في إطار الاهتمام بالموروث الأصيل، أقام مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم اليوم محاضرة بعنوان (الإبل في الثقافة العُمانية)، وذلك في إطار خطة النشاط الثقافي للمركز، قدمتها الدكتورة ابتسام بنت سالم الوهيبية أستاذة مساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس.

وقالت الوهيبية: إن الثقافة البدوية العربية، تَعتبر الجمل رمزًا يُجسّد الشعور بالكرامة والمكانة الاجتماعية والمودة، وهذه الرمزية متجذّرة بعمق في السرد الثقافي، وتعكس قيم ومعتقدات هذا المجتمع، ومن المهم أن ندرك أهمية هذه الرمزية عند التعامل مع الثقافة البدوية العربية؛ لأنها يمكن أن تُقدّم رؤى قيمة لأسلوب حياتهم.

وأشارت إلى أن أصحاب الإبل يحسبون الإبل عطية من عطايا الرحمن؛ لشدة ارتباطهم بها. وقالت: إن للهجن قدرتها على التفكير والتعبير عن المشاعر على الرغم من محدوديتها، إلا أن الصلة الفريدة التي تربط الإبل بصاحبها تثير تساؤلات عميقة؛ فالإبل في نظر بعض الناس لا تختلف عن الإنسان في مشاعرها؛ فهي تشعر بالحزن وتُظهر التعاطف وتُبادل الحب وتُمارس المراوغة وتُجيد الابتزاز العاطفي وتُخطط للانتقام.

وأوضحت: إنه لا بدّ من الإشارة إلى التأثير العميق لهذه العلاقة مع الإبل من منظور هؤلاء الأشخاص وآرائهم، فنظرتهم إلى الحياة تشكّلت من خلال تجربتهم الفريدة، وقد تختلف عن نظرة الآخرين، إذ أصبح لديهم نظرة خاصة لمعايير الجمال، وانعكست علاقتهم بالإبل على مكانتهم الاجتماعية وهوياتهم الفردية، كما ساهمت في تعزيز تعاطفهم واستقرارهم النفسي ومنحتهم صحة جسدية أفضل.

وبيّنت بأنه ولشدة تأثير هذه العلاقة فقد أصبح مالكو الإبل يربطون معايير جمال المرأة بمقومات جمال الإبل، فطول رقبة المرأة وكثافة رموشها وتضاريس جسدها الممشوق، كلها صفات تشبه تلك التي تتحلى بها الإبل المعروفة، وأن الكرم وتقديم المساعدة دون انتظار طلبها من السمات التي يجب أن يتحلى بها مُلاك الإبل، ويعتقد البدو أن السبب وراء تحلي الإنسان بالصفات الحميدة يعود إلى علاقته بالإبل؛ فإذا امتلك الرجل الإبل ورعاها فسيتحلى بصفات الكرم والعطاء.

وأضافت: في ثقافة البدو يرفع امتلاك الإبل الأصيلة من المكانة الاجتماعية لصاحبها؛ فاقتناء إبل من سلالة عريقة يمنح مالكها شعورًا بالارتقاء إلى مصاف الشخصيات المرموقة، فلا يهم إن كان مالك الإبل غنيًّا أم فقيرًا أم شيخًا أم رجلًا عاديًّا، فهم جميعهم في مضامير السباق سواسية؛ ففي المجتمع البدوي يتعامل مُلاك الإبل على قدم المساواة، ويشعرون بالانتماء إلى مجتمع واحد، وهذا خير مثال على تحوّل الهوية الذي تؤكده نظرية الهوية الاجتماعية.

وأشارت إلى عدة صفات في الإبل، منها: الثقة بالنفس، والشعور بالخزي، والخجل، إذا خسرت السباق، والشعور بالذنب، والحزن والحداد لموت صاحبها، والسعادة ، والاستياء، والذكاء، والقدرة على الانتقام، ومغادرة الموطن الأصلي.

وتطرّقت الدكتورة الوهيبية في محاضرتها إلى بحث أجرته سابقا، تضمّن لقاءات مع عدد من الأطفال من البادية وارتباطهم بالبادية والإبل، والصفات التي يصفون بها الإبل؛ نظرا لمكانتها في قلوبهم، حيث أكّد الأطفال المشاركون في البحث أن الإبل ساعدتهم على التغلب على الحزن الناجم عن وفاة أحد أفراد الأسرة أو طلاق الوالدين أو المرض. وغالباً ما كان يُنظر إلى الإبل من قبل الأطفال الذين يعانون من الحزن كبديل عن الشخص الذي أحبوه وفقدوه.

وتحدثت الوهيبية عن فترات تدريب الإبل، والأوقات التي يقضيها المضمر والمالك في متابعة هجنهم وتجهيزها وإعدادها الإعداد الجيد للسباقات، وقالت: إن المضمر العُماني يَعتني بالهجن عناية فائقة ويُعدها الإعداد الجيد للسباقات، ويختار لها التغذية المناسبة والتمارين حتى تكون جاهزة لخوض غمار التنافس. مشيرة إلى أن المضمر لا يكاد يغادر عزبته حتى يعود مرة أخرى، نظرا لأهمية المتابعة في عملية التضمير.

وقالت: ينشئ العديد من الأفراد رابطًا عاطفيًا عميقًا مع الجمل المفضل لديهم إلى الحد الذي يدمجون فيه اسم الجمل في هويتهم الاجتماعية الخاصة. وقالت: إن استخدام اسم الجمل المحبوب لدى الشخص للتعرف عليه يدل على وجود علاقة قوية بين الشخص والحيوان، وهذا يُسلّط الضوء على الأهمية الثقافية للإبل في مجتمعهم والحاجة إلى الاعتراف بهذه الروابط لفهم الممارسات والقيم الثقافية بشكل أفضل، وتجسّد هذه الظاهرة شبكة الروابط المعقدة التي تميّز البنية الاجتماعية للبدو.

ويمكن النظر إلى عملية إعطاء اسم للجمل على أنها شكل من أشكال التصنيف الاجتماعي الذي يرمز إلى العلاقة بين المالك والحيوان، وكذلك مكانة المالك داخل مجتمعه، ويعكس اختيار الأسماء في كثير من الأحيان السمات التي يتم تقديرها داخل مجتمع معين، مثل البراعة الجسدية أو الجاذبية الجمالية، وبالتالي تكون بمثابة تمثيلات رمزية للشخصية الاجتماعية للفرد.

وفي المجتمع البدوي العُماني يُعد ارتباط اسم الناقة بصاحبها بناء معقّدا ومتعدد الطبقات ينظم العلاقات بين القبائل وداخلها. فهو يلخّص ويشفر الآليات الاجتماعية والثقافية الخفية، ويعمل كمفتاح لفهم عقلية وثقافة السكان الأصليين في رمال الشرقية.

وقد ارتبطت الإبل بحياة الإنسان العُماني ارتباطا وثيقا ممتدا لتاريخ طويل، وكانت الإبل ولا تزال حاضرة في وجدان حياة الإنسان البدوي، في سلطنة عُمان، ويعتبرها مصدر فخر واعتزاز له، فكانت في عصور ماضية رفيقة دربه في التنقل، بحثا عن الرزق والتجارة والعيش، وفي حاضره تعمّق الارتباط حتى غدت أيقونة في كافة تفاصيل حياته؛ لذلك تعمّق الارتباط بين الإنسان والإبل حتى تغنّى بها في أشعاره و قصائده، واستحضرها في حديثه ومجالسه، وتسابق بها في الأفراح وشارك بها في المحافل والسباقات.

وتهتم سلطنة عُمان بالتراث الأصيل؛ نظرا لأهميته في تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ المبادئ العُمانية الأصيلة الممتدّة عبر أزمنة مديدة، ومدى إسهام التراث في الاعتزاز بالنفس والهوية لدى الأجيال الناشئة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

محافظ الطائف يتابع مشروع جادة الإبل ويوجه بتذليل العقبات

وقف صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نهار بن سعود بن عبدالعزيز، محافظ الطائف، على مشروع جادة الإبل المنتظر في محافظة الطائف، برفقة رئيس نادي الإبل الدكتور باتل العنزي، ومسؤولي الجهات الحكومية والخدمية المعنية في المحافظة.
جاء هذا الوقوف ضمن جولة تفقدية لمتابعة سير العمل في المشروع، الذي يمتد على مساحة واسعة تبلغ أكثر من 19000 متر مربع.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } محافظ الطائف يتابع مشروع جادة الإبل ويوجه بتذليل العقبات

خدمات متنوعة


استمع سموه خلال الجولة إلى شرح وافي عن المخطط الكامل للجادة، وما تتضمنه من مرافق وخدمات متنوعة تهدف إلى تعزيز جودة الفعاليات المقدمة وتوفير تجربة متكاملة للزوار والمشاركين في مهرجانات الإبل.

أخبار متعلقة الأمير عبدالعزيز بن سعود يزور أكاديمية الشرطة بجمهورية مصر العربيةمحافظ الجبيل يبحث تطوير بيئة التعليم مع مدير مركز اليونسكو الإقليميبتوجيه من القيادة .. الأمير عبدالعزيز بن سعود يلتقي الرئيس المصري

وفي خطوة تعكس حرص القيادة على تذليل جميع العقبات التي قد تواجه تنفيذ مثل هذه المشاريع، وجّه سمو محافظ الطائف جميع الجهات الحكومية والخدمية المعنية بالتعاون الفعّال والعمل بروح الفريق الواحد، لضمان تحقيق أهداف المشروع بأعلى مستوى من الجودة وبأسرع وقت ممكن.
وشدد سموه على أهمية معالجة أي تحديات قد تعترض سير العمل بسرعة وفعالية، مؤكدًا على ضرورة رفع تقارير مستمرة عن التقدم المحرز في المشروع، مما يضمن سرعة الاستجابة لأي معوقات.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } محافظ الطائف يتابع مشروع جادة الإبل ويوجه بتذليل العقبات

دعم القيادة الرشيدة


ويأتي هذا التوجيه في إطار الدعم الكبير والمتواصل الذي توليه القيادة الرشيدة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، لمهرجانات الإبل التي باتت تشكل جزءًا هامًا من التراث السعودي العريق، وواجهة ثقافية وتراثية تستهوي عشاق هذا الموروث من مختلف أنحاء المملكة وخارجها.

من المقرر أن تنطلق فعاليات جادة الإبل، والتي تقع بجوار ميدان الهجن بالطائف، في التاسع عشر من سبتمبر الجاري.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } محافظ الطائف يتابع مشروع جادة الإبل ويوجه بتذليل العقبات

فعاليات وأنشطة


ستتضمن الفعاليات باقة من الأنشطة المتنوعة، تشمل مسابقات في مختلف الفئات، عروض تراثية، معارض متخصصة، بالإضافة إلى برامج إعلامية متميزة.
كما ستحتضن الجادة قرية تراثية تقدم للزوار تجربة استثنائية، فضلًا عن محاورات شعبية تجسد عمق الموروث الثقافي السعودي، وعروض إبل متنوعة تُظهر جمال وسحر هذا الحيوان في مختلف أشكاله وفئاته. كما ستتوفر قرية للتسوق تقدم منتجات متنوعة للزوار.

جدير بالذكر أن رئيس مجلس إدارة نادي الإبل، الشيخ فهد بن فلاح بن حثلين، قد اعتمد في وقت سابق انطلاق سلسلة مهرجانات جادة الإبل لهذا العام، ضمن خطط نادي الإبل لتوسيع دائرة المهتمين بهذا الموروث، واستهداف شرائح جديدة من المجتمع من خلال تقديم فعاليات وأنشطة ترفيهية تجذب مختلف الفئات. هذه المهرجانات تهدف إلى تعزيز حضور الإبل كجزء لا يتجزأ من التراث الوطني، وجذب محبي التراث من مناطق متعددة داخل وخارج المملكة.

مقالات مشابهة

  • ما سر ارتباط السهر بزيادة خطر الإصابة بمرض السكري؟
  • عضو «القومي لحقوق الإنسان»: القوة الناعمة تلعب دورا بارزا في نشر الثقافة الحقوقية
  • وزير العمل يستعرض جهود الدولة وتوجيهات الرئيس بشأن الحماية الاجتماعية للمواطنين 
  • محافظ الطائف يتابع مشروع جادة الإبل ويوجه بتذليل العقبات
  • «القومي لحقوق الإنسان»: «إيد واحدة» تساهم في توسيع مظلة الحماية الاجتماعية
  • الشيخ أبو اليزيد سلامة: الكذب له رائحة يشعر بها القلب.. والصدق مفتاح الرضا
  • "الأولمبية العُمانية" تشارك في "عمومية المجلس الأولمبي الآسيوي" بالهند
  • مشاركة عُمانية في فعاليات مهرجان المسرح الخليجي
  • مركز “إثراء” يطلق معرض “الجمل عبر العصور”
  • مُصممة مجوهرات عُمانية تفوز بجائزة دولية في المجر