على عكس السائد في سوق الكتب العربية، لا تُزامن دورُ النشر الفرنسية صدور كتبها مع معارض الكتاب التي لم تصبح بزارات تجارية تغتنم فيها الفرصة لبيع المزيد من النسخ، بل مواعيد فكرية وعلمية تتاح فيها الفرصة لجميع الكتاب، ولأصحاب الإصدارات الجديدة خاصة، للحديث عن أعمالهم، وللمشتغلين في حقل صناعة الكتاب أيضا لمناقشة ما استجدّ من تحدّيات تعترض عالم النشر.

وهو وضع لم تبلغه المعارض العربية، رغم أهمية بعضها خاصة بما تتضمنه من برامج ثقافية مهمة تحضرها وجوه أدبية وفكرية استثنائية، فغياب صناعة كتاب حقيقية، تقوم على سلسلة نشر مستقرة متمثلة في القارئ والمكتبي والموزع والمصدر والناشر والطابع، يفرض على معارض الكتاب العربية طابعا لن يختفي إلا إذا توفرت مقومات تسمح بتوفر الكتاب في كل وقت وطيلة شهور السنة في جميع المكتبات العربية، بعيدا عن معارض الكتاب الدولية وما توفره من عناوين وإصدارات.

بيد أن توفر أي بلد على سلسلة نشر مستقرة ليس وحده ما يسمح بانتعاش عالم النشر، بل ثمة عوامل أخرى تتيح هذا الانتعاش، ولعلّ أكثرها تأثيرا هي الجوائز الأدبية التي توضح الدراسات أنّها تلعب دورا مباشرا في مبيعات أي كتاب، ففي فرنسا مثلا لا تقل مبيعات الرواية الفائزة بجائزة غنكور عن 300 ألف نسخة في أسوأ الاحتمالات، كما لا تقل مبيعات الرواية الحائزة على جائزة رنودو عن 200 ألف نسخة، وهو التأثير الذي شجع دور النشر والمشتغلين في حقل الكتاب على توفير مناخ سمح بظهور عدد هائل من الجوائز في جميع مجالات الكتابة، أشهرها: غنكور، رنودو، فيمينا، ميديسيس، والجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية.

الدخول الأدبي الكبير

ودأبت هذه الجوائز على نشر قوائم مرشحيها مع الدخول الأدبي الكبير المتزامن مع شهر سبتمبر/أيلول لتعلن عن الفائز بها شهرين بعد ذلك، على عكس بقية الجوائز الفرنسية الأخرى التي عوّدت متابعين على أن تختار بداية الصيف لتعلن عن قوائم الروايات المرشحة للفوز بها من خلال إعلانها قوائمها الطويلة والقصيرة، ليتم الإعلان عن الفائزين مباشرة مع نهاية العطلة الصيفية وبداية الدخول الأدبي الكبير في شهر سبتمبر/أيلول، الذي عادة ما تختاره دور النشر الكبرى لإطلاق أهم أعمالها الروائية، أشهرا طويلة قبل موعد معرض الكتاب بباريس.

أحدث هذه الجوائز نشوءا جائزة "باتريموان" التي أطلقت عام 2016، لكنها على الرغم من حداثتها فرضت نفسها كأهم جائزة فرنسية تعنى بالتراث وتوظيفه في الأعمال السردية، إذ أعلنت مؤخرا عن لائحتها القصيرة التي ضمت أسماء جيروم فيراري الحائز على جائزة غنكور الفرنسية عن روايته "نور سونتينال" الصادرة عن دار أكت سود، ورواية "جاكاروندا" لغاييل فاي الصادرة عن دار غرسيت الفرنسية، ورواية "ميثولوجيا الـ12" لكليستين دي ميوس عن منشورات سوسول، وأخيرا "ويندرلند" لبولين كلافيير عن دار ألبين ميشل العريقة.

بدورها أعلنت جائزة الفناك الشهيرة عن لائحتها الطويلة التي تضمنت أعمالا مهمة حققت نجاحا جماهيريا من حيث المبيعات وشدّت اهتمام النقد من خلال ما نشر بخصوصها، وضمت هذه القائمة 30 رواية، أهمها رواية "الأشجار تمشي في الإسكندرية" للمصري علاء الأسواني الصادرة ترجمتها عن دار أكت سود الفرنسية والتي يبدو أنها الأكثر حظا بالفوز بها رغم اشتمال القائمة على عناوين مهمة من مثل "حريم الملك" لجايلي أمادو أمال و"الروائع" لفيولا أردوني و"عين الحجل" لكريستيان أستولفي و"حلم النمر" لميغيل بونفوي و"متلازمة الأورنجيري" لغريغوار بوييه و"يوم المد والجزر" لمايليس دي كيرانغال وغيرها من أعمال مهمة.

ترجمة فرنسية رواية "الأشجار تمشي في الإسكندرية" للمصري علاء الأسواني (الجزيرة) جائزة الأدب العربي

أما بالنسبة لجائزة الأدب العربي، التي تمنحها مؤسسة لاغادير بالشراكة مع معهد العالم العربي وهي جائزة تمنح سنويا للكتّاب من ذوي الأصول العربية عن نصوص نشرت لهم سواء كتبت بالفرنسية أو ترجمت إلى الفرنسية من أي لغة أخرى، فقد أعلنت عن لائحتها القصيرة التي شملت سبع روايات: "خبز على طاولة العم ميلاد" لمحمد النعاس (ليبيا) ترجمة سارة رولفو، و"دفاتر الرازي" لأيمن دبوسي (تونس) ترجمة لطفي نية، و"قريبًا الأحياء" للجزائرية أمينة دمرجي، و"قصر موال" لدومينيك إدي (لبنان)، و"كارثة بيت النبلاء" لأميرة غنيم (تونس) ترجمة سعاد لبيز، و"جنة الفجر" لكريم كتان (فلسطين)، وأخيرا "إليزاد يجب العودة" لهالة مغنية من لبنان.

ترجمة عربية لرواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" لمحمد النعاس (مواقع التواصل)

مؤسسة مار نوستروم أعلنت بدورها عن قوائمها الطويلة لجوائزها لأفضل رواية متوسطية وأفضل أول عمل روائي وأفضل كتاب تاريخي وجيوسياسي، وأيضا جائزة أفضل كتاب في الفلسفة والروحانيات، حيث تضمنت قائمتها الطويلة لأفضل رواية في البحر المتوسط "جزيرة الفرنسية" لمتين أرديتي، و"الروائع" لفيولا أردوني، و"أشباح" لفاطمة أيدمير، و"أنا المجيد" لماثيو بيليزي، و"رقصة طيور الفلامنجو" ليارة الغضبان، و"سوء الفهم" لعزة فيلالي، و"انتصار الحمقى" لسمير قسيمي، و"جونيل" لخوان لويس لويس، و"حياة تتمرد" لسيلفان باتيو، و"فندق الشعاع الأخضر" لفرانك بافلوف، و"صيف يوناني مع كامو" لديميتريس ستيفاناكيس، و"من الخراب إلى المجد" لأكلي تاجير، و"محبوبة" لأورلي ترامير.

رواية "أنا المجيد" الصادرة مؤخرا عن دار "لو تريبود" الفرنسية تعري تاريخ فرنسا الاستعمارية، خاصة فيما يتعلق بجرائمها في الجزائر (الجزيرة)

أما جريدة لوموند الفرنسية المشهورة بملاحقها الأدبية، فقد أطلقت منذ سنوات جائزة أدبية سرعان ما تكرست في المشهد الفرنسي بحيث أصبحت واحدة من أهم الجوائز الفرنسية المتخصصة في الرواية، اعتمدت هي الأخرى نظام القوائم قبل إعلانها عن الفائز بها في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول، حيث ضمت قائمتها لهذه السنة روايات: "شخصية معنوية" لجستين أوجيي، و"الأيام الأخيرة للحزب الاشتراكي" لأورليان بلونجير، و"متلازمة الأورنجيري" لغريغوار بوييه، و"الدبوس" لمارلين ديبيول، و"أسبستوس" لسيباستيان دولود، و"أحبوا جيل" لشين حداد، و"بدون احترام" لإيمانويل لامبرت، و"أنتم الحب التعيس للفوهرر" لجان-نويل أورينغو، ورواية "الأوطان الكبيرة الغريبة" لغييوم سير، و"حصن الدموع" لعبد الله الطايع، وأخيرا رواية "إيلاريا أو فتح العصيان" لغابرييلا زالابي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات عن دار

إقرأ أيضاً:

كاتب ياسين.. الروائي الجزائري الذي أخذ الفرنسية غنيمة حرب

وفي صباه حفظ الطفل ياسين شيئا من القرآن الكريم، لكنه سرعان ما التحق بالمدرسة الفرنسية وبدأ يلتهم الأدب الفرنسي.

وكان المحتلون الأوروبيون يسمون ياسين -وكان والده محاميا- وأمثاله من أبناء العائلات المترفة بـ"الفرنسيين المسلمين"، وكان يلعب مع أقرانه في المدرسة الفرنسية "لعبة الحرب" وينخرط معهم، وأدرك أنه يختلف عن هؤلاء الأطفال.

وعرف ياسين أنه يختلف عن أقرانه الفرنسيين عندما رأى عام 1945 وهو في سن 16 دماء أبناء وطنه تسيل على أيدي المحتل الفرنسي، حيث قتل عشرات الآلاف من الجزائريين وكان مصيره هو السجن.

وبعد أن أكمل دراسته في أحد المعاهد، غادر ياسين لاحقا الدراسة إلى الأبد، ولقي حياة التشرد في مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري.

نشر المقالات والقصائد باللغة الفرنسية في مجلة كان يصدرها الكاتب والروائي الفرنسي المولود في الجزائر ألبير كامو. كما عمل ياسين في ميناء الجزائر العاصمة حمّالا للبضائع.

انتقل بعد ذلك إلى العاصمة الفرنسية باريس، وهناك التقى بفتاة فائقة الجمال، وتواعدا واشترى وردة وانتظر لكن الفتاة لم تأت، فأهدى الوردة إلى جارته التي ردت عليه الوردة بوجبة، ثم صارت هذه السيدة أمّا للجزائريين تطعمهم وتغسل ثيابهم.

إعلان

كتب ياسين -الذي ولد عام 1929- روايته الشهيرة "نجمة" في نسختها الأولى، وعندما ذهب بها إلى الناشر، قال له "عندكم في الجزائر خرافا كثيرة، فلماذا لا تكتب عن الخراف؟".

ونشرت الرواية في فرنسا بالتزامن مع اندلاع الثورة الجزائرية بكل عنفوانها، ولوحق الكاتب في فرنسا، فذهب إلى إيطاليا حيث نشرت الرواية بالإيطالية، وأخذ في ميلانو يبحث عن أخبار الجزائر ثم من إيطاليا إلى تونس، حيث أُستقبل ياسين بحفاوة كبيرة.

وكتب ياسين رواية "نجمة" وهو في الـ28 من العمر، ثم لم يستطع أن يكتب مثلها أو أحسن منها.

وعاش الكاتب ليرى الجزائر حرة وقد انصرف عنها المحتلون، ليتوفى عام 1989.

17/12/2024

مقالات مشابهة

  • بالتفاصيل.. هكذا خططت المخابرات الفرنسية إلى تشكيل جماعات متطرفة بأحياء العاصمة
  • كاتب ياسين.. الروائي الجزائري الذي أخذ الفرنسية غنيمة حرب
  • 20 ٪ خصماً على إصدارات هيئة الكتاب بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية
  • الروائي حجي جابر يتحدث عن جوائزه الأدبية في معرض جدة للكتاب
  • ‏خارجية فرنسا: البعثة الفرنسية في دمشق قالت إن باريس مهتمة بقضايا الأمن التي تصب في صالح الجميع
  • غدًا.. الثقافة تجري قرعة علانية لدور النشر المشاركة في معرض القاهرة بهيئة الكتاب
  • غدا.. الثقافة تجري قرعة علنية لدور النشر المشاركة في معرض القاهرة بهيئة الكتاب
  • غداً.. قرعة علانية لدور النشر المشاركة في معرض القاهرة بهيئة الكتاب
  • هل يقع التغيير بالثورة في اليوم العاقب لها: الثورة الفرنسية مثالاً (1-2)
  • قصور الثقافة تعلن شروط التقديم للمسابقة الأدبية بالغربية