الإعلام.. أولوية قصوى
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
سامح الدهشان
يمثل الإعلام أحد أركان الدولة الحديثة وأداة أساسية في بناء المجتمع وتوجيه الرأي العام، كما يؤدي دورًا محوريًا في تسويق رؤية عُمان المستقبلية وتعزيز الهوية الوطنية، وتستطيع الدولة نشر التطور الاقتصادي والاجتماعي والترويج السياحي، وإعلاء قيم التسامح، والتعايش السلمي.
وفي ظل التطور التكنولوجي السريع، باتت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة حيوية للتفاعل مع المواطنين والعالم الخارجي، لتتيح للدولة فرصة ذهبية للتواصل المباشر والفوري، وتعزيز الشفافية، وتقديم المعلومات الدقيقة، وهو ما يتماشى مع تطلعات الحكومة لخلق بيئة إعلامية نزيهة وفعالة.
لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه وحسب؛ بل هو أهم ادوات تسويق رؤية البلاد وأحد اهم قضايا امنها قومي، فالإعلام القوي والمتوازن يسهم في تعزيز الاستقرار الداخلي، ويدعم السياسات الوطنية، ويواجه التحديات والإشاعات التي قد تؤثر على سلامة المجتمع. كما يمارس دورًا حيويًا في التصدي للأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة التي قد تهدد أمن واستقرار الوطن، يسير الإعلام العُماني بخطى ثابتة نحو التطور، ولكن الإعلاميين يطمحون إلى المزيد من الدعم والتطوير، وتعزيز الكفاءات الإعلامية، وتبني التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الكوادر الوطنية الشابة، كلها خطوات ضرورية لجعل الإعلام العُماني في مصاف الإعلام العالمي.
وفي هذا السياق، يجب الانتباه إلى ان حروب وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المشهد العالمي، مع التطور التقني اللامتناهي؛ إذ أضحت "السوشيال ميديا" تؤدي دورًا عميقًا وحاسمًا في تشكيل الرأي العام والتأثير على السياسات الداخلية والدولية. ومن هنا يمكن القول إن الدول ومن بينها سلطنة عُمان، تواجه تحديات وفرصًا تفرض عليها ان يكون إعلامها درعًا واقيًا وسقفًا آمنًا خلال هذا الجيل من الحروب، والتي أرى أنها تُدار عبر استراتيجيات متعددة تشمل:
1. التضليل الإعلامي: من خلال نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة لتشويه صورة الخصوم وإثارة الفتن.
2. الحملات الدعائية: عبر استخدام وسائل الإعلام التقليدية والجديدة لنشر رسائل دعائية محددة بهدف التأثير على الرأي العام.
3. الهجمات السيبرانية: مثل اختراق الحسابات والمنصات الإلكترونية لنشر معلومات مضللة أو سرقة معلومات حساسة.
4. التلاعب بالمُحتوى: من خلال استخدام الخوارزميات للتلاعب بالمحتوى المرئي والمكتوب لجعله يصل إلى جمهور محدد ويؤثر عليه.
وفي ظل التحديات الإقليمية والعالمية واختلاف أجندات الدول، صار السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن لسلطنة عُمان أن تستفيد من التغيرات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر استراتيجيات متعددة، أذكر منها:
1. تعزيز الهوية الوطنية؛ حيث يمكن استخدام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لتعزيز الهوية الوطنية ونشر القيم العُمانية الأصيلة، من خلال تنظيم حملات إعلامية تبرز تاريخ وثقافة عُمان وتعزز الوحدة الوطنية.
2. الشفافية والمصداقية: عبر بناء ثقة الجمهور من خلال الشفافية والمصداقية في نقل الأخبار والمعلومات؛ حيث يمكن للجهات المعنية أن تستخدم منصات التواصل الاجتماعي للإعلان عن السياسات الحكومية وتوضيح الحقائق بشكل اكثر عمقًا واحترافية.
3. التدريب والتطوير: وذلك يتأتي من خلال الاستثمار في تدريب الكفاءات الإعلامية وتطوير مهاراتهم في مجال الإعلام الرقمي والسيبراني. ويمكن إطلاق برامج تدريبية لتأهيل الشباب العُماني ليكونوا قادرين على مواجهة التحديات الإعلامية الحديثة بكفاءة وفعالية.
4. التعاون الدولي: تعزيز التعاون مع دول صديقة ومنظمات دولية لمواجهة التحديات الإعلامية المشتركة. ويمكن لسلطنة عُمان المشاركة في مبادرات دولية تهدف إلى مكافحة الأخبار الزائفة والتضليل الإعلامي.
5. التفاعل المباشر: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل المباشر مع المواطنين والاستماع إلى مشكلاتهم واقتراحاتهم.
6. رصد وتحليل البيانات: استخدام التكنولوجيا الحديثة لرصد وتحليل البيانات المتعلقة بالرأي العام والمحتوى المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن استخدام هذه البيانات لتطوير استراتيجيات إعلامية أكثر فعالية ودقة.
7. إطلاق حملات توعوية: تنظيم حملات توعوية تهدف إلى تثقيف المواطنين حول كيفية التحقق من مصادر المعلومات وتجنب الوقوع في فخ الأخبار الزائفة. ويمكن استخدام الوسائل الإعلامية التقليدية والجديدة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.
8. تعزيز الإعلام المحلي: دعم وسائل الإعلام المحلية لتكون قادرة على تقديم محتوى متميز وذي جودة عالية. ويمكن تقديم الدعم المالي والتقني للإعلام المحلي لضمان استدامته وتطوره.
9. استخدام الدبلوماسية الإعلامية: توظيف الإعلام كأداة دبلوماسية لتعزيز علاقات عُمان مع الدول الأخرى، وإطلاق مبادرات إعلامية تهدف إلى تحسين صورة عُمان في الخارج وتعزيز علاقاتها الدولية.
10. تعزيز الأمن السيبراني: اتخاذ إجراءات صارمة لتعزيز الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الإعلامية من الهجمات الإلكترونية، وتطوير أنظمة حماية متقدمة لضمان سلامة المعلومات والمحتوى الإعلامي.
وفي ظل التحديات الإقليمية واختلاف أجندات الدول، يمكن لسلطنة عُمان أن تستفيد بشكل كبير من التطورات الإعلامية، إذا ما تبنت استراتيجيات فعّالة ومُستدامة. ومن خلال تعزيز الهوية الوطنية، والشفافية والمصداقية، وتدريب الكفاءات الإعلامية، وتعزيز التعاون الدولي، يمكن لعُمان أن تعزز جهودها في مواجهة التحديات واستغلال الفرص التي توفرها هذه البيئة الإعلامية الديناميكية، علاوة على ذلك، يمكن للسلطنة استخدام التفاعل المباشر مع المواطنين، ورصد وتحليل البيانات، وإطلاق حملات توعوية لتعزيز وعي الجمهور، ودعم الإعلام المحلي وتعزيز الأمن السيبراني، إضافة إلى استخدام الدبلوماسية الإعلامية، يمكن أن يسهم في تعزيز مكانة عُمان كدولة مستقرة ومؤثرة في المنطقة.
ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكن لسلطنة عُمان أن تتصدى للتحديات الإعلامية بفعالية وتستفيد من الأدوات الحديثة لتعزيز مكانتها الوطنية والدولية. وتحقيق هذا الهدف يتطلب رؤية واضحة واستثمارًا مستدامًا في الموارد البشرية والتكنولوجية، وهو ما يمكن أن يُعزز من دور السلطنة في الساحة الإقليمية والدولية، وعلى الجهات المعنية أن تنتبه لهذه الاستراتيجيات وأن تعمل على التعاطي معها بكل جدية وفعالية؛ حيث تتطلب هذه التحديات الإعلامية أن تكون المؤسسات أكثر استعدادًا وتعاونًا من أي وقت مضى. فقط من خلال العمل المشترك والتفكير الاستراتيجي، يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص والتطلع نحو مستقبل مشرق لعُمان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العيد الأول في سوريا بعد الأسد.. فرحة رغم التحديات
إدلب- لم يكن عيد الفطر الأول بعد سقوط نظام الأسد كغيره من الأعياد السابقة، فقد بدا مميزا من خلال طقوسه وتجمع السوريين للصلوات في الساحات أو المساجد الكبيرة في كل المحافظات، بالوقت الذي أدى فيه الرئيس أحمد الشرع الصلاة في قصر الشعب بدمشق.
شارك السوريون لأول مرة منذ 14 عاما في مظاهر العيد مع الأهل والأقارب وفي مدنهم وقراهم بعد أن كانت الصلة بينهم مقطوعة بسبب التهجير وانقسام المناطق بين المعارضة والنظام السابق، كما كان مشهد الاحتفال حاضرا في خيام النزوح لأكثر من مليوني إنسان منعهم دمار منازلهم من العودة إليها.
