الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «1»
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني «1»
تاج السر عثمان بابو
1تمر في 16 أغسطس الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني في ظروف الحرب اللعينة الجارية التي شردت الملايين َواصابة وفقدان الآلاف ودمرت البنية التحتية والمصانع والمزارع والأسواق والبنوك، وعطلت المدارس والمستشفيات، وأدت لتدهور الأوضاع المعيشية والصحية جراء انتشار الأمراض مثل الكوليرا وفاقمت السيول والفيضانات الجارية الوضع الإنساني والصحي، اضافة لجرائم الحرب والإبادة جماعية والعنف جنسي، وتهدد الحرب بالمجاعة بعد فشل الموسم الزراعي، اضافة للزبادات المستمرة في الأسعار وتدهور قيمة الجنية السوداني، وخطر تقسيمم البلاد، مما يتطلب ايقافها.
جاءت الحرب بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب، مما يهدد وحدة البلاد واستقرارها، الأمر الذي يستوجب بناء اوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واسترداد الثورة، وفتح المسارات الآمنة لوصول الأغاثات للمتضررين، وعودة النازحين لقراهم ومنازلهم، وإعادة تعمير ما دمرته الحرب، وتقديم مجرمي الحرب للمحاكمات، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد والترتيبات الأمنية لقيام الجيش القومي المهني الموحد تحت إشراف الحكومة المدنية، بعد حل المليشيات (دعم سريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات)، ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية.
سوف نسلط الضوء في ذكرى تأسيس الحزب على سمات النشأة وارهاصات التكوين الأولى للحزب
2 ارهاصات التكوينقبل الإعلان الرسمي لتاسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني– حستو(الحزب الشيوعي فيما بعد)، سبقتها مجموعات وحلقات تأسست في مصر والعاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان)، وعطبرة، يمكن تقديم عينات علي سبيل المثال لا الحصر، لمن كانوا في تلك الحلقات حسب روايات بعض المؤسسين مثل: كامل محجوب، عبد الماجد ابو حسبو، أحمد سلمان، ومصطفي السيد في مذكراتهم، وعباس علي والجزولي سعيد، ود. فاروق محمد إبراهيم، ومحمد عمر فقيري، وابراهيم زكريا، في مذكراتهم بـ(مجلة الشيوعي). الخ
أ- مجموعة مصر:
تاسست عام 1945 (بل كان بعضها موجودا قبل عام 1945) وتتكون من: محمد أمين حسين المحامي، عز الدين علي عامر، عبد الوهاب زين العابدين، عبد الماجد ابو حسبو، عبده دهب حسنين، عبد الخالق محجوب، التجاني الطيب، عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، الجنيد علي عمر، احمد سلمان، عوض عبد الرازق، سعد أمير طه، علي محمد ابراهيم، عمر محمد ابراهيم، حسان محمد الأمين، أحمد زين العابدين، حامد حمداي، صالح عرابي، محمد خليل قاسم، بابكر محمد علي فضل. الخ، واستمر اتساع عدد هذه المجموعة مع ازدياد عدد البعثات الدراسية الجامعية لمصر.
ساهم في اتساع هذه الحلقة ايضا مجلتان صادرتان عن تنظيم شيوعي مصري هو الحركة المصرية للتحرر الوطني (ح. م)، كانتا تصدران عن قسم السودانيين بهدف نمو هذا القسم أو الحلقات الشيوعية السودانية وتستقل فيما بعد، واستقل فيما بعد تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) والذي أعلن عن نفسه بعد ذلك (الحزب الشيوعي السوداني)، المجلتان هما ” حرية الشعوب ” (1942- 1943)، وام درمان (1945- 1946)، حصرتا نفسيهما في موادها الا فيما ندر أو في محرريها بشكل أساسي في محيط السودان، كانت مجلتان يساريتين سودانيتين، سواء من حيث المادة أو من حيث المحررين، لكنهما صدرتا في القاهرة بحكم الأوضاع الخاصة التي سادت العلاقات بين مصر والسودان (للمزيد من التفاصيل راجع رفعت السعيد الصحافة اليسارية في مصر، 1925- 1948، دار الطليعة بيروت 1974، ص 9).
وعن مجلة أم درمان حسب رواية عبده دهب: كان صاحب الامتياز محمد أمين حسين، ورئيس تحريرها عبده دهب، وكما يشير أحمد سلمان في مذكراته ومشيناها خطي، من الذين برزوا علي صفحات أم درمان أسماء مثل: محمد أمين حسين، عبده دهب حسنين، عبد الماجد ابو حسبو، عز الدين علي عامر، حامد حمداي، صالح عرابي، محمد خليل قاسم، زكي مراد صالح”. الخ، ومنعت الادارة البريطانية دخولها الى السودان، وتم اغلاقها مع الصحف الأخري في الثامن من يوليو 1946.
3لم تخل قيادة الحركة المصرية للتحرر الوطني (ح. م)، وبعدها الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) من عضوية بعض السودانيين مثل: عبد الخالق محجوب، بابكر محمد علي فضل، الجنيد علي عمر، احمد سلمان، الخ، (للمزيد من التفاصيل: راجع أحمد سلمان ومشيناها خطى، 1983).
ب– مجموعة العاصمة (منهم سافر لمصر للدراسة)، تكونت من:
حسن دفع الله، الطاهر السراج، عثمان محجوب، عبد الحميد ابو القاسم هاشم، حسن الطاهر زروق، محمد علي نديم، عبد القيوم محمد سعد، أدم ابو سنينة، كامل محجوب، حسن ابو جبل، عبد الحميد أحمد، مصطفي السيد، محجوب محمد صالح، محمد سعيد معروف، عباس علي، د. خالدة زاهر، محمد عمر بشير، أحمد اسماعيل النضيف، حسين عثمان وني، مكاوي خوجلي، جمال عيسي، محمد عبد الحليم محجوب، د. موريس سدرة، د. عبد القادر حسن، فخر الدين محمد، أحمد المغربي، حسن سلامة، د. فاروق محمد ابراهيم، ميرغني علي مصطفى، احمد محمد خير، جعفر ابو جبل، عبد الرحمن حمزة (كان أول متفرغ حزبي)، عبد الحليم عمر، الحاج سلمان (سافر إلى مدني فيما بعد)، سيد أحمد نقد الله، ابو المعالي عبد الرحمن، علي التوم، الطيب حسب الرسول، توفيق اسحاق، محمد السيد سلام، صلاح الدين ايوب، بشير حسين، حسن فراج، بيومي السائح، محمد عبد العزيز السراج، مصطفى أمين، الطاهر عبد الباسط، ابراهيم حاج عمر، معاوية ابراهيم سورج، محمد عمر فقيري، عبد الخالق حمدتو. الخ.
ج – مجموعة عطبرة، تكونت من:
الشفيع أحمد الشيخ، قاسم أمين، ابراهيم زكريا (ثاني متفرغ حزبي)، هاشم السعيد، الجزولي سعيد، الحاج عبد الرحمن ابراهيم عثمان، عبد الله عثمان الريح، علي محمد بشير، جمبلان، محمد عثمان جمعة، محيي الدين محمد طاهر، أرباب العربي، محجوب علي (النقابي العجوز). الخ .
كان مصطفى السيد أول من ساهم في تأسيس تلك الحلقات في عطبرة عام 1946، حسب روايته في كتابه: مشاوير في دروب الحياة، مطابع السودان للعملة 2007)، تبعه هاشم السعيد الذي جاء الى عطبرة من بورتسودان حسب رواية الجزولي سعيد، وعبد الخالق محجوب الذي جاء الى عطبرة في صيف 1947 في اجازته الجامعية السنوية، وساهم في تنظيم تلك الحلقات، وتاسيس نقابة عمال السكة الحديد بعد اضرابهم الشهير عام 1947.
4وكان من نتاج ذلك التراكم والحراك أن تأسست “الحركة السودانية للتحرر الوطني”– حستو-، وتم الاجتماع التأسيسي في الخرطوم للحركة في 16 أغسطس 1946، وضم المؤسسين الآتي اسماؤهم:
خضر عمر “مهندس”، السيد عبد الرحمن “مهندس”، عبد الوهاب زين العابدين “طبيب”، عبد القيوم محمد سعد “طالب”، حسن الطاهر زروق “معلم”، عز الدين علي عامر “طالب”، التجاني الطيب “طالب”، آدم ابو سنينة “معلم”، وضمت عمال ومثقفين وطلبة.
منذ تأسيسه اهتدى الحزب بالماركسية كمنهج وفق ظروف وخصائص السودان، وجاء تأسيس الحزب كما أشرنا سابقا امتدادا لتقاليد الحركة الوطنية السودانية الحديثة التي إنبلج فجرها بتأسيس جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الابيض واندلاع ثورة 1924م، ونهوض الحركة الثقافية والأدبية والرياضية، وخروج المرأة للعمل والتعليم، وتطور التعليم المدني الحديث، وظهور الصحافة الوطنية (الحضارة السودانية، النهضة السودانية، الفجر) التي اسهمت في رفع درجة الوعي الثقافي والفكري والسياسي. وبالتالي جاء ميلاد الحزب الشيوعي تطورا طبيعيا ومنطقيا للفكر السوداني.
وكانت الحركة حاجة ماسة فرضتها ظروف البلاد، وكما أشار عبد الخالق محجوب في كتابه “لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني” أن الحركة: “ارتبطت منذ تأسيسها بالنضال والمظاهرات ضد الاستعمار (المظاهرات التي قام بها الطلبة في عام 1946م)، وقدمت الحركة عموميات الماركسية باللغة العربية، وجذبت عددا من المثقفين الوطنيين والعمال لصفوفها، وارتبطت بالحركة الوطنية التحررية منذ نشأتها.
عندما تأسست الحركة السودانية للتحرر الوطني كان الشعاران المطروحين في الساحة السياسية: “وحدة وادي النيل تحت التاج المصري”، و”السودان للسودانيين تحت التاج البريطاني”. باستخدام المنهج الماركسي تمت دراسة الواقع ، وتوصلت “الحركة السودانية… “الي الشعار البديل المناسب وهو: “جلاء الاستعمار عن السودان ومصر وحق تقرير المصير للشعب السوداني”، والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار، وكان هذا هو الشعار الذي التفت حوله الحركة الوطنية فيما بعد وكان استقلال السودان عام 1956م بعيدا عن الاحلاف العسكرية، كما لاينسي شعب السودان تضامن الاتحاد السوفيتي معه عام 1947 م عندما وقف في الجمعية العامة للامم المتحدة مطالبا باستقلال السودان. كما رفض الحزب الشيوعي صيغة النقل الاعمي لتجربة الكفاح المسلح علي نمط التجربة الصينية، والتي طرحت عام 1952م، وقدر ايجابيا خصوصية نضال شعب السودان الديمقراطي الجماهيري الذي افضي الي الاستقلال بدون الكفاح المسلح.
في عام 1947م.
5دار في الحزب صراع فكري حول: هل يظل الحزب الشيوعي مستقلا سياسيا وفكريا وتنظيميا ام يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية (كما عبرت مجموعة عبد الوهاب زين العابدين سكرتير الحزب آنذاك)، وكان من نتائج هذا الصراع أن ساد اتجاه الوجود المستقل للحزب، وتأكدت الراية والهويّة المستقلة للحزب.
بعد ذلك انطلق الحزب واسهم في تأسيس “هيئة شئون العمال في عطبرة”، وتنظيمات “رابطة الطلبة الشيوعيين” و”مؤتمر الطلبة” و”الجبهة الديمقراطية للطلاب”، و”رابطة النساء الشيوعيات” و”الاتحاد النسائي”، و”اتحاد الشباب”، واتحادات العمال والمزارعين والموظفين والمعلمين.. الخ.
كما اصدر صحفه المستقلة مثل: مجلة الكادر” (الشيوعي فيما بعد) والتي كانت وحتي اليوم مجلة داخلية تصدرها اللجنة المركزية للحزب، ومجلة “الوعي” المجلة الجماهيرية التي تخصصت في العمل الثقافي والفكري”، وصحيفة “اللواء الأحمر” التي كانت جماهيرية، وصحيفة “الميدان” التي تأسست عام 1954م، وتم وضع دستور للحزب بعد أن كانت تحكمه العلاقات الشخصية وغير المبدئية، وتم تصعيد النضال ضد الجمعية التشريعية عام 1948م، وقدم الحزب شهداء في ذلك مثل: الشهيد قرشي الطيب في عطبرة.
