النساء البيضاوات في مواجهة الوحش الأسطوري الخارق للطبيعة
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
تبدو الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مصممة على تجاوز الجدل العالمي المحيط بجنسها، إذ تمكّنت من هزيمة منافستها التايلاندية جانجام سوانافينج يوم الأربعاء، لتشقّ طريقها نحو نهائي الميدالية الذهبية في أولمبياد باريس.
تفجّرت قضية خليف عندما انسحبت منافستها الإيطالية أنجيلا كاريني بعد 46 ثانية فقط من بداية المباراة.
وبعد تداول أنباء عن استبعاد الاتحاد الدولي للملاكمة – الذي لا تعترف به اللجنة الأولمبية الدولية – إيمان خليف، إضافة إلى الملاكمة التايوانية لين يو تينغ من بطولة العالم العام الماضي لفشلهما في اجتياز اختبار جنس غير محدّد، اشتعلت الاتهامات التي تزعم أنّ كلتيهما ذكرٌ متخفٍ.
لن أخوض في التكهنات حول نوايا كاريني، سواء كانت قد تعمدت أن تُظهر نفسها كضحية وأن تصور خليف كذكر مغتصب أم لا. كاريني تدّعي أنها كانت ببساطة تشعر بالاستياء من هزيمتها، ولم تكن تسعى إلى إثبات أي نقطة سياسية، بل إنها قدمت اعتذارها لاحقًا لخليف. بيدَ أن الضرر كان قد وقع بالفعل، بغض النظر عن نواياها.
في كتابي "الدموع البيضاء، الندوب البنية"، أتناول الموقف التاريخي والمعاصر للنساء الأوروبيات (أي البيضاوات) باعتبارهن رمزًا للأنوثة المثلى ومفهوم الضحية. أتساءل في الكتاب عن مدى قوة ما يُشار إليه عادةً باسم "دموع النساء البيضاوات"، لكنني أفضل تسميته بـ "الأنوثة البيضاء الإستراتيجية".
في هذه الديناميكية التي تتجلى على المستويين: الفردي والوطني، تُستخدم الضائقة العاطفية التي تمر بها النساء البيضاوات كأداة لمعاقبة الأشخاص الملونين الذين تصادف أن يكونوا في صراع معهنّ.
وأنا أرى أن الدموع ذاتها، بل وحتى الشخص الذي يذرفها، ليست هي المحور الأهم؛ بل الأثر الوقائي الذي تثيره تلك الدموع في نفوس المشاهدين.
هذا الشعور العميق دفع إلى موجة من الغضب العام، موجهةً أصابع الاتهام إلى الاتحاد وإدانة لما جرى.
تفاعلت مع ذلك شخصيات عامة، مثل المؤلفة جي كي رولينغ، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ورئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني.
كل واحدة من هذه الشخصيات حملت أيديولوجيتها الخاصة لتفرضها على جسد خليف. فرولينغ، التي تُعرف بمعارضتها للنساء المتحولات جنسيًا، اختزلت الموقف في صورة "متعة متهكمة" لرؤية "ذكر" يضرب امرأة ويُحطم أحلامها. ومن المفارقات أن رولينغ، وهي تدّعي حماية النساء، كانت في الواقع تُهاجم امرأة.
لم تصل ميلوني إلى حدّ الادعاء بأن إيمان خليف رجل متنكّر، لكنها استنكرت ما وصفته بـ"المنافسة غير المتكافئة"، مشيرة إلى أن "الرياضيين الذين يمتلكون خصائص وراثية ذكورية لا ينبغي لهم المشاركة في مسابقات النساء. ليس لأننا نرغب في التمييز ضد أحد، ولكن من أجل حماية حقوق الرياضيات في المنافسة على أسس عادلة".
غير أن هذا البيان يتغافل حقيقة أن تاريخ الرياضة النسائية، من التنس إلى رفع الأثقال ورمي الجلة، وحتى الملاكمة، حافل بالرياضيّات اللاتي لم يتوافقن مع المعايير الأوروبية النمطية للأنوثة، ومن المفارقات أن بعضهن كنّ أوروبيات.
كنا في السابق نتقبل أن بعض النساء أكبر حجمًا وأقوى وأسرع من غيرهن، أما الآن فيبدو أن الكثيرين باتوا يتوقعون من الرياضيات أن يكنّ نسخًا نمطية لبعضهن البعض، ويسعون إلى معاقبة كل من لا تتوافق مع هذا القالب العام. ورغم الوعي المتزايد بالجنس "غير الثنائي"، فإن التسامح مع أي اختلاف عن القاعدة النمطية أصبح أقل بكثير.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن قضية العدالة في الرياضة النسائية تُستغل الآن لدفع العالم نحو العودة إلى عصر علم الأعراق، حيث كانت "المرأة" مرادفًا لـ "البيضاء".
في عام 2016، حققت عداءة المسافات المتوسطة الجنوب أفريقية كاستر سيمينيا الميدالية الذهبية في أولمبياد ريو، لتتبعها فرانسين نيونسابا من بوروندي ومارغريت وامبوي من كينيا. تعرضت الرياضيات الثلاث لاتهامات بعدم كونهنّ "نساء حقيقيات"، وهو ما دفع بعض منافساتهن الأوروبيات إلى البكاء، بينما أجبرت البولندية جوانا جوزفيك، التي حلت في المركز الخامس، على التصريح بأنها "سعيدة لأنها الأوروبية الأولى، والبيضاء الثانية" (حيث كانت الكندية ميليسا بيشوب قد احتلت المركز الرابع).
لننتقل سريعًا إلى عام 2024، حيث ترددت أصداء هذا الدلالة الواضحة على علم العرق من قبل الملاكمة البلغارية سفيتلانا ستانيفا، فبعد خسارتها أمام لين يو تينغ، قامت بوضع أصابعها في علامة X ونقرت عليها، مشيرة بذلك إلى كروموسومات XX التي تحملها، مما يوحي بأنها، خلافًا لمنافستها التايوانية، امرأة "حقيقية".
لكن هل كان هذا ليصبح موضوعًا مشحونًا عاطفيًا كما هو الآن، لو انسحبت كاريني ببساطة من المباراة دون إظهار تلك المشاعر؟ هل كان سيتم تفسير ذلك على أنه مجرد مباراة أخرى تفوق فيها أحد الخصمين على الآخر؟ من المستحيل القول بذلك، لكن فجأة تحول جسد إيمان خليف إلى محور للنقاش.
كما أشار البعض بالفعل، فإن خليف كانت تمارس الملاكمة في مسابقات السيدات لسنوات عديدة، بما في ذلك أولمبياد طوكيو 2020، دون أن تُثار حولها مثل هذه الاتهامات. بل إنها قدمت صورًا لنفسها كفتاة صغيرة، وتحدثت عن التحديات التي واجهتها كملاكمة أنثى في ثقافتها الجزائرية، وحظيت بدعم اللجنة الأولمبية الدولية والمسؤولين الجزائريين.
كل هذا يأتي ليؤكد أن المسألة لا تتعلق فقط بـ "العدالة".
بعد انسحاب كاريني، جاءت مباراة خليف التالية ضد المجرية آنا لوكا هاموري، التي نشرت قبل المباراة صورة ثم سارعت بحذفها، وهي صورة أعتقد أنها من أبرز المفاتيح لفهم القضية برمتها، نظرًا للطريقة التي تكشف بها السياق الضمني.
في تلك الصورة، التي أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي واستمدتها هاموري من إنستغرام، لم تُصوّر خليف كرجل يتفوق على امرأة بيضاء رقيقة وضعيفة فحسب، بل جُردت من إنسانيتها بالكامل ورُسمت كوحش أسطوري خارق للطبيعة.
هذا هو الاستشراق بأوضح صوره، يعيد إلى الأذهان قرونًا من تصوير "الشرق"، حيث جرى تمثيل النساء غير البيضاوات إما كضحايا بائسات وخاضعات، بحاجة ماسّة إلى إنقاذ من قبل الرجال البيض، أو ككائنات ذكورية وحشية لا تستحق الحماية، على النقيض من النساء الأوروبيات اللاتي يتم تصويرهن على أنهن متفوقات.
إن هذه التمثيلات تعكس بجلاء كيف يرى الغرب نفسه. فأجساد النساء تشكل التضاريس التي يخوض الغرب عليها معاركه الأيديولوجية، حيث تُصوّر النساء البيضاوات على أنهن نقيات وبريئات، ويجب الدفاع عنهن بأي ثمن؛ لأنهن يمثلن الحضارة الغربية ذاتها.
وعلى الجانب الآخر، لطالما صُوّرت النساء سوداوات البشرة والسمراوات على أنهن مجردات من البراءة، وغير مستحقات للحماية، إذ يجسدن ثقافات "دنيا" وفق التصورات الغربية.
ومن الجدير بالذكْر أن هاموري، التي تشبه إيمان خليف في الطول والبنية، شاركت صورة لا تمت بصلة لخليف. فالمسألة لم تعد مجرد مواجهة بين ملاكم عربي وآخر أوروبي، بل هي تكرار آخر لأسطورة ثقافية بيضاء متهافتة، تفترض أن الرجال السمر والسود يشكلون تهديدًا فريدًا على النساء البيضاوات، وبالتالي على الغرب بأسره.
ورغم هيمنة الغرب المستمرة على مدار قرون، لا يزال يصور نفسه كنوع من المستضعفين، وكجزيرة وحيدة من الأخلاق والنقاء والحضارة، تحت تهديد دائم من جحافل الشرق "البربرية".
كل ما يُعرف بـ "حرب الثقافة" في الغرب مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعرق، إذ يستند الغرب إلى مفاهيم ذاتية التفوق العرقي والثقافي، والتي يعتمد عليها صراحةً لتبرير هيمنته العسكرية والاقتصادية العالمية. في الماضي، كانت الأفكار الأوروبية حول "العرق" هي المحرك الأساسي للاستعمار الاستيطاني.
واليوم، تستعين الإمبريالية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة بمفهوم "الدونية الثقافية"؛ لتبرير تدخلاتها العسكرية، كما يتّضح من التكرار المستمر لإسرائيل بأنها تمثل الخط الأمامي للحضارة الغربية في الشرق الأوسط.
ما يحدث في ظل الإبادة الجماعية في غزة، والتي توشك أن تتحول إلى حرب إقليمية شاملة، ليس بالأمر البسيط. فهذه هي الطريقة التي يسعى بها الخيال الغربي لإعادة صياغة نفسه كضحية دائمة تواجه تهديدًا وجوديًا.
وفي الوقت الذي تتكاتف فيه القوى الغربية بعزم صارم لسحق غزة وتحويلها إلى حطام وغبار، وفي الوقت الذي تُزهق فيه أرواح عشرات الآلاف من المدنيين، وفي حين يحاول الرجال الفلسطينيون المنهكون والمصدومون انتشالَ ما تبقى من أسرهم ومجتمعاتهم من تحت الأنقاض بأيديهم العارية، اختارت شريحة كبيرة من الغرب هذه اللحظة بالذات لتصوير نفسها كعذراء جميلة تعرضت لهجوم غير عادل من رجل عربي شيطاني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إیمان خلیف التی ت
إقرأ أيضاً:
كاتب هندي: إبادة غزة حولتنا لشهود قسريين على بشاعة السياسة
تناول الكاتب إيتاي ملاخ في مقال نشره موقع "همكوم" الإسرائيلي كتابا جديدا للمفكر والروائي الهندي بانكاج ميشرا بعنوان "العالم بعد غزة: تاريخ"، يرى فيه أن تجاهل الغرب لمعاناة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية يتكرر اليوم من خلال موقفه من إبادة الفلسطينيين في غزة.
واعتبر ملاخ أن الكتاب يتضمن أيديولوجية منظمة في معظم فصوله، لكنه يميل في الغالب إلى السطحية والتبسيط ولا يمكن أن يكون كتاب تاريخ بما في الكلمة من معنى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: جاسوس روسي خطط لتفجير طرد مفخخ بطائرة متجهة لأميركاlist 2 of 2غدعون ليفي: بسبب غزة هذا ما يخطر ببالي الآن عندما تدوي صفارة الإنذارend of list غيتو وارسوويذكر الكاتب أن ميشرا يفتتح كتابه بالإشارة إلى تمرد غيتو وارسو في أبريل/نيسان 1943، والذي عرف منظّموه أنه محكوم عليه بالفشل منذ بدايته لكنهم لم يتراجعوا.
وقد لخص مارك إدلمان، أحد الناجين من المذبحة التي حصلت بعد ذلك التمرد، الوضع قائلا: "لم نرغب بأن يذبحنا النازيون بصمت، أردنا فقط اختيار طريقة موتنا بأنفسنا".
أما الشاعر البولندي تشيسواف ميلوش، الذي سمع من شرفة منزله في ضواحي وارسو صرخات المذبحة، فقد وصف تلك الليلة الربيعية قائلا: "كانت صرخات بشر يُذبحون.. شعرنا بالخزي، فلم نستطع النظر في أعين بعضنا البعض".
غزة هي غرنيكا عصرنا
ويؤكد ميشرا في كتابه أن "إبادة غزة على يد إسرائيل" حولت الملايين إلى "شهود قسريين على شرور السياسة"، ويُقارن المشاهد التي يشاهدها العالم في غزة، مثل صورة الأب الذي يحمل جثة طفله مقطوعة الرأس، بأثر لوحة "غرنيكا" الشهيرة للرسام الإسباني بيكاسو.
