فى وقت الأزمات تتضح معادن البشر، إما التكاتف معًا والمؤازرة لمواجهة الأزمة وتخطيها معًا يدًا واحدة إلى بر الأمان، وهذا هو المعدن الطيب، وإما التناحر والتطاحن وتنامى لغة الأنا، أى أنا ومن بعدى الطوفان، وهذا هو المعدن الرديء الذى لا يؤدى أبدًا إلى حل الأزمة بل إلى تفاقمها بشكل مريع ينعكس فى النهاية على الجميع بشكل سلبى مدمر، حتى على أولئك الذين حاولوا النجاة بأنفسهم، وسأشبه الأمر بقصة قصيرة.
مركب فى البحر، عصفت الرياح بشدة وعلت الأمواج، وأوحى الشيطان لبعض الركاب الأقوياء بالتخلص من بعض الركاب الأضعف بإلقائهم فى البحر اعتقادًا أن تخفيف حمولة المركب ستنجيه من الغرق عندما يصبح خفيفًا، فإذ بالمركب بعدما خف وزنه، تمكن منه الريح والموج أكثر فانقلب بمن تبقى به من الركاب، ليغرق الجميع مع الندم لأنهم قاموا بأمر عكس اتجاه الإنسانية والرحمة، لكن لو تماسك الركاب، وحاولوا جميعًا إنقاذ المركب يدًا واحدة بلا أنانية، وعمل توازن متوزع على ظهر المركب والصمود معًا فى وجه الريح، لتم إنقاذ المركب ونجا الجميع، فلا عواصف أبدية دون نهاية.
هكذا نحن فى تلك المرحلة الاقتصادية الصعبة على الجميع، لا نتماسك، لا نتآزر، لا يرحم بعضنا البعض، بل يدهس القوى الضعيف، القادر يطحن المحتاج قدر ما استطاع، أصيب الأغلبية بسعار بشع من الرغبة فى الكسب ولو من مال حرام خوفًا من الجوع والفقر، وقد اختفى تقريبًا الإيمان بان الأرزاق من الله، وأن علينا السعى الحلال ليبارك الله لنا فى القليل، لكن للأسف حدث العكس، اشتد بأس التجار علينا بلا رحمة أو رقابة من المعنيين بالأمر، فتم ترك المواطن نهبًا لجشع التجار ومغالاة المزايدين علينا فى كل أمر، أصبح من فى قمة الهرم يأكل فى نهم مقدرات الطبقة الوسطى، والطبقة الوسطى المتأكلة رفعت يدها عن مساعدة الطبقة الفقيرة، واصبح الأغلب لا ينظر إلا فى مرآته فقط، ولا يقول سوى نفسي، نفسي، لتزداد الرشوة واستغلال النفوذ والمحسوبية والفساد المالى والإدارى عامة، وأصبحت الأدراج مفتوحة أكثر لتلقى ثمن «الشاى بالياسمين»، وليتم عصر ما تبقى من دم المواطن مقابل حصوله على مجرد حقه فى الخدمات.
فمثلًا، إذا ما قررت الحكومة رفع أسعار المحروقات، نجد أصحاب التاكسي، الميكروباص، وكل المواصلات العامة والخاصة وكذلك التكاتك التى تخدم المناطق الشعبية الأكثر فقرًا، تقفز فى تعريفتها بشكل غير معقول، لا يتلاءم أبدًا مع الزيادة المقررة، وكأنهم ينتقمون من الحكومة فى نظيرهم المواطن بشكل مضاعف، رغم أن الزيادة فى تسعيرة المواصلات يجب أن تكون متناسبة مع هذه الزيادات، لكن ما يحدث هو استغلال قرارات الزيادة لجلد المواطن بزيد من سياط الأسعار، دون أن يرحم بعضنا البعض.
