في 31 يوليو، اغتيل إسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس، فيما يُعتقد أنها عملية إسرائيلية. توفي هنية في منشأة شمال طهران، بعد وقت قصير من حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بيزشكيان. ولا يزال من غير الواضح كيف قُتل هنية بالضبط. وتزعم مصادر إسرائيلية أن ذلك تم باستخدام قنبلة زرعت في غرفة نوم في المنشأة قبل زيارة هنية.
فإنه للمرة الثانية هذا العام، تقف المنطقة على شفا حرب كبرى فيما تدرس إيران الرد على استفزاز إسرائيلي كبير. ومن وجهة نظر المحللين الإيرانيين، فإن مثل هذه الاستفزازات هي بمثابة «فخ» نصبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يريد جر إيران إلى حرب أوسع نطاقا، وخاصة مع تصاعد الضغوط من أجل وقف إطلاق النار في غزة. ومن غير المرجح أن يظل نتنياهو، الذي لا يحظى بشعبية متزايدة، رئيسًا للوزراء في أعقاب وقف إطلاق النار. فلأعوام كان يبالغ في تقدير التهديد الذي تفرضه إيران، وخاصة برنامجها النووي، من أجل تغذية صعوده السياسي. وهو الآن يسعى إلى الحرب مع إيران لتجنب سقوطه الشخصي.
لقد تجنبت إيران هذا الفخ مرة واحدة من قبل. ففي الأول من أبريل، أدت غارة جوية إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق إلى مقتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين. كان رد إيران على الهجوم، الذي وقع في 13 أبريل، غير مسبوق. وأطلق وابل من الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية من الأراضي الإيرانية باتجاه إسرائيل. وقد أدت مساعدة الجيش الأمريكي في تنسيق الدفاع الإسرائيلي، إلى جانب توقع وقوع الهجوم الإيراني، أدى إلى الحد من الأضرار في إسرائيل.
الرد الإيراني المدروس لم يستعد قوة الردع، فقد ظل نتنياهو يتمتع بالقدر الكافي من الجرأة لاستهداف هنية في طهران بعد بضعة أشهر فقط. ولكنها كشفت عن محدوديّة الضمانات الأمنية الأمريكية «الصارمة»، فالولايات المتحدة لم تكن مستعدة لدعم الهجوم الإسرائيلي المضاد، ووعد الرئيس بايدن «برد دبلوماسي» على إيران. وعندما ردت إسرائيل بالضربة في 19 أبريل، فعلت ذلك من جانب واحد، واستهدفت منشأة عسكرية واحدة، وبذلك تجنبت حربًا أوسع نطاقا.
الآن، مع قتل هنية، فإن جيران إيران والدول الغربية يحثونها مرة أخرى على ممارسة ضبط النفس. وفي الأيام الأخيرة، استقبل القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، وزير الخارجية الأردني في طهران، وحضر اجتماعًا خاصًا لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة، وأجرى مكالمات هاتفية مع العديد من الدبلوماسيين، بما في ذلك وزيرا الخارجية السويسري والعماني، الذين نقلوا عدة مرات رسائل إلى إيران نيابة عن الولايات المتحدة.
ربما تكون موجة الدبلوماسية قد أخرت الرد الإيراني، لكن يبدو الآن أن إيران مستعدة للانتقام. يوم الأحد، أبلغ وزير الدفاع الأمريكي، لويد جيه أوستن، نظيره الإسرائيلي، يوآف جالانت، أن الولايات المتحدة تحرك مجموعة ثانية من حاملات الطائرات إلى المنطقة، إلى جانب غواصة صواريخ موجهة.
في وقت مبكر من يوم 12 أغسطس، أصدر قادة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بيانًا مشتركًا يحث «إيران وحلفائها على الامتناع عن الهجمات التي من شأنها أن تزيد من تصعيد التوترات الإقليمية وتعريض فرصة الاتفاق على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى للخطر». وجاء البيان نتيجة لجهود مشتركة من الولايات المتحدة ومصر وقطر لتجنب حرب أوسع نطاقا. وكانت الدول الثلاث قد دعت إسرائيل وحماس إلى قمة في 15 أغسطس، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واتفاق رهائن.
إن الجهود الرامية إلى درء هجوم إيراني من خلال التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار تعكس إجماعا مهما بين الزعماء الغربيين والعرب والإيرانيين. وكما يقال إن الرئيس بايدن يعتقد أن نتنياهو ربما يسعى لجر الولايات المتحدة إلى حرب أوسع ضد إيران، يدرك القادة الإيرانيون أن نتنياهو ينصب لهم فخًّا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يجب أن يستقيل عندما تتوقف الحرب، لذلك فإنّ الحرب مع إيران توفر له الوسيلة لإعادة تقديم نفسه باعتباره المدافع الصالح عن إسرائيل في نظر الجمهور الإسرائيلي والمجتمع الدولي.