* بعد اتفاقية 1953م، رفض الحزب الشيوعي شعار الاتحاديين “تحرير لا تعمير”، وطرح شعار “لا تحرير بلا تعمير”، أو البرنامج الوطني الديمقراطي باعتبار أن الاستقلال السياسي وحده لا يكفي، بل يجب استكماله بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، أي بانجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التي تحقق السيادة الوطنية والتنمية المستقلة، والمجتمع الزراعي الصناعي المتقدم، وحرية تكوين الأحزاب والنقابات والاتحادات، وحرية النشر والتعبير واستقلال القضاء وحكم القانون، والاصلاح الزراعي الديمقراطي الذي يخرج الريف من ظلمات القرون الوسطى، والحكم الذاتي الاقليمي لجنوب السودان في اطار السودان الموحد، والذي يحقق التنمية المتوازنة ،والاعتراف بالفوارق الثقافية وحق المجموعات الثقافية في تطوير لغاتها وثقافاتها الخاصة، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل، والثورة الثقافية الديمقراطية. الخ من عناصر البرنامج الوطني الديمقراطي الذي طرحه الحزب مع بداية الاستقلال، في وقت لم يكن للاحزاب التي حكمت بعد الاستقلال اي مشروع للنهضة والتنمية كما ذكر محمد أحمد المحجوب في “كتابه الديمقراطية في الميزان”، وهذا رد عملي علي بعض مثقفي البورجوازية الضغيرة الذين يقولون أن كل الأحزاب لم يكن لديها مشروع وطني بعد الاستقلال، وطور الحزب برنامجه الوطني الديمقراطي في برامجه المجازة في المؤتمرات: الثالث 1956، والرابع 1967، والخامس 2009، والسادس 2016..
رغم أن الحزب الشيوعي كان الحزب الوحيد الذي نظر لاتفاقية فبراير 1953م نظرة ناقدة وكشف عيوبها للشعب السوداني مثل: السلطات المطلقة للحاكم العام، وتأجيل الاستقلال لمدة ثلاث سنوات، ولكنه انتقد موقفه الخاطئ منها من زاوية أنه لم ينظر لجوانبها الايجابية باعتبارها كانت نتاجا لنضال الشعب السوداني، وأن المستعمرين تحت ضغط الحركة الجماهيرية تراجعوا، وبعد ذلك واصلت الحركة الجماهيرية نضالها حتى تحقيق الاستقلال في أول يناير 1956.
alsirbabo@yahoo.co.uk
الوسومأم درمان الاتحاديين الحزب الشيوعي السوداني السودان الشفيع أحمد الشيخ بورتسودان تاج السر عثمان بابو عبد الخالق محجوب عطبرةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أم درمان الاتحاديين الحزب الشيوعي السوداني السودان بورتسودان عبد الخالق محجوب عطبرة الحزب الشیوعی السودانی عبد الخالق محجوب زین العابدین تأسیس الحزب عبد الرحمن فیما بعد
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. التزام راسخ بدعم الشعب السوداني
أحمد عاطف، شعبان بلال (أبوظبي)
تواصل دولة الإمارات التزامها التاريخي والراسخ بتقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني والإغاثي للشعب السوداني الشقيق؛ للتخفيف من حدة تداعيات الأزمة التي يعانيها منذ أبريل 2023، مع التركيز على معالجة الوضع الإنساني الكارثي، وتبنّي نهج يضع احتياجات المدنيين في المقدمة.
وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني، منذ بدء الأزمة، 600.4 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهّدت بها دولة الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان الذي عقد في أديس أبابا في 14 فبراير الماضي، ليصل بذلك مجموع ما قدمته الإمارات، خلال السنوات العشر الماضية، إلى 3.5 مليار دولار قيمة المساعدات الإنسانية للشعب السوداني.
وعلى مدى عامين من عمر الأزمة، شكلت المبادرات والمساعدات الإنسانية الإماراتية طوق النجاة لأعداد هائلة من المتضررين نتيجة النزاع الدائر في السودان، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص من الشعب السوداني الشقيق.
وأطلقت الإمارات جسراً جوياً لنقل المساعدات الإنسانية للشعب السوداني الشقيق، والذي أرسلت من خلاله 162 طائرة، حملت مختلف أنواع المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية.
