مدى صمود الجدار الأوروبي ضد اليمين المتطرف
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
بعد مرور أكثر من نصف هذا العام الانتخابي الكبير، نجحت الأحزاب الديمقراطية الليبرالية في الغالب في الصمود أمام زحف قوى الشعبية القومية السوداء في أوروبا.
غير أنه لا يزال سابقا كثيرا للأوان أن نعلن انتصار حائط صد اليمين المتطرف هذا. فقد تُزعزِع الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاستقرار في أوروبا وخارجها في حال رجوع دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
في أوروبا، تبدو الهشاشة واضحة في التحالف المفكك للأحزاب الأساسية التي أبعدت عن السلطة في بروكسل وباريس وبرلين ووارسو قوى التعصب والتطرف المناهضة لليبرالية. ولقد ساعدها على ذلك العجز الأصيل في أحزاب اليمين المتطرف التي فازت بقرابة 25% من أصوات الانتخابات في الاتحاد الأوروبي عامة في شهر يونيو لتشكل جبهة متحدة في البرلمان الأوروبي. وبرغم محاولة رئيس وزراء المجر فكتور أوربان أن يشكل أممية قومية واحدة، توجد الآن ثلاثة تجمعات يمينية أوروبية الميل ومتنافسة بدلا من اثنتين في المجلس السابق.
وإضافة إلى التنافسات الشخصية، تختلف هذه التجمعات على دعم أوكرانيا أمام روسيا من عدمه، كما تختلف على تحويل الاتحاد الأوروبي إلى تجمع فضفاض لدول ذات سيادة أو الانفصال عن الاتحاد بالكلية. ويرغب المحافظون الوطنيون البرجماتيون الذين يحظون بقدر أكبر من «القبول» من المحيطين بجورجييا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية في النأي بأنفسهم عن الأحزاب القومية العدوانية التي تناصر طرد المهاجرين ممن حصلوا على الجنسية أو حق الإقامة.
في منتصف يوليو، تكون تحالف مؤقت من المحافظين والاشتراكيين والليبراليين والخضر لإعادة انتخاب أورسولا فون دير لاين رئيسة للمفوضية الأوروبية بعد أن قدمت وعودا متناقضة بالالتزام بأهداف انبعاثات الكربون الصافية الصفرية، وتعزيز القدرة التنافسية الصناعية وتخفيف العبء التنظيمي على المزارعين. ومن المرجح لها أن تحتفظ بالدعم الواسع نفسه عندما تقدم مجموعتها الكاملة من المفوضين، الذين رشحتهم الحكومات الوطنية في سبتمبر برغم أنه قد يتم رفض واحد أو اثنين من المرشحين في مسرح جلسات الموافقة التي تمنح البرلمان المنتخب حديثا فرصة إظهار عضلاته.
سوف يأتي التحدي الحقيقي لفون دير لاين عندما تحاول سن تشريع جديد لفرض جوانب حساسة من الصفقة الخضراء الأوروبية لمكافحة أزمة المناخ وحماية البيئة والتنوع البيولوجي. فقد يتعاون المحافظون في حزبها تكتيكيا مع أقصى اليمين للتصويت ضد تدابير الحفاظ على الطبيعة أو المبيدات الحشرية التي كانت محل نزاع مرير في الهيئة التشريعية الأخيرة. قد لا يرقى هذا النوع من التحول الانتهازي بحسب كل قضية إلى التحول لسلطة يمينية متطرفة، لكنه سيكون أكثر إثارة للقلق إذا امتد إلى سياسة الهجرة فجعلها أشد منافاة للإنسانية.
فقد حدث مثل هذا التحول في البرلمان الفرنسي العام الماضي، عندما سمح الوسطيون التابعون للرئيس إيمانويل ماكرون لحزب الجمهوريين المحافظ بتشديد مشروع قانون الهجرة بتدابير تمييزية ضد الأجانب تم تبنيها بدعم من حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد، لولا أن المجلس الدستوري أبطل ذلك التشريع المعتزم. وكانت النتيجة تقوية للأجندة السياسية لحزب التجمع الوطني اليميني المتشدد.
