بقلم/ التجاني بولعوالي

سبق وأن كتبنا قبل حوالي سنة أنه ينبغي أن يتمّ الإصلاحُ الاجتماعي والتربوي والإداري والصحي بالوتيرة السريعة نفسها التي يتمّ بها الإصلاحُ الرياضي والتنميةُ السياحية في بلدنا الحبيب “المغرب”. ويندرج الملف القضائي وحرية التعبير وسجناء الرأي أيضا ضمن الإصلاح الاجتماعي عامة.

إن العفو الملكي على بعض الصحافيين ومعتقلي الرأي بمناسبة الذكرى 25 لتربعه على عرش المملكة المغربية(30 غشت 2024)، يمكن اعتباره خطوة مهمة تتداعى بنا إلى البدايات الأولى لحكم الملك محمد السادس، والتي دشنت مرحلة الإنصاف والمصالحة وترسيخ ثوابت المملكة لدى كافة شرائح الشعب المغربي، بالإضافة إلى إطلاق مجموعة من المبادرات السياسية والأورواش السيوسيو-اقتصادية، وتفعيل الدبلوماسية السياسية والدينية المغربية.

بفضل ذلك، حقق المغرب بعض النتائج المهمة التي كانت تقطع بشكل أو بآخر مع مرحلة ما قبل بداية الألفية الثالثة. لكنها سرعان ما تراجعت القهقرى جراء جملة من العوامل السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، كاحتجاجات الربيع العربي، وحراك الريف، وملف الوحدة الوطنية، وأزمة كورونا، وغيرها. وهذا ما أثر نوعا ما على المسار الإيجابي الذي كانت قد دشّن به المغرب هذه المرحلة. ومع ذلك، فظل حلم النهوض بالوطن يسكن قلب كل المغاربة؛ دولة وشعبا، سلطات ومواطنين، داخل الوطن وخارجه.

ويفسر ذلك التراجع بالدرجة الأولى بالأداء الحكومي الذي اتسم في هذه المرحلة بمغامرة التجريب غير المُحكم على حساب الحقوق الكبرى للشعب والوطن (دعم المواد الأساسية، التقاعد، الغلاء وتراجع القدرة الشرائية…). وقد عملت الحكومات التي تناوبت على هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب المعاصر على المحاولة بكل الآليات والوسائل؛ حتى “اللاديمقراطية”، إن صح التعبير، لتنزيل جملة من القوانين دون مراعاة الظروف المتردية التي تتخبط فيها الكثير من الفئات الاجتماعية الكادحة والهشة، ولا أدل على ذلك من ملفات التغطية الصحية والمحاكمات القضائية. وقد أفضى ذلك إلى نشوء يأس عارم لدى الكثير من المواطنين؛ شبابا وشيبا، رجالا ونساء، مثقفين ومواطنين عاديين؛ فمنهم من فضل قوارب الموت على البقاء محبطا في وطن يعيش فيه غريبا، ومنهم من اكتفى بلعن الظروف في صمت، ومنهم من اعتمد شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة للتنفيس عن إحباطه، وهكذا دواليك.

في مقابل ذلك، كانت الدولة المغربية تطلق المشاريع الاقتصادية الكبرى لتعزيز البنيات التحتية، وتطوير القطاعات الصناعية الثقيلة، والرقي بالملاحة الجوية والبحرية، وتقوية المجال الطاقي والبيئي، وغيرها. وتتميز بعض هذه المشاريع بأنها ذو طبيعة استراتيجية وصل صداها إلى شتى البلدان الأوروبية والإفريقية والعربية والأسيوية؛ فمنها من عبر عن إعجابه بالمسار التنموي والاقتصادي الذي اختاره المغرب، ومنها من تخوف من المنافسة الشرسة للمنتجات المغربية، ومنها من انخرط في التجربة الاقتصادية المغربية الصاعدة، ومنها من عادى أو استخف مما يطرحه من أوراش ويحققه من إنجازات.

وبالموازاة مع السياسة الاقتصادية والتصنيعية التي اعتمدها المغرب، تم تطوير الدبلوماسية المغربية سواء على المستوى السياسي، حيث حقق مقترح الحكم الذاتي تجاوبا دوليا مهما، ترسخ معه الحق المغربي التاريخي والسياسي والقانوني في صحرائه، أو على مستوى الدبلوماسية الدينية المغربية التي حققت فتوحات هائلة في عدد مهم من البلدان الإفريقية.

عود على بدء، إن النهج الاقتصادي والتنموي الذي اختاره المغرب لا يخلو من سلبيات، لكن في الوقت نفسه ينطوي على إيجابيات. وهناك فرصة كبيرة لتعزيزه عبر اعتماد مقاربة شمولية؛ لا تركز فقط على الاستثمار الصناعي والاقتصادي والرياضي، بل تستثمر أيضا في الإنسان بكونه عصب كل دينامية اقتصادية. ونقصد الاستثمار الاجتماعي والتربوي والقيمي في المواطن المغربي، لأنه لا يمكن تحقيق تطور حقيقي بإنسان مهيض الجناح ومهضوم الحقوق والكرامة والحرية.

