لجريدة عمان:
2025-03-16@03:45:16 GMT

دفاتر العزلة وكتابة المتخيّل

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

دفاتر العزلة وكتابة المتخيّل

يشكل «نسرٌ على الطاولة المجاورة» (منشورات «نوفل» بيروت)، الكتاب الأخير الذي صدر للروائي والسيناريست السوري خالد خليفة، وهو بعد على قيد الحياة (وافته المنيّة قبل عام تقريبا، في سبتمبر الماضي)؛ ولكن ليس آخر، إذ ثمة معلومات تفيد أن الدار تحضر للطبع روايته الأخيرة، التي كان انتهى من كتابتها، قبل الرحيل، لتصدرها في ذكرى غيابه الأولى.

يحمل كتاب «نسرٌ على الطاولة المجاورة»، عنوانا فرعيا وهو «دفاتر العزلة والكتابة (الدفتر الأول)»، وهو إن دلّ على المضمون الداخلي، فإنه يشير أيضا، إلى «مشروع» ما كان يعمل (أو ربما عمل) عليه خالد خليفة. وهو يتمثل، وفق ما يمكن لنا تأويله من هذا العنوان الفرعي (الدفتر الأول)، في أن ثمة دفاتر أخرى (قد تكون تطرقت إلى موضوعات أخرى غير العزلة والكتابة)، ربما تنتظر الكشف عنها مثلما يمكن القول إنها ربما غير موجودة لتكمل هذه الرحلة، التي لا تقع على هامش الكتابة، بل تأتي لتكون في صميمها، وتشير إلى جوهر تفكير الروائي في معنى أن يكتب، وفي معنى فنّه كله. ما يجعلني أميل أكثر إلى فرضية وجود دفاتر أخرى، أن هذه «الشذرات» (فيما لو جازت التسمية) أو هذه الأفكار، عائدة إلى فترة «شتاء 2001 (يونيو) 2015»، وقد كُتبت في «أمكنة مختلفة من العالم»، وهي تشير بشكل عابر (في موقعين) إلى الأحداث التي عرفتها سوريا؛ بمعنى آخر، من الصعب أن لا يكون خالد خليفة، وبعيدا عن رواياته، قد سجل انطباعاته حول ما جرى في بلاده، وهو الذي كان منخرطا في أحداثها، عبر مواقفه الصريحة والواضحة.

في أي حال، ثمة سؤال يطرح نفسه، منذ البداية، وقبل الدخول إلى آراء خالد خليفة حول الكتابة: لماذا يشعر بعض الكتّاب، في لحظة ما، في محطة ما من حياتهم، بهذه الحاجة لأن «يبتعدوا» قليلا عن عملهم الإبداعي، ليخصصوا وقتا لكتابة نوع من نص حول الرواية؟ هل هي سمة العصر التي تدفع الروائي للحديث عن روايته؟ هل أصبحت الرواية تتطلب التزاما «نضاليا» للدفاع عنها، أي بمعنى آخر، هل شعروا بقصور النقد الموجود فاختاروا أن يدلوا بدلوهم؟ أيشعر الروائيون، اليوم، أنه من المهم تكذيب تلك المقولة والنغمة التي تلف العالم حول «موت الرواية»، مثلا؟

من دون شك، تبدو أسئلتي هذه، بدورها، أنها بحاجة إلى تأمل نقدي آخر. في أي حال، يبدو الروائيون (وربما غيرهم من الكتّاب) كما لو أنهم يشعرون بضرورة تبيان (والأدلة بين أيديهم) أن الحقبة الحالية، «لا تشعر بأي حسد تجاه الروائيين السابقين»، أي لا تزال هنا، نقيّة وتبدع. فلو انطلقنا من وجهة النظر هذه، لبدا كتاب خالد خليفة قمة في هذا الدفاع والبرهان عن الرواية الحديثة. إذ أن «نسرٌ على الطاولة المجاورة» كتاب تأملات مكثفة، نافذة، حول المادة ذاتها للفن الروائي اليوم، انطلاقا من تجربة الكاتب الشخصية.

من دون شك، يبدو عالمنا اليوم، بكلّ ما يحمل من انزياحات شتى، وكأنه خاضع لحركة مزدوجة، فمن جهة لا بدّ أن نجد «انفجار المعلومات»، ومن جهة أخرى، هناك «انبجاس المعنى»، وأقصد، أي أنه لم يكن هناك يوما، هذا القدر من «الرسائل المتبادلة» التي لم يبدِ الكون يوما أي صعوبة في فك رموزها، مثلما يحدث في لحظتنا الراهنة. من هنا، يمكن القول، إن إحدى أهم سمات الرواية لا تكمن فقط في أن مهمتها الأساسية هي إيصالنا إلى منفذ، «إلى ما لا يمكن قوله بشكل مختلف» بل لأنها الوحيدة، التي تستطيع الاستفادة من الحقيقة المتعددة، المبهمة، الإشكالية، التي لا تظهر أي أفكار أحادية الأبعاد ولا أي من «الأرثوذكسيات» الجامدة. بمعنى آخر، أطرح ما يشير إليه خالد خليفة: ماذا نريد من الرواية؟ ربما كان علينا مواجهة كل الفروع الثنائية غير النافعة أي تلك الحواجز الدوغمائية المتمثلة في الواقعية ضد المتخيل والقومية ضد الكوسموبوليتية والالتزام ضد الشكلية.

كل معنى الفن الروائي، ربما منذ رابليه وثرفانتس - (فيما لو اخترنا اثنين من مؤسسي الرواية في العالم، فالرواية العربية، وعلى الرغم من أننا نستطيع إحالة فكرة السرد إلى «ألف ليلة وليلة»، إلا أنها وليدة العصر الحديث من دون شك) - وحتى أيامنا هذه، يعود إلى قدرتنا على اجتياز هذا التناوب. فإن كانت الرواية تُصوب نظرتها إلى الواقع، يجب عليها، عندها، ألا تشعر بالسرور في استدعاء «ما سبق أن عرفناه» بل أن تحاول استكشاف «غير المرئي»، الذي لم يُقل بعد، «المنسي»، وبإمكانها في ذلك أن تعتمد على المتخيل والحلم.

المتخيل والحلم. كلمتان أساسيتان في أفكار خالد خليفة في كتابه هذا، فمن دونهما - ومثلما يجد - ما من كتابة حقة. فالاعتماد على الواقع فقط، لن يؤدي إلى كتابة حقيقية، إذ يطرح فعلا فكرة جوهرية: لا كتابة من دون خيال ومتخيل. بهذا المعنى الذي يقوله خالد خليفة، يمكننا اعتبار أن الرواية الكبيرة هي تلك الرواية التي لا تنغلق أبدا داخل حدود مسقط رأسها. فحين يشير ويتحدث مثلا عن ثرفانتس ودوستويفسكي وهمنجواي وماركيز وباموك (ويشير إليهم، ضمن غيرهم، بالمعلمين الكبار) فنحن لا نتحدث عن جنسيتهما بل عن «خيالهما» الذي يثير العديد من النغمات عند القارئ. أي إنهما يأخذان القارئ في رحلة جديدة. هنا يكمن سؤال الأدب برمته، فهو حين ينتقل بنا، يكون عندها قد انتقل من الجيو- سياسة إلى الجيو-أدب. وهذا الأخير هو من يفتح المناطق المحررة المتعذر تخفيضها عندها.

هل بهذا المعنى، يمكن القول إن الرواية -بشكل عام- هي الجغرافيا، لا التاريخ؟ ما أقصده، أن الرواية، في إشارات خالد خليفة هي «متخيّل» العالم، والمتخيل ليس في الواقع سوى «تحويل التجربة إلى معرفة». من هنا تكمن جغرافيا الرواية في أرض متحركة باستمرار، تتوسع عند كل اكتشاف، لأنها «لا تُظهر العالم أو تبرهنه بل تضيف عليه شيئا ما». فمغامرة الكاتب «تقع في قول ما يجهله».

«نسرٌ على الطاولة المجاورة»، أكثر من «دفاتر» وأكثر من مجرد أفكار ويوميات حول الكتابة؛ إنها فعلا نظرة كاتب إلى العالم الروائي، انطلاقا من عالمه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: خالد خلیفة من دون

إقرأ أيضاً:

«ميناء خليفة» يستقبل سفينة «سي إم ايه سي جي إم آيرون»


أبوظبي (الاتحاد)
استقبل ميناء خليفة اليوم سفينة «سي إم ايه سي جي إم آيرون»، وهي أول سفينة حاويات لشركة «سي إم ايه تيرمينالز» تعمل بالوقود المزدوج للميثانول، في أول زيارة تاريخية لها إلى محطة «سي إم ايه تيرمينالز ميناء خليفة» في أبوظبي، وذلك في إطار تعزيز التعاون فيما بين مجموعة موانئ أبوظبي، ومجموعة «سي إم ايه سي جي إم» الفرنسية، في مجال الحد من الانبعاثات الكربونية في القطاع البحري. 
وتم بناء سفينة «سي إم ايه سي جي إم آيرون» من قبل الشركة الكورية «هيونداي سامهو للصناعات الثقيلة»، وهي تعمل بالوقود المزدوج، أي بالوقود التقليدي، وكذلك الوقود البديل مثل الميثانول الحيوي والميثانول الأخضر. 

