«الإبل في الثقافة العُمانية».. محاضرة تستعرض ملامح ارتباط الإنسان بالإبل
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
في إطار الاهتمام بالموروث الأصيل، أقام مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم اليوم محاضرة بعنوان (الإبل في الثقافة العُمانية)، وذلك في إطار خطة النشاط الثقافي للمركز، قدمتها الدكتورة ابتسام بنت سالم الوهيبية أستاذة مساعدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس.
وقالت الوهيبية: إن الثقافة البدوية العربية، تَعتبر الجمل رمزًا يُجسّد الشعور بالكرامة والمكانة الاجتماعية والمودة، وهذه الرمزية متجذّرة بعمق في السرد الثقافي، وتعكس قيم ومعتقدات هذا المجتمع، ومن المهم أن ندرك أهمية هذه الرمزية عند التعامل مع الثقافة البدوية العربية؛ لأنها يمكن أن تُقدّم رؤى قيمة لأسلوب حياتهم.
وأشارت إلى أن أصحاب الإبل يحسبون الإبل عطية من عطايا الرحمن؛ لشدة ارتباطهم بها. وقالت: إن للهجن قدرتها على التفكير والتعبير عن المشاعر على الرغم من محدوديتها، إلا أن الصلة الفريدة التي تربط الإبل بصاحبها تثير تساؤلات عميقة؛ فالإبل في نظر بعض الناس لا تختلف عن الإنسان في مشاعرها؛ فهي تشعر بالحزن وتُظهر التعاطف وتُبادل الحب وتُمارس المراوغة وتُجيد الابتزاز العاطفي وتُخطط للانتقام.
وأوضحت: إنه لا بدّ من الإشارة إلى التأثير العميق لهذه العلاقة مع الإبل من منظور هؤلاء الأشخاص وآرائهم، فنظرتهم إلى الحياة تشكّلت من خلال تجربتهم الفريدة، وقد تختلف عن نظرة الآخرين، إذ أصبح لديهم نظرة خاصة لمعايير الجمال، وانعكست علاقتهم بالإبل على مكانتهم الاجتماعية وهوياتهم الفردية، كما ساهمت في تعزيز تعاطفهم واستقرارهم النفسي ومنحتهم صحة جسدية أفضل.
وبيّنت بأنه ولشدة تأثير هذه العلاقة فقد أصبح مالكو الإبل يربطون معايير جمال المرأة بمقومات جمال الإبل، فطول رقبة المرأة وكثافة رموشها وتضاريس جسدها الممشوق، كلها صفات تشبه تلك التي تتحلى بها الإبل المعروفة، وأن الكرم وتقديم المساعدة دون انتظار طلبها من السمات التي يجب أن يتحلى بها مُلاك الإبل، ويعتقد البدو أن السبب وراء تحلي الإنسان بالصفات الحميدة يعود إلى علاقته بالإبل؛ فإذا امتلك الرجل الإبل ورعاها فسيتحلى بصفات الكرم والعطاء.
وأضافت: في ثقافة البدو يرفع امتلاك الإبل الأصيلة من المكانة الاجتماعية لصاحبها؛ فاقتناء إبل من سلالة عريقة يمنح مالكها شعورًا بالارتقاء إلى مصاف الشخصيات المرموقة، فلا يهم إن كان مالك الإبل غنيًّا أم فقيرًا أم شيخًا أم رجلًا عاديًّا، فهم جميعهم في مضامير السباق سواسية؛ ففي المجتمع البدوي يتعامل مُلاك الإبل على قدم المساواة، ويشعرون بالانتماء إلى مجتمع واحد، وهذا خير مثال على تحوّل الهوية الذي تؤكده نظرية الهوية الاجتماعية.
وأشارت إلى عدة صفات في الإبل، منها: الثقة بالنفس، والشعور بالخزي، والخجل، إذا خسرت السباق، والشعور بالذنب، والحزن والحداد لموت صاحبها، والسعادة ، والاستياء، والذكاء، والقدرة على الانتقام، ومغادرة الموطن الأصلي.
وتطرّقت الدكتورة الوهيبية في محاضرتها إلى بحث أجرته سابقا، تضمّن لقاءات مع عدد من الأطفال من البادية وارتباطهم بالبادية والإبل، والصفات التي يصفون بها الإبل؛ نظرا لمكانتها في قلوبهم، حيث أكّد الأطفال المشاركون في البحث أن الإبل ساعدتهم على التغلب على الحزن الناجم عن وفاة أحد أفراد الأسرة أو طلاق الوالدين أو المرض. وغالباً ما كان يُنظر إلى الإبل من قبل الأطفال الذين يعانون من الحزن كبديل عن الشخص الذي أحبوه وفقدوه.
وتحدثت الوهيبية عن فترات تدريب الإبل، والأوقات التي يقضيها المضمر والمالك في متابعة هجنهم وتجهيزها وإعدادها الإعداد الجيد للسباقات، وقالت: إن المضمر العُماني يَعتني بالهجن عناية فائقة ويُعدها الإعداد الجيد للسباقات، ويختار لها التغذية المناسبة والتمارين حتى تكون جاهزة لخوض غمار التنافس. مشيرة إلى أن المضمر لا يكاد يغادر عزبته حتى يعود مرة أخرى، نظرا لأهمية المتابعة في عملية التضمير.
وقالت: ينشئ العديد من الأفراد رابطًا عاطفيًا عميقًا مع الجمل المفضل لديهم إلى الحد الذي يدمجون فيه اسم الجمل في هويتهم الاجتماعية الخاصة. وقالت: إن استخدام اسم الجمل المحبوب لدى الشخص للتعرف عليه يدل على وجود علاقة قوية بين الشخص والحيوان، وهذا يُسلّط الضوء على الأهمية الثقافية للإبل في مجتمعهم والحاجة إلى الاعتراف بهذه الروابط لفهم الممارسات والقيم الثقافية بشكل أفضل، وتجسّد هذه الظاهرة شبكة الروابط المعقدة التي تميّز البنية الاجتماعية للبدو.
ويمكن النظر إلى عملية إعطاء اسم للجمل على أنها شكل من أشكال التصنيف الاجتماعي الذي يرمز إلى العلاقة بين المالك والحيوان، وكذلك مكانة المالك داخل مجتمعه، ويعكس اختيار الأسماء في كثير من الأحيان السمات التي يتم تقديرها داخل مجتمع معين، مثل البراعة الجسدية أو الجاذبية الجمالية، وبالتالي تكون بمثابة تمثيلات رمزية للشخصية الاجتماعية للفرد.
وفي المجتمع البدوي العُماني يُعد ارتباط اسم الناقة بصاحبها بناء معقّدا ومتعدد الطبقات ينظم العلاقات بين القبائل وداخلها. فهو يلخّص ويشفر الآليات الاجتماعية والثقافية الخفية، ويعمل كمفتاح لفهم عقلية وثقافة السكان الأصليين في رمال الشرقية.
وقد ارتبطت الإبل بحياة الإنسان العُماني ارتباطا وثيقا ممتدا لتاريخ طويل، وكانت الإبل ولا تزال حاضرة في وجدان حياة الإنسان البدوي، في سلطنة عُمان، ويعتبرها مصدر فخر واعتزاز له، فكانت في عصور ماضية رفيقة دربه في التنقل، بحثا عن الرزق والتجارة والعيش، وفي حاضره تعمّق الارتباط حتى غدت أيقونة في كافة تفاصيل حياته؛ لذلك تعمّق الارتباط بين الإنسان والإبل حتى تغنّى بها في أشعاره و قصائده، واستحضرها في حديثه ومجالسه، وتسابق بها في الأفراح وشارك بها في المحافل والسباقات.
وتهتم سلطنة عُمان بالتراث الأصيل؛ نظرا لأهميته في تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ المبادئ العُمانية الأصيلة الممتدّة عبر أزمنة مديدة، ومدى إسهام التراث في الاعتزاز بالنفس والهوية لدى الأجيال الناشئة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مزاينة رزين تتوج الفائزين في ختام المحطة الثانية من مهرجان الظفرة
أبوظبي (وام)
أعلنت مزاينة رزين، المحطة الثانية من مهرجان الظفرة بدورته الـ18، نتائج الفائزين في منافسات سن الحول للإبل المحليات والمجاهيم والمهجنات الأصايل لليوم الختامي من المزاينة، والتي استمرت خلال الفترة من 14 ولغاية 21 نوفمبر الجاري بتنظيم هيئة أبوظبي للتراث.
وتوج عبدالله مبارك المهيري، مدير عام هيئة أبوظبي للتراث بالإنابة، الفائزين بالمركز الأول في كافة الأشواط، بحضور عدد من المسؤولين وممثلي الجهات الراعية والداعمة، وكبار ملاك الإبل وعشاق المزاينات التراثية، وزوار المزاينة من دولة الإمارات ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
على صعيد آخر، كرم مهرجان الظفرة شركاء المحطة الثانية «مزاينة رزين»، من الجهات الراعية والداعمة، وذلك على جهودهم المتواصلة وحرصهم المستمر على دعم التراث وإنجاح المهرجان وتحقيق أهدافه.
وسجلت مزاينة رزين، منافسات قوية بين مُلاك الإبل وسط مشاركة 2064 مالكاً للإبل الأصيلة المجاهيم والمحليات والمهجنات الأصايل من 6 دول خليجية وعربية، وذلك ضمن 76 شوطاً خصص لها 730 جائزة بقيمة إجمالية تبلغ 11 مليون درهم و450 ألف درهم إماراتي، وتوزعت الأشواط بين الإبل المحليات (38 شوطاً) والمجاهيم (32 شوطاً) والمهجنات الأصايل (6 أشواط)، وشملت جميعها 6 فئات عمرية، (مفاريد، حقايق، لقايا، إيذاع، ثنايا، وحول).
وشهدت منصة مزاينة الإبل في رزين، حضور نحو 40 ألف زائر من مُلاك الإبل وعشاق المزاينات التراثية والسياح. ويستعد مُلاك الإبل للمشاركة في «مزاينة مدينة زايد»، المحطة الثالثة في مهرجان الظفرة بدورته الـ18، والتي تنطلق منافساتها في الفترة من 12 إلى 19 ديسمبر 2024، وتُختتَم المزاينات مع «مزاينة مهرجان الظفرة الختامي» في الفترة من 11 إلى 30 يناير 2025.