في الانتخابات العامة المبكرة التي جرت في يونيو ويوليو، صوت ملايين الفرنسيين تكتيكيا لصالح خصوم سياسيين لكيلا يسمحوا للجبهة الوطنية بتحويل انتصارها في الجولة الأولى إلى هيمنة برلمانية. ونتيجة لهذا، وصلت الجمعية الوطنية إلى طريق مسدود، إذ لم يحصل أي حزب أو تحالف على الأغلبية. فأضعف هذا من نفوذ ماكرون في الاتحاد الأوروبي، ولكن جدار الصد المتمثل في «الجبهة الجمهورية» نجح على الأقل في إبعاد الشعبويين في الوقت الحالي.
ويبقى أن نرى هل ستنتهي فرنسا بحكومة أقلية من يمين الوسط، أو إدارة أقلية يسارية من الجبهة الشعبية الجديدة (وهو أمر أبعد احتمالا)، أو ربما حكومة تكنوقراطية على الطراز الإيطالي حتى تتسنى الدعوة إلى انتخابات جديدة في غضون عام. وبينما تأخذ السياسة قسطا من الراحة الصيفية خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس، هناك ارتياح واسع النطاق إزاء إيقاف الشعبويين الوطنيين بقيادة مارين لوبان بعيدا عن أبواب السلطة، مع شائبة تخوف من أن هذا قد يعزز فرصها في الفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2027.
وفي حين يصمد الوسط على مستوى الاتحاد الأوروبي، يواصل القوميون الشعبويون إحراز تقدم في السياسة الوطنية في أجزاء عديدة من أوروبا. ففي هولندا، تشكل أول ائتلاف حاكم بقيادة اليمين المتطرف، برغم منع زعيم حزب الحرية المناهض للإسلام، جيرت فيلدرز، من تولي رئاسة الوزراء. كما يوفر روبرت فيكو زعيم القوميين الموالي لروسيا في سلوفاكيا والذي فاز حليفه في الانتخابات الرئاسية في البلد دعما لأوربان في مواجهة جهود الاتحاد الأوروبي لتشديد العقوبات المالية على سلسلة انتهاكات سيادة القانون في المجر.
وفي المملكة المتحدة، أظهر انتصار كير ستارمر الساحق على حزب المحافظين الذي انحرف إلى اليمين القومي بعد تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي أن بالإمكان الانتصار على القومية الشعبوية عندما يدرك الناخبون أنها فشلت في تلبية توقعاتهم وتركتهم أسوأ حالا. ومع ذلك، فإن اندلاع أعمال شغب اليمين المتطرف العنيفة المعادية للمهاجرين يبرز أنه بوسع مجموعة متطرفة، تم حشدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن تسبب دمارا سياسيا حتى لو أن صوتها هامشي في البرلمان.
سوف يأتي الاختبار الكبير القادم لجدران الصد الأوروبية في ألمانيا، عندما تقيم ثلاث ولايات شرقية انتخابات في سبتمبر يتابعها المراقبون باعتبارها تمرينا على الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وبرغم سلسلة فضائح أدت إلى نبذه حتى من أحزاب قومية أخرى في البرلمان الأوروبي، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف يتصدر استطلاعات الرأي في جميع الولايات الثلاث، في حين يحظى تحالف سارا فاجينكنيخت اليساري الشعبوي الموالي لروسيا الذي تم إنشاؤه مؤخرا بما يصل إلى 20٪. وقد لا تفوز الأحزاب الرئيسية بما يكفي من المقاعد معا لتشكيل ائتلافات قابلة للاستمرار في أي من هذه الولايات.
