سودانايل:
2024-09-10@20:33:51 GMT

(تيت تيت ابوجبيهة حديد)

تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

(تيت تيت ابوجبيهة حديد)

لم اجد تاييد لاهلنا في ابوجبيهة وهم يخرجون الي الشوارع ويتحدون المخاطر، مطالبين بوقف الحرب اللعينة، التي اوقفت حال العباد ودمرت البلاد، افضل من التشجيع اعلاه، والذي ارتبط بالرياضيين في بلدنا. مع العلم ان الرياضيين اكثر قطاعات المجتمع حماسا واخلاصا وانتماءً صادقا لفرقهم.

ولو ان ذات الحماس وصدق الانتماء وجد طريقه للوطن والسياسة لكانت الحالة غير. والفارق يبدو انه يرجع الي ان الحماس والانتماء الاول طوعي، عكس الحماس والانتماء الاخير الذي يفسده من جهة القسر (الانظمة الاستبدادية)، ومن جهة الفجوة الفاصلة بين السياسة وهموم وحاجات المواطنين الفعلية، لقصور لدي السياسيين يرجع لانشغالهم المفرط بالسلطة (يلعب حرمانهم منها بواسطة العسكر دور وازن في ذلك).
واذا كانت الدمازين وعطبرة لهما قصب السبق في اشعال ثورة ديسمبر المغدورة، فقد حجزت ابوجبيهة مركز المقدمة، في التنديد بهذه الحرب الاجرامية التي تستهدف المواطنين وبقية مكونات الوطن، وكأن هنالك تنافس بين المتقاتلين علي من يحدث خسائر اكبر سواء في صفوف الابرياء (من قبل الجنجويد) او البنية التحتية (بواسطة الجيش)، او اغراق البلاد في دوامة الخراب وجرها للفوضي الشاملة.
وما يحسب لابناء ابوجبيهة ان ما بادروا به، ظل يشغل بال كل المكتوين بنيران هذه الحرب اللعينة، ولا يستطيعون التعبير عنه، خوفا من بطش المليشيا والاستخبارات العسكرية وتشويه السمعة من قبل الفلول.
والحال كذلك، لو تُرك المجال مفتوح امام الجميع، دون مصادرة للخيارات والآراء، او استلاف الالسنة وتزوير الارادة وتغبيش الوعي عبر الدعاية، كما درجت تمارس انظمة البطش والارهاب. لطالب الغالبية بايقاف هذه الحرب الهمجية، اقلاه هذا الاحتمال يستند علي الحس السليم او طبيعة الاشياء باعتبار الحياة افضل من الموت والعمران افضل من الدمار والامن افضل من الخوف والسلامة خير من الانتهاكات والذل، والتعايش والتراحم خير من التدابر والخصام...الخ، وباختصار كما تساءل تليستوي (اليست الحرب اكثر ما في الوجود خزيا؟). لكل ذلك ليس هنالك من يؤيد الحرب ويطالب باستمرارها، الا اذا كان مستفيدا منها او متضررا من ايقافها او غير مكتوٍ بلظاها او مغفل يتلاعب به شياطين الانس لحاجة قذرة في نفوسهم.
وصحيح هنالك قضايا عادلة للحروب (التحرير) او رد عدوان، ولكن طالما هنالك سبل اخري لنيل الحقوق او رد المظالم، او اذا اتيحت خلال الحروب بعد اشتعالها نوافذ للحلول السلمية. فعندها تصبح الحرب غير ذات جدوي او مدعاة لخراب العمران ليس غير. وهنا نصل للب الموضوع اي الفارق بين القادة او من يتصدي للشان العام او من وضعته الاقدار في محل تحمل المسؤولية، هل هو ممن يتحلي بالحكمة وتحركه دوافع المصلحة العامة ويتعرض للمساءلة والمحاسبة؟ ام من قصيري النظر عديمي الهمة والمروءة ممن تسيطر عليهم شهواتهم وطموحاتهم الخاصة ويفرضون سلطانهم بقوة السلاح؟ وبطبيعة الحال يصعب في هذه الوضعية الاخيرة الكلام عن رغبة الشعب وحرب الكرامة والدولة المدنية وغيرها من شعارات براقة تخفي همجية الحروب وقذارة دوافعها. واذا كانت الحروب علي العموم سيئة، فالحروب الاهلية اشد سوءً، حيث تُستخدم موارد البلاد في قتل وتشريد اهل البلاد، وزراعة الفتن المجتمعية، وتمكين مصالح الخارج.
وبعيدا عن التجريد فما يجري علي ارضنا الطيبة من حرب قذرة يدفع ثمنها الفادح المواطن والوطن، يصعب ان نجد هنالك قضية عادلة تبرر هذه الحرب الوحشية، اي بوصفها صراع سلطة بين متسلطين قتلة لصوص. ولو انه قد نجد هنالك جانب يتعلق برد عدوان المليشيا الهمجية، التي تحولت الي قوة بطش غاشمة تستمرئ النهب والانتهاكات ضد الابرياء. ولكن المفارقة ان ذات المليشيا هي من تقبل دعوات التفاوض، التي يرفضها الجيش بمبررات واهية بل وغارقة في الكذب والاستهتار بما يتعرض له المواطنون من استباحة والبلاد من اضرار جراء هذه الحرب من جهة، وعجز الجيش عن القيام بمهامه من جهة. وكأن هذه الحرب مجرد سوط عذاب سرمدي مسلط علي كاهل الابرياء. وهذا واحد فقط من الجوانب العديدة لهذة الحرب المُلغزة، التي لا تخضع لمنطق او قيم او معايير او حساب لما تحدثه من كوارث. لدرجة ان صحة وكذب كل ما يتعلق بهذه الحرب يستويان! بدليل بعد مرور اكثر من العام ما زلنا لانفهم لماذا تم تسليم ولاية الجزيرة للجنجويد؟ ولماذا درج الجيش علي ممارسة كثير من الانسحابات غير المبررة؟ ولماذا يعجز عن مجرد احداث انتصار استراتيجي واحد؟ ولماذا يتبع خطة دفاعية بحتة ويتحدث عن انتصار؟ وهل حميدتي ميت ام حي؟ واذا كان حي يرزق لماذا يتواري بهذه الطريقة المريبة؟ اي ما هي الجدوي من اختفائه اذا كانت له قضية او مشروع؟ وكيف يتسني لمستشاري الجنجويد انكار كل هذه الانتهاكات الفظيعة اذا كانت لهم ذرة مصداقية، بل وبكل قوة عين يتحدثون عن الفلول والدولة المدنية والديمقراطية؟
لذلك لالقاء اضاءة علي هذه الحرب، قد يصح ردها للرؤية التي تصور هذه الحرب بانها تشتمل علي مجموعة حروب داخلها، فهي حرب الاسلامويين عبر كتائبهم للعودة للسيطرة علي المشهد السياسي والاقتصادي والسلطوي، وهي حرب الجنرالات من الجانبيين للبقاء في سدة السلطة، وهي كذلك حرب للنهب والسلب لمكونات الجنجويد، وكذلك حرب تصفية حسابات عرقية وجهوية تفضحها احقاد منتسيبن ومناصرين للمليشيا (الربيع وبريمة وغيرهم من العاهات)، وحرب امراء الحروب وتسويق الاسلحة، ومن وراء كل ذلك هي حرب سيطرة علي البلاد بمواردها وموقعها الاستراتيجي يقبع خلفها الخارج بمختلف مكوناته واطماعه. وبالتاكيد كل ذلك يتم انكاره من كافة الاطراف المنخرطة في الحرب، ان لم تُعلن بكل صفاقة عكس ذلك.
والحال كذلك، فهذا ما يعقد من جهود ومحاولات حل معضلة هذه الحرب، طالما تُرك لها الحبل علي الغارب، وهو ما يستدعي استخدام ثلاث وسائل لايقافها. من جهة، وسائل ضغط متنوعة علي كافة الاطراف، ويدخل في ذلك ما بادر به اهل ابوجبيهة من الخروج والتعبير عن رغبتهم في ايقافها، ليتحول الي جبهة عريضة وحالة عامة تغطي كل ارجاء البلاد وخارجها. ويدخل في ذلك تكثيف دعوات ومخاطبات المنظمات الانسانية والحقوقية والامم المتحدة بصفة عامة، للقيام بدورها في انقاذ شعب السودان من هذه المحرقة. ومن جهة، يستحسن تقديم حوافز لكافة الاطراف المنخرطة في الحرب، بالابقاء علي نصيب معتبر من مصالحها بما يغريها علي ترك الحرب. ومن جهة، التركيز علي اظهار كوارث هذه الحرب (انسانيا واقتصاديا وخدميا ومؤسسيا ..الخ) وما يمكن ان يسببها استمرارها من زيادة تفاقم هذه الكوارث بمعدلات متضاعفة، وبما في ذلك فقدان البلاد نفسها في آخر المطاف، وعندها لاتٍ ساعة مندم.
وللاسف بعد ان داعبنا الامل وفرحنا بخبر ارسال الجيش وفد لجدة للتنسيق مع الجانب الامريكي للتمهيد لمفاوضات جنيف. رغم ما يحمله ذلك المطلب من استمرار لاسلوب المماطلة الذي عهدناه من الجيش، إلا اننا تصورنا ان جزء من الوعي والمسؤولية قد ادركهما الجيش اخيرا، علي اعتبار ان تاتي متاخرا خيرا من الا تاتي ابدا. ولكن ما بدر من الوفد المرسل لجدة هو تمسكه بذات المطالب التعجيزية، وهو ما يطرح تساؤل لماذا تم ارسال الوفد اصلا، طالما هذه المطالب مطروحة سلفا ولم تجد القبول بعد ان تجاوزتها الاحداث؟ هل هو مجرد رفع للوم؟ او محاولة للتنصل من دفع ثمن رفض التفاوض؟ مع العلم ان الثمن قيادة البلاد للمجهول بعد دفع اكلاف باهظة لاستمرار حرب تنذر كل القراءات بان وتيرة عنفها وخسائرها ستفوق كل تصور متشائم، بعد ان تتشعب جهويا وعرقيا، قبل ان تمضي قدما لتفكيك البلاد. لانها ببساطة ستتحول لحرب خلاص من الآخر بكل الوسائل، وهكذا حرب عدمية لن تعدم من يمولها من الخارج بكافة انواع الاسلحة.
وبالمناسبة لم افهم تصريح المبعوث الامريكي انه ستجري مباحثات في جنيف يوم 14 القادم في كل الاحوال (حتي في حالة غياب الجيش وهو كالطفل المدلل الذي خسر اللعبة ويطالب بكامل الجائزة!) او شئ من هذا القبيل! فهل يعني ذلك الاعتراف بالمليشيا كسلطة امر واقع في اماكن سيطرتها، ومن ثمَّ يتم التعامل معها علي هذا الاساس؟ وهو ما يمثل عمليا اذا ما صح، مقدمة لتقسيم البلاد الي مناطق نفوذ لكل طرف؟ ويبدو ان هذه الوضعية الاخيرة هي ما يروق الاسلامويون وليس العكس.
لكل ذلك ولاول مرة نتفق مع مبارك الفاضل في الطلب من البرهان ان يتصرف كالشجعان ويمضي للتفاوض بروح صافية ونية صادقة لايقاف هذه الحرب المجنونة. ولا اعتقد ان مبارك عضو في تقدم حتي يتم رفض دعوته، فهو من اشد الحلفاء للبرهان! وهذا غير ان كل المؤشرات علي الارض تؤكد عجز الجيش عن تحقيق انتصار حاسم ضد المليشيا. بل ما يحدث علي الارض، زيادة سيطرة وتمدد المليشيا منذ اندلاع الحرب. وللمفارقة جزء من هذه السيطرة بتواطؤ من قيادة الجيش نفسه، وإلا ماذا يعني تهوينهم من كل ذلك وكانه يحدث في دولة اخري؟!
ولو كانت هنالك اشادة عن البسالة والعسكرة الصاح فهي تُرسل للمدافعين عن الفاشر من القوات المشتركة، غض النظر عن راينا في قيادات الجيش والحركات المسلحة ورفضنا للحرب، الذين كبدوا المليشيا خسائر فادحة رغم الدعم اللامحدود الذي تحصل عليه والحصار الخانق للفاشر! وهو ما يؤكد ان جزء من قوة هذه المليشيا اسطورة مُصطنعة بسبب التواطؤ السالف ذكره! وفي هذا ايضا تنبيه للميشيا من الغرور والاصرار علي مواصلة القتال، او اتخاذ موقف الجيش من عدم الذهاب للتفاوض كمبرر لتصعيد معاركها او رفض الجنوح للسلم كهدف للسيطرة علي كامل البلاد. اي مدي جدية المليشيا في تحقيق السلام، لا تحدده الشعارات المرفوعة او مجرد قبول دعوات التفاواض، ولكن بكف اذاها عن المواطنين الابرياء، والحفاظ علي ممتلكات الدولة، والاقلاع عن النهب والسلب والهجوم علي المدن وفك ارتباطها بمشروع الخارج.
واخيرا
يبدو ان علينا جميعا ان نتقبل حقيقة استحالة رجوع الدولة لحالتها السابقة والتي انتهت للابد، وبما ان ما حدث نتيجة اخطاء من الجميع بمقادير مختلفة. فليس من الحكمة كما اضعنا الماضي ان نخسر المستقبل، عبر التمسك بذات الاطروحات والمشاريع المُقدمة، والتي ان لم تقُد لما حدث فانها لم تمنعه. ولذلك يجب التخلص من كافة المسلمات المستهلكة والبدء في افكار ومشاريع جديدة، ومن ضمنها قبول تقسيم هذه البلاد اذا كان ذلك يجلب السلام، وذلك بالطبع ليس علي الطريقة المذكورة اعلاه، ولكن بطريقة تمنع عودة الحروب بين المكونات المجتمعية المتباينة (رواسب تاريخية وعقد نفسية وتعصبات قبيلة)، وتشجعها علي التعاون كدول مستقلة، وعلي راسها تبني طريقة حكم ديمقراطي. بمعني العلة ليس في عدم القدرة علي التعايش، ولكن في تبني وسيلة التعايش المناسبة، التي قطع الطريق علي توافرها الانقلابات العسكرية التي تكرس للانظمة الاستبدادية، وهو ما عمق من ماساة هذه البلاد وقادها لهذا المصير المظلم (بدلالة انقلاب البرهان حميدتي الاخير). كما انه ليس هنالك ما يمنع ان نعيد نفس الاخطاء في الدولة المُقسمة، ولنا في دولة جنوب السودان العبرة والاعتبار. بمعني آخر قد تكون احد عقبات التطور الديمقراطي هو شدة التباين في دولة هشة، وهو ما زادته الحروب الاهلية هشاشة، فما بالك بدولة في حجم قارة تعاني من كل علل عدم الاندماج في كيان واحد. وهذا غير انه قد يحدث العكس، اي اذا حدث تقسيم علي اسس سليمة، والتفتت كل دولة لادارة شئونها بحنكة وتبصر، قد يحدث اتحاد بينها من جديد وعلي اسس جديدة راسخة، وعبر اجيال لم تتعرض لكل هذه التركة من البغض والحقد والتشرذم.
واذا كان الحال كذلك، نتقبل ما يطرحه الكاتب اسماعيل عبدالله من ضرورة اعادة النظر في هذه البلاد بشكلها القديم، الذي انتهي الي هذه النهاية المؤسفة. ولكن المشكلة هل يمكن حدوث تقسيم سلمي او تغيير او تقدم من غير توافر كوادره ومتطلباته ومعيناته بما فيها محيط مشجع؟ اي بوجود اوباش المليشيا التي تناصرها وجنرالات الجيش الاوصياء وتربص الكيزان السفهاء والدول الاقليمية الكارهة للديمقراطية، والصراع المحتدم بينها، يوجد امل؟! الله اعلم.
لكم احزنني خبر وفاة قامة بمقام الاستاذ القدير محمد سليمان عبدالرحيم، ونحن في ظروف احوج ما نحتاج لفكره النير ومساهماته الايجابية وطاقته علي العمل، وقبل كل شئ انفتاحه علي رؤي متقدمة وعلاقات واسعة وشراء للمستقبل بما يتجاوز المررات والمواقف المتحجرة والاطروحات الحدية. الا له الرحمة والمغفرة وكامل العزاء لاسرته واصدقاءه ولادارة صحيفة سودانايل. ودمتم في رعاية الله.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الحرب واذا کان اذا کانت افضل من اذا کان فی ذلک کل ذلک من جهة وهو ما

إقرأ أيضاً:

ما معنى الأمان في مناطق سيطرة الجيش؟

 

ما معنى الأمان في مناطق سيطرة الجيش؟

رشا عوض

المواطن في هذه الحرب لم يجد حماية لا من الجيش ولا من الدعم السريع بل كانت اجساد السودانيين والسودانيات واموالهم واعراضهم ساحة لقتال متوحش واعمى تماما عن مجرد رؤية المواطنين المسحوقين تحت وطأة حرب السلطة والغنائم هذه.
اما عقول السودانيين فأصبحت ساحة لمعركة من نوع أخطر! أي معركة تزييف الوعي عبر التضليل والتجهيل المنظم والمثابر الذي تقوده الآلة الاعلامية الكيزانية لخدمة هدف مركزي استراتيجي هو تحويل هذه الحرب القذرة الى رافعة سياسية للجيش ( وما الجيش الا حصان طروادة الذي يختبئ بداخله الاخطبوط الامني العسكري الكيزاني)، ولذلك يثابر اعلام الكيزان على تلميع حصان طروادة هذا ويجتهدون في تسويقه لان تنظيمهم بات عصيا على التسويق! بضاعة بائرة منتهية الصلاحية لا يشتريها الناس إلا إذا تم تغليفها وكتب في ديباجتها اسم مختلف وتاريخ انتاج مزور!
وفي هذا السياق تأتي حكاية ان المواطن في رحلة نزوحه يقصد مناطق سيطرة الجيش لانه يجد فيها الحماية والحياة الطبيعية، ولهذا السبب يجب ابتلاع سردية ان الجيش يمثل الدولة وشرعيتها وان مساندته واجبا وطنيا وان اعادة الامور الى نصابها في السودان تتحقق عبر استئصال الدعم السريع من الوجود ورفع التمام للجيش وتتويجه وصيا شرعيا على البلاد في الظاهر ليحكم الكيزان من الباطن لوقت وجيز ثم يخرجون الى العلن لتدشين حقبة انقاذية جديدة!
هذا منطق مختل للأسباب التالية:
أولا: المواطن يهرب من مناطق الحرب الى المناطق التي ليس فيها حرب، اي انه يفر بحثا عن السلام وليس بحثا عن الجيش!
قبل اندلاع الحرب كانت قوات الدعم السريع منتشرة في الخرطوم وامدرمان وبحري بعشرات الالاف، وكان الناس في بيوتهم وحياتهم الطبيعية رغم وجود هذه القوات، الذي قلب حياة المواطن رأسا على عقب هو في المقام الاول واقع الحرب، ثم تأتي في المرتبة الثانية انتهاكات الدعم السريع البشعة التي كانت سببا إضافيا في تشريد اعداد كبيرة من المواطنين، ومثلما تشرد مواطنون بسبب انتهاكات الدعم السريع تشرد آخرون بسبب الحرب في حد ذاتها(رصاص ودانات وقصف طيران وانعدام الغذاء والخدمات الاساسية من ماء وكهرباء ومواصلات) وهؤلاء هم الاكثرية، هذا ليس تقليلا من حجم الانتهاكات، ولكن الواقع يقول ان العدو الأكبر للسودانيين والمنبع الرئيس لمعاناتهم هو الحرب في حد ذاتها لأنها هي السبب الاساسي في طردهم من ديارهم، ابواق الحرب يغالطون في هذه البداهة! ويحاولون حشر الناس بالإرهاب والبلطجة الاعلامية في