كشف قائد قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا) تأثيرات عميقة للحرب في السودان على مسار عمل القوة وعلى الاستقرار في المنطقة.

التغيير: وكالات

أثرت الحرب في السودان بشكل كبير على الاستقرار في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، حيث وصل آلاف الفارين إلى المنطقة هربا من الحرب المستمرة منذ أشهر.

كما تأثرت عمليات قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا) بشدة بسبب إغلاق المجال الجوي السوداني وصعوبة الحركة داخل السودان الذي يعتبر مركزا لوجستيا مهما للقوة الأممية، حيث اضطرت القوة إلى تغيير جميع طرق الإمداد، مما زاد التكاليف والتحديات اللوجستية.

للتعرف أكثر على تداعيات الحرب على منطقة أبيي وعمليات قوة يونيسفا، أجرينا حواراً مع اللواء بنيامين أولوفيمي سوير القائم بأعمال رئيس قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة في أبيي (يونيسفا) وقائدها العام.

* بدأنا الحوار مع اللواء سوير بسؤاله أولاً عن دور القوة في حماية المدنيين والاستجابة لتدفقات النازحين واللاجئين إلى منطقة أبيي فقال:

القوة الأمنية المؤقتة للأمم المتحدة في أبيي مكلفة بالاهتمام بقضايا صندوق أبيي كما نسميه. وفيما يتعلق بحماية المدنيين، فهي إحدى المهام الرئيسية الممنوحة للقوة. تتم هذه الحماية باتباع نهج يشمل القوة بكاملها، حيث تعمل الشرطة العسكرية والمكونات المدنية وكذلك الوكالات الإنسانية في تآزر لتوفير تلك الحماية.

يلعب المكون العسكري دورا مهما حيث يسير ما نسميه بـ دوريات الثقة والأمان في الأماكن التي تمثل فيها مسألة حماية المدنيين مصدر قلق كبير، لضمان عدم وجود مخاطر أمنية على الأشخاص داخل الصندوق. وهذه المهام يتم تكملتها بالأعمال التي يقوم بها موظفو الاتصال المجتمعي.

* كيف تدعم القوة الأممية الحوار بين المجتمعات. نحن نعلم أن أبيي بها العديد من القبائل القبلية المختلفة. لدينا المسيرية ولدينا الدينكا. هل لك أن تخبرنا عن ذلك؟

يعيش في صندوق أبيي الكثير من أصحاب المصلحة.

هناك المسيرية ودينكا نقوك والنوير وعناصر أخرى. هناك أيضا لاجئون من إريتريا.

لقد أنجزت القوة الكثير من المهام من خلال تعزيز الحوار بين المجموعات القبلية، خاصة بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك. والأهم هو مؤتمر السلام المشترك لقادة القبائل الذي عقدناه في أيار/ مايو 2022 في مدينة عنتيبي اليوغندية.

جمع هذا المؤتمر بين زعيمي القبيلتين، وقد تَمَكّنَا من التفاعل معا والانخراط لمدة يومين أو ثلاثة أيام تقريبا، وتَوصلا إلى نتيجة مفادها أن أفضل وسيلة للمضي قدما هي الاستمرار في الحوار وتعزيز السلام فيما بينهما.

ولكن الآن لدينا مشكلة رئيسية مرتبطة بالحركة الموسمية للماشية، ونحن ندرك أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الصراع.

لذلك قمنا بتنظيم مؤتمر سلام لبحث هذه المسألة، وبعد ذلك عقدنا ما نسميه مؤتمر المعبر وقد كان ناجحا.

يشمل مؤتمر المعبر الممرات المختلفة التي تتم عبرها هجرات الماشية. وحتى الآن، أعتقد أن المجتمعات قد اتفقت على أن السبيل الأفضل لمناقشة القضايا المتعلقة بالهجرات هو من خلال الحوار والجلوس معا. ولم تحدث أي حوادث سرقة ماشية بين المسيرية ودينكا نقوك حتى الآن هذا العام.