وأذكر أنى تلقيت رسالة من المهندس أحمد ياسر الكومى من البحيرة، يناشدنى بإيصال صوته وكل المواطنين إلى الدكتورة جاكلين عازر محافظ البحيرة، وإلى مدير إدارة المرور بالمحافظة، ويقول الكومى إن الوحدة المحلية بمركز «الدلنجات» أعلنت عن تسعيرة للـ«توك توك» لا تزيد على 5 جنيهات، وتم وضع لاصق بذلك، لكن أغلب أصحاب وسائقى الـ«توك توك» تجاهلوا الملصق، وفى اتفاق ضمنى رفضوا تطبيق التسعيرة، حتى فى المسافات القصيرة يصر السائق أن يتقاضى عليها عشرة جنيهات على الأقل، ومن يعترض من المواطنين يواجه جمهرة من البلطجية الداعمين للسائق، بما يخشى فيها المواطن على نفسه وحياته، خاصة إذا كان الراكب برفقته زوجته أو أطفاله، فيضطر إلى الدفع صاغرًا مرعوبًا.
وتشهد كل طرق المركز مشاجرات يومية لا تنتهى بين الركاب والسائقين لعدم التزامهم بالتسعيرة فى هذا الإطار، ويصرخ المواطنون استنجادًا بمحافظ البحيرة، وبإدارة المرور للدفع بحملات للتفتيش على مواقف ومركبات التوك توك حماية للمواطنين من عمليات الاستغلال والتهديد، وتطبيق العقوبة على المخالفين.
هذا نموذج بالطبع على سبيل المثال لا الحصر، وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد عكس الاتجاه 1 مركبات التوك توك
إقرأ أيضاً:
أوضح دعوة لدرء تورط العراق في الحرب: نحن غير مهيئين لخوضها
14 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: تكتسب الدعوات لتجنب التورط في التصعيد الاقليمي الناجم عن الحرب في غزة ولبنان أهمية خاصة، وقد جاءت هذه المرة من شخصية رفيعة في الحكومة العراقية، رئيس ائتلاف قوى الدولة الوطنية عمار الحكيم الذي يعتبر صاحب قرار داخل قوى الإطار التنسيقي الشيعي، اذ يرفض بشدة انخراط العراق في الصراع الدائر، معتبراً أن البلاد ليست مهيأة لخوض حروب إضافية.
وأوضح الحكيم في تصريحاته أن العراق قادر على دعم القضايا الفلسطينية واللبنانية عبر ثلاثة محاور رئيسية: الدعم السياسي، الإعلامي، والإنساني. هذه المواقف تعكس استشعار الحكومة العراقية لمسؤوليتها في تجنب أي تداعيات قد تؤدي إلى إشعال فتيل حرب إقليمية جديدة، في وقت يعاني فيه البلد من آثار الحروب السابقة.
وقال الحكيم خلال مؤتمر صحافي عقده بمحافظة النجف، إن العراق بإمكانه أن يقدم الدعم والإسناد للقضية (الفلسطينية واللبنانية) عبر 3 اتجاهات.
يتركز الاتجاه الأول، وفق الحكيم، على الدعم السياسي لكل من فلسطين ولبنان، إلى جانب بيانات الإدانة والاستنكار ضد الأفعال الإسرائيلية، والانخراط في المساعي السياسية والوساطات الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
ويتمثل الاتجاه الثاني في الدعم الإعلامي، حيث يمكن لـالإعلام العراقي المحلي أن يظهر حجم المظلومية والإبادة التي يتعرض لها الشعبان الفلسطيني واللبناني، والانتهاكات الصارخة التي يمارسها الكيان الإسرائيلي فيما يخص البلدين.
الاتجاه الثالث يتمثل في الدعم الإنساني والإغاثي. وأكد الحكيم أن العراق قدم ولا يزال يقدم (في هذا الجانب) شعباً وحكومة، ويستضيف عدداً من النازحين بشكل مؤقت.
ورأى أن هذه السياسة، والتركيز على الدعم في هذه المجالات، كفيلان بأن يجنبا العراق الانخراط في حرب إقليمية شاملة.
وخلص الحكيم إلى أن العراق تحمّل الكثير خلال العقود الماضية، وخاض كثيراً من الحروب، وتعرض إلى المشكلات والتحديات، ومنذ عامين يشهد انتظاماً في أوضاعه الداخلية، وهو غير مهيئ لخوض حروب إضافية.
وفي كلمة أمام طلبة مدرسة دار الحكمة للعلوم الإسلامية في النجف، أكد الحكيم على مواقف المرجعية الدينية عبر التاريخ في دعم هذه القضية المحورية الحقة، لكنه حذر من تغليب العاطفة على العقل في اتخاذ المواقف المصيرية، مع أهمية رأي الفقيه المجتهد في ذلك.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts