صلاح حاج سعيد.. شاعر يجيد اختيار أجمل ربطة عنق للأحزان

العود يناجي شلالات التداعي المسجاة على حواف الذكريات، ينوح مواسيا سحائب الشجن الثكلى، يتكثف النغم الحزين بأنفاس حرى، لاهثة بالحسرة.

التغيير: عبدالله برير

(قلت ليها)، دونما ثمة هدهدات، حوار من على شرفة النهايات، صوت المصطفى يجيء من أعماق الخرافة، قبل القول مفعما بطعم الاستسلام لمآلات الظروف، وإيدي في إيديها، دمعة حزن سالت).

اتحاد أيادي الضحايا، مصلوبان على دموع الحزن السائلة على خد الفجيعة المرة، (جايي منك وماشي ليك) حيث لا سفر إلا منها وإليها، اختزال ساعات العمر في ذهاب وإياب بينيها، ومن ثم نداء (لييييك) إطالة المد في الأسى، (يا مدائن غربة طالت لو مدارات نجمي ضلت وسكة السفر استحالت كوني في دربي الحقيقة الديمة ليها مشاعري مالت).

انتقاء مفردات الإخلاص حيث تدور أحاسيسه الصادقة في فلكها، مدارات نجمه التائهة لا منارة لها إلا في عينيها وهو لا يعرف سواها حقيقة مطلقة، حيث يميل شعوره نحو بوصلتها.

تهدأ لواعج الأسى، لتدخل دوامة الموسيقى الباكية، (قلت ليها وكنت راجع لعينيها من أسى الزمن المسافر في المشاوير العصيبة)، يعاود التحليق في سماوات عينيها بعد كل سفر، تحتويه من أسى التراجيديا في الأزمان العصيبة المولعة بالألم، (من متاهات الأماسي الفي مداها الحزن مضناها وحبيبها).

شاعر يتعبد في مغارات الشجن، يجتر عبارات الوجع وينتقي للحزن أوسم ربطة عنق تزين جيد القتلى، ليظهروا في أبهى حلل المأساة، يصدر خوفه من ليلات الامسيات الشاردة في متاهات يائسة، الحزن يظللها على أبعد مدى ممكن من الأوجاع، ليرسم لوحات المسافة (بيني لا بينك مزار، لا محطات انتظار، لا مواعيدك قريبة).

بلا أمل للقيا ولا جدوى من الترقب، (انتي يا الفرح الحقيقة المستحيل)، تلك المحتضنة التضاد، يقينه باستحالة أن يكونها وتكونه فرحا إلا في اللا ممكن، (هدهدي الصبر الجميل وامسحي الألم المخيم في المدارات الرحيبة)، لا عليها سوى أن تهدئ من روع الصبر نفسه، وبسحرها الغامض أن تتولى مهمة إزاحة جيوش الألم الرابضة في الأفق.

(وقلت ليها الحقيقة الضايعة بين قلبي وعيونك) تسبقها موجات العود الموغلة في الجراحات، (إني لا قادر أوتك لا أجيك)، متأسفا على واقع العشق يشيع لها حقيقة إلى مثوى الاعتراف، حقيقة تائهة بين نياط قلبها وعينيه، مفادها أنه عالق في مياهها الإقليمية بلا قرار للعودة أو المضي قدما.

محتارا مبتلا بوحل الحيرة (وإني ما عارف بدونك أبقى كلمة حب تزف البشرى في ساعة مجيك)، لا يقوى على شيء من أي شيء، عاجزا عن بث بشريات الفرح الفجائي الذي يعتريه عند لقائها)، يطيل مصطفى (ما عااارف) تسورها نوارس الأسى والبكاء).

(وانتي عارفة وقلت ليك ياني أكتر زول بريدك)، يهدأ هدوء سكرات الحب، فهي تدري وتعي تماما أنه أكثر من أحبها على وجه البسيطة، تعبير يشابه بساطة الشاعر العميقة، (ياني صفوة عاشقيك)، الاستسلام اللفظي في (ياني) حيث رهافة الحرف ودفء الاحساس.

انتقاء مفردة صفوة عاشقيك، صلاح الممسك بزمام اللغة الرشيقة الشفيفة يصدر أيقونة النص في ثوب قشيب، (ياني راكز الحيل عليك)، من أي رهافة يسوق صلاح أيائل كلماته المهذبة؟ متماهيا في الاتكاء على ساعد حبيبته حاملا جثمان حبه في تابوت أنيق مغلفا ببوكيه الشجن، ولسة بي حبك متيم ومبتلي!!.

