عربي21:
2024-11-23@11:43:29 GMT

حرية التعبير.. ليس لفلسطين!!

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

إن الدعم الألماني الثابت وغير المشروط لإسرائيل، وخاصة خلال حرب إبادتها الجماعية في غزة، يشكل مثالا واضحا على المعايير المزدوجة التي تتخلل سياستها الخارجية ونهجها في التعامل مع حرية التعبير. فعلى مدى عقود من الزمان، وقفت ألمانيا بثبات إلى جانب إسرائيل، فلم تقدم لها الدعم الدبلوماسي فحسب، بل وأيضا المساعدات العسكرية الكبيرة، حتى في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل اتهامات خطيرة بارتكاب أعمال تصنفها محكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي بالإبادة الجماعية في غزة.

فرغم هذه المجازر والجرائم ضد الإنسانية فإن دعم ألمانيا لا يزال ثابتا لا يلين. وهذا يثير تساؤلات مهمة حول الطبيعة الحقيقية لالتزام ألمانيا بحقوق الإنسان، وخاصة عندما يبدو أن مثل هذه المبادئ تُطبق بشكل انتقائي.

في الحقيقة، تزداد القضية تعقيدا عند فحص السياسات المحلية الألمانية، وخاصة حظرها الصارم للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين. والواقع أن التبرير الرسمي لهذا الحظر، الذي يستشهد بالمخاوف بشأن معاداة السامية المحتملة والسلامة العامة، يبدو أجوف وواهيا، حيث أن هذه الحجج تخدم كذرائع لإسكات الأصوات المعارضة التي تتحدى السرد الذي تدعمه ألمانيا على الساحة الدولية.

إن قمع حرية التعبير ليس مجرد تجاوز بيروقراطي؛ بل إنه يمثل انتهاكا أساسيا للحقوق التي تدعي ألمانيا أنها تدعمها، كما أن التنفيذ الانتقائي لهذه الحقوق، استنادا إلى الحساسيات السياسية المحيطة بإسرائيل، يكشف عن تناقض مقلق في كيفية تفسير ألمانيا وتطبيق معاييرها القانونية والأخلاقية الخاصة بها.

أشعل الحظر المفروض على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين عاصفة من الجدل، سواء داخل ألمانيا أو خارجها. وأشار الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان إلى أن الحركات السياسية الأخرى، حتى تلك التي لها تاريخ في الترويج لخطاب الكراهية، لم تواجه قيودا مماثلة
أشعل الحظر المفروض على المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين عاصفة من الجدل، سواء داخل ألمانيا أو خارجها. وأشار الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان إلى أن الحركات السياسية الأخرى، حتى تلك التي لها تاريخ في الترويج لخطاب الكراهية، لم تواجه قيودا مماثلة. يشير هذا التناقض إلى أن نهج ألمانيا لحرية التعبير ليس مبدئيا وثابتا كما تدعي، بدلا من ذلك، يبدو أنه يتشكل من خلال الاعتبارات السياسية التي تعطي الأولوية لتحالفات معينة على التطبيق الشامل لحقوق الإنسان. هذا القمع الانتقائي يفعل أكثر من خنق المعارضة؛ إن ألمانيا تعمل بنشاط على منع السردية الفلسطينية المسالمة من اكتساب موطئ قدم في الخطاب العام، وبذلك تقوض ألمانيا مبادئ حرية التعبير والنقاش الديمقراطي التي تدعي الدفاع عنها.

ويصبح الموقف أكثر إزعاجا عندما نفكر في تصرفات وزيرة التعليم والبحث الألمانية، السيدة بيتينا ستارك واتزينجر، وهي شخصية بارزة في الحزب الديمقراطي الحر، حيث تورطت ستارك واتزينجر في جدال كبير بعد محاولتها منع الدعم المالي والبحثي للأكاديميين الذين عبروا عن تضامنهم مع الطلاب المدافعين عن حقوق الفلسطينيين. اندلع الجدل على الملأ عندما وقع ما يقرب من 200 أستاذ ومحاضر رسالة احتجاجية على تصرفات بعض عمداء الجامعات في برلين. قام هؤلاء العمداء، بالتعاون مع الشرطة، بتفكيك معسكرات الاحتجاج -بالقوة في بعض الأحيان- في مؤسسات بارزة مثل جامعة برلين الحرة. لم تكن رسالة الأكاديميين، التي أكدت على الحق في التجمع السلمي للطلاب، بالضرورة تأييدا مباشرا للقضية الفلسطينية، بل دفاعا عن المبادئ الديمقراطية الأساسية. إن موقفهم يسلط الضوء على التوترات المتزايدة في ألمانيا بشأن الحرية الأكاديمية والتعبير السياسي، والنفوذ المتزايد والقامع للحريات من قبل الحكومة.

وقد تصاعد الموقف أكثر عندما تم تسريب رسائل إلكترونية داخلية من وزارة التعليم والبحث الألمانية إلى وسائل الإعلام. وقد حصلت مجلة بانوراما التلفزيونية الشهيرة على هذه الرسائل الإلكترونية، وكشفت عن مدى تورط الحكومة في محاولة قمع المعارضة الأكاديمية. وقد أدى هذا الكشف إلى تكثيف المناقشة، مما أدى إلى دعوات واسعة النطاق لاستقالة ستارك واتزينجر. ويؤكد رد الفعل العام على الانقسامات العميقة داخل ألمانيا حول كيفية حماية حرية التعبير والاستقلال الأكاديمي، وخاصة عندما تتعارض هذه الحريات مع أجندة السياسة الخارجية للحكومة.

قمع الأصوات المؤيدة للفلسطينيين وقمع المعارضة الأكاديمية يسلط الضوء على نهج انتقائي لحقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يقوض أسس المجتمع الديمقراطي. إن هذا التطبيق الانتقائي للحقوق لا يخنق الخطاب المشروع فحسب، بل يكشف أيضا عن تناقض عميق في الموقف الأخلاقي لألمانيا، حيث تعطي الأولوية للتحالفات السياسية
وإضافة إلى الجدل السابق، أصدرت ألمانيا تحذيرا عجيبا لكل من المواطنين الألمان والمهاجرين، مهددا بعواقب وخيمة -بما في ذلك السجن- لأولئك الذين يعرضون أي شكل من أشكال الدعم المعنوي لشعب غزة. وقد تعرض هذا الموقف القاسي لانتقادات واسعة النطاق باعتباره تجاوزا لسلطة الحكومة وتهديدا مثيرا للقلق للحريات المدنية. وقد أدت هذه التحركات غير المسؤولة للحكومة الألمانية إلى تعميق الشعور بالقلق بين العديد من الألمان، الذين يخشون أن تكون حكومتهم على استعداد متزايد للتضحية بالحريات الأساسية لصالح كيان يرتكب مجازر جماعية بحق أطفال أبرياء في غزة بشكل يومي.

ختاما، إن تحركات ألمانيا، سواء على المستوى المحلي أو في دعمها الثابت لإسرائيل أثناء حربها المستمرة على غزة، تكشف عن تآكل للمبادئ التي تدعي أنها تدافع عنها. إن قمع الأصوات المؤيدة للفلسطينيين وقمع المعارضة الأكاديمية يسلط الضوء على نهج انتقائي لحقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يقوض أسس المجتمع الديمقراطي. إن هذا التطبيق الانتقائي للحقوق لا يخنق الخطاب المشروع فحسب، بل يكشف أيضا عن تناقض عميق في الموقف الأخلاقي لألمانيا، حيث تعطي الأولوية للتحالفات السياسية على التطبيق الشامل للعدالة والكرامة الإنسانية.

إن السخط المتزايد بين الجمهور الألماني، والذي أشعلته التدابير الاستبدادية المتزايدة التي اتخذتها الحكومة، يعتبر بمثابة تذكير بأن قمع المعارضة باسم المصلحة السياسية والدعم لكيان لا يعرف سوى الإجرام؛ هو مسار خطير يهدد القيم الأساسية للديمقراطية ويهين شعورنا الإنساني.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حرية التعبير إسرائيل القمع الفلسطينية المانيا إسرائيل فلسطين حرية التعبير القمع مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المؤیدة للفلسطینیین حریة التعبیر

إقرأ أيضاً:

المعارضة تفشل في مواجهة حزب الله: لا تسوية معه

يبدو أن قوى المعارضة تنتظر نهاية الحرب لتبدأ معركتها السياسية الداخلية بهدف تحصين وتحسين واقعها السياسي، علماً أن كانت لديها فرصة جدية في الأيام الأولى للمعركة للحصول على مُكتسبات أكبر في ظلّ الضربات التي تعرّض "حزب الله" والتي أضعفته لعدّة أيام. 

لكن من الواضح أن المعارضة فشلت في الدخول في معركة سياسية مؤثّرة خلال الحرب، والأمر لا يعود حتماً الى أسباب مرتبطة بحسن النوايا، غير أن السرّ يكمن في المشاكل العضوية الجذرية التي تسيطر عليها وتقف عقبة في طريق أي حراك سياسي نافع سواء لجهة الاصطفافات النيابية أو لجهة التكتيك لإضعاف "حزب الله" وحلفائه. 

ولعلّ أبرز العوامل التي أعاقت خُطط المعارضة، وبمعزل عن ما يظهر في وسائل الإعلام من خلال الحملات الضاغطة التي تؤشر الى نهاية "حزب الله" تماما، حيث اتجه البعض الى اعتبار أنّ لبنان بات يترقّب مرحلة جديدة خالية من "الحزب"، فإن المعارضة غير متوافقة في ما بينها ولا متطابقة في مجمل المواقف ولو ظهر الامر عكس ذلك، فلا مرشّح رئاسيا واحدا يجمعها ولا خطاب سياسيا يوحّدها أو حتى نظرة تكتيكية واستراتيجية للواقع اللبناني. لذلك فإنها لم تتمكن من أن تفرض نفسها في مواجهة "الحزب" أو الوصول الى تسوية معه مرتبطة بالقضايا الخلافية. 

ثمة عامل آخر ساهم في تعقيد تنفيذ تصوّر المعارضة، ويتركّز في نقطة التفاف القوى الاسلامية حول "حزب الله"؛ إذ إنّ "الثنائي الشيعي" المتمثل "بحزب الله" و"حركة امل" لا يزالان توأمان برأس واحد لا ينفصلان، وكذلك القوى السنّية بغالبيتها العظمى التي تؤيد "الحزب" وتدعمه بعيداً عن بعض الخلافات غير المرتبطة بالمعركة الراهنة. وهذا أيضاً ينطبق على الأحزاب الدرزية الأساسية وتحديداً الحزبين الاشتراكي والديمقراطي، اضافة الى الوزير السابق وئام وهاب الذي يتمايز قليلاً عن "حزب الله" من دون أن يخرج عن تأييده له في القضايا الاستراتيجية. 

وفي سياق متّصل فإنّ المعارضة فشلت أيضاً في استقطاب رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بشكل كامل، حيث بقي الرجل خارج المعارضة بالرغم من خلافه العميق مع "الحزب" في مرحلة تعتبر الاكثر حساسية في لبنان، لكن هذه الخلافات ما لبثت أن تقلّصت بشكل أو بآخر ما يجعل من "حزب الله" قادراً على الخروج من الحرب، رغم الاضرار الكبيرة التي تعرّض لها، بقوّة جدية لا يمكن الاستهانة أو الاستفراد بها في الداخل اللبناني.
المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • دعماً لفلسطين.. مظاهرات حاشدة في أكبر مدينة كندية (فيديو)
  • المعارضة تفشل في مواجهة حزب الله: لا تسوية معه
  • كاتب صحفي: إسبانيا من الدول المُنصفة لفلسطين وترفض استمرار العدوان الإسرائيلي
  • نيابة درنة تأمر بحبس تشكيل عصابي للاتجار بالخمر وحجز حرية مهاجرين
  • شهادات تكشف قمع الداعمين لفلسطين داخل شركات التكنولوجيا الكبرى
  • منظمات مناصرة لفلسطين في هولندا ترفع دعوى ضد الحكومة لوقف تسليح الاحتلال
  • خبير قانون دولي: قرار اعتقال نتنياهو وجالانت انتصار لفلسطين.. ولا يسقط بالتقادم
  • الأبراج الأكثر حدة في التعبير عن الاكتئاب.. بعضهم يفضل العزلة ويهربون من المواجهة
  • "حرية": قوات الاحتلال تعمدت توجيه هجماتها تجاه أطفال غزة
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: «حرية العمل ضد حزب الله» شرط الاتفاق مع لبنان