الفضل يعود لممارسات الأميركيين.. توقعات بانخفاض التضخم في الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 13th, August 2024 GMT
يبدو أن ارتفاع التضخم الكبير الذي حدث في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية قد أوشك على الانتهاء، بحسب تحليل لوكالة "أسوشيتد برس".
وعزا خبراء اقتصاد الفضل إلى المستهلكين الأميركيين في المساعدة على خفض مستوى التضخم.
وتقول بعض أكبر الشركات الأميركية، إن عملاءها يبحثون بشكل متزايد عن منتجات وخدمات بديلة أرخص، ويبحثون عن الصفقات الجيدة أو يتجنبون ببساطة العناصر التي يعتبرونها باهظة الثمن.
ويحتل الاقتصاد مكانة مركزية في الانتخابات الرئاسية، حيث دفع التضخم العديد من الأميركيين إلى الشعور بالاستياء من تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الاقتصاد.
لمكافحة التضخم، رفع الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عاما، في نطاق 5,25 إلى 5,50%، وذلك لإجبار الاقتصاد الأميركي على التباطؤ.
والاثنين، أفاد الاحتياطي الفيدرالي أن توقعات الأميركيين بشأن مقدار ما سينفقونه في الأشهر الاثني عشر المقبلة قد انخفضت، وكذلك توقعاتهم للتضخم.
ووفقا لمسح أجراه الاحتياطي الفيدرالي، يتوقع المستهلكون أن ينمو إنفاقهم بنسبة 4.9 في المئة في العام المقبل، وهي أدنى قراءة منذ أبريل 2021 عندما بدأ التضخم يأخذ منحى الصعود.
ويتوقع الأميركيون أن يبلغ متوسط التضخم 2.3% فقط على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهو أدنى رقم منذ بدء المسح في عام 2013.
وعندما تتوقع الأسر انخفاض التضخم، فإنها تميل إلى تأخير بعض المشتريات على أمل توقف الأسعار عن ترتفع في المستقبل القريب، وقد تنخفض في بعض الحالات. يمكن لهذا الاتجاه أن يبقي ضغوط الأسعار منخفضة.
وتشير "أسوشيتد برس" إلى أن هناك عوامل أخرى ساهمت في انخفاض التضخم في الفترة الأخيرة، منها معالجة بعض مشاكل سلاسل التوريد، وأسعار الفائدة المرتفعة التي هندسها بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي أدت إلى تباطؤ مبيعات المنازل والسيارات والأجهزة وغيرها من المشتريات.
وتترقب الأسواق أيضا تقرير مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة الأربعاء، والذي سيعطي قراءة حاسمة عن التضخم.
ويشكل إنفاق المستهلك أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وتشير "أسوشيتد برس" إلى أنه من المتوقع أن التقرير سيظهر ارتفاعا في الأسعار باستثناء تكاليف الغذاء والطاقة المتقلبة، بنسبة 3.2٪ فقط عن العام السابق. "سيكون هذا أقل من 3.3 في المئة في يونيو وسيكون أدنى رقم تضخم على أساس سنوي منذ أبريل 2021".
وقفز معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أعوام عند 4.3 بالمئة في يوليو وسط تباطؤ كبير في التوظيف، مما زاد المخاوف من تدهور سوق العمل وجعل الاقتصاد عرضة للركود، وأدى إلى موجة بيع في سوق الأسهم قبل أن تنتعش التعاملات مجددا.
قال أندرو جاسي، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون: "نحن نشهد انخفاضا في متوسط أسعار البيع الآن لأن العملاء يواصلون البحث عن السعر الأقل".
وأشار ديفيد جيبس الرئيس التنفيذي لشركة يام براندز، التي تمتلك تاكو بيل، وكنتاكي وبيتزا هت، إلى تباطؤ في مبيعات مطاعم الشركة بنسبة واحد في المئة في الربع الثاني من العام الجاري.
وتخفض شركات أخرى الأسعار بشكل مباشر.
حتى الآن، رأى المحللون أن الاقتصاد الأميركي قوي وينمو بشكل طفيف مع تباطؤ التضخم، وهو السيناريو الحلم المتمثل في "الهبوط الناعم" بعد فترة شهدت تسارعا في التضخم إثر وباء كوفيد.
لكن الأسواق باتت تعتقد أن الاحتياطي الفدرالي الأميركي سيضطر إلى خفض أسعار الفائدة الرئيسية بشكل أكثر حدة مما كان متوقعا في محاولة لتجنب الركود.
وقال بريان موينيهان الرئيس التنفيذي لـ"بنك أوف أميركا" الأحد إن المستهلكين الأميركيين قد يشعرون بالإحباط إذا لم يبدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في خفض أسعار الفائدة قريبا.
وأظهرت أداة فيد ووتش التابعة لسي.أم.إي أن أسواق المال تراهن على خفض أسعار الفائدة الأميركية بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس في سبتمبر، وتتوقع تيسيرا نقديا بواقع 100 نقطة أساس بحلول نهاية العام.