وسيّرت الإمارات العديد من سفن المساعدات الإنسانية لدعم المتضررين من النزاع داخل السودان، إلى جانب اللاجئين السودانيين في تشاد وأوغندا، والتي حملت على متنها 13 ألفاً و168 طناً من المواد الغذائية والطبية والإغاثية، منها 6388 طناً من المساعدات الغذائية و280 طناً من المساعدات الطبية لدعم المتضررين من النزاع داخل السودان. كما تضمنت المساعدات الإنسانية التي حملتها السفن المرسلة من الإمارات 6000 طن من المساعدات الغذائية والإغاثية لدعم اللاجئين السودانيين في تشاد، و200 طن من المواد الغذائية والإغاثية لدعم اللاجئين السودانيين في أوغندا، و300 طن من الإمدادات الغذائية والإغاثية لتلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين في جنوب السودان.
وأولت الإمارات أهمية كبرى للجانب الصحي في دعم الأشقاء السودانيين، حيث شيّدت مستشفييْن ميدانيّيْن في مدينتي أمدجراس وأبشي في تشاد لتوفير الخدمات الطبية للاجئين السودانيين في دول الجوار، واللذين استقبلا 90889 حالة، كما افتتحت مستشفى في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلاً عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
وخصصت دولة الإمارات 70 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والإغاثية في السودان، والتي توزعت على الشكل الآتي: 25 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي، و20 مليون دولار للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و8 ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية، و5 ملايين دولار لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، و5 ملايين دولار لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، و7 ملايين دولار لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».
وقدمت دولة الإمارات 30 مليون دولار دعماً للاجئين في الدول المجاورة للسودان، وأعلنت تقديم 10.25 مليون دولار للأمم المتحدة لدعم اللاجئات السودانيات المتضررات من الأزمة المستمرة في السودان.
وواصلت الإمارات دعمها لمسيرة التعليم بين اللاجئين السودانيين، إذ وقعت اتفاقية مع منظمة «اليونيسف» لتخصيص 4 ملايين دولار لدعم تعليم اللاجئين السودانيين في تشاد.
ويعد السودان أحد أبرز محطات العمل الإنساني في دولة الإمارات، وكانت بداية العطاء في سبعينيات القرن الماضي، حيث دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مشروع شق طريق هيا بورتسودان لربط المدن السودانية ببعضها، ما أسهم في النهضة التجارية والصناعية والزراعية للشعب السوداني.
وتوالت منذ ذلك الحين المشروعات التنموية والاقتصادية الإماراتية في السودان، والتي أسهمت في زيادة الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص عمل كبيرة لأبناء الشعب السوداني الشقيق، فضلاً عن المبادرات والمساعدات الإنسانية الإماراتية التي كانت حاضرة في كل الظروف والأزمات الطارئة التي تعرض لها السودان.
معالجة الأزمة
منذ اندلاع النزاع المسلح بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، خلال أبريل 2023، تتخذ دولة الإمارات موقفاً واضحاً وراسخاً تجاه الأزمة السودانية، يركز على الوصول إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإنهاء الاقتتال الداخلي، ومعالجة الأزمة الإنسانية، من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني.
وفي الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات جاهدة إلى التخفيف من تداعيات الأزمة الإنسانية الحادة التي يُعانيها الشعب السوداني، تواصل القوات المسلحة السودانية محاولاتها المستمرة إلى صرف الانتباه عن التواطؤ الواضح في الفظائع الواسعة النطاق، والتي لا تزال تدمر السودان وشعبه، مستغلة المنابر الدولية لنشر ادعاءات واهية لا أساس لها من الصحة، خاصة بعدما أكدت الأمم المتحدة حدوث انتهاكات واسعة وعمليات إعدام خارج القانون بعد سيطرة القوات المسلحة على الخرطوم.
ومن جهتهم، أكد خبراء ومحللون أن الإمارات تواصل أداء دورها الإنساني والدبلوماسي البنّاء في السودان، رغم الحملات المغرضة التي تحاول تشويه صورتها عبر اتهامات لا أساس لها من الصحة.
وأوضح الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الدولة حافظت على موقفها الثابت منذ بداية الأزمة السودانية، بدعمها وقف إطلاق النار، وسعيها المستمر إلى حماية المدنيين، فضلاً عن تقديمها مساعدات إنسانية سخية، دون أي اعتبارات عرقية أو دينية أو سياسية.
وشددوا على أن دولة الإمارات تواصل دعمها للشعب السوداني من منطلق إنساني وأخلاقي، ويأتي وقف إطلاق النار، وتسوية الأزمة سلمياً، والتخفيف من المعاناة الإنسانية على رأس أولوياتها.
تسوية سلمية
أوضح المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن الإمارات تتخذ موقفاً واضحاً ومعروفاً تجاه الأزمة السودانية، يركز على دعم التسوية السلمية، ووقف الاقتتال الداخلي، مؤكداً أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، وتواصل جهودها الدؤوبة لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الشقيق.
وقال العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن الإمارات، منذ اندلاع النزاع في السودان، ركزت على الجانب الإنساني، من خلال إرسال مساعدات طبية وإغاثية للنازحين والمتضررين من القتال، وذلك بالتعاون مع الهيئات الأممية المختصة، ما يعكس التزام الدولة الصادق تجاه الشعب السوداني دون أي أهداف خفية.
وعبّر عن رفضه القاطع للمزاعم التي أطلقتها القوات المسلحة السودانية بشأن تدخل دولة الإمارات في النزاع، ووصفها بادعاءات لا تستند إلى أي دليل، وتأتي ضمن حملة لتشويه دور إنساني نبيل، هدفه الوحيد هو التخفيف من معاناة الأبرياء في مناطق النزاع.
وأضاف العجمي أن الإمارات لا تعمل في الخفاء، بل تُعلن عن جميع تحركاتها الإغاثية والدبلوماسية، وتنسق بشكل شفاف مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، لافتاً إلى أن ما يزعج بعض الأطراف هو أن الإمارات تكسب ثقة الشعوب من خلال الأفعال لا الشعارات.
وأشار إلى أن الإمارات لا تكتفي بإرسال المساعدات، بل تسعى على مدار الساعة إلى فتح قنوات الحوار بين الأطراف المتنازعة، غير أن هذه المساعي تصطدم بمصالح أطراف لا تريد إنهاء الحرب، وتسعى لإطالة أمد الصراع لأسباب تتعلق بمراكز النفوذ والسيطرة. ولا شك في أن محاولات القوات المسلحة السودانية المستمرة تهدف إلى صرف الانتباه عن التواطؤ الواضح في الفظائع الواسعة النطاق، والتي لا تزال تدمر السودان وشعبه، وهذا أمر ترفضه القوى الدولية الداعمة للشعب السوداني.
وذكر المحلل السياسي الكويتي أن الإمارات تحمل في قلبها هموم الشعوب الشقيقة والصديقة، ولم تتردد يوماً في مد يد العون، سواء في السودان أو في غيره من الدول، ما يجعلها بلد العطاء والخير، حيث إن دورها الإنساني لا تحده الجغرافيا، ولا تقيّده الاعتبارات السياسية.
جهود إنسانية
من جانبه، قال مدير مركز بروكسل للدراسات، رمضان أبو جزر، إن الإمارات تُعد من أبرز الداعمين لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً. وفي هذا الإطار، عملت جدياً، منذ اندلاع النزاع، على تقديم حلول سياسية تحفظ دماء السودانيين، وتحمي المدنيين من ويلات الاقتتال الداخلي.
وذكر أبوجزر لـ«الاتحاد» أن الإمارات قدمت خلال العام الماضي وحده مساعدات إنسانية ضخمة، شملت قوافل وحملات إغاثية عاجلة، إضافة إلى تخصيص مبالغ طائلة لبرامج الإغاثة والصحة، وذلك عبر قنوات الأمم المتحدة، ودون ربطها بأي أجندات سياسية.
وقال إن الإمارات لم تكتفِ بتقديم المساعدات الإنسانية، بل حرصت أيضاً على فتح منصات للحوار، وكان موقفها في الملف السوداني متوازناً ومتسقاً مع تطلعات الشعب الشقيق، ولم تدعم طرفاً على حساب آخر، ولا تزال تدفع في اتجاه الحوار الشامل.
وأضاف أن القيادة الإماراتية وضعت مصلحة الشعب السوداني على رأس الأولويات، إيماناً بأن الإغاثة هي المدخل الأول لأي حل مستدام، مؤكداً أن الإمارات تسعى دائماً إلى تحقيق استقرار حقيقي، وليس مجرد تهدئة مؤقتة.
وأوضح أبوجزر أن هناك مؤسسات إماراتية رائدة، أبرزها «الهلال الأحمر» الإماراتي، حاضرة في الميدان السوداني لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية من دون أي شروط أو حسابات، ما يعكس التزاماً إنسانياً وأخلاقياً لا لبس فيه.
