أهمية إعلان المبادئ لوقف حرب السُودان

د.الشفيع خضر سعيد

رحبنا في المقالين السابقين بالدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي لعقد لقاء بين قيادات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف، في منتصف الشهر الجاري بهدف بحث إمكانية الاتفاق على وقف لإطلاق النار طويل الأمد في البلاد، وهو ما يتماشى ورغبات كل السودانيين جميعا، إلا تجار وسماسرة الحرب الذين يزكّون نيرانها سعيا وراء السلطة والجاه والمصلحة الخاصة الدنيئة على حساب مصلحة الوطن.

وأشرت في مقالي السابق إلى أن طلب قائد الجيش السوداني إجراء لقاءات تشاورية مع الولايات المتحدة قبل لقاء جنيف المقترح، هو طلب مشروع، بل وضروري. فنجاح أي لقاء أو حوار أو تفاوض بين أطراف متصارعة، عسكريا أو سلميا، يتطلب أن تسبقه مشاورات واسعة يجريها الوسيط مع هذه الأطراف، يتم فيها الاتفاق على طبيعة اللقاء وأهدافه وكيفية إدارته وجدول أعماله ومستوى الوفود المشاركة…الخ.

أضف إلى ذلك، بالنسبة للقاء جنيف المقترح، أهمية بل اشتراط، التشاور حول المراقبين، مصر والإمارات، من حيث قبول الطرفين لهما ودورهما في اللقاء. أيضا، أهمية الوضوح التام حول علاقة لقاء جنيف بمنبر جدة وما وقع فيه من اتفاق.

وقلنا رغم أن الجانب الأمريكي أشار إلى أنه ظل في تشاور مع الطرفين، وأن تحديد موعد ومكان اللقاء لم يكن مفاجئا لأي منهما، إلا أن محاولات المبعوث الأمريكي زيارة بورتسودان تؤكد أن ذلك التشاور لم يكن كافيا، والذي ربما كان عبر الرسائل والاتصالات الهاتفية، وأن الأمر يتطلب لقاء مباشرا بين الجانبين. ونضيف إلى ذلك سببا آخر، وهام جدا، يعزز من ضرورة اللقاء التشاوري قبل لقاء جنيف المقترح، وهو ضرورة بناء الثقة بين الوسيط، الولايات المتحدة الأمريكية، وكل من الطرفين المتحاربين، وأعتقد لن يختلف اثنان في اهتزاز هذه الثقة خاصة بين القيادة في بورتسودان والوسيط.

واختتمت مقالي السابق بالقول إذا كان الجانب الأمريكي يعتقد بوجاهة موقفه وله ما يبرر إصراره بأن يجتمع مع قيادات الجيش السوداني في مطار بورتسودان ولا يدخل المدينة وذلك لدواع أمنية، فإني أرى أن رفض هذه القيادات لهذا الموقف أيضا له ما يبرره لعدة اعتبارات. وأشرت إلى إمكانية تخطي هذه العقبة بأكثر من طريقة، ومنها عقد الاجتماع في دولة أخرى يقبلها الطرفان، السوداني والأمريكي. وأرى أن اختيار جدة موفق جدا بإعتبار الربط الضروري بين منبر جدة وجنيف.

رغم أن السودانيين يترقبون لقاء جنيف بقلق متزايد ويلهثون بالدعاء عله ينجح في وقف القتال، إلا أن المنطق والتجربة يقولان بأن هذا الهدف لن يتحقق بضربة لازب أو من جولة واحدة، رغم أمنياتنا أن يتحقق ذلك، ولكن يظل العشم أن ينجح هذا اللقاء، على الأقل في وقف الاقتتال لأطول مدة ممكنة، بما يسمح بالعمل على إنقاذ حياة السودانيين عبر توفير العون الإنساني وتأمين ممرات إنسانية لمدهم بالغذاء والدواء وضروريات الحياة.

هذه هي الأولوية القصوى التي يجب أن تركز كل الجهود حيالها اليوم، مع التشديد مرة أخرى على أن هذا الملف الإنساني لا يقبل التسييس ولا المساومة به. وغض النظر عن نتائج اللقاء المقترح، إذا تم، فأرى بضرورة تقارب الجولات التالية وتسريع وتيرتها، ولكن الأهم من ذلك أن تستند كل العملية إلى إعلان مبادئ يتم التشاور حوله مع القوى السياسية والمدنية السودانية.

كما أشرنا في مقال سابق، سبتمبر/2023، لم تنجح مبادرة الإيقاد في إيقاف الحرب في جنوب السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الإنقاذ على أساس إعلان مبادئ الإيقاد في 20 مايو/1994.

صحيح أن إعلان مبادئ الإيقاد صاغتها دول الإيقاد وقدمتها جاهزة إلى الطرفين ليوقعا عليها، لكن لابد من التشديد على أن تلك المبادئ لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين، بقدر ما كانت إعادة صياغة وترتيب للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية، وخاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان. واليوم، نحتاج إلى إعلان مبادئ يوجه ويحكم العملية التفاوضية لوقف الحرب ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة أو العودة لذات أوضاع ما قبل الحرب.

دائما تظل قناعتي الراسخة أن القوى المدنية والسياسية السودانية هي وحدها المؤهلة لاجتراح هذا الإعلان. وأيضا دائما تظل الأولوية الآن هي لإسكات البندقية ودعاوى التسليح الأهلي، وخلق ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وخروج قوات الدعم السريع من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين، ووقف الاعتقالات السياسية من قبل الطرفين، وإطلاق سراح من تم إعتقالهم.

