أعتقد أنه من المناسب الآن بل من الضرورة بمكان أن تنشط كل وسائل الإعلام، وخاصة الموجهة إلى الغرب وغير المسلمين، فى إلقاء الضوء على أخلاق المسلمين فى الحروب، منذ عصر النبوة، وحتى آخر حرب خاضها العرب والمسلمون فى العصر الحديث ضد العدو الإسرائيلى الغاصب المحتل، وهى حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣م، وذلك لأن الشيء الدائر فى غزة منذ السابع من أكتوبر الماضى لا أجد له وصفا، فحرب الإبادة أقل بقليل مما يجرى على الأرض، وأصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي عنوانا لكل تجاوز ومخالفة لقوانين الحروب فى العالم، وللخروج على القوانين الإنسانية والأخلاقية، وفاقت أفعاله كل الأساطير التى يمكن أن يتخيلها عقل أى مؤلف أو كاتب سيناريو لأبشع الأفلام التى تصور الوحشية والدموية، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، بما تأباه الحيوانات فى عالمها.
وإذا كان البعض يعتقد، وأنا منهم، أن المقاومة الفلسطينية أخطأت تقدير الموقف وحساباتها لم تكن دقيقة فى تصور ردة فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي المتعطش لدماء العرب والمسلمين، ليس فى غزة وحدها، ولا فى فلسطين كلها، وإنما فى كل مكان على وجه البسيطة، إلا أنه بعد أن وقعت الواقعة، ليس للمقاومين منا إلا النصرة والدعم والدعاء، دون توريط بقية الدول فى الأقدام على حرب غير محسوبة العواقب.
وأعود إلى أخلاقيات المسلمين فى الحروب التى أرساها الله فى قرآنه الكريم، وطبقها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلمها لأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن أول هذه الأخلاقيات: عدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال، فيروي بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان مما يقوله: ".. ولا تقتلوا وليدا.. " رواه مسلم. وفي رواية أبي داود: "ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة".
ثانيا: كان يوصيهم بعدم قتل المتعبدين، فقد أخبر ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيوشه يقول لهم: "لا تقتلوا أصحاب الصوامع".
ثالثا: عدم الغدر، فكان من وصاياه صلى الله عليه وسلم للجيش: "ولا تغدروا". ولم تكن هذه الوصية في معاملات المسلمين مع بعضهم، بل كانت مع عدو يكيد لهم، وهم ذاهبون لحربه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أمَّن رجلا على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرا" رواه البخاري وغيره.
رابعا، : عدم الإفساد في الأرض، فلم تكن حروب المسلمين حروب تخريب كالحروب التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم.
والمقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض، ألا يظن قائد الجيش أن عداوة القوم تبيح بعض صور الفساد، لأن الفساد بشتى صوره أمر مرفوض في الإسلام.
خامسا: الإنفاق على الأسير ومساعدته، بل إن ذلك مما يثاب عليه المسلم، وذلك بحكم ضعف الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه، وشدة حاجته للمساعدة، قال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" (سورة الإنسان، آية ٨).
سادسا: عدم التمثيل بالميت، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُثْلَة بالمقتول من الأعداء، والمُثْلَة: التنكيل بالمقتول، بقطع بعض أعضائه، ورغم ما حدث في غزوة أُحُد من تمثيل المشركين بحمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يُغيِّر مبدأه.
هذه بعض أخلاقيات الحروب عند المسلمين، فكيف أخلاق غيرهم التى يجسدها الآن جيش الكيان الصهيوني فى حربه على أهل فلسطين؟.
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
غربال الثورة الناعم
غربال الثورة الناعم
حيدر المكاشفي
لفت انتباهي مقال نشر مؤخرا لصديقنا وزميلنا الأصغر وائل محجوب، جاء في مقدمته أنه في مرحلة الثورة وما تلاها من حكم انتقالي، برزت وجوه محددة لعبت دورا متصلا وكبيرا، في إضعاف أي مجال للتقارب أو الحوار بين مختلف قوى الثورة، عبر شيطنة الناس وتبني الشائعات، وتسميم أجواء المجال العام، وتدني لغة الحوار بالسب والشتم لرموز وشعارات القوى المختلفة، وكانت وجهة نظري وقتها أن كثير من هذه الأصوات تؤدي أدوارا معلومة، وسينكشف أمرها يوما ما. وبعد اندلاع الحرب، تمايزت الصفوف وخرج من بين صفوف الثوار من حمل السلاح ضمن صفوف المقاومة الشعبية، وهجر أخرون السلمية وتبنوا الدعوة للحرب والتعبئة لها، بينما مضى أخرون بشكل أكثر وضوحا نحو كتائب البراء ابن مالك، ومعلوم انها كتائب للحركة الاسلامية، وضالعة بحسب أكثر من تصريح لقادتها في مهاجمة الثورة، ويشتبه في كونها من ضمن قوات القناصة التي أردت كثير من الشهداء، وصار كثير من هؤلاء الثوار “السابقين” “يردد أمن يا جن.. ومثلما كشف الله ستر كثيرون ممن عادوا لقواعدهم بعد الحرب، هاهو مؤتمر الميثاق التأسيسي الذي انعقد بنيروبي، يخرج البقية الباقية ممن تدثروا طويلا بشعارات رفض الحرب..
ما ذهب اليه الزميل وائل يعيد الى الذاكرة الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله (أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)، وهذا هو بالضبط حال ثورة ديسمبر المجيدة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 الغاشم وحرب أبريل القذرة تعكف على نفي خبثها وغربلة صفوفها، وما خبثها الا اولئك المتملقين والمنافقين والمتذبذبين الذين ما اعلنوا انحيازهم للثورة الا على سبيل الملق والنفاق والمراء، وبدا واضحا انهم لم يؤيدوا الثورة الا لمنصب يصيبونه أو فائدة يجنونها، فما ان اعلن الانقلابيون سيطرتهم على الأوضاع ومن بعده حربهم اللعينة حتى انقلبوا معهم ولذات الاهداف الرخيصة، فصاروا مثل (فسية) تقرأ ذيل الديك التي تميل حيث تهب الهبوب، ولو كان للانقلاب والحرب من حسنة وحيدة ان كانت لهما حسنات، فهي أنهما فرزا الخبيث من الطيب والثوار الحقيقيون من ادعياء الثورة، وهذا ما يمكن الثورة والثوار الآن من نفي خبثهم كما ينفي الكير خبث الحديد وغربلة صفوفهم، ودنس الثورة وخبثها يجسده هيجان بعض من يدعونها من الذين لا يتحلون بأدبها ولا أخلاقها، ويأبى الله إلا أن يفضح مدعيها هؤلاء على رؤوس الأشهاد، وتلك سنة الله في اهل الملق والنفاق ولابسي ثياب الزور.. لقد كانت ثورة ديسمبر ولا تزال وستظل هي أعظم ما فعله السودانيون عبر تاريخهم الحديث، وهي ثورة طاهرة ستنفي خبثها وتنقي صفوفها، ولا يصلح أن يتصدى لحمل لوائها والدفاع عنها والسعي لاستعادتها، إلا من أخلص لها وآمن بمبادئها وضحى في سبيلها، وإذا كان البعض قد خذل الثورة أو خانها، وارتمى في أحضان الانقلابيين وحلفائهم من الكيزان وفلول النظام البائد، وأصبح أداتهم لاجهاضها، فإن هناك الغالبية الكاسحة من المخلصين للثورة ومبادئها والعاضين عليها بالنواجذ، والذين لن يقبلوا ان يعطوا الدنية في ثورتهم ولا في مبادئهم رغم كل ما تعرضوا له وسيتعرضون له من قمع وتنكيل، ولا يزالون يبذلون وسيظلون يبذلون ما في وسعهم دفاعا عنها في وجه هذه الهجمات التي تتعرض لها بلا كلل ولا ملل ولا يأس، فاليأس خيانة للثورة ولشهدائها، وفي تجارب التاريخ العبرة والمثل، فأصحاب كل القضايا العادلة لم ييأسوا في معاركهم طلبا لحقوقهم مهما تطاول عليهم الأمد، قرأنا ذلك في قصص الأنبياء والمرسلين، وقرأناه في تاريخ الشعوب، بل في تاريخنا الوطني ذاته، فالاصرار على استمرار فتنة هذه الحرب اللعينة المهلكة ماهو الا هو دليل خوف وليس دليل قوة، لأن هذه الحرب استهدفت بالأساس ثورة الشعب وليس المليشيا بدلالة كثير من الشواهد والمواقف والتصريحات والتلميحات، وهذا وضع لا يمكن له الاستمرار طويلا لأنه ضد طبيعة الأمور، وستظل بحول الله ثورة ديسمبر صامدة في وجه الثورة المضادة التي أرادت وأدها، وهو صمود مرشح للاستمرار ومن ثم النجاح لأن صبر الشعوب يفوق كثيرا قدرات أنظمة الحكم مهما بلغ جبروتها، وها هم أبناء الثورة، شبابها وكنداكاتها المخلصين يسطرون ملاحم في الصمود والتمسك بمبادئ ثورتهم والدفاع عنها، لا يضرهم من خذلهم أو خانهم، كما أنهم يزدادون وعيا بالمشهد من حولهم، ويحسبون خطواتهم، وهم يراهنون بالأساس على شعبهم، فارادة الشعب دائما هي الأقوى والردة مستحيلة..
الوسومالإنقلابيون الثورة حيدر المكاشفي وائل محجوب