مسار السلام
وفيما تحاول القوات المسلحة السودانية عبثاً استغلال المنابر الدولية للترويج لبيانات مستهجنة وادعاءات زائفة ضد دولة الإمارات، في تعارض فجّ مع الواقع والحقائق على الأرض، تواصل دولة الإمارات مساعيها النبيلة الرامية إلى مساندة الشعب السوداني لتحقيق تطلعاته في التنمية والأمن والازدهار والتقدم.
ولا تكترث الإمارات بمثل هذه الادعاءات الباطلة، لاسيما مع إدراك أنها مجرد محاولات عبثية من قبل القوات المسلحة السودانية للتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الأزمة الإنسانية الكارثية نتيجة لتصرفاتهم وممارساتهم المدمرة في هذه الأزمة.
وأكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية، الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين عبد الله، أن الدور الذي تقوم به الإمارات تجاه الأزمة السودانية يُعد من أهم وأبرز الأدوار الداعمة للشعب السوداني إنسانياً ودبلوماسياً وسياسياً، ولا يمكن تجاهل ما قدّمته الإمارات لصالح ملايين السودانيين، سواء من حيث الدعم السياسي الواضح لمسار السلام، أو المساعدات الاقتصادية الضخمة، والتي كان أبرزها التبرع بملياري دولار لحكومة السلام السودانية.
وأوضح بحر الدين، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تُعد من أكثر الدول حرصاً على استقرار السودان، وتسعى باستمرار إلى دفع العملية السياسية نحو الأمام.
وأضاف أن الإمارات لم تتوانَ عن دعم مؤسسات الدولة السودانية المدنية، وكانت ولا تزال شريكاً فاعلاً في محاولة وقف النزاع عبر أدوات دبلوماسية وسياسية، مؤكداً أن مواقف أبوظبي اتسمت بالثبات والوضوح، بعيداً عن الاصطفاف العسكري أو الاستغلال السياسي للأزمة.
وأشار إلى أن الشعب السوداني يدرك تماماً من وقف معه في المحنة، ويقدّر كل من أسهم في محاولة التخفيف من ويلات الحرب. من هنا، فإن الشكر والتقدير لدولة الإمارات، قيادةً وشعباً، هو أقل ما يمكن تقديمه.
دعم الاستقرار
شدد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، الدكتور هيثم عمران، على أن دولة الإمارات تتبنى منذ سنوات طويلة رؤية استراتيجية لسياستها الخارجية تقوم على دعم الاستقرار الإقليمي، ورفض التدخلات الخارجية السلبية في شؤون الدول، وتعزيز الحلول السلمية للنزاعات، وهو ما يتجسد بوضوح في موقفها الثابت والراسخ من الأزمة السودانية.
وقال عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن الإمارات حريصة على حفظ وحدة السودان وتماسكه الاجتماعي، وترفض تحويل الدولة الشقيقة إلى ساحة صراع إقليمي أو دولي بين قوى متصارعة على النفوذ، حفاظاً على سيادته ووحدته واستقلال قراره الوطني.
وأضاف أنه منذ بداية الأزمة في أبريل 2023، تؤكد الإمارات أن الحل العسكري سيؤدي إلى تعميق الانقسام، وتفاقم المأساة الإنسانية، وشددت في أكثر من مناسبة على أن أي حل يجب أن يكون سياسياً وسلمياً، ومبنياً على الحوار بين الأطراف السودانية دون إقصاء لأي مكون مدني أو عسكري.
انتهاكات وادعاءات
ذكرت تقارير حقوقية دولية أن القوات المسلحة السودانية ارتكبت انتهاكات جسيمة منذ سيطرتها على أجزاء من العاصمة الخرطوم، في حين وثقت الأمم المتحدة عمليات إعدام خارج نطاق القانون، إضافة إلى اعتقالات تعسفية بحق مئات المدنيين.
ويرى مراقبون أن القوات المسلحة السودانية تحاول صرف الأنظار عن هذه الانتهاكات من خلال اتهام أطراف خارجية، من دون تقديم أي دليل يُثبت صحة هذه الادعاءات، معتبرين أن محاولات القوات المسلحة السودانية لاستغلال بعض المنابر الدولية لترويج هذه المزاعم أمر مؤسف، ولا يخدم القضية السودانية، بل يزيد من تعقيد المشهد.