وفي ظل عدم قدرة إسرائيل على تجاهل الضغوط الأمريكية، أعلنت أنها سترسل مفاوضين إلى القمة. لكن حماس، التي يرأس مكتبها السياسي الآن القائد العسكري يحيى السنوار، ترفض الحضور. وقد تكون هذه حيلة سنواريّة من أجل الضغط، إذ يقال إن السنوار يريد التوصل إلى اتفاق، كما يمكن لإيران أن تضغط على حماس للانضمام إلى القمة. قد يكون من مصلحة إيران أيضًا تأخير مشاركة حماس إلى أن تبدأ هجومها الانتقامي، فطهران لن ترغب في شن هجوم أثناء محادثات وقف إطلاق النار، نظرًا لخطر إخراج المفاوضات عن مسارها. قد ترغب إيران أيضا في أن تبدأ المحادثات بعد وقت قصير من هجومها، لضمان قيام الولايات المتحدة بتقييد الرد الإسرائيلي لتجنب خروج تلك المحادثات عن مسارها.
يقول المسؤولون الإيرانيون: إن «أولويتهم هي التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة»، وأنهم سيدعمون «أي اتفاق تقبله حماس». لكنهم يصرون أيضًا على أن حق إيران في الدفاع عن النفس لن يكون مقرونا بمحادثات وقف إطلاق النار. وهذا يدل على أن إيران تمهد الطريق لهجومها، الذي ينبغي اختيار توقيته بعناية للسماح بعقد قمة وقف إطلاق النار بعد الهجوم بوقت قصير.
ولكن في نهاية المطاف، يتعين على المسؤولين الإيرانيين أن يدركوا أن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يجعل إيران أكثر أمنًا. ومن شأن الاتفاق أن يخفف من معاناة مئات الآلاف من المدنيين، ويستعيد الأمن لجيران إيران العرب، ويخفف التوترات مع الولايات المتحدة، بل وربما يؤدي إلى الإطاحة بنتنياهو. إنّ وقف إطلاق النار هو الطريقة التي يمكن أن تتجنب بها إيران الفخ.
اسفنديار باتمانغليدج مؤسس مؤسسة بورس آند بازار، وهي مؤسسة فكرية تركز على صنع السياسات الاقتصادية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة وقف إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
حكومة نتنياهو تحاول التنصل من اتفاق وقف إطلاق النار وتلوح بعودة الحرب في غزة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على مدار أيام الاتفاق، لجأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو إلى مناورات بهدف التنصل من شروط اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس في قطاع غزة، مستندة إلى حجج واهية مع تهديدات مستمرة بالعودة إلى الحرب.
وفي وقت شهدت فيه مفاوضات وقف إطلاق النار تذبذبًا في وتيرتها، أقدمت الإدارة الأميركية على إجراء محادثات مباشرة مع مسؤولين من حركة حماس، وهي خطوة غير مسبوقة وصفت بالإيجابية، مما يشير إلى تحول مفاجئ قد يحمل العديد من الدلالات.
جاء ذلك بعد تهديدات متكررة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض "جحيم" إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى الإسرائيلين في غزة، إضافة إلى عرضه خططًا لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وفي تفاصيل المحادثات، كشف مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الأسرى أدم بوهلر، أن حماس قدمت عرضًا يتضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف إطلاق نار يمتد من خمس إلى عشر سنوات.
كما اقترحت الحركة نزع سلاحها بالكامل، مع ضمانات أمنية من الوسطاء بعدم الانخراط في أي أنشطة عسكرية في غزة، وصولًا إلى انسحابها من المشهد السياسي.
تهديدات باستئناف الحرب وتهجير الفلسطينيين
وقال وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إن إسرائيل أبلغت المبعوث الأمريكي لشؤون الأسرى في غزة، آدم بولر، بعدم التفاوض مع حركة حماس نيابة عنها.
وأضاف سموتريتش، في مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال، أن بولر حاول التفاوض بشأن إطلاق سراح الأسرى الأمريكيين، لكن إسرائيل أكدت أنه لا يمكنه التحدث نيابة عنها.
وأكد سموتريتش، في تصريح للإذاعة الإسرائيلية أن الحرب على قطاع غزة ستستأنف قريبًا.
وأوضح سموتريتش أن رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، الذي وصفه بأنه "أكثر صرامة وروحًا مختلفة"، يهدف إلى شن عملية عسكرية مكثفة تهدف إلى احتلال غزة وتدمير حركة حماس بشكل كامل.
وأشار سموتريتش إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على تنفيذ خطة لترحيل سكان غزة إلى دول أخرى، لافتًا إلى "التقدم" الذي تم إحرازه في المفاوضات مع الإدارة الأمريكية لتحديد الدول المستعدة لاستقبال هؤلاء السكان.
وفي تصريحات أدلى بها خلال مشاركته في لوبي "أرض إسرائيل"، أكد سموتريتش أن الحكومة تستعد لإنشاء مديرية هجرة كبيرة داخل وزارة الدفاع لتنسيق وتنفيذ عمليات الترحيل.
وأوضح أن العملية تحتاج إلى تخطيط طويل الأمد وتنسيق دولي معقد، وأن التنفيذ سيكون تدريجيًا وقد يستغرق وقتًا طويلاً.
وأضاف سموتريتش: "إذا تمكنا من ترحيل 10,000 شخص يوميًا، على مدار 7 أيام في الأسبوع، فسيستغرق الأمر حوالي 6 أشهر، مما يعكس مدى تعقيد هذه العملية".
وأشار إلى أن إسرائيل تعمل بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية للبحث عن دول مستعدة لاستقبال الفلسطينيين، لافتًا إلى أن تنفيذ الخطة يتطلب إجراءات دبلوماسية وأمنية مكثفة.
من جهة أخرى، رفضت الفصائل الفلسطينية التصريحات الإسرائيلية، مؤكدة أنها ملتزمة بالهدنة طالما التزمت بها إسرائيل.
وأكدت أن أي محاولة من قبل الحكومة الإسرائيلية لنسف الاتفاق ستؤدي إلى تفجر الوضع من جديد، ما قد يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في المنطقة.
وتتزايد المخاوف من تصاعد العنف في المنطقة مجدداً، وسط الدعوات الدولية لاستئناف المحادثات والوصول إلى تسوية دائمة تؤدي إلى سلام شامل.
يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في قطاع غزة في يناير الماضي على وشك الانهيار.
دوافع نتنياهو
أحد الأسباب الرئيسة التي تؤثر على فشل تنفيذ الاتفاق هو المواقف السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فقد أشارت التقارير إلى أن نتنياهو يمتلك دوافع سياسية وشخصية قوية لإبقاء إسرائيل في حالة حرب، حيث يحتاج إلى الحفاظ على تحالفه مع اليمين المتطرف داخل حكومته، الذين يطالبون بسياسة تهدف إلى القضاء على الفلسطينيين في قطاع غزة.
نتيجة لذلك، فإن نتنياهو لا يسعى لإنجاح الاتفاق، بل على العكس، لديه حوافز لتخريبه في محاولة لاستبداله بمفاوضات جديدة تتناسب مع تطلعات إسرائيل.
الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق
منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، قامت إسرائيل بعدة انتهاكات، مثل الهجمات الجوية والبرية على قطاع غزة، مما أسفر عن سقوط ضحايا.
ورغم أن حركة حماس لم ترد بشكل واسع النطاق على هذه الانتهاكات، إلا أن الوضع ما زال متأزمًا.
في الوقت ذاته، بدأت إسرائيل في منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الأمر الذي يزيد من معاناة السكان المدنيين.
موقف حماس والمقترحات البديلة
من جانبها، رفضت حماس مقترح نتنياهو لوقف إطلاق النار المؤقت، والذي لا يتضمن انسحابًا إسرائيليًا من غزة أو وقفًا دائمًا للأعمال العدائية.
ووصف قادة حماس هذا المقترح بأنه محاولة للتنصل من الاتفاق الأصلي الذي تم التوصل إليه في يناير.
الدور الأمريكي في الأزمة
إحدى العوامل الهامة التي تؤثر على الأزمة في قطاع غزة هي السياسة الأمريكية.
ورغم التأثير الكبير الذي تتمتع به الولايات المتحدة على إسرائيل، بما في ذلك مساعداتها العسكرية الضخمة، فإن إدارة ترامب لم تستخدم هذا النفوذ من أجل ضمان تنفيذ الاتفاقات.
بل على العكس، تشير التقارير إلى أن المقترح الذي طرحه نتنياهو لوقف إطلاق النار المؤقت هو في الأساس صيغته البديلة التي دعمها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف.