لجريدة عمان:
2025-02-22@03:10:53 GMT

حذار من الإجماع المفتعل في الاحتياطي الفيدرالي

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

اسمحوا لي هنا باستعراض قصة بنكين مركزيين وَقَعَـت أحداثها الأسبوع الماضي. كل من البنكين راسخ منذ أمد بعيد، ويمتد نفوذه إلى ما هو أبعد كثيرا من حدود بلاده، وكل منهما يضطر إلى اتخاذ قرارات تقديرية دقيقة المتوخى منها الاستمرار في خفض التضخم مع تجنب إلحاق ضرر غير مسوغ بالنمو والوظائف. وفي هذه العملية، تنتهي الحال بكل منهما إلى اتباع نهج مختلف تماما في غضون 24 ساعة من الآخر.

بطل القصة الأول هو بنك إنجلترا، الذي يخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في أعقاب تصويت بأغلبية خمسة إلى أربعة أصوات، ويعكس هذا تعقيد القضايا الاقتصادية الأساسية. البطل الآخر هو بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يفخر بصياغة الإجماع ويتوصل إلى تصويت بالإجماع، فقط لكي تنهال عليه الانتقادات من قِبَل المحللين ووسائل الإعلام في الأيام التي تلي قراره.

تُـرى أي البنكين المركزيين يحظى بثقتك أكثر من الآخر فيما يتصل برفاهتك الاقتصادية ورفاهة أسرتك وأصدقائك؟ هذا سؤال مهم، لأن الثقة تدعم قدرة أي بنك مركزي على الوفاء بتفويضه. يستند قسم كبير من البنية المالية اليوم إلى افتراض مفاده أن البنوك المركزية ملتزمة بالحفاظ على ثقة الجمهور في عملية صنع السياسات. ففي نهاية المطاف، يجب أن يكون هدف التضخم مُـقـنِـعا لترسيخ توقعات التضخم؛ وينطبق الشيء ذاته على التوجيه الـمُـسـبَق الذي يهدف إلى تخفيف وعورة تعديلات السياسة بمرور الوقت.

تُدَعَّم الثقة والمصداقية من خلال تقديم قدر أكبر من الشفافية، وهي العملية التي تطورت على مر السنين إلى عقد مؤتمرات صحفية منتظمة ونشر محاضر الاجتماعات ونصوصها. وفي بعض الحالات، يقدم البنك المركزي توقعات كمية ربع سنوية للسياسات الرئيسية والمقاييس الاقتصادية. تعززت مصداقية كل من بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي بفضل النتائج الجيدة. لكنهما يختلفان عندما يتعلق الأمر بمقياس مهم يرتبط بالـمُـدخلات: كيفية توصيل عملية صنع القرار السياسي. يُذَكِّـرُني هذا الموقف بمزحة قديمة عن المحامين وأهل الاقتصاد: «على عكس المحامين، الذين يمكنهم أن يسوقوا الحجج عن يقين تام حتى عندما يكون أساس قضيتهم ضعيفا للغاية، يحتاج أهل الاقتصاد إلى أساس متين للغاية للجدال بأي قدر من اليقين على الإطلاق».

بعد دمج أعضاء مستقلين من الخارج في لجنة السياسة النقدية، لا يتردد بنك إنجلترا في الإشارة إلى الانقسامات بين كبار صناع قراراته. جاء التصويت الأخير بأغلبية خمسة إلى أربعة أصوات لصالح الخفض بعد تصويت جرى في يونيو بأغلبية سبعة أصوات إلى صوتين لصالح إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير. وفي فبراير، جاء تصويت لجنة السياسة النقدية منقسما بواقع صوتين لصالح رفع أسعار الفائدة، وستة أصوات لصالح الإبقاء على الأسعار دون تغيير، وصوت واحد لصالح خفض أسعار الفائدة. وفي كل حالة، جرى شرح جميع الحجج وراء هذه الأصوات في الأيام والأسابيع التي أعقبت اجتماع لجنة السياسة النقدية.

الواقع أن الكشف عن مثل هذا النطاق من المواقف الفردية أمر غير مسموع به في الاحتياطي الفيدرالي. ففي حين يفخر البنك المركزي الأمريكي بترحيبه بتنوع الآراء أثناء مداولاته خلف الأبواب المغلقة، فإنه مُـنغَـمِـس أيضا في تقليد صُـنع القرار بالإجماع.

وعلى هذا فإن البنك المركزي الأمريكي في الممارسة العملية يفرض حواجز شديدة الارتفاع تحول دون إذاعة الآراء الـمُعارِضة. وحتى محاضر اجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي تصدر بعد ثلاثة أسابيع من كل اجتماع تميل إلى تجاهل أو تمويه المجموعة الكاملة من الآراء التي تسربت. وللتعرف على ما قيل حقا، يتعين علينا أن ننتظر السجلات المدونة الكاملة، والتي تَـصـدُر عادة بعد مرور خمس سنوات.

أرجو ألا تسيئوا فهمي. إن النهج القائم على الإجماع والذي يساعد في التوفيق بين آراء وتحليلات مختلفة لا يخلو من قيمة. لكن الإجماع المصطنع ــ الذي يُـلاحَـق غالبا لأسباب سياسية، أو لإنقاذ ماء الوجه (افتراضا) ــ يميل إلى التعتيم وتهميش الآراء التي تستحق دراسة أكثر شمولا.

إلى جانب الافتقار البنيوي إلى التنوع المعرفي الإدراكي فضلا عن ارتفاع احتمالات الانزلاق إلى فخ التفكير الجمعي، يعمل الهوس بالإجماع في نهاية المطاف على تقويض ذات المصداقية التي ظل الاحتياطي الفيدرالي يحاول استعادتها منذ الخطأ السياسي الجسيم الذي ارتكبه في عام 2021.

من خلال رفضه تقديم ذلك النوع من الشفافية في صُـنع القرار الذي تبناه بنك إنجلترا، عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي عن غير قصد رضا السوق التي فشلت في النظر في إمكانية تباطؤ اقتصادي أسرع وأوسع نطاقا من المتوقع.

نتيجة لهذا، ردت السوق بعنف عندما بات التباطؤ واضحا، في أعقاب إصدار بيانات مؤشر مديري المشتريات الأضعف من المتوقع وأحدث تقارير القوى العاملة الشهرية، والذي جاء في أعقاب اجتماع سياسات الاحتياطي الفيدرالي مباشرة.

استوعبت السوق التأكيدات المتكررة التي أطلقها رئيس البنك جيروم باول (بما في ذلك في مؤتمر البنك المركزي الأوروبي في سينترا بالبرتغال في الثاني من يوليو) بأن الاقتصاد «الموفور الصحة جوهريا» وسوق العمل القوية منحا بنك الاحتياطي الفيدرالي الوقت الكافي لاتخاذ القرار بشأن خفض أسعار الفائدة.

وعندما أشارت البيانات الجديدة إلى خلاف ذلك، نشأت حالة من الفوضى مع اندفاع الأسواق إلى رفع احتمالات خفض غير عادي بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر من الصفر تقريبا إلى نحو 80%، اعتبارا من الثاني من أغسطس. (كما وضعت الأسواق في الحسبان دورة خفض أسعار الفائدة الأسرع والأعلى مقدارا).

أدى هذا التفاعل العنيف إلى انهيار دراماتيكي في العائدات على السندات الحكومية وخسائر ضخمة في سوق الأسهم، والتي بعد أن بدأت في الولايات المتحدة انتشرت على مستوى العالَـم وكشفت عن نقاط ضعف في أماكن أخرى، وأبرزها اليابان. حتى أن المخاوف بشأن ارتفاع خطر الانهيار المالي والاقتصادي دفعت بعض المراقبين (ولكن ليس أنا) إلى الدعوة إلى خفض أسعار الفائدة الطارئ بين الاجتماعين.

كلا، أنا لا أدعو بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني ذلك النوع من الشفافية المتطرفة التي اشتهر بها صندوق التحوط بريدجواتر. فهناك مجالات معينة، مثل «الرسم البياني الـمُـنَـقَّـط» ربع السنوي للتوقعات، حيث ذهب بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أبعد مما ينبغي بالفعل. ومع ذلك، بوسع الاحتياطي الفيدرالي ــ بل ينبغي له ــ أن يكون أكثر انفتاحا بشأن القرارات السياسية التي تؤثر علينا جميعا.

محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی خفض أسعار الفائدة البنک المرکزی بنک إنجلترا

إقرأ أيضاً:

الدولار يستقر وسط تصاعد التوترات التجارية وآمال السلام

لم يطرأ تغير يذكر على حركة الدولار خلال التعاملات المبكرة الأربعاء، حيث تسيطر المخاوف بشأن الرسوم الجمركية والمفاوضات المتوترة لإنهاء الحرب في أوكرانيا على تعاملات المتداولين، في حين تراجع الدولار النيوزيلندي بعد أن قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة بشدة.

خفض بنك الاحتياطي النيوزيلندي سعر الفائدة القياسي 50 نقطة أساس إلى 3.75 بالمئة اليوم مثلما كان متوقعا على نطاق واسع. وخفض البنك المركزي تكاليف الاقتراض 175 نقطة أساس منذ أغسطس مع سعيه لتعزيز الاقتصاد المتباطئ والحد من ارتفاع معدلات البطالة.

انخفض الدولار النيوزيلندي 0.3 بالمئة عند 0.5687 دولار بعد القرار وتعليقات البنك التي أشارت إلى احتمال المزيد من التخفيضات.

وفي السوق الأوسع، يعكف المستثمرون على تقييم أحدث مستجدات الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتلك التي يهدد بفرضها، إلى جانب حالة عدم اليقين بعد انتهاء محادثات السلام الأولية المتعلقة بحرب أوكرانيا دون مشاركة كييف أو أوروبا.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق سلام دون مشاركة بلاده. وأرجأ زيارته إلى السعودية المقررة الأربعاء حتى العاشر من مارس  لتجنب إضفاء "الشرعية" على المحادثات الأميركية الروسية.

وشددت روسيا مطالبها، وأصرت إصرارا ملحوظا على أنها لن تتسامح مع منح حلف شمال الأطلسي العضوية لكييف.

وقالت إدارة ترامب أمس الثلاثاء إنها وافقت على إجراء المزيد من المحادثات مع روسيا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وارتفعت قيمة اليورو إلى أعلى مستوياتها في أسبوعين الأسبوع الماضي بدعم من آمال التوصل إلى اتفاق سلام، لكن العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي تراجعت في الأيام القليلة الماضية. وانخفضت في أحدث تداولات 0.03 بالمئة عند 1.0442 دولار.

وقال شون كالو، كبير محللي سوق الصرف الأجنبي في إن تاتش كابيتال ماركتس لوكالة رويترز: "اليورو متقلب بعض الشيء بسبب الانقسامات الواضحة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الحرب في أوكرانيا".

وارتفع الدولار أمس الثلاثاء بمساعدة ضعف اليورو، لكنه لا يزال غير بعيد عن أدنى مستوى في شهرين عند 106.56 الذي لامسه يوم الجمعة على الرغم من المزيد من التعهدات بالرسوم الجمركية.

وقال ترامب أمس إنه ينوي فرض رسوم جمركية على السيارات "في حدود 25 بالمئة" وأخرى مماثلة على واردات أشباه الموصلات والأدوية.

ويترقب المستثمرون إصدار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) محضر اجتماعه في يناير في وقت لاحق اليوم للحصول على أدلة عن كيفية تقييم صناع السياسات خطر حرب تجارية عالمية.

وتتوقع الأسواق خفض البنك أسعار الفائدة الأميركية 35 نقطة أساس في 2025.

وارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس العملة الخضراء مقابل سلة من العملات المنافسة، 0.04 بالمئة إلى 107.04.

وصعد الين بنسبة 0.05 بالمئة إلى 152 مقابل الدولار. وعززت بيانات الناتج المحلي الإجمالي اليابانية القوية في الربع الممتد من أكتوبر إلى ديسمبر، إلى جانب التضخم القوي في الآونة الأخيرة، رهانات رفع أسعار الفائدة.

واستقر الجنيه الإسترليني عند 1.2613 دولار بعد أن لامس أعلى مستوى في شهرين عند 1.2641 دولار في التعاملات المبكرة اليوم. ومن المقرر صدور قراءة التضخم في بريطانيا في وقت لاحق اليوم، بعد بيانات أمس الثلاثاء التي أظهرت تسارع نمو الأجور البريطانية.

وانخفض الدولار الأسترالي 0.07 بالمئة إلى 0.63495 دولار بعد أن أظهرت البيانات ارتفاع الأجور المحلية بأبطأ وتيرة سنوية في أكثر من عامين في الربع الرابع.

وخفض بنك الاحتياطي الأسترالي أسعار الفائدة مثلما كان متوقعا أمس، لكنه حذر من المزيد من التيسير النقدي.

مقالات مشابهة

  • بعد قرار البنك المركزي.. ما أعلى شهادة ادخار حاليا؟
  • بعد قرار «المركزي».. تفاصيل أسعار الفائدة على شهادات البنوك 2025
  • بعد تثبيت سعر الفائدة.. كم سجل سعر الذهب الآن في مصر؟
  • الإجراءات الجنائية يقر حق التعويض عن الحبس الاحتياطي في حالات محددة .. ما هي؟
  • تراجع الأسهم الآسيوية بعد إشارات إبطاء الفيدرالي لخفض الفائدة
  • موريتانيا تجدد موقفها المحايد من نزاع الصحراء المفتعل
  • البنك المركزي المصري يحسم سعر الفائدة اليوم.. ما هي التوقعات؟
  • الذهب قرب أعلى مستوياته بفعل المخاوف من رسوم ترامب
  • اليوم.. البنك المركزي يحسم مصير أسعار الفائدة
  • الدولار يستقر وسط تصاعد التوترات التجارية وآمال السلام