ثنائية دس الفصحى في دن العامية، التتيم والابتلاء، قاموس صلاح الرومانسي، القادر على أرجحة التعابير، الولهان بحبها، (إلا ريدك زادني حيرة على العلي)، وكأنه يحادث حزن نفسه، ليكشف أن عشقها زاده حيرة تضاف على واقعه البهيم (لا مراكب القدرة ختن قلبي عندك، وانتي لا قلبك نساني ولا خلي)، معادلة افتراضية لم تحدث، ولن، لم يجمعهما القدر ولا تمكن قلبها من وضعه طي النسيان.

قلت ﻟﻴﻬﺎ

ﻭﺇﻳﺪي ﻓي ﺃﻳﺪﻳﻬﺎ

ﺩﻣﻌﺔ ﺣﺰﻥ ﺳﺎﻟﺖ ..

ﺟﺎي ﻣﻨﻚ … ﻭﻣﺎشي ﻟﻴﻚ

ﻳﺎ ﻣﺪﺍﻳﻦ ﻏﺮﺑﺔ ﻃﺎﻟﺖ

ﻟﻮ ﻣﺪﺍﺭﺍﺕ ﻧﺠﻤي ﺿﻠﺖ ..

ﻭﺳﻜﺔ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺍﺳﺘﺤﺎﻟﺖ ..

ﻛﻮني في ﺩﺭبي ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ

ﺍﻟﺪﻳﻤﺔ ﻟﻴﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮي ﻣﺎﻟﺖ..

ﻗﻠﺖ ﻟﻴﻬﺎ ..

ﻭﻛﻨﺖ ﺭﺍﺟﻊ لي ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ

ﻣﻦ ﺃﺳﻰ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺮ في

ﺍﻟﻤﺸﺎﻭﻳﺮ ﺍﻟﻌﺼﻴﺒﺔ

ﻣﻦ ﻣﺘﺎﻫﺎﺕ ﺍﻷﻣﺎني

في ﻣﺪﺍﺭ ﺍﻟﺤﺴﻦ مضناﻫﺎ ﻭحبيبها ..

ﺑيني ﻻ ﺑﻴﻨﻚ ﻣﺰﺍﺭ ..

ﻻ ﻣﺤﻄﺎﺕ ﺇﻧﺘﻈﺎﺭ ..

ﻻ ﻣﻮﺍﻋﻴﺪﻙ ﻗﺮﻳﺒﺔ

ﺇنت ﻳﺎ ﺍﻟﻔﺮﺡ .. ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ ..

ﻫﺪﻫﺪﻱ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ

ﻭامسحي ﺍﻷﻟﻢ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ..

في ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺣﻴﺒﺔ

وﻗﻠﺖ ﻟﻴﻬﺎ

ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻀﺎﻳﻌﺔ

ﺑﻴﻦ .. ﻗﻠﺒي ﻭﻋﻴﻮﻧﻚ

إني ﻻ ﻗﺎﺩﺭ ﺃﻓﻮﺗﻚ ﻻ ﺃﺟﻴﻚ

ﻭإني ﻣﺎ ﻋﺎﺭﻑ ﺑﺪﻭﻧﻚ ..

ﺃﺑﻘﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﺣﺐ

ﺗﺰﻑ ﺍﻟﺒﺸﺮﻯ في ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺠﻴﻚ

ﻭإنت ﻋﺎﺭﻓﺔ.. ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻴﻚ

ﻳﺎني ﺃﻛﺜﺮ ﺯﻭﻝ ﺑﺮﻳﺪﻙ …

ﻳﺎﻧي ﺻﻔﻮﺓ ﻋﺎﺷﻘﻴﻚ ..

ﻳﺎﻧي ﺭﺍﻛﺰ ﺍﻟﺨﻴﻞ ﻋﻠﻴﻚ

ﻭﻟﺴﻪ بي ﺣﺒﻚ ﻣﺘﻴﻢ ﻭمبتلي

إﻻ ﺭﻳﺪﻙ ﺯﺍﺩني ﺣﻴﺮﺓ .. ﻋﻠﻰ ﺍلعلي

ﻻ ﻣﺮﺍﻛﺐ القدرة ﺧﺘﻦ

.. قلبي ﻋﻨﺪﻙ

ﻭإنتي ﻻﻗﻠﺒﻚ

ﻧﺴﺎني

ﻭلا خلي

الوسومشعراء ومطربون صلاح حاج سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية