أحمد الملك
أزمات بلادنا تتفاقم، موت ونزوح ودمار، حرب عبثية قضت على الأخضر واليابس، سيول أغرقت أجزاء واسعة من البلاد، كأنه مكتوب على اهل هذه البلاد المنكوبة أن يتحد غضب الطبيعة مع وحشية الحرب في مطاردة الناس في كل مكان.
وسط لا مبالاة من حكومة الأمر الواقع، كيزانها يدقون طبول الحرب والتعبئة، غير عابئين بمعاناة الناس التي تتفاقم في كل يوم، حتى أولئك الذين نجحوا في الخروج من البلاد، يعانون مشاكل شتى تبدأ من إجراءات الدخول المعقدة، ومن ضعف الموارد بعد ان فقدوا كل شيء في بلادهم.
قائد سلطة الأمر الواقع الذي فقد شرعيته بالانقلاب، نزع بزة الميدان وارتدى البدلة الكاملة (مثله مثل أي رئيس مدني منتخب) وطار الى كيغالي، مثله مثل سلفه البشير الذي كان كلما اشتدت عليه الخطوب، طار عبر الحدود، لإثبات (رجولة طائرة) في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت أمر اعتقال بحقه بتهمة إبادة شعبه!
يفعل البرهان الشيء نفسه حين ينصاع لأوامر التنظيم الكيزاني بمواصلة الحرب، يحتكر التنظيم الاسلاموي الاجرامي (الجنوح للسلم) بحسب أقوال المحققة سناء، كسُلّم أخير يهيئ له النزول الى اتفاق مع المليشيا التي صنع منها عدوا ليحارب الشعب السوداني وثورته.
طار قائد الجيش الى كيغالي، ترك الناس جوعى وموتى ومن نجا من دمار الحرب اكتسحته السيول، ترك الناس غرقى ومشردين في مدن النزوح وعبر الحدود، يموتون عطشا وجوعا وتطاردهم العصابات في غابات اثيوبيا، تركهم يقفون في صفوف الطعام الشحيح في عاصمة البلاد ويفتقدون الى ابسط الاحتياجات الإنسانية، تركهم يأكلون أوراق الشجر ويموت الأطفال بسبب الجوع في معسكرات اللجوء غربا.
تركهم وطار الى كيغالي حتى لا تفوته فرصة تنصيب بول كيقامي، كيقامي الذي لم تحمله الى السلطة أحلام والده، بل قلوب شعبه الذين أخلص في خدمتهم، حتى صنع خلال سنوات قليلة من بلد خرج من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية الى رحاب التسامح المجتمعي والتنمية التي تبدأ من الانسان، حتى صارت بلاده مضرب المثل في كيف تنهض الشعوب وتتسامى على جراحاتها، وتمضي الى المستقبل، بينما البرهان وكيزانه ونظامهم السابق والحالي لا هم لهم سوى تعميق جراحات شعبنا، وصب المزيد من الزيت على كل نار فتنة تشتعل في هذه البلاد.
أنها مأساة وطن تسلط عليه تنظيم شيطاني، لم يكتف بتعذيب شعبه ونهب موارده طوال أكثر من ثلاثة عقود، فأشعل حربا لا تبقي ولا تذر أملا في العودة الى السلطة على أشلاء وطن، أو تمزيقه واغراقه في الفوضى والخراب.
#لا_للحرب
#جنيف_الفرصة_الأخيرة_للسلام
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
القاعدة الشعبية وإمتلاك ناصية التغيير
زين العابدين صالح عبد الرحمن
من حكم وليم شكسبير يقول في واحدة " التفاوض فن تقسيم الكعكة بطريقة ينصرف بعدها كل من الحضور معتقدا أنه حصل على الجزء الأكبر"
قبل الحرب كان الطريق إلي التفاوض سالكا، و كانت الأغلبية تنادي بتوسيع وزيادة عدد مقاعد الحوار من أجل التفاكر حول حل الأزمة، و الوصول إلي توافق وطني.. لكن كانت الأقلية ترفض ذلك بقوة بمقولة " لا للإغراق السياسي" و كانت الدول الخارجية؛ و خاصة في الرباعية و الاتحاد الأوروبي تصر على أن تظل مقاعد الحوار محدودة، لأنها لا تريد زيادة عدد الذين توظفهم من أجل انجاز أجندتها..أن الإصرار بهدف تضيق العملية السياسية لابد أن يعقد الأزمة أكثر، حتى وصلت إلي المحاولة الانقلابية التي قامت بها الميليشيا.. و تناول القضية يجب أن يكون بصراحة و وضوح كاملين دون تغبيش للحقائق و مداراتها.. أن وقف الحرب إذا لم تتغير فيها المعادلة السياسية بصورة كاملة سوف تنذر بحرب قادمة أخرى اشرس من سابقتها.. لذلك هزيمة الميليشيا أو استسلامها هي الإستراتيجية التي يجب أن تكون...
