يمانيون – متابعات
بعدَ تسعةِ أشهرٍ من محاولةِ وقفِ العملياتِ البحرية اليمنية المسانِدةِ لغزةَ، أجبَرَ الفشلُ الأمريكي الواضحُ والمعلَنُ في تحقيق ذلك الهدفِ الولاياتِ المتحدةَ على تغيير نظرتِها تجاه استراتيجيتها البحرية.

والاعتراف بالعجز عن “الردع” الذي لطالما حاولت أن تجعلَه عنوانًا رئيسيًّا لانتشار قِطَعِها العسكرية البحرية، بما في ذلك حاملات الطائرات؛ فبعد تمكّن القوات المسلحة من طرد الحاملة “آيزنهاور” من البحر الأحمر، وعدم جرأة بديلتها “روزفلت” على الاقتراب من منطقة العمليات اليمنية، بدأ قادةُ حاملة الطائرات البديلة الثانية (لينكولن) بالاعتراف مسبقًا بأنهم سيواجهون مهمةً طويلةً وشاقة، وذلك على وَقْعِ اعترافات قائد الأسطول الخامس بأن الحل العسكري غير ممكن، في الوقت الذي تواصل فيه وسائل إعلام أمريكية التأكيد على أن عصر حاملات الطائرات والتفوق التكنولوجي الغربي قد ولَّى.

وفي تقرير نشرته هذا الأسبوع حولَ قدوم حاملة الطائرات (أبراهام لينكولن) إلى المنطقة لاستبدال (روزفلت)؛ مِن أجلِ مواجهة العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة، نقلت وكالة “بلومبرغ” عن قائد الحاملة الجديدة، الكابتن بيتر ريبي، قوله: إنه “يجب إعدادُ الطاقم ذهنيًّا” وذلك بعد أن حرص على تذكير جنوده بأن “البيئة التي سيواجهونا” هي بيئةُ اشتباك.

ونقلت الوكالة عن الكابتن جيري تريتز، قائدِ الجناح الجوي على متن (لينكولن) قوله: “من المحتمل أن تكونَ هذه مهمة طويلة الأمد”، وهو ما يعبِّرُ بوضوحٍ عن إحباط مسبق وسقوط لصورة “الردع” التي لطالما حاولت البحريةُ الأمريكية أن تجعلَها ملازمةً لانتشار حاملات الطائرات في أي مكان في العالم.

السقفُ المنخفضُ لتطلعات قادة حاملة الطائرات الجديدة يأتي على وقع اعترافات قائد الأسطول الأمريكي الخامس، قبل أَيَّـام، بأنه لا يمكنُ تطبيقُ “سياسة الردع الكلاسيكية” في اليمن، وتأكيدِه على أن مهمةَ البحريةِ أصبحت تتعلَّقُ فقط بالحفاظ على مساحةٍ لصُنَّاعِ القرار السياسي؛ للتوصل إلى حَـلٍّ “دبلوماسي” حسب تعبيره.

وقد أوضحت “بلومبرغ” في تقريرها أن هناك انتقاداتٍ ترى أن عمليات البحرية الأمريكية -بما في ذلك نشر حاملات الطائرات- لا تفعل الكثير “بل إنها محفوفةٌ بالمخاطر، فقد استُهدِف الجيشُ الأمريكي من قبلُ في المنطقة، ومن الممكن أن يؤدِّيَ إرسالُ الأُصُولِ العسكرية الأمريكية إلى جَـــرِّ الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي أوسعَ نطاقًا” بحسب الوكالة.

ونقل التقرير عن فان جاكسون، عضو هيئة التدريس في العلاقات الدولية بجامعة فيكتوريا في ويلينغتون بنيوزيلندا قوله: “نحن نعرِّضُ القواتِ الأمريكيةَ لأذىً جسديٍّ دون سبب وجيه، ونشر حاملة الطائرات على وجه الخصوص يمثل مشكلة فريدة من نوعها” مؤكّـداً أن: “الاستخدامَ المعتادَ للقوة في الشرق الأوسط لم يجلِبْ للولايات المتحدة أيَّةَ فائدة”.

وفي ظل هذه الاعترافات الواضحة والمتتالية بفشلِ استراتيجيات الردع البحرية التي لطالما تفاخرت بها الولايات المتحدة، أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية تكتظُّ بالتناولات والتحليلات التي تؤكّـدُ أن عصرَ الهيمنة الأمريكية والغربية على مستوى القوة البحرية والتقنيات العسكرية قد انتهى، وأن معركة البحر الأحمر قد شكَّلت نقطةَ تحول تأريخية نحو نهاية هذا العصر.

وفي هذا السياق، نشرت مجلة “جاكوبين” الأمريكية، الاثنين، تقريرًا ذكرت فيه أن “شركات الدفاع الغربية العملاقة تتباهى بالتكنولوجيا المتطورة، لكن أنظمتها المتطورة غالبًا ما تفشلُ في الحرب غير المتكافئة، بَدْءًا من أنظمة الدفاع الصاروخي المعيبة إلى حاملات الطائرات باهظة الثمن” مستشهدةً على ذلك بما حدث في البحر الأحمر عندما حاولت الولاياتُ المتحدةُ والغربُ مواجهةَ عمليات الإسناد اليمنية بالقوة والتهديدات، لتكونَ النتيجةُ أنه “بعد ثمانية أشهر من أعنف المعارك البحرية التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، انكشف التهويلُ الأمريكي الفارغُ بشكلٍ أكثرَ وضوحًا مما كانت الولايات المتحدة تنوي”، حَيثُ “انسحبت حاملةُ الطائرات (ايزنهاور) بما تمثِّلُه من رمز بارز للقوة الأمريكية الصلبة” واتضح أن “وجود هذه القوة النارية الساحقة لم يفعل شيئًا” لمنع اليمنيين من مواصلة عملياتهم البحرية، بحسب المجلة.

وأشَارَت المجلة إلى أن “هذا الموقِفَ أظهر أن نشرَ أقوى بحرية في التاريخ كان أكثرَ تكلفة -من الناحية المالية البحتة- على الولايات المتحدة، من التكلفة التي قد يتحملها خصومُها” ذلك أن “الطائرات بدون طيار الرخيصة التي تحمل حمولة كافية تحتاج إلى التهرب من دفاعات حاملة الطائرات وضرب هدفها مرة واحدة، في حين أن أنظمة الدفاع الدولارية يجب أن تكونَ ناجحةً في كُـلّ مرة، وبمقارنة تكلفة صاروخ اعتراضي (تتراوحُ من مليونَـــي دولار كحد أدنى إلى 28 مليون دولار لكل منها) بتكلفة طائرة بدون طيار (تتراوح بين 20 ألفَ دولار إلى 50 ألف دولار)، فَــإنَّ هذا رهان خاسر على الأمد البعيد”.

وأكّـدت المجلة أن “انتشارَ الأسلحة الرخيصة والفعّالة من حَيثُ التكلفة بين خصوم الغرب غير المتكافئين قد أَدَّى إلى إضعافِ قوة أنظمة الأسلحة التقليدية بشكلٍ كبير”.

وذهبت مجلةُ “ناشيونال انترست” الأمريكية إلى أبعدَ من ذلكَ، مؤكِّـدةً أن “عصرَ حاملة الطائرات قد ينتهي بكارثة للبحرية الأمريكية” إذَا واصلت الاعتمادَ عليها كمحور رئيسي لاستراتيجيتها البحرية، مشيرة على أن “هذا التكتيك خدم الولايات المتحد بشكل جيد منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن في البيئة العالمية المعادية بشكل متزايد اليوم، قد يشكل هذا الاعتماد عبئًا استراتيجيًّا”.

وفسَّرت المجلةُ ذلك بأن الولايات المتحدة اليوم لم تعد تقفُ بلا منافسة على ميدان الصراع البحري فقد طوَّر “منافسوها” وخصومُها الكثيرَ من الاستراتيجيات والأسلحة “الفعَّالة” لمواجهة حاملات الطائرات، مشيرة إلى أن نشرَ هذه الحاملات أصبح في الأصل خطوةً يمكنُ التنبُّؤُ بها في أية مواجهة تخوضُها الولاياتُ المتحدة، وبالتالي فهي خطوة يمكن الاستعداد لها، وهذه القابلية للتنبؤ “تفرض حاجة متزايدة لإعادة النظر في الاستراتيجية البحرية الأمريكية لتجنب الخسائر الكارثية في أي صراع مستقبلي محتمل” حسب المجلة.

