خالد عمر يوسف

جاء اعلان القوات المسلحة مقاطعتها للمشاركة في مفاوضات جنيف مخيباً لآمال الملايين الذين استبشروا خيراً بهذه الفرصة التي لاحت لإنهاء هذا الجنون الذي يحرق بلادنا بالكامل.
استندت القوات المسلحة في خطابها الاعلامي الرافض للمفاوضات على حجج واهية تناقض بعضها بعضاً، فتارة يطالبون بتنفيذ إعلان جدة وهم من انسحبوا من ذات المنبر سابقاً، واصدرت الوساطة السعودية الامريكية حينها بياناً حملت فيه الطرفين مسؤولية خرق ما هو متفق عليه، فكما هو صحيح بأن الدعم السريع يخرق إعلان جدة بتواجده داخل الأعيان المدنية، ففي ذات التوقيت فإن الجيش يخرق ذات الاعلان بقصف الأعيان المدنية وبإعاقة وصول المعونات الانسانية.

أما مطالبة قيادة القوات المسلحة بالتعامل معها كحكومة شرعية فهو قول يناقض التمسك بإعلان جدة الذي وقعته كقوات مسلحة ولا مكان فيه لأي حكومة كانت، وثالث تناقضات قيادة القوات المسلحة الواضحة هي المطالبة بابعاد دولة الأمارات العربية المتحدة من صفة المراقب التي ستشارك بها في جنيف، وهو أمر مثير للاستغراب فقد قبلت القوات المسلحة ان تكون الأمارات وسيطاً في مباحثات المنامة، ووقعت إعلان المنامة وفقاً لتلك الوساطة، فكيف ترفض مشاركتها كمراقب في منبر وتقبل أن تكون وسيطاً في منبر آخر.

لكل ما ذكر أعلاه علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية للموقف السلبي للقوات المسلحة من مبادرات السلام المطروحة في الساحة الآن. في تقديري هنالك ثلاثة أطراف داخل معسكر القوات المسلحة تعوق أي محاولات لإنهاء هذه المأساة:

اولاً: المركز الأمني العسكري للحركة الإسلامية الذي اخترق الأجهزة الامنية والعسكرية في السودان طوال سنوات حكمهم الثلاثين ووظفها لمصلحة غاياته السلطوية. هذا المركز استخدم تأثيره على المنظومة الأمنية والعسكرية لإعاقة الانتقال، وشارك في انقلاب ٢٥ اكتوبر الى جانب قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع، وحين فشل الانقلاب وكادت الحركة الجماهيرية تحت ضغطها أن تساهم في نجاح عملية سياسية تنهي الانقلاب قرر ذات المركز اشعال حرب ضروس في البلاد مستغلاً اجواء الاحتقان والتعبئة بين القوات المسلحة والدعم السريع، ومنذ ذلك الوقت ظل ذات المركز يبذل كل جهده لأن تستمر الحرب حتى بلوغ غاياته التي تتمثل اما في حكم السودان موحداً اذا انتصر في الحرب او تقسيمه اذا فشل في ذلك.

ثانياً: الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة والتي وجدت هذه الحرب فرصة سانحة لبناء قوة عسكرية ومالية، مستغلة حالة الفوضى التي تضرب باطنابها في السودان. هذه المجموعات لا يهمها شيء سوى الحفاظ على مصالح قادتها ومواقعهم، ساهموا في انقلاب ٢٥ اكتوبر طمعاً في مزيد من السلطة والثروة التي تقيدها اجواء الحريات والانتقال الديمقراطي، وهاهم يتمسكون بمواقع ومكاسب من هذه الحرب ولا يقيمون أي وزن لمعاناة الناس.

ثالثاً: البرهان نفسه .. فالرجل ظل مدفوعاً بهدف واحد منذ اندلاع الثورة ونجاحها في الإطاحة بالبشير، فسعى خلال الفترة الانتقالية لأن يحوز على السلطة باستخدام ذات معادلة البشير وهي تقسيم القوى المسلحة واستخدام تناقضاتها لمصلحته، فسمح الرجل بتمدد الدعم السريع ليوازن به المركز الامني والعسكري للاسلاميين، وسمح باستمرار وجود المركز الأمني والعسكري للاسلاميين وعدم تفكيكه ليوازن به الدعم السريع.
واصل الرجل في مغامراته السلطوية فشارك في انقلاب ٢٥ أكتوبر إلى جانب قيادة الدعم السريع والمركز الأمني والعسكري للإسلاميين، ومن ثم ظل منذ بداية الحرب يسعى بكل ما اوتي من قوة ليكتسب شرعية الاعتراف به كرئيس في خضم هذه المأساة التي يعيشها شعبه. فعن أي رئاسة وشرعية يبحث وسط هذا الحطام؟؟ الحقيقة هي أنه لا يوجد حكم شرعي في السودان الآن، بل أن كيان الدولة نفسه على المحك، ومن غير المقبول أن يربط البرهان انخراطه في محاولات الوصول لحل سلمي بشرعنة بقاءه في السلطة وكأنه يأخذ البلاد وأهلها رهينة لتحقيق طموحه السلطوي.
عقد البرهان المشهد بصورة بالغة جراء استخدامه لكل هذه التناقضات ففقد ثقة حلفاءه الداخليين والخارجيين، وزاد من الانقسامات في معسكر القوات المسلحة بطريقة جعلته مشلولاً، لا ارادة موحدة له في السلام أو في الحرب.

