً:

"الصحفيين الخليجيين" يوجه بتطوير مهارات طلبة الإعلام والتصدي لحملات الإساءة ضد "دول المجلس"

 

صلالة- الرؤية

عقد مجلس إدارة اتحاد الصحفيين الخليجيين اجتماعه في ولاية صلالة بمحافظة ظفار، وذلك على هامش منتدى الصحافة العماني، وقد ترأس الاجتماع عدنان  خليفة الراشد عضو مجلس الإدارة ورئيس لجنة فض المنازعات ورئيس جمعية الصحفيين الكويتية، نيابة عن عيسى علي الشايجي رئيس مجلس الإدارة والأمين العام للاتحاد ورئيس جمعية الصحفيين البحرينية، وذلك بحضور أعضاء مجلس الإدارة عضوان محمد الأحمري رئيس لجنة التأهيل والتدريب رئيس هيئة الصحفيين السعوديين، والدكتور محمد بن مبارك العريمي رئيس لجنة الشؤون العربية والدولية رئيس جمعية الصحفيين العمانية، وسعد بن محمد الرميحي رئيس لجنة الشؤون المهنية رئيس المركز القطري للصحافة، وفضيلة المعيني رئيسة لجنة الصحفيات رئيسة جمعية الصحفيين الإماراتية.

وبحث المجلس موضوع الإساءات التي تتعرض لها دول مجلس التعاون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدين ضرورة وقف الإساءات وتدشين حملات لمكافحتها ونشر التوعية الصحافية فيما يتعلق بالتحقق من مصادر المعلومات والأخبار للتخفيف من انتشار وتأثير الشائعات عبر هذه المواقع.

واستعرض المجلس الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال ومتابعاتها، حيث أقر المجلس استحداث 4 لجان جديدة وهي: لجنة الحريات، لجنة الإعلام الرقمي، لجنة الصحفيات، لجنة المصورين.

ووجه المجلس ببدء خطة للتدريب والتطوير عبر استهداف طلاب الجامعات والمهتمين بالصحافة لتأهيلهم، بالإضافة إلى كادر الصحفيين والإعلاميين العاملين في المؤسسات الصحفية، من خلال إقامة حزمة من الدورات وورش العمل المتخصصة في مجالات الصحافة والإعلام.

وأشاد المجلس بتنظيم جمعية الصحفيين العمانية لمنتدى الصحافة العماني وعلى استضافة الاجتماع الثاني لمجلس إدارة اتحاد الصحفيين الخليجيين ودعمه، مثمنا دور جمعية الصحفيين العمانية في تعزيز مكانة الصحافة الوطنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وقد رحب المجلس بدعوة جمعية الصحفيين الإماراتية لاستضافة الاجتماع القادم في شهر يناير المقبل في دبي  بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة.

وفي السياق، أصدر المجلس بيانا أكد فيه أن "أمن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يتعرض للخطر بين حين وآخر من أنظمة وجماعات معلومة المصدر والهدف والمقصد، من خلال استخدام وسائل إعلام مشبوهة ومضللة وحسابات وهمية ومزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يستوجب على الجميع توحيد الصفوف لمواجهة هذه المخاطر".

وشدد البيان على ضرورة دعم ومساعدة الصحفيين على أداء واجبهم وتوفير المصادر والمعلومات الموثقة وفق القواعد المهنية التي تساهم في نشر وتوعية الأفراد والمجتمعات على مواجهة الظواهر السلبية.

وأشار البيان إلى "ضرورة إطلاق حملات لمكافحة الذباب الإلكتروني من خلال تكثيف جهود نشر المعلومات الصحيحة، وتعزيز الوعي بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حول مختلف القضايا ذات الصلة بشعوب المنطقة والرأي العام الخليجي، للحفاظ على وحدة المجتمعات واتساقها مع رؤى وتطلعات قياداتها السياسية".

وذكر البيان أن "حرية الرأي والتعبير مكفولة مع وضع الضوابط التي تضمن أمن وسلامة المجتمعات الخليجية، ودراسة الإجراءات اللازمة لحماية المجتمع من مخاطر سوء استغلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي تقوض الأمن الاجتماعي واستقرار الشعوب وتستهدف إثارة الرأي العام والفتن والكراهية".

 

مقالات مشابهة

  • «المجيز في اللغة لسلامة النطق والتحرير الصحفي» مرجع مهم للصحفيين والإعلاميين
  • سقوط ضحايا في غارة امريكية استهدفت مدرسة للبنات في تعز
  • أستاذ علوم سياسية: الإعلامي الإسرائيلي غير منضبط ويحاول إثارة الشائعات (فيديو)
  • أستاذ في العلوم السياسية: الإعلام الإسرائيلي غير منضبط يتعمد نشر الأخبار المغلوطة
  • سقوط شهداء وجرحى إثر غارة أمريكية بريطانية بمحافظة تعز في اليمن
  • تجديد الاعتماد الدولي لـ«إعلام القاهرة» لاستيفائها معايير الجودة الأكاديمية العالمية
  • الإعلام الحكومي في غزة يحذر قناتي “العربية والحدث” من الانحياز للعدو الصهيوني
  • الشقيق الأكبر لماهر الجازي منفذ عملية معبر اللنبي لـCNN: تفاجأنا بما حدث وعلمنا من وسائل الإعلام
  • "الصحفيين الخليجيين" يوجه بتطوير مهارات طلبة الإعلام والتصدي لحملات الإساءة ضد "دول المجلس"
  • أشرف صبحي يتحدث عن التحديات التي تواجه الإعلام الرياضي