مغالطة مفادها ان الحرب في حد ذاتها ليست مشكلة وايقافها ليس حلا بل خيانة عظمى! المشكلة الوحيدة هي انتهاكات الدعم السريع التي بسببها يجب ان تستمر الحرب! يعني باختصار حسب هذا المنطق العجيب فان اعداء الشعب هم معسكر السلام الذي يدعو لتجفيف منبع الانتهاكات وهو الحرب! اما اصدقاء الشعب فهم دعاة استمرار الحرب مائة عام وتبعا لذلك مفاقمة ومضاعفة الانتهاكات واستمرارها لمائة عام!!
ثانيا: حماية الجيش للمواطنين من انتهاكات الدعم السريع تستوجب منع قوات الدعم السريع بالقوة العسكرية من الوصول الى المدن والقرى الامنة واستهلاك طاقة هذه القوات في الكمائن والاشتباكات قبل ان تصل اي مدينة، وان وصلت تجد من يتصدى لها ببسالة حتى يردها على عقبيها مهزومة’ في هذه الحالة فقط يجوز لنا الحديث عن حماية الجيش للمواطنين ولكن هل هذا ما حدث؟ ابدا! مدني وسنجة وسنار وجبل موية والسوكي والدندر على سبيل المثال لا الحصر، كانت امنة عندما اشتعلت الحرب في الخرطوم! بمجرد زحف الدعم السريع اليها فقدت الامان لسببين هما: الدعم السريع الذي هاجمها ومارس فيها الانتهاكات، وبسبب تقصير الجيش في واجب الحماية وفشله في منع وصول الدعم السريع الى المدن او على الاقل ارهاقه بالقتال خارجها حتى ينشغل بالحرب عن السلب والنهب والانتهاكات! خصوصا ان السودان ارض شاسعة والمدن ليست متلاصقة بل تبعد عن بعضها مئات الكيلومترات فكيف تقطع هذه القوات كل هذه المسافات دون ان يعترضها احد؟!
المواطن يحتاج الى حماية الجيش في حالة وجود الحرب، وهي الحالة التي فيها يتم اختبار سيطرة الجيش! وفي كل مدينة وصلها الدعم السريع لم يحمي الجيش احدا! ولم تصمد سيطرته بل فقدها في زمن قياسي! وهذا معناه ان شرط الامان في مناطق سيطرة الجيش هو انعدام أي مهددات لذاك الامان، او أي تحديات لتلك السيطرة! وعادة الدول تبني الجيوش وتنفق عليها لمواجهة المهددات والتحديات! وظيفة الجيش هي التصدي للظروف غير الطبيعية وعندما يفشل في ذلك يكون فقد جدواه!
الابواق الكيزانية تريد حبس الرأي العام في ان نكبة المواطن لها سبب واحد فقط هو الدعم السريع، وبالإرهاب والبلطجة الاسفيرية تمنع الحديث عن تقصير الجيش، والمنع وتكميم الافواه الناقدة للجيش يقتصر فقط على القوى المدنية الديمقراطية، ولكن للمفارقة نجد العاهات الاسفيرية التابعة للغرف الكيزانية تتهم قائد الجيش بالخيانة وبيع المعارك للدعم السريع والتآمر على المستنفرين بحرمانهم من السلاح! وتسخر من قلة كفاءة الجيش وتراجعاته! تفعل ذلك تمهيدا لتصفية ما تبقى في الجيش من جيوب غير كيزانية! ولإعلاء شأن المليشيات الكيزانية مثل البراء ابن مالك حتى تكون الوريث الشرعي للجنجويد لو انتهت الحرب بانتصارهم كما يحلمون! فهل يمكن ان ينتصر قوم هذا حالهم!!
ولكن التضليل والاستهبال لا يتوقف عند هذا الحد، أي عند التستر على فشل الجيش وتقصيره! بل إمعانا في الكذب والاحتيال يتم تحويل كل هذه الخيبات والتراجعات الى رصيد سياسي مجاني للجيش تحت ادعاء انه حامي الحمى والمواطن يلجأ الى مناطقه والقفز من هذا (الطلس) الى النتيجة المطبوخة وهي تحويل الحرب الى رافعة سياسية لحكم عسكركيزاني مجددا!
ثالثا: نقد الجيش وتفنيد سرديات مناصريه لا يعني على الاطلاق الدفاع عن الدعم السريع او تبرير انتهاكاته او تسويقه كبديل سياسي ليرث امبراطورية الجيش والكيزان، الوعي الذي يجب استخلاصه من هذه الحرب هو ان اهم جذر من جذور الأزمة الوطنية في السودان هو المؤسسة الأمنية العسكرية بكل فروعها: جيش، دعم سريع، جهاز امن ، شرطة. هذه مؤسسة معطوبة ومختلة بنيويا وهيكليا وتحتاج الى إعادة بناء وتأهيل فني واخلاقي. وبالتالي يجب ان تكون هذه الحرب المدمرة رافعة للوعي الديمقراطي ولرايات الحكم الراشد في ظل دولة مدنية لا رافعة لاي اوهام او مفاضلات ومقارنات سطحية وساذجة بين طرفيها.
الحقيقة التي تمد لسانها للجميع هي ان الشعب السوداني الذي انفقت جل موارده الاقتصادية على الامن والدفاع يعيش فاقدا للامن ولم يجد من يدافع عنه! مسحوق تحت وطأة حرب بين طرفين: الدعم السريع الذي شرده ونهبه ومارس ضده انتهاكات فظيعة، والجيش الذي فر هاربا ولم يدافع عنه وفي مناطق سيطرته ارتكب انتهاكات وفي مناطق سيطرة الدعم السريع قصف المواطنين المدنيين بالطيران.

الوسومالجيش السوداني الدعم السريع المناطق الآمنة

مقالات مشابهة

  • غالانت: فيديو نفق حماس في رفح يؤكد أهداف الحرب التي يخوضها الجيش
  • الطقس.. تفاصيل الموجة الحارة التي تضرب البلاد لمدة 96 ساعة وموعد ذروتها
  • الأرصاد تكشف سبب الموجة الحارة التي تشهدها البلاد وموعد إنتهاءها (فيديو)
  • تقدم تسعي للسلام عن طريق مفاوضات تقصي الجهة التي تحارب
  • أونروا: الظروف التي نعمل بها في غزة مليئة بالتحديات منذ بدء الحرب حتى هذه اللحظة
  • فيلم ما يزال هنالك غد.. أمل وطموح لعائلة إيطالية في ظل الحرب بالأبيض والأسود
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • ‏الجيش الإسرائيلي: مسلح جاء من الأردن بشاحنة وفتح النار على القوات الإسرائيلية التي تعمل في معبر اللنبي
  • عائشة الماجدي: القحاتة الغواصات كلهم بقوا مع المليشيا وباعو الدم
  • ما معنى الأمان في مناطق سيطرة الجيش؟