أيهم، الذي هُجر من قريته "قصر بن ردان" منذ 10 سنوات، عاش أجواء العيد في خيمة النزوح مع أقرانه وأقربائه بعيدا عن ديارهم ومنازلهم المدمرة بفعل قصف النظام السابق، وضعف حالتهم المادية وعدم قدرتهم على إعادة إعمار بيوتهم أو حتى إصلاحها بشكل جزئي.
في حديث للجزيرة نت، قال أيهم إن "ما يميز هذا العيد هو اجتماع فرحتين معا؛ الأولى عيد النصر الذي جاء بدون الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي هجرنا ودمر منازلنا، والثانية عيد الفطر السعيد، مرت علينا 14 سنة والعيد مصحوب بغصة في القلب تمنعنا من الشعور بالفرح في ظل الشوق للأرض والديار المغتصبة".
ورغم المأساة التي يعيشها السكان بالخيام في البرد والحر، كما يضيف، فإن الابتسامة والسعادة التي تظهر على وجوههم مليئة بأمل العودة القريبة إلى منازلهم من خلال استجابة دول العالم والمنظمات الإنسانية لمساعدتهم في إعادة إعمارها.
ولفت إلى أنهم حافظوا على طقوس العيد ولم يتخلوا عنها طوال سنوات النزوح في المخيمات، والتي تبدأ أولا بأداء صلاة العيد ومن ثم زيارة الجيران والأقرباء والأصدقاء الذين جمعتهم بهم سنوات التهجير، "فالمخيمات باتت تضم أشخاصا من كل الطوائف والعشائر من أبناء المحافظات السورية".
إعلانرغم الفرحة التي عاشها السوريون في هذا العيد الذي وصفوه بأنه الأجمل منذ عقود بعد الخلاص من حكم آل الأسد، فإن الوضع الاقتصادي المتردي يبقى عقبة كبيرة في وجه الكثير من السكان في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانون منها بعد انتهاء الحرب، بالتزامن مع تجفيف الدعم الدولي والحاجة لإعادة إعمار البنى التحتية التي تساعد في عودة النازحين لديارهم.
كما تنعكس الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها سوريا، في ظل العقوبات المفروضة عليها، على الدولة الجديدة التي تسلمت مؤسسات منهارة وليرة منخفضة القيمة، ليواجه الشعب الذي خرج من الحرب واقعا معيشيا صعبا مصحوبا بركود في سوق العمل.
من جهته، قال المواطن محيي الدين الأسعد ابن مدينة بنش شرق إدلب، للجزيرة نت، إن الوضع المادي لكثير من السكان بات تحت الصفر نتيجة سنوات الحرب الطويلة ونزوح الملايين وبعدهم عن أراضيهم التي كانت مصدر عيشهم، في الوقت الذي خففت فيه الدول الداعمة تقديم المساعدات منذ عام 2023 بالإضافة لقلة فرص العمل.
وأضاف أن سوريا الجديدة اليوم تحتاج إلى وقوف الدول إلى جانبها ومد يد العون لها ومساعدتها برفع العقوبات "التي لا تطال إلا الشعب السوري الذي يحب الحياة، وهو قادر على التعافي بنفسه".
وتابع الأسعد "الغصة التي مازالت اليوم هي سكان المخيمات المهجرون وأطفالهم الذي وُلدوا في المخيمات ولا يعرفون قراهم ولا بلداتهم، واليوم يعودون إليها ليشاهدوا أكواما من الحجارة فقط بفعل القصف والسرقة التي طالتها من قبل النظام البائد".
لا تغيب عن المشهد ساحات الألعاب المخصصة للأطفال والتي تختلف من مكان لآخر، ففي الشمال السوري أُقيمت الألعاب والأراجيح للأطفال بين المنازل المدمرة وعلى الأنقاض لكي لا يُحرموا من الفرح في هذا اليوم.
إعلانالطفلة سامية النجم، التي هُجرت من مدينة خان شيخون جنوب إدلب منذ 5 سنوات، تحتفل بالعيد بعيدا عن مدينتها ومنزلها مع أصدقاء في مدينة بنش التي لجأت إليها مع أهلها.
قالت النجم للجزيرة نت "فرحة العيد هذا العام مميزة لدي، اشتريت ثياب العيد وبدأت بجمع مبلغ من المال منذ شهر حتى أستطيع زيارة الألعاب في العيد".
وتستذكر اليوم الذي خرجت فيه من خان شيخون تحت القصف العنيف بالطائرات والمدفعية الثقيلة وعمرها كان 5 سنوات، وتقول إنها لا تنسى تلك اللحظات بعد أن تركت فيها كتب الروضة وألعابها تحت أنقاض منزلها الذي دمر جراء القصف.