من بين جميع الأحداث القادرة على تغيير الديناميكيات السياسية في أوروبا، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي الأقوى، فمن شأن عودة ترامب النزّاع إلى الانتقام أن تشجع القوميين والشعبويين الأوروبيين وتضفي عليهم الشرعية. وتخيلوا ابتسامة على وجه زعيم الإصلاح، نايجل فاراج، أو ترحيبا على السجادة الحمراء في بودابست بصديق أوربان المقرب.
في حال انتصار هاريس، وقيادتها إدارة تجسد التنوع والنسوية والالتزام القوي بسيادة القانون، فقد يساعد ذلك في تعزيز جدار الصد في جميع أنحاء أوروبا. ومع ذلك، فإن الحواجز التي تمنع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة لن تنجح في المدى البعيد إلا إذا استطاعت الأحزاب الرئيسية أن تعالج القضايا المتعلقة بتكاليف المعيشة والإسكان والطاقة بأسعار معقولة وكذلك شتى القضايا التي دفعت العديد من الناخبين إلى أحضان الشعبويين على جانبي الأطلسي.
بول تيلورزميل زائر أول في مركز السياسة الأوروبية
الترجمة عن «جارديان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسیة الاتحاد الأوروبی الیمین المتطرف فی البرلمان فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
هل حقاّ وصف الاتحاد الأوروبي القهوة بأنها "ضارة" للبشر؟
وقد أثارت بعض الصحف الشعبية مخاوف من أن الاتحاد الأوروبي سيحظر القهوة قريبًا بعد أن زعمت المفوضية الأوروبية أن مادة الكافيين تشكل خطرًا على الاستهلاك البشري.
تزعم تقارير إخبارية ومنشورات اجتماعية واسعة الانتشار أن الاتحاد الأوروبي قد صنف القهوة على أنها خطرة على الإنسان.
إذ أن قناة جي بي نيوز الإخبارية البريطانية اليمينية اتهمت "البيروقراطيين المتطفلين في بروكسل" بأنهم قالوا إن القهوة غير آمنة. كما نشرت صحيفة التلغراف خبراً مفاده أن الاتحاد الأوروبي وصف القهوة بأنها خطيرة لأن مادة الكافيين "تضرّ بالصحة إذا شربها الإنسان"، مما أثار المخاوف من حظر المنتج في جميع أنحاء دول التكتل.
وذهب مقال آخر من NDTV World إلى حد التأكيد بأن الاتحاد الأوروبي قد حظر الكافيين تماما، بل أنه حاول شرح السبب. كما أثارت تقارير أخرى نُشرت في صحف مثل Global Guido وThe Daily Mail وThe Daily Express حالة من الغضب ضد الاتحاد الأوروبي بزعم أن التكتل يمهد الطريق لحظر القهوة.
تشير المقالات بشكل غامض إلى تقرير تحدث عن استخدام الكافيين في المبيدات الحشرية، دون تقديم أي روابط أو أسماء.
أولا، يجرّنا البحث على الإنترنت عن المصطلحات الرئيسية، إلى مقال أكثر دقة نشرته صحيفة الإندبندنت، والذي يذكر طلبًا من شركة بروجارين الفرنسية لاستخدام الكافيين كمبيد حشري للملفوف والبطاطس والمحاصيل الأخرى.
كما أجرينا بحثا آخر حول هذه المعلومات فقادنا إلى قرار المفوضية الأوروبية الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، ردًا على طلب شركة بروجارين للموافقة على الكافيين "كمادة أساسية لاستخدامها في وقاية النباتات كمبيد حشري في الملفوف والبطاطس وفصيلة البوكسوس وكمبيد للرخويات في جميع المحاصيل الصالحة للأكل وغير الصالحة للأكل".
وقررت المفوضية في نهاية المطاف عدم السماح للشركة باستخدام الكافيين كمادة أساسية كمبيد حشري، بناءً على المشورة العلمية التي طلبتها بروكسل من الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA).
وقالت في القرار إن "مادة الكافيين تضرّ بالإنسان إذا تم ابتلاعها"، مشيرةً إلى أن لها تأثيرات ضارة على الجسم.
وقالت المفوضية: "فيما يتعلق بصحة الإنسان، لاحظت [الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية] أيضًا... أن للكافيين تأثيرات ضارة على الجهاز القلبي الوعائي والترطيب ودرجة حرارة الجسم لدى البالغين، وكذلك على الجهاز العصبي المركزي (النوم، والقلق، والتغيرات السلوكية) لدى البالغين والأطفال، ونتائج سلبية متعلقة بالوزن عند الولادة لدى النساء الحوامل".
وأضافت: "علاوة على ذلك، وبسبب نقص البيانات، لم تستطع [الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية]استكمال تقييمها للمخاطر غير الغذائية على المشغّلين والعمال والمارّة والسكان".
Relatedخمسة أدوية لا يجب تناولها عند احتساء القهوة..تعرّف عليهاأسعار القهوة ترتفع بنسبة 90% بسبب تهديدات ترامب لكولومبيا وتأثير الظروف الجوية "لا يؤثر على عضلات القلب".. خبرٌ سار لمحبّي شرب القهوةفنجان القهوة أصبح أغلى..ارتفاع قياسي في أسعار البنّ بنسبة 70% في بضعة أشهر والقادم أسوء الدنمارك: مكافآت مالية مقابل إيداع أكواب القهوة في آلات إعادة التدوير.. هل تستمر التجربة وتنتشر؟ومع ذلك، من التضليل القول إن هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي قد وصف القهوة بأنها ضارة للإنسان، لأنه يشير إلى جرعات عالية من الكافيين النقي وليس إلى كوب من المشروب الصباحي.
تقول ورقة حقائق الكافيين الصادرة عن الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية أن هناك حوالي 90 ملغ من الكافيين في كوب متوسط من القهوة المصفاة، و80 ملغ في قهوة الإسبريسو و50 ملغم في الشاي الأسود، وأن تناول 400 ملغم على مدار اليوم لا يثير مخاوف بشان السلامة بالنسبة للأشخاص البالغين الأصحاء.
وتقول أيضًا إن الجرعة الواحدة التي تصل إلى 200 ملغم من الكافيين من جميع المصادر لا ينبغي أن تسبب أي مشاكل خاصة للبالغين الأصحاء العاديين.
ووفقًا للهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء فإن تأثير الكافيين قد يبدأ فقط بعد تناول خمسة أو ستة أكواب من القهوة فيضرّ بالنوم والصحة العقلية على المدى القصير، ويسبب مشاكل في القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل، كما قد يتسبب في إعاقة نمو الجنين لدى النساء الحوامل..
وتقول الهيئة "إن الجرعات الواحدة من الكافيين التي تعتبرأمنة للبالغين يمكن تطبيقها على الأطفال أيضاً، لأن معدل هضم الأطفال والمراهقين للكافيين يساوي على الأقل المعدل الموجود لدى البالغين. والدراسات المتوفرة عن التأثيرات الحادة للكافيين على القلق والسلوك لدى الأطفال والمراهقين تدعم هذا الرأي".
لذا، ورغم العناوين المضللة، فإن الاتحاد الأوروبي لا يحظر الكافيين في المشروبات، كما أن احتساء القهوة والشاي في فترة ما بعد الظهيرة لا يزال عملية آمنة.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية فنجان القهوة أصبح أغلى..ارتفاع قياسي في أسعار البنّ بنسبة 70% في بضعة أشهر والقادم أسوء جامعة كاليفورنيا في دافيس تفتتح أول مركز أكاديمي لأبحاث وفنون القهوة لا صداع بعد اليوم.. ما هي الحيلة التي تخلصك من إدمان القهوة قبل رمضان؟ قهوةالمفوضية الأوروبيةالاتحاد الأوروبي