ومرة أخرى، نحن نفرق بين وقف الاقتتال ووقف الحرب. فبينما وقف إطلاق النار والاقتتال هو من صميم واجب الطرفين المتقاتلين، فإنه ليس في مقدورهما، ولا ينبغي لهما، التصدي لوقف الحرب بمعنى الانخراط في العملية السياسية، إلا إذا كنا نود إعادة إنتاج أسباب الحرب.

فوقف الحرب، ويشمل تصميم وقيادة العملية السياسية، هو مهمة القوى السياسية والمدنية السودانية. ومن هنا وجوب انتظام كل الكتل والتنظيمات والأفراد والمجموعات السودانية الرافضة للحرب في نشاط عملي، وفق برنامج عمل مركز متوافق عليه، يغطي المجالات السياسية والإنسانية، ويعمل على خلق آليات للتنسيق مع الجهود الدولية والإقليمية، من أجل الضغط المتواصل على طرفي القتال لوقف دائم للأعمال العدائية.

وفي نفس الوقت يعمل البرنامج على إرساء أسس الفترة الانتقالية لما بعد الحرب. إن أي تقاعس عن العمل المشترك ضد الحرب لا يقل جرما عن جريمة إشعالها.

وفي ذات السياق، صحيح أن مبادرات المجتمع الدولي والإقليمي لفرض وقف إطلاق النار وحل الأزمة السودانية تلعب دورا مطلوبا وأساسيا، ولكنه يظل العامل المساعد وليس الرئيسي الحاسم. فقضية شعب السودان لا يمكن حلها من خارجه أو بالإنابة عنه من قبل المجتمع الدولي.

١٢ أغسطس ٢٠٢٤

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

السلام يعود إلى الطاولة؟: لقاء مفصلي بين ناطق الحوثيين والمبعوث الأممي بمسقط

محمد عبدالسلام ناطق حركة أنصار الله (وكالات)

في لحظة إقليمية مشحونة بالتوترات والتغيرات السريعة، شهدت العاصمة العُمانية مسقط صباح اليوم لقاءً دبلوماسيًا عالي المستوى جمع بين رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام والمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ وفريقه.

اللقاء، الذي يأتي في ظل استمرار الجمود السياسي وتفاقم الأوضاع الإنسانية في اليمن، اعتُبر محاولة جديدة لتحريك المياه الراكدة في الملف اليمني، ووضع أطر واقعية لـ استئناف مسار السلام الذي تعثر طويلاً نتيجة التصعيد العسكري والتدخلات الخارجية.

اقرأ أيضاً 150 عاما من الحياة: تكنولوجيا خارقة تعيد تشكيل مصير الإنسان 24 أبريل، 2025 من الأرض إلى السماء.. هل بدأ عصر السيارات الطائرة؟ 24 أبريل، 2025

وفي تصريح مقتضب عبر منصة "إكس"، أوضح محمد عبد السلام أن اللقاء شهد نقاشًا عميقًا حول المستجدات اليمنية والإقليمية، خصوصًا في ظل تزايد المؤشرات على احتدام الصراع في البحر الأحمر وتوسع المواجهات في مناطق متعددة.

"استعرضنا الأوضاع في اليمن والمنطقة، وتطرقنا إلى المسار السياسي والإنساني، وسبل معالجة الملفات الملحّة وتجنب التصعيد"، قال عبد السلام في تدوينته، مشيرًا إلى وجود رغبة مشتركة في إعادة إحياء الجهود السياسية والتخفيف من تداعيات الكارثة الإنسانية.

اللقاء لم يقتصر على الجوانب السياسية، بل شمل أيضًا مناقشة الملفات الإنسانية الأكثر إلحاحًا، ومنها صرف الرواتب، فتح المطارات والموانئ، وتسهيل دخول المساعدات.

ويُعتقد أن هذه القضايا كانت محور ضغط أممي خلال الأسابيع الأخيرة، بعد تصاعد التحذيرات من تفاقم الأوضاع الصحية والغذائية في عدد من المحافظات.

المراقبون يرون أن هذا اللقاء يأتي في سياق دولي متغير، مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية في المنطقة، مما يفتح الباب أمام فرص (ولو محدودة) لتحريك المفاوضات المتعثرة، ولو جزئياً.

ورغم أن اللقاء لم يصدر عنه بيان مشترك أو نتائج ملموسة، إلا أن مجرّد انعقاده في هذا التوقيت الحرج يشير إلى وجود قنوات حوار لا تزال مفتوحة بين الأطراف، خصوصًا مع ضغوط الأمم المتحدة لإبقاء العملية السياسية على قيد الحياة.

المبعوث الأممي، الذي كثف جولاته خلال الشهرين الماضيين بين صنعاء وعدن والرياض ومسقط، يحاول تثبيت أرضية مشتركة تمنع العودة إلى الانفجار العسكري، وترسم خريطة طريق جديدة للمفاوضات المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • قطر ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا
  • 300 قتيل في عام لجيش الاحتلال ودعوات لوقف الحرب
  • طبيب نرويجي عائد من غزة: يجب الضغط على إسرائيل لوقف الحرب
  • يجب حظر الحركة الإسلامية السودانية
  • الخارجية السودانية تبلغ البعثات الدبلوماسية بإجراءات استلام مقارها في الخرطوم
  • السلام يعود إلى الطاولة؟: لقاء مفصلي بين ناطق الحوثيين والمبعوث الأممي بمسقط
  • عبد الله علي إبراهيم: من الثورة إلى الحرب: الطريق الوعر لبناء الدولة السودانية (دار الموسوعة الصغيرة، 2025)
  • الجامعة العربية: مستمرون في دعم العملية السياسية بليبيا وتيسير الحوار بين الأطراف
  • مقترح جديد لوقف الحرب.. تسليم غزة دون التخلّي عن السلاح!
  • سراب التحليل الطبقي في الحرب السودانية وشياطين أخري