هناك من تساءل مستغربا عن حظ سجناء حراك الريف من العفو الملكي الأخير، فاعتبر ذلك إقصاء أو إجحافا أو عنصرية، ونحن نتوقع (ونأمل أن يكون توقعنا صحيحا!) أن هذا العفو سوف تكون له تداعيات إيجابية، ويليه عفو قريب إن شاء الله تعالى عن باقي معتقلي الرأي من الريف وغيره من جهات الوطن.

وأكثر من ذلك، نتوقع أيضا أن يعيد المغرب النظر في السياسات الحكومية المتعلقة بالشأن الاجتماعي، حتى يتحقق نوع من التوازن بين الاستثمار في الاقتصاد والصناعة والبنيات التحتية وبين الإصلاح الاجتماعي والتربوي والإداري والصحي. وقد أصبح ذلك ضروريا أمام الدولة المغربية التي أثبتت للعالم على أنها قادرة على تحقيق دينامية مهمة في صناعة السيارات والطيران والطاقة الشمسية والريحية والملاحة البحرية والبيئة، واليوم ينتظر منها العالم، لاسيما الجيران على الضفة الأوروبية أن تنقل هذا النجاح إلى القطاعات الاجتماعية الحيوية من صحة وتعليم وإدارة وعالم قروي.

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

رئيسة مكتب شؤون المرأة تبحث مع المبعوثة البريطانية الخاصة دعم التنمية في سوريا وضرورة رفع العقوبات عنها

دمشق–سانا

التقت رئيسة مكتب شؤون المرأة في إدارة الشؤون السياسية عائشة الدبس،مع المبعوثة البريطانية الخاصة إلى سوريا، آن سنو، وشكرتها على وقوف المملكة المتحدة إلى جانب الشعب السوري، وكل ما قدمته من مساعدات ودعم إنساني وسياسي خلال سنوات الثورة السورية.

وقالت الدبس خلال اللقاء إننا مقبلون الآن على مرحلة البناء والتطوير، لذلك فإننا نريد من بريطانيا أن تنتقل معنا من مرحلة الدعم الإنساني إلى مرحلة دعم التنمية المستدامة التي ننشد تحقيقها، وهذا يكون أولاً عبر المساعدة في بناء القدرات وخاصة لدى المرأة السورية.

وتحدثت الدبس مع سنو عن نموذج المرأة البريطانية الفاعلة والمؤثرة، وعن النساء السوريات اللواتي تميزن وأبدعن في بريطانيا، مثل الكابتن الطيار مايا غزال والعالمة صفاء القمري، وأكدت أن زيادة تمكين المرأة في سورية لن يصل إلى النتيجة المرجوة دون رفع العقوبات وبشكل كامل، لأن هذه العقوبات من يحصد نتائجها هو الشعب السوري.

وأشارت رئيسة مكتب شؤون المرأة إلى أن الكثير من الأزمات والحروب عصفت بسوريا، ولكن لم تستطع تغيير الحقيقة، بأن الشعب السوري محب للسلام والاستقرار، وأن الفسيفساء التي يتكون منها المجتمع السوري هي ما تعطي سورية غنى وتألق على الدوام.

بدورها، أكدت سنو أن بلادها ستدعم برامج التعافي المبكر في سورية، وسيكون هناك الكثير من العمل المشترك سواء في مجال التعليم أو في مجال تمكين المرأة.

مقالات مشابهة

  • الداعية الإسلامي: إرضاء الله هو الغاية التي لا يجب أن نتركها
  • رئيسة مكتب شؤون المرأة تبحث مع المبعوثة البريطانية الخاصة دعم التنمية في سوريا وضرورة رفع العقوبات عنها
  • الرجل الثاني في المخابرات المغربية يفر إلى أوروبا
  • كريم زيدان…الرجل الذي يواجه معادلة الاستثمار والتنمية في مغرب لا ينتظر
  • إيطاليا وإسبانيا تعترفان رسمياً برخصة السياقة المغربية دون الحاجة لإختبارات جديدة
  • ما هي الحالة التي تعفي مستفيد الضمان الاجتماعي من رسوم العمالة المنزلية؟
  • رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية قانون الاستثمار الذي يشجع ويدعم رأس المالي الوطني والأجنبي
  • في حب الرئيس السيسي.. نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل يوجهون رسالة خاصة
  • بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج.. الداخلية تنظم احتفالية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل| فيديو
  • «الداخلية»تنظم احتفالية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج