خالد عمر يوسف يكتب: مقاطعة القوات المسلحة لمفاوضات جنيف وخيبة آمال الملايين
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
خالد عمر يوسف
جاء اعلان القوات المسلحة مقاطعتها للمشاركة في مفاوضات جنيف مخيباً لآمال الملايين الذين استبشروا خيراً بهذه الفرصة التي لاحت لإنهاء هذا الجنون الذي يحرق بلادنا بالكامل.
استندت القوات المسلحة في خطابها الاعلامي الرافض للمفاوضات على حجج واهية تناقض بعضها بعضاً، فتارة يطالبون بتنفيذ إعلان جدة وهم من انسحبوا من ذات المنبر سابقاً، واصدرت الوساطة السعودية الامريكية حينها بياناً حملت فيه الطرفين مسؤولية خرق ما هو متفق عليه، فكما هو صحيح بأن الدعم السريع يخرق إعلان جدة بتواجده داخل الأعيان المدنية، ففي ذات التوقيت فإن الجيش يخرق ذات الاعلان بقصف الأعيان المدنية وبإعاقة وصول المعونات الانسانية.
لكل ما ذكر أعلاه علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية للموقف السلبي للقوات المسلحة من مبادرات السلام المطروحة في الساحة الآن. في تقديري هنالك ثلاثة أطراف داخل معسكر القوات المسلحة تعوق أي محاولات لإنهاء هذه المأساة:
اولاً: المركز الأمني العسكري للحركة الإسلامية الذي اخترق الأجهزة الامنية والعسكرية في السودان طوال سنوات حكمهم الثلاثين ووظفها لمصلحة غاياته السلطوية. هذا المركز استخدم تأثيره على المنظومة الأمنية والعسكرية لإعاقة الانتقال، وشارك في انقلاب ٢٥ اكتوبر الى جانب قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع، وحين فشل الانقلاب وكادت الحركة الجماهيرية تحت ضغطها أن تساهم في نجاح عملية سياسية تنهي الانقلاب قرر ذات المركز اشعال حرب ضروس في البلاد مستغلاً اجواء الاحتقان والتعبئة بين القوات المسلحة والدعم السريع، ومنذ ذلك الوقت ظل ذات المركز يبذل كل جهده لأن تستمر الحرب حتى بلوغ غاياته التي تتمثل اما في حكم السودان موحداً اذا انتصر في الحرب او تقسيمه اذا فشل في ذلك.
ثانياً: الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة والتي وجدت هذه الحرب فرصة سانحة لبناء قوة عسكرية ومالية، مستغلة حالة الفوضى التي تضرب باطنابها في السودان. هذه المجموعات لا يهمها شيء سوى الحفاظ على مصالح قادتها ومواقعهم، ساهموا في انقلاب ٢٥ اكتوبر طمعاً في مزيد من السلطة والثروة التي تقيدها اجواء الحريات والانتقال الديمقراطي، وهاهم يتمسكون بمواقع ومكاسب من هذه الحرب ولا يقيمون أي وزن لمعاناة الناس.
ثالثاً: البرهان نفسه .. فالرجل ظل مدفوعاً بهدف واحد منذ اندلاع الثورة ونجاحها في الإطاحة بالبشير، فسعى خلال الفترة الانتقالية لأن يحوز على السلطة باستخدام ذات معادلة البشير وهي تقسيم القوى المسلحة واستخدام تناقضاتها لمصلحته، فسمح الرجل بتمدد الدعم السريع ليوازن به المركز الامني والعسكري للاسلاميين، وسمح باستمرار وجود المركز الأمني والعسكري للاسلاميين وعدم تفكيكه ليوازن به الدعم السريع.
واصل الرجل في مغامراته السلطوية فشارك في انقلاب ٢٥ أكتوبر إلى جانب قيادة الدعم السريع والمركز الأمني والعسكري للإسلاميين، ومن ثم ظل منذ بداية الحرب يسعى بكل ما اوتي من قوة ليكتسب شرعية الاعتراف به كرئيس في خضم هذه المأساة التي يعيشها شعبه. فعن أي رئاسة وشرعية يبحث وسط هذا الحطام؟؟ الحقيقة هي أنه لا يوجد حكم شرعي في السودان الآن، بل أن كيان الدولة نفسه على المحك، ومن غير المقبول أن يربط البرهان انخراطه في محاولات الوصول لحل سلمي بشرعنة بقاءه في السلطة وكأنه يأخذ البلاد وأهلها رهينة لتحقيق طموحه السلطوي.
عقد البرهان المشهد بصورة بالغة جراء استخدامه لكل هذه التناقضات ففقد ثقة حلفاءه الداخليين والخارجيين، وزاد من الانقسامات في معسكر القوات المسلحة بطريقة جعلته مشلولاً، لا ارادة موحدة له في السلام أو في الحرب.
الآن يبرز السؤال المحوري الذي يؤرق أذهان ملايين السودانيين/ات. ما العمل؟؟
هنالك مسارين لا ثالث لهما لانهاء الحرب في السودان واعادة الامن والاستقرار للبلاد. يتبنى فريق الحل العسكري للأزمة لدوافع متباينة .. نتائج هذا الخيار هي التي ندفع ثمنها الآن فاستمرار الحرب والامتناع عن السعي لوقفها عن طريق التفاوض يعني استمرار الموت والدمار والتشرد والانتهاكات ومن يظن أن هذا هو الطريق الصحيح عليه ان يتحمل التبعات الاخلاقية التي تحدث جراء الإصرار على هذا الطريق.
