مضت 15 سنة منذ كتب مارتن وولف «خلال عقد من الآن، العالم الذي تكون فيه بريطانيا عضوا في مجلس الأمن والهند ليست كذلك سيبدو أكثر من مضحك». واقع الحال هذا الوضع المضحك لا يزال قائما.

كان الآباء المؤسسون للأمم المتحدة عقلاء في حفز القوى العظمى للبقاء في المنظمة بمنحها امتياز الأعضاء المتمتعين بحق النقض (الفيتو) الدائم، لكنهم افتقروا إلى الحكمة بعدم إرساء آلية لإحلال القوى العظمى القديمة بالقوى العظمى الجديدة.

في عام 1945 كانت بريطانيا قوة عالمية عظمى لديها مستعمرات حول العالم بما في ذلك الهند. وحتى وقت قريب لا يتعدى عام 1980 كان الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا يساوي ثلاثة أضعاف حجم ناتج الهند عند حوالي 564 بليون دولار مقابل 186 بليون دولار.

وبحلول عام 2045 عندما تحتفل الأمم المتحدة بمئوية تأسيسها يتوقع بنك جولدمان ساكس أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للهند حوالي 18 تريليون دولار أو ما يقرب من أربعة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا والمقدَّر ببلوغه 5 تريليونات دولار. حينها سيتعذَّر حقا الدفاع عن بريطانيا كعضو يتمتع بحق الفيتو فيما الهند ليست كذلك.

ستفقد الأمم المتحدة كل صدقية إذا استمر هذا الوضع. وما هو أخطر من ذلك أن الهند ستكون قوية بما يكفي لإعلان عدم تقيدها بقرارات مجلس الأمن إذا لم تكن عضوا دائما به.

هنالك حل واضح لذلك على الرغم من أنه مستبعد في الوقت الحاضر. الحل هو أن تتنازل بريطانيا عن مقعدها للهند وذلك بالطبع وفقًا لسياسة وآليات المجلس. نظريا ستتخلى بريطانيا عن الكثير بقيامها بذلك.

مع ذلك، عمليًا، لن يتغير شيء نظرًا إلى أنها تخلت بالفعل عن ممارسة حق النقض. فالقادة البريطانيون كانوا يعلمون منذ فترة طويلة أن بريطانيا إذا مارست هذا الحق منفردة ستثير غضبا عالميا. وهذا هو السبب في أنهم لم يفعلوا ذلك بمفردهم منذ عام 1972. وفي الواقع لم يمارسوا هذا الحق إطلاقا منذ عام 1989.

ما هو أكثر مدعاة للحزن أن البريطانيين كفوا عن اتخاذ أي مواقف مستقلة في مجلس الأمن. بل حتى عندما كانوا غير مرتاحين من مواقف الولايات المتحدة في المجلس لم يعبّروا إطلاقا عن موقف معارض لها. مثلًا أثناء حشد القوات لحرب العراق في عام 2003 شعروا بأنهم ملزمون بمسايرة الموقف الأمريكي على الرغم من أن فرنسا وألمانيا عارضتاه بشدة (وكانتا على حق في ذلك).

بتركها مجلس الأمن ستحرر بريطانيا نفسها من إكراه تأييد موقف الولايات المتحدة بصرف النظر عن ميزاته. في الواقع يمكن أن تصبح صديقًا أفضل بتقديم نصائح صريحة لبلد لم يقبل حتى الآن حقيقة أن العالم تغير جذريا.

لقد انتهى عهد عالم القطب الواحد ويتشكل الآن عالم جديد متعدد الأقطاب. ويمكن للحصافة البريطانية مساعدة الأمريكيين على الانتقال إلى هذا العالم المختلف.

يمثل هذا التحول الضخم في النفوذ العالمي السبب الأقوى لإدخال الهند فورًا وبشكل دائم في مجلس الأمن. الهند، وهذا شيء تنفرد به، قادرة على الجمع بين العالمين الشرقي والغربي. فهي يمكنها العمل مع الولايات المتحدة في الكواد (الحوار الأمني الرباعي) الذي يضم أستراليا واليابان ومع الصين وروسيا في مجموعة البريكس الأكبر.

وما هو مهم أنها ستكون قادرة على تمثيل آراء أغلبية سكان العالم مع تحول النفوذ من مجموعة السبع إلى جنوب العالم. الهند تفهم حاجات وطموحات جنوب العالم بطريقة لا تحذقها سوى بلدان قليلة. وهذا يفسر كيف نجحت في هندسة عضوية مجموعة العشرين للاتحاد الإفريقي.