وقال سيف المزروعي، الرئيس التنفيذي لقطاع الموانئ، مجموعة موانئ أبوظبي: يمثل رسو سفينة الحاويات «سي إم ايه سي جي إم آيرون» العاملة بالوقود المزدوج في ميناء خليفة، بداية لمرحلة جديدة في مسار قطاع النقل البحري العالمي، حيث تواصل مجموعة موانئ أبوظبي التزامها بالمساهمة في تحقيق رؤى وتوجيهات قيادتنا الرشيدة لضمان مستقبل أفضل وأكثر استدامة للأجيال القادمة، عبر تطوير بنى تحتية مستدامة وتوفير خدمات صديقة للبيئة مثل تخزين وتوزيع الوقود الحيوي، ولا يقتصر ذلك فقط على شركات الشحن، بل يصل أيضاً إلى المتعاملين في مدننا الاقتصادية في كيزاد، حيث أصبح العديد منهم يسعى في الآونة الأخيرة، وبشكل متزايد إلى استخدام الوقود الحيوي في عملياته وأنشطته الخاصة.
ومن جانبها، قالت كريستين كابو وهرل، نائب الرئيس التنفيذي للأصول والعمليات في مجموعة «سي إم إيه سي جي إم»: يشكل وصول أول سفينة تعمل بالوقود المزدوج للميثانول إلى أبوظبي علامة فارقة في رحلتنا نحو تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050، كما يؤكد ذلك على السعي المشترك لكل من مجموعة «سي إم ايه سي جي إم»، ومجموعة موانئ أبوظبي لجعل محطة «سي إم ايه تيرمينالز ميناء خليفة» منشأة رائدة تمتلك بنية تحتية مستدامة ومتطورة، وتقدم خدمات مثالية، وترسخ دورها مركزاً رئيساً يربط بين آسيا وأفريقيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط والخليج وشبه القارة الهندية.
وتعد شركة «سي إم ايه سي جي إم» إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، وهي رائدة في تقديم الحلول البحرية والبرية والجوية واللوجستية، وشريكاً استراتيجياً لمجموعة موانئ أبوظبي. فبالإضافة إلى تعاونهما في محطة «سي إم ايه تيرمينالز ميناء خليفة»، التي تم افتتاحها في ديسمبر 2024 وأسهمت في زيادة الطاقة الاستيعابية لميناء خليفة بنسبة 23%، تتشارك المجموعتان في تطوير محطة متعددة الأغراض في بوانت نوار، بجمهورية الكونغو.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية لسفينة «سي إم ايه سي جي إم آيرون» 13 ألف حاوية نمطية (قياس عشرين قدماً)، وهي الأولى من بين 12 سفينة جديدة تعمل بالوقود المزدوج للميثانول تقدمها مجموعة «سي إم ايه سي جي إم».

مقالات مشابهة

  • ضبط 3 شركات سياحة بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين
  • دعوة للالتفاف بدثائر العزلة
  • مجلس أمن الاقليم يهاجم السوداني: من اللاعدالة أن لا تذكر جهودنا بقتل خليفة داعش
  • «ميناء خليفة» يستقبل سفينة «سي إم ايه سي جي إم آيرون»
  • خليفة بن طحنون والسفير الفرنسي يؤكدان عمق علاقات البلدين الثنائية
  • للمرة الثالثة على التوالي ..شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية في MIPIM 2025 بفرنسا
  • خليفة بن طحنون والسفير الفرنسي لدى الإمارات يبحثان تعاون البلدين
  • آل خليفة يحسم الجدل حول مشاركة مصر في تنظيم مونديال “السعودية 2034”
  • جامعة خليفة السابعة عالمياً في تخصص الهندسة البترولية
  • في موسم عمرة رمضان 2025.. ضبط 3 شركات سياحية بتهمة النصب والاحتيال