الآن يبرز السؤال المحوري الذي يؤرق أذهان ملايين السودانيين/ات. ما العمل؟؟

هنالك مسارين لا ثالث لهما لانهاء الحرب في السودان واعادة الامن والاستقرار للبلاد. يتبنى فريق الحل العسكري للأزمة لدوافع متباينة .. نتائج هذا الخيار هي التي ندفع ثمنها الآن فاستمرار الحرب والامتناع عن السعي لوقفها عن طريق التفاوض يعني استمرار الموت والدمار والتشرد والانتهاكات ومن يظن أن هذا هو الطريق الصحيح عليه ان يتحمل التبعات الاخلاقية التي تحدث جراء الإصرار على هذا الطريق.
المسار الثاني هو الحل السلمي التفاوضي وهو الخيار الذي يمكن ان يحقن الدماء ويعيد الأمن للبلاد في أقصر وقت وبأقل تكلفة، ويعتبر منبر جنيف فرصة ذهبية لتحقيق ذلك، عليه يجب توحيد موقف داخلي وخارجي واسع للضغط من أجل قبول القوات المسلحة للجلوس للتفاوض بعد ان استجاب الدعم السريع لذلك، وأن تتواصل هذه الضغوط على جميع الأطراف لضمان التوصل لاتفاق وقف عدائيات فوري ولفتح مسارات توصيل المساعدات الإنسانية وأن تتوفر آليات رقابة فعالة لضمان تنفيذ ما اتفق عليه وما سيتم الاتفاق عليه لاحقاً.
تجري جهود دولية واقليمية عديدة الآن لتوحيد المواقف من أجل الضغط لتحقيق السلام في السودان، هذه الجهود لن تنجح دون موقف شعبي سوداني واسع مناهض للحرب وداع للسلام وهو واجب الساعة الآن، وما يجب فعله لانهاء هذه الكارثة اليوم قبل الغد.

الوسومخالد عمر يوسف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد عمر يوسف القوات المسلحة الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

بوتين يرد على ترامب: على أوكرانيا الاستسلام فى مقاطعة كورسك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في رد على طلب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، من نظيره الروسى فلاديمير بوتين، بإنقاذ قوات أوكرانية محاصرة فى مقاطعة كورسك، أكد بوتين، أنه يتعين على كييف إعطاء الأمر لجيشها بالاستسلام فى كورسك.

وقال بوتين خلال اجتماع لمجلس الأمن الروسى: "يتعين على كييف إعطاء الأمر لجيشها بالاستسلام في كورسك"، بحسب "روسيا اليوم".
وقد كشف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عن أنه تحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس، بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية.

وكتب ترامب على منصات التواصل الاجتماعى: "النقاش مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شكل فرصة جيدة جدا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وأوضح الرئيس الأمريكي، أنه طلب من نظيره الأمريكي، "إنقاذ أرواح القوات الأوكرانية المحاصرة بالكامل في مقاطعة كورسك" جنوب غربي روسيا.

واعتبر ترامب أن ما قد تتعرض له قوات كييف المحاصرة "قد يصبح مجزرة مروعة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية".

بدوره، أكد الرئيس بوتين يوم أمس أن الجيش الروسي يسيطر بشكل كامل على الوضع في مقاطعة كورسك وأن قوات كييف التي توغلت بالمقاطعة وقعت في الحصار وليس أمامها سوى الاستسلام أو الموت.

وقال: "الوضع فى مقاطعة كورسك تحت سيطرتنا بالكامل والقوات التي تسللت إلى أراضينا انقطعت عنها الإمدادات وأصبحت في عزلة تامة وفي مرمى القوات الروسية".

مقالات مشابهة

  • إعلام روسي: الجيش دمر 31 مسيرة أوكرانية
  • "الدفاع الروسية": تدمير عدد من الآليات الأوكرانية في مقاطعة كورسك خلال 24 ساعة
  • مقتل (30) عنصرا من مليشيا الدعم السريع بالمحور الشرقي لمدينة الفاشر
  • نائب البشير يحدد متى تتوقف الحرب ومكان تواجد الرئيس المعزول
  • بوتين يرد على ترامب: على أوكرانيا الاستسلام فى مقاطعة كورسك
  • روسيا تعلن تحرير بلدة جديدة في مقاطعة كورسك
  • الجيش الروسي يعترض 4 مسيّرات استهدفت موسكو
  • روسيا تعلن عن تقدمات ميدانية في مقاطعة كورسك ضد قوات أوكرانيا
  • المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
  • الشرقية تكرم أسر شهداء القوات المسلحة ومصابي العمليات الحربية بقصر ثقافة الزقازيق