وتساهم بيئة أسعار الفائدة المنخفضة في زيادة النشاط الاقتصادي وهي بدورها تزيد من استهلاك مصادر الطاقة مثل النفط.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة أسعار الفائدة
إقرأ أيضاً:
التضخم وتكلفة الغذاء في الدول النامية والعربية
في السنوات الأخيرة، أصبحت مشكلة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكلفة الغذاء من أبرز القضايا التي تهدد استقرار الاقتصاديات في الدول النامية والعربية. هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على الأبعاد الاقتصادية فقط، بل أصبحت تتجاوزها إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية، لتضع ضغوطات كبيرة على الحكومات والمجتمعات للتعامل مع تبعاتها.
باختصار، الأسباب المغذية للارتفاعات الكبيرة في معدلات التضخم تتمثل في الأزمات العالمية كالحروب، والتغيرات المناخية والصراعات الجيوسياسية إلى جانب غياب التخطيط الاقتصادي وضعف التوجهات الإصلاحية في الداخل الوطني، لتصبح بذلك عوامل مجتمعة تٌصعب على الدول النامية والعربية توفير السلع الأساسية بأسعار معقولة.
تشير البيانات إلى أن معدلات التضخم في العديد من الدول قد سجلت أرقامًا غير مسبوقة. على سبيل المثال، سجلت الأرجنتين أكبر زيادة في أسعار الغذاء بنسبة 183%، تلتها فلسطين بنسبة 115%. في المقابل، ارتفعت أسعار الغذاء في مصر بنسبة 27%. وقد ألقى التضخم بظلاله على تكاليف الشحن أيضًا، حيث ساهم في ارتفاع أسعار الوقود والخدمات اللوجستية، وبالتتابع ارتفعت تكاليف الشحن بشكل حاد، حيث قفزت تكلفة شحن الحاويات بين أوروبا وآسيا وأمريكا بأكثر من 170%، حسب آخر تسجيل سعري في يوليو 2024.
إن تأثير ارتفاع التضخم وزيادة تكاليف الغذاء لا يقتصر على تقليل القدرة الشرائية للسكان، بل يتعدى ذلك إلى تداعيات قد تكون معظمها خفية الأبعاد على الطبقات الاجتماعية. في الدول النامية، يعاني السكان من انخفاض حاد في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو ما دفع العديد منهم إلى دائرة الفقر المدقع. هذا الارتفاع في تكاليف المعيشة هو من أسباب تفاقم التفاوتات والاضطرابات الاجتماعية بين الطبقات المختلفة.
وبحسب تقرير للبنك الدولي، فإن حوالي 23 مليون شخص إضافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يضطرون للعيش تحت خط الفقر نتيجة لارتفاع أسعار الغذاء. وينوه التقرير إلى أن معدلات الفقر المدقع قد تصل إلى مستويات قياسية في بعض الدول، ليكون أحد العوامل المؤثرة على استقرار المجتمعات بشكل عام.
من الواضح بأن مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تتطلب حلول اقتصادية شاملة تضمن استقرار الأسواق وتحسن من مستويات المعيشة. الحلول يجب أن تشمل السياسات النقدية الحكيمة خاصة المرتبطة برفع أسعار الفائدة بشكل مدروس ومتدرج للحد من التضخم، دون التأثير على النمو الاقتصادي أو زيادة معدلات البطالة. ولا بد من توسيع البرامج الاجتماعية لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض وزيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات تهدف إلى تحسين جودة الغذاء وتطوير الإنتاج المحلي.
من الضروري أيضًا إعادة النظر في السياسات الزراعية، حيث يجب أن تركز الحكومات على دعم المزارعين المحليين، وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة. هذا من شأنه أن يسهم في زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وتقليل تأثير التقلبات العالمية على أسعار الغذاء.
على الصعيد الدولي، هناك حاجة إلى تعاون أكبر بين الدول لتأمين الإمدادات الغذائية. ويجب أن تعمل الدول الكبرى والمنظمات الدولية على دعم الاقتصادات الناشئة ليس فقط من خلال المساعدات المالية، ولكن من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا، وتقديم الدعم في تطوير البنية التحتية الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي المستدام. كما يجب على الحكومات والمنظمات الدولية أن تعمل على مكافحة الاحتكار في أسواق الغذاء لضمان المنافسة العادلة وحماية المستهلكين في الدول الفقيرة.
ما يبقى أن نقوله هو أن هذه الأزمة لا يمكن تلخصيها كمجرد تحدي اقتصادي، بل هي مسألة استراتيجية ملحة تتطلب إيجاد حلول مبتكرة وشاملة لمواجهة الواقع الجديد الذي تفرضه الأزمات العالمية المتجددة. الإطار العام لهذه الحلول يجب أن يجيب على التساؤل المطروح، وهو عما إذا كانت الهياكل الاقتصادية الحالية قادرة على الصمود أمام الأزمات العالمية المتتالية وكبح جماح التضخم الذي أصبح يمتد بلا سقف. الحلول المؤقتة لن تنجح في تحقيق المعالجة المطلوبة، ولن يمكن لاقتصادات المنطقة تحمل الانتظار بينما تواصل التكاليف الاقتصادية والبشرية في الارتفاع. هذه المعطيات تتطلب باختصار استراتيجيات استباقية وإصلاحات هيكلية وجذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية للتعامل مع الأوضاع العالمية المتقلبة.