ورأت “ناشيونال إنترست” أن “ما تحتاج إليه الولايات المتحدة اليوم هو إعادة النظر بشكل كامل في الطريقة التي تخوض بها حروبَها وتنتصرُ فيها، ذلك أن الولايات المتحدة لم تتكيَّفْ بشكل جيد مع البيئة منذ نهاية الحرب الباردة، والواقع أن الطريقة التي تشتري بها الأسلحة والمعدات وتضع الخطط للحروب أصبحت عتيقة الطراز بكل بساطة، وفي كثير من الأحيان، فَــإنَّ الاعتبارات السياسية ورغبات شركات المقاولات الدفاعية المموّلة جيِّدًا والتي تسعى إلى تعزيز أرباحها (على حساب دافعي الضرائب) أصبحت هي التي تحدِّدُ هي المهمات”.

واعتبر التقريرُ أن ما وصفه بـ “هوس الولايات المتحدة بحاملات الطائرات واعتبارها أكثرَ من مُجَـرّد مِنصة أسلحة، بل رمزًا ثقافيًّا، يجعلها سلاحًا سيئًا لا يمكن الاعتماد عليه”.

وَأَضَـافَ أنه “بطريقة أَو بأُخرى، وبفضل ظهور الأسلحة الأسرع من الصوت والصواريخ المضادة للسفن، فَــإنَّ حاملات الطائرات الأمريكية لن تكونَ فعالة”.

ولا تعكسُ هذه التناولاتُ تحليلاتٍ استباقيةً لمستقبل صراعات الولايات المتحدة فحسب، بل تترجمُ بوضوحٍ الواقعَ الحاليَ والمعترَفَ به لفشل استراتيجيات الردع البحرية الأمريكية، وهو الفشل الذي ربما لم يكن قد ظهر بهذا الوضوح قبل معركة البحر الأحمر التي كسرت صورةً وهميةً اعتمدت عليها الولاياتُ المتحدةُ لعقود.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة حاملات الطائرات حاملة الطائرات البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

مركز عين الإنسانية يصدر إحصائية “3600 يوم” من “حرب التحالف” على اليمن

 

 

الجديد برس|

 

كشف مركز عين الإنسانية للحقوق والتنمية، الثلاثاء، عن إحصائية لجرائم التحالف السعودي الإماراتي خلال 3600 يوم من الحرب على اليمن.

 

 

وأفاد المركز في بيان، بمقتل 18,581 مدنيا وجرح 32,615 آخرين خلال 3600 يوم من الحرب السعودية على اليمن، فيما قتل 4,143 طفلا وأصيب 5,137 آخرين، بينما قتلت 2,495 امرأة وأصيبت3,071 أخريات.

 

وأضاف البيان أن التحالف استهدف 15 مطارا و16 ميناء و386 محطة ومولد كهرباء خلال 3600 يوم، كما استهدف 655 شبكة ومحطة اتصال و3,423 خزان ومحطة مياه و2,231 منشأة حكومية و8,382 طريقا وجسرا خلال 3600 يوم.

 

كذلك، استهدف التحالف 424 مصنعا و446 ناقلة وقود و12,822 منشأة تجارية، و 495 مزرعة دجاج ومواشي و11,099 وسائل نقل و529 قارب صيد، ونحو 1,053 مخزن أغذية و506 محطة وقود و714 سوقا و1,271 شاحنة غذاء قصفها التحالف خلال 3600 يوم.

 

وأوضح المركز أن التحالف استهدف نحو616,661 منزلا و186 منشأة جامعية و1,881 مسجدا و393 منشأة سياحية و429 مستشفى ومرفقا صحيا، وقصف 1,388 مدرسة ومرفقا تعليميا 13,361 حقلا زراعيا و146 منشأة رياضية و273 موقعا أثريا و66 منشأة إعلامية.

مقالات مشابهة

  • القوة الخفية التي هزمت “حميدتي”
  • مركز عين الإنسانية يصدر إحصائية “3600 يوم” من “حرب التحالف” على اليمن
  • رئيس الخارجية الأمريكي يرحب بخطوة بنما للخروج من خطة البنية التحتية الصينية باعتبارها “خطوة عظيمة إلى الأمام”
  • المغرب يتسلم الدفعة الأولى من المسيرات التركية “بيرقدار أكينجي”
  • الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.. “منظمة إجرامية” تحت غطاء إنساني
  • “مسام” ينتزع 732 لغمًا في اليمن خلال أسبوع
  • في لقاء مع السفير الأمريكي.. البركاني يطالب واشنطن تغيير طريقة تعاطيها مع قضية اليمن
  • الاستخبارات الخارجية الروسية: زيلينسكي أصبح العقبة الرئيسية أمام الولايات المتحدة والناتو
  • ترامب: كندا يجب أن تكون من الولايات الأمريكية وتحظى بحمايتنا العسكرية
  • حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول لأول مرة في المياه الإندونيسية