أيضا ستكون هنالك «عدالة شِعرية» في تنازل بريطانيا عن مقعدها في مجلس الأمن لصالح الهند. ففي حين يعتقد العديدون في بريطانيا أن عهد «الراج» البريطاني كان عهد خير وبركة للهنود إلا أن العكس كان صحيحا. لقد عبر عن ذلك شاشي ثارور ببلاغة حين قال «صعود بريطانيا على مدى 200 عاما كان يُموَّل بمنهوباتها في الهند. في الحقيقة الثورة الصناعية في بريطانيا كانت ترتكز على تفكيك صناعة الهند... (ففي هذه الفترة) مات ما بين 15 مليونًا و29 مليون هندي جوعا».

وبريطانيا حتى الآن غير قادرة على إعادة ماسة «كوهي نور» إلى الهند على الرغم من أنها نهبت بواسطة المستعمرين البريطانيين الذين انتزعوها من حاكم يبلغ من العمر 10 سنوات بعد سجن والدته. لكن ربما في مقدورها منح الهند شيئًا أكثر قيمة وهو مقعد دائم في مجلس الأمن.

ستحتاج حكومة كير ستارمر إلى بعض الوقت لتثبيت نفسها قبل أن يكون بمقدورها حتى التفكير في مثل هذا التحرك الجذري. وستكون هنالك مقاومة شرسة من المؤسسة البريطانية للتخلي عن شيء عزيز من الماضي، تماما كما قاوم لوردات الإقطاع الانتقالَ إلى ترتيبات سياسية أكثر ديمقراطية.

مع ذلك، وحيث إن عام 2027 سيوافق الذكري الثمانين لتحرير الهند من الحكم البريطاني سيكون ذلك العام مثاليًا لبريطانيا كي تقدم هدية عظيمة للهند. فهي بذلك ستغلق أخيرا ملف الحكم الاستعماري البريطاني للهند وستساعد على تمتين مائة سنة أخرى من الصداقة بين بريطانيا والهند. وفي الوقت نفسه سيكون لدينا مجلس أمن يمثل قوى اليوم العظمى وليس القوى الأمس العظمى.

كيشور محبوباني زميل متميز بجامعة سنغافورة الوطنية ومؤلف كتاب «القرن الحادي والعشرين الآسيوي».

الترجمة عن الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مجلس الأمن

إقرأ أيضاً:

الخارجية توعز لبعثة لبنان لدى الأمم المتحدة بتقديم شكوى جديدة ضدّ إسرائيل

أوعزت وزارة الخارجية والمغتربين لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى أمام مجلس الأمن الدولي رداً على استهداف إسرائيل المتكرر والمتعمّد، منذ بدء حربها على لبنان في 8 تشرين الأول 2023، لعناصر الدفاع المدني اللبناني ومراكزه وآلياته، ما أدى الى سقوط 27 شهيداً و76 جريحاً، فضلا عن تعرّض 32 مركزاً للتدمير الجزئي أو الكلي، وتدمير 45 آلية. 

وأشار لبنان في شكواه الى أن الاستهداف الاسرائيلي لعناصر لدفاع المدني أثناء أداء واجبهم الإنساني، ومنعهم من تنفيذ مهامهم الإغاثية في مناسبات عدة، يعطّل مهامهم الحيوية في إجلاء السكان من المناطق الخطرة وتقديم المساعدة الفورية للضحايا، ما يعرّض حياة المدنيين لمزيد من الخطر. ويشكّل ذلك إنتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى جرائم حرب تستوجب الإدانة والمحاسبة. ودعا لبنان الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى اتخاذ موقف حازم بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية على الدفاع المدني والمؤسسات الصحية والإغاثية في لبنان.      

مقالات مشابهة

  • الإمارات تدعو لتقييد “الفيتو” بمجلس الأمن وتعزيز المساءلة الدولية
  • الجامعة العربية تستنكر "الفيتو" الأمريكي ضد وقف إطلاق النار في قطاع غزة
  • الأمم المتحدة تحتفل باليوم العالمي للتلفزيون
  • 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال
  • 49 فيتو أمريكي في مجلس الأمن ضد قرارات تخص الاحتلال.. غطاء دبلوماسي
  • بريطانيا: نأسف لعدم توصل مجلس الأمن لإجماع بشأن غزة
  • مجلس الأمن الدولي يصوت على مشروع قرار بشأن غزة
  • الخارجية توعز لبعثة لبنان لدى الأمم المتحدة بتقديم شكوى جديدة ضدّ إسرائيل
  • غوتيريش يدعو لإصلاح مجلس الأمن لتعزيز الحوكمة الدولية
  • برنامج الأمم المتحدة العالمي للأغذية يحذر من تفاقم الجوع في جنوب السودان