إعلانويشير ميشرا إلى أن الغرب، بدلا من أن يرى في الهولوكوست حافزا لمكافحة الشر بجميع أشكاله، حوله إلى التزام أخلاقي بمحاباة اليهود ومحاربة معاداة السامية، متجاهلا كل المآسي الأخرى في العالم.
ويضيف ميشرا أن الاعتقاد بأن الغرب بعد 1945 أصبح ملتزما بحقوق الإنسان ليس إلا وهما، فحتى أثناء الهولوكوست لم يحرك الغرب ساكنا، وكثيرا ما رفض استقبال الناجين، وسرعان ما تصالح مع ألمانيا ونسي إرثها النازي، لأنها وقفت إلى جانبه في مواجهة الاتحاد السوفياتي.
زيف التفوق الغربي
يتابع ملاخ تحليل الكتاب، موضحا أن ميشرا يعتقد أن الفهم الغربي للهولوكوست سطحي، إذ يتم استخدام شعار "لن يتكرر مجددا" كذريعة تدعم التفوق الأخلاقي الغربي المزعوم، دون أن يُترجم ذلك إلى أفعال حقيقية عندما تحدث مآسٍ مشابهة.
ويعتقد الكاتب الهندي أن الغرب لا يرى في المجازر الحالية في غزة تهديدا حقيقيا لضميره، بل يميل إلى تبريرها بحجج سياسية، مضيفا أن غزة تقوّض الفرضية المشتركة بين التقاليد الدينية والعقلانية التنويرية بأن "الإنسان أخلاقي بطبعه".
فالتجاهل الغربي لما يحدث في غزة يفضح -حسب تعبيره- خواء هذه الفرضية، ويكشف زيف نظام دولي يدّعي الارتكاز على مبادئ إنسانية.
ميشرا: المجازر الإسرائيلية الآن قريبة من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار".
دلائل الفظاعة القصوىيعدّد ميشرا ما يعتبره دلائل على اقتراب المجازر الإسرائيلية من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار".
ويرى ميشرا أن مجازر 7 أكتوبر/تشرين الأول أرعبت كثيرا من الإسرائيليين، وجعلتهم يخافون من تكرار الهولوكوست، لكن القيادة الإسرائيلية التي يصفها بـ"الأكثر تطرفا في التاريخ"، استغلت تلك المشاعر في حملة عسكرية تجاوزت بكثير حدود الدفاع عن النفس، والهدف -حسب تعبير المؤرخ عمر برتوف- هو "جعل غزة غير صالحة للحياة وإضعاف سكانها، حتى يموتوا أو يفرّوا".
الهدف هو جعل غزة غير صالحة للحياة وإضعاف سكانها حتى يموتوا أو يفرّوا
تبرير المذابحويتابع ملاخ بأن كتاب "ما بعد غزة" يربط بين الهولوكوست وما يجري في غزة حاليا من خلال السلبية الغربية في الحالتين، حيث يميل الغرب اليوم إلى تبرير الجرائم الإسرائيلية من خلال إلقاء اللوم الكامل على الفلسطينيين بسبب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويتجاهل مسؤولية إسرائيل عن حجم العنف والدمار.
إعلانوأورد الكاتب في هذا السياق ما ذكره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عندما سُئل عن غزة في إحدى المناسبات، عندما ركّز على "فظائع" نُسبت لحماس -بعضها دون دلائل قاطعة- متجاهلا ما يحدث للفلسطينيين. كما قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في أحد تصريحاته إن "من حق إسرائيل قطع الكهرباء والماء عن الفلسطينيين".
ويرى ميشرا أن وسائل الإعلام والمثقفين، والمؤسسات التعليمية وحتى رجال المال والأعمال في الغرب، جميعهم مسؤولون بدرجات متفاوتة عن التطبيع من العنف الإسرائيلي، وتبرئة إسرائيل وإسكات منتقديها.
وهم حقوق الإنسانفي خاتمة الكتاب، يطرح ميشرا السؤال التالي: لماذا يُقصي الغرب الفلسطينيين من قائمة الإنسانية والعدالة، في حين أنه يحتضن الأوكرانيين الفارين من الحرب التي تشنها روسيا؟
ويرى الكاتب الهندي أن الغرب كان بإمكانه كبح جماح إسرائيل دون أن يهمل محاسبة مرتكبي جرائم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لم يفعل، تماما كما لم يفعل شيئا خلال الهولوكوست، مستنتجا في الأخير أن النظام الليبرالي العالمي القائم على حقوق الإنسان لم يكن إلا وهما.