المسار الثاني هو الحل السلمي التفاوضي وهو الخيار الذي يمكن ان يحقن الدماء ويعيد الأمن للبلاد في أقصر وقت وبأقل تكلفة، ويعتبر منبر جنيف فرصة ذهبية لتحقيق ذلك، عليه يجب توحيد موقف داخلي وخارجي واسع للضغط من أجل قبول القوات المسلحة للجلوس للتفاوض بعد ان استجاب الدعم السريع لذلك، وأن تتواصل هذه الضغوط على جميع الأطراف لضمان التوصل لاتفاق وقف عدائيات فوري ولفتح مسارات توصيل المساعدات الإنسانية وأن تتوفر آليات رقابة فعالة لضمان تنفيذ ما اتفق عليه وما سيتم الاتفاق عليه لاحقاً.
تجري جهود دولية واقليمية عديدة الآن لتوحيد المواقف من أجل الضغط لتحقيق السلام في السودان، هذه الجهود لن تنجح دون موقف شعبي سوداني واسع مناهض للحرب وداع للسلام وهو واجب الساعة الآن، وما يجب فعله لانهاء هذه الكارثة اليوم قبل الغد.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد عمر يوسف القوات المسلحة الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
شاهد لحظة اسقاط طائرة (إم كيو-9) امريكية باجواء الحديدة
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، في بيان عسكري إنه: "بعون الله تعالى نجحت دفاعاتنا الجوية في إسقاط طائرة أمريكية معادية نوع (إم كيو-9) أثناء انتهاكها للأجواء اليمنية وتنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الحديدة".
مشاهد إسقاط طائرة MQ9 الأمريكية بصاروخ أرض-جو محلي الصنع أثناء تنفيذها مهام عدائية في أجواء محافظة الحديدة - 2025/03/03م pic.twitter.com/pno5rReale
— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) March 4, 2025
وأضاف أن "هذه هي الطائرة الخامسة عشرة التي تنجح دفاعاتنا الجوية في إسقاطِها خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس دعما وإسنادا لإخواننا المجاهدين في غزة ولبنان".
وأكد أن "القوات المسلحة اليمنية مستمرة في تنفيذ مهامها الدفاعية للتصدي لأي عدوان على بلدِنا ومن ضمن ذلك رصد ومتابعة التحركات المعادية في البحرين الأحمر والعربي، وإنها على استعداد كامل للتعامل مع أي تطورات خلال المرحلة المقبلة".
وتشكل العملية صفعة مباشرة للعدو الأمريكي، حيث جاء إعلانها بعد ساعات قليلة من إعلان الخارجية الأمريكية عن دخول قرار ترامب بتصنيف "أنصار الله" كمنظمة إرهابية أجنبية، كمحاولة انتقامية من دور اليمن في معركة طوفان الأقصى.
وحمل بيان ناطق القوات المسلحة رسائل تحد واضحة للولايات المتحدة، حيث تمت إضافة الطائرة الجديدة إلى حصيلة الطائرات التي تم إسقاطها خلال معركة إسناد غزة ولبنان، وهو ما يعني التمسك بالدور المؤثر والمتقدم للجبهة اليمنية في الصراع مع العدو الصهيوني وداعميه، وهو الدور الذي جاء قرار التصنيف الأمريكي بهدف الانتقام منه.
ومثلت العملية دليلا عمليا على إعلان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن استعداد وجاهزية الجبهة اليمنية للتعامل الفوري مع أي تطورات، وهو أيضا ما عززه تأكيد ناطق القوات المسلحة على مراقبة ورصد كل التحركات العدوانية في البحرين الأحمر والعربي، خصوصا وأنه يأتي بالتزامن مع عودة حاملة الطائرات الأمريكية (ترومان) إلى شمال البحر الأحمر هذا الأسبوع.
وتضع هذه العملية إدارة ترامب في مواجهة مباشرة ومبكرة مع حتمية فشل كل مساعيها العدوانية ضد اليمن في سياق دعم العدو الصهيوني، وهو ما يلغي "الفروقات" التي حاولت هذه الإدارة أن تصنعها بينها وبين إدارة بايدن فيما يتعلق بالتعامل مع ملف اليمن، حيث تبرهن العملية الجديدة على أن واقع الفشل الأمريكي أمام اليمن لا يزال مستمرا بنفس القدر، الأمر الذي يشكل سقوطا سريعا لصورة "الحزم" التي حاولت إدارة ترامب إظهارها فيما يتعلق بالتعامل مع اليمن، من خلال قرار التصنيف الانتقامي.
ومن شأن هذه العملية أن توجه رسائل ضمنية لشركاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل النظام السعودي الذي تصاعدت مؤخرا مؤشرات ميله إلى الاستجابة للتوجهات الأمريكية في التصعيد ضد اليمن، حيث تؤكد العملية أن جاهزية القوات المسلحة لمواجهة التطورات فورية ولا سقف لها.