الآن أصبح الخطاب معكوسا؛ أن الأغلبية التي تساند القوات المسلحة من الشعب و مجموعات المستنفرين و المقاومة الشعبية تضغط قيادة الجيش أن لا تقبل أية دعوة للتفاوض أو الحوار، لكي تعاد الميليشيا من خلالها إلي تاريخ ما قبل الحرب، و الأغلبية تقف مع دعوة عدم عودة الميليشيا إلي الساحتين السياسية و العسكرية مطلقا.. و الجيش عندما يرفض الذهاب إلي دعوات التفاوض، هو ينفذ إرادة الأغلبية، التي تقف معه في جبهات القتال كتفا بكتف، و الآن بدأ العالم يفهم أن الحرب لابد أن تحدث تغيرات جوهرية على الساحة السياسية في السودان، خاصة دخول عناصر جديدة مدركة لدورها و مستوعبة للتحولات التي تحدث في المجتمع من جراء الحرب.. و اصحاب المصالح دائما يغيرون مواقفهم وفقا للمتغيرات الجديدة في المجتمع.. و الذين يعتقدون أن تحقيق مصالح المجتمع الخارجي بالضرورة سوف يحقق أهدافهم الساعية نحو السلطة، تنقصهم الحنكة السياسية، لأنهم من الأول جعلوا انفسهم أدوات و ليس أصحاب حق..
أن التغيير بالفعل قد حدث في المواقف، خاصة محاولات الأقلية الساعية " للتفاوض" من منظور الحاجة.. هؤلاء يدركون أن رجوعهم للساحة السياسية لا يتم إلا من خلال " تسوية سياسية تحدث بين السلطة في البلاد و الميليشيا" التي بموجبها تعود الميليشيا للساحتين و يعود معها جناحها السياسي.. لكن هزيمة الميليشيا أو استسلامها يعني تغيير جذري في الخارطة السياسية.. و مقولة الفزاعة " الكيزان و الفلول" و وصفهم هم اصحاب القرار و الأمر في رفض التفاوض، أصبحت لا تفيد كثيرا، الهدف منها كان تخويفا للغرب و بعض الدول الخليجية و المعادلات السياسية الجارية في الإقليم تجاوزت ذلك.. لذلك أية عملية سياسية يجب أن تراع متطلبات الواقع و مصلحة البلاد و الشعب..
الشعب وحده هو القادر على تغيير المعادلات السياسية في البلاد، و وحده هو الذي يستطيع أن يضع أجندة جديدة يلزم بها الآخرين، لذلك قيادة الجيش تفهم هذه المعادلة، و لا تستطيع أن تتجاوزها بعد أن ضمنت تأييد الأغلبية لها.. الآخرون الذين يحاولون التشكيك في أن أغلبية الشعب تقف مع الجيش في معركته العسكرية ضد الميليشيا هؤلاء يحاولون طمأنة أنفسهم حتى لا يشعروا بالهزيمة السياسية، و أنهم أداروا معركتهم دون الوعي السياسي المطلوب، حيث أصبحوا في موقف مضاد لمطالب الشعب، الأمر الذي يطالبهم بتغيير قناعاتهم الخاسرة و النظر للقضية بموضوعية وفقا لحقائق الواقع.. و هؤلاء يعتقدون أن الذي يجري هو فقط صراعا سياسيا، رغم أن الأمر قد تعدى ذلك، لأنه استهدف وحدة البلاد و محاولات للتغيير الديمغرافي فيها، و محاولات نهب ثروات البلاد و الاستيلاء عليها من قبل الدول الداعمة للميليشيا.. و التي توظف عددا كبيرا من السياسيين و المثقفين و الإعلاميين..
أن الحرب سوف تنتهي و الميليشيا سوف تخرج من المعادلات القادمة، و سوف تبرز الحرب قيادات جديدة و أجندة جديدة، فالذين يريدون أن يكونوا جزءا من مستقبل العملية السياسية يجب عليهم أن يعيدوا النظر في حساباتهم، و تغيير الواجهات التي فشلت في إدارة الأزمة حتى أوصلت البلاد للحرب، و تغيير القيادات التي وظفت نفسها لأجندة خارجية،، أما محاولات التلويح بأن البعض يريد أن يعلن حكومة في المنفى أو حكومة في الأراضي التي تقع تحت سيطرة الميليشيا هؤلاء اثبتوا فشلهم تماما، و أنهم باحثين عن سلطة و ليس عن حلول جذرية للأزمة و ليس لهم أية قواعد اجتماعية تسندهم، فقط يلوحون ببندقية الميليشيا و في ذات الوقت ينكرون أنهم جناحها السياسي.. الحرب سوف تخلق واقعا جديدا للسودان مثله مثل الاستقلال.. سوف يأتي بعناصر جديدة قدمت تضحيات جسام لكي يظل السودان مستقلا موحدا، و هزمت المؤامرة التي تمت إحاكتها ضده... نسأل الله حسن البصيرة...
zainsalih@hotmail.com