* كان للحرب في السودان تأثير مدمر على كل من السودان وجنوب السودان. هل يمكنك أن تشرح كيف أثرت هذه الحرب على عمل القوة الأمنية؟

من المؤسف أن تحدث هذه الأزمة في السودان، لأن السودان كان بالنسبة لنا المركز اللوجستي الرئيسي، حيث نحصل على الوقود وتدخل قواتنا ومعداتنا عبره. معظم الأشياء التي نستخدمها في القوة تأتي من السودان وحتى القوات يتم تناوبها عبر السودان. للأسف، توقف كل ذلك بسبب هذه الأزمة. فقد تم إغلاق المجال الجوي السوداني، وهناك صعوبة كبيرة في الحركة داخل السودان. لذلك يتعين علينا الآن استخدام جنوب السودان، وهو مسار أطول وأكثر تكلفة. لقد بدأنا في رؤية الكثير من النازحين يصلون إلى منطقة أبيي وهناك أيلاجئون وعائدون ووافدون جدد كما يسمونهم.

حتى الآن دخل إلى صندوق أبيي أكثر من 6 آلاف شخص. وهذا يشكل تحديا إنسانيا كبيرا للغاية.

في الجزء الشمالي من أبيي، كان هناك موظفون أمميون تابعون لبعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، وقد تم إجلاؤهم بعد اندلاع الحرب. ولكن للتخفيف من هذا التحدي، فنحن على تواصل مع منسقة الشؤون الإنسانية في السودان ونائبة رئيس بعثة يونيتامس.

اتخذت بعثة يونيتامس ترتيبات لإرسال أشخاص من بورتسودان للمجيء إلى أبيي بهدف معالجة هذه التحديات الإنسانية. الجهود جارية أيضا لضمان وصول مواد الإغاثة الإنسانية إلى الجزء الشمالي من أبيي.

أما فيما يتعلق بتوفير الأمن للعائدين والوافدين الجدد والنازحين واللاجئين، فلدينا الكتيبة الباكستانية المتواجدة في الجزء الشمالي من أبيي، وهي توفر الحراسة الأمنية لهم وترافق القادمين إلى داخل الصندوق.

* هل هناك أي قضايا أمنية ناجمة عن وصول هؤلاء العائدين الجدد من السودان إلى جنوب السودان؟

هناك مخاوف تتعلق بفرض جبايات عليهم كما يتعرضون أيضا للمضايقات، وقد تم إبلاغ القوة الأمنية المؤقتة بذلك ونحن نتعامل مع هذا الأمر.

نتحدث مع الوكالات الإنسانية كي تفتح مركز تجميع في الجزء الشمالي من أبيي. كما دعونا قادة قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك إلى التحدث مع أنصارهم وتقديم ضمانات بوقف التحرش وفرض الجبايات على القادمين. لقد تواصلنا أيضا مع حكومة السودان لإبلاغها بهذه التحديات التي يواجهها العائدون من قبيلة دينكا نقوك. وحتى الآن، أعتقد أن الحكمة تسود.

* لقد تحدثت عن كيف تمكنت القوة من تحقيق السلام بين المجتمعات المحلية. هل بإمكانك أن تحدثنا عن تواصل القوة مع النساء والشباب في أبيي؟

تدرك القوة أهمية المرأة والشباب في السلام والأمن. وكما تعلمون، فإن قرار مجلس الأمن رقم 1325 أكد بالفعل على أهمية مشاركة المرأة في عملية السلام.

لذا، فإن ما فعلته القوة الأمنية المؤقتة هو التأكد من أننا نتصدى للتقاليد والحواجز الثقافية التي تحول دون إشراك النساء في مبادرات السلام. لذلك لدينا مستشارات النوع الاجتماعي، ولدينا فرق التواصل المختلطة. لدينا أيضا الشرطيات. تعمل كل هذه الجسام معا للتأكد من وضع النساء في طليعة مفاوضات السلام، وجهود الوساطة وجميع المؤتمرات التي نعقدها.

كان لدينا تمثيل نسائي عندما ذهبنا إلى مؤتمر السلام المشترك الذي جمع القادة التقليديين في مدينة عنتيبي اليوغندية. كما قمنا بتسهيل حضور النساء والشباب لمؤتمر واو.

كما تأكدنا من أن يكون لهم تمثيل في كل المؤتمرات الأخرى بما فيها مؤتمر المعبر.

لذلك قمنا أيضا بتشجيع النساء على تكوين مجموعات ومنظمات، حتى نتواصل معهن طوال الوقت للتأكد من أنهن جزء لا يتجزأ من عملية السلام هذه.

من الأمور الأخرى التي فعلتها القوة هي التأكد من أن الدول المساهمة بقوات حفظ السلام تدمج النساء في القوات التي تأتي بها لأن حافظات السلام أفضل في التواصل مع النساء، وقد كان لهذا الأمر أثر إيجابي على مهام القوة الأمنية.

* أخيرا، هل بإمكانك أن تحدثنا عن بعض النجاحات التي حققتها القوة الأمنية والتحديات التي تواجهها الآن؟

أعتقد أن إعادة تشكيل القوة إلى قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات قد حققت الكثير من النجاحات. تمكنا من الاستفادة من الخبرة المكتسبة من تعدد الجنسيات لضمان أن يكون هناك سلام وهدوء داخل أبيي. وقد انخفض معدل الهجمات القبلية بشكل كبير. ولدينا الآن تواصل أفضل على كافة الأصعدة لأنه يتعين علينا التعامل مع البلدين المضيفين. علينا أن نتعامل على المستويات الإدارية المحلية. وعلينا أن ننخرط على المستوى المجتمعي التقليدي. عملت القوة الأمنية المؤقتة أيضا لضمان انخفاض ظواهر سرقة المواشي.

كما ضمنت يونيسفا تدفق الإمدادات الإنسانية والمساعدات إلى المجتمع. لدينا أيضا ما نسميه بأنشطة البرمجة المشتركة، والتي تهدف إلى تعزيز القواسم المشتركة بين الأشخاص المقيمين في أبيي. وقد حققت البرمجة المشتركة نجاحا. أود الإشارة أيضا إلى الجهود التي تبذلها القوة لضمان إشراك الشباب بنشاط في جهود السلام داخل صندوق أبيي.

* نقلاً عن مركز أخبار الأمم المتحدة

الوسومالأمم المتجدة السودان بورتسودان جنوب السودان حرب السودان منطقة أبيي يونيسفا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: السودان بورتسودان جنوب السودان حرب السودان الأمم المتحدة فی السودان الکثیر من

إقرأ أيضاً:

عبد السلام فاروق يكتب: عمار الشريعي.. قيثارة الموسيقى التي أنارت دنيا النغم

"لم يكن عمار الشريعي مجرد ملحن، بل كان شاعرًا يصوغ قصائده بالنوتات لا بالكلمات، وفيلسوفًا يترجم أسئلة الوجود إلى مقامات موسيقية، وثائرًا يحمل عصاه البيضاء ليهدم أسوار الظلام بنور الإبداع." هكذا يمكننا أن نبدأ حديثنا عن هذا العملاق الذي حول إعاقته إلى إضاءة، وجعل من قلبه عينًا تبصر ما لا تراه العيون.
في ذكرى رحيله، نستعيد سيرة الرجل الذي علمنا -كما تقول- أكثر مما تعلمنا في أعرق الجامعات، فهو لم يكن يقدم موسيقى للسمع فقط، بل كان يصنع "كلام الروح الذي لا يمكن للحكام أن يقبض عليه"، كما عبرت بتعبيرك الجميل. لقد كان عمار الشريعي مدرسة متكاملة في التحدي والإبداع، عيناه المحجوبتان عن النور لم تمنعاه من أن يكون "الغواص في بحر النغم" الذي أضاء بعمق فهمه وشفافية إحساسه عوالم كانت غائبة عنا.
طفل الصعيد 
ولد عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي في 16 أبريل 1948 بسمالوط بمحافظة المنيا، في أسرة ارستقراطية حيث كان جده لأبيه محمد الشريعي من أعيان سمالوط ونائبًا بالبرلمان في عهد الملك فؤاد، وجده لأمه مراد الشريعي من قادة ثورة 1919 . لكن هذه الامتيازات الاجتماعية لم تخفف من صعوبة مصيره كطفل كفيف في مجتمع كان ينظر إلى الإعاقة نظرة قاسية. يقولون إن "المولود بإعاقة يهمل في زوايا النسيان"، لكن والده -المتأثر بثقافته الأوروبية- قرر أن يلقنه "أعظم دروس الحياة: ألاّ يستسلم لسجن العمى" .
الطفل الذي حرم من رؤية العالم، وجد في أذنيه نافذته السحرية. كانت أمه -كما تروي المصادر- مولعة بالغناء والفلكلور، اعتادت أن تهدهده بالأغاني فيضحك ويبكي مع النغمات، وأورثته حبها لأغاني محمد عبد الوهاب . وهكذا فتحت له "خلف سور العتمة بابًا للخيال، وأغنته بالتصور عن الصور"، كما وصفتَ بدقة في كلماتك.
حاولت الأم أن تجعل منه "طه حسين الثاني"، فكلاهما من المنيا، لكن عمار كان له مساره المختلف. بينما درس طه الأدب العربي وأتقن الفرنسية، أتقن عمار الإنجليزية وتأثر بشكسبير، وسعى لدراسة مسرح إبسن . لقد رفض أن يكون نسخة من أحد، حتى لو كان عميد الأدب العربي نفسه، واختار أن يشق طريقه الخاص، طريق النغم الذي سيصبح فيه "طه حسين الموسيقى" كما أطلق عليه لاحقًا.
الثورة على القيود الاجتماعية
في أسابيعه الأولى بالجامعة، استغنى عمار عن "المرافق" الذي خصصته له الأسرة ومضى إلى الكلية وحده . هذه الخطوة كانت بداية تمرده على كل القيود التي حاول المجتمع فرضها عليه بسبب إعاقته. لكن التمرد الأكبر كان عندما قرر أن يعول نفسه بعزف الأكورديون في ملاهي شارع الهرم بدلاً من أن يطلب المال من أحد .
"جن جنون الأم: ابن الشريعي يعزف خلف الرقاصات؟" كما تذكر الروايات . لقد اصطدم حلم الأم في أن يكون ابنها أستاذًا جامعيًا مرموقًا بواقع اختياره لحياة الفن. وكانت النتيجة قطيعة استمرت خمس سنوات، عاش خلالها عمار بين راقصة وأخرى، يعزف أحيانًا على "عربات كارو" متحركة في الأعراس .
لكن القدر كان يخبئ له مفاجأة ساحرة. بينما كانت أمه في البنك ذات يوم، لاحظ الصراف لقبها وسألها إذا كانت قريبة لعمار الشريعي، فردت بتحفظ: "قرابة بسيطة، أنا أمه". فجأة تغيرت معاملة البنك بالكامل، واستقبلها المدير شخصيًا . في تلك اللحظة أدركت الأم أن ابنها لم يصبح مجرد عازف، بل تحول إلى ظاهرة موسيقية. وعندما اتصلت به كأنها تستأنف حديثًا انقطع بالأمس، ضاعف عمار زهوها بقوله: "الأستاذ عبد الوهاب كلمني من أسبوع" . لقد كانت شهادة اعتراف من الموسيقار الأكبر تعادل في نظرها "دكتوراه طه حسين من السوربون".
معجزة الموسيقى التصويرية
"كيف سيشعر بإحساس الممثلين والموقف الدرامي، وكيف يقيس شريط الصورة على شريط الصوت؟!" . هذا كان رد المخرجين عندما اقترح أحدهم أن يتولى عمار الشريعي الموسيقى التصويرية لفيلم "الشك يا حبيبي" لشادية. لقد اعتقدوا أن الكفيف لن يستطيع أن يفهم الصورة التي لا يراها. لكن شادية أصرت، وكانت النتيجة تحفة فنية أثبتت أن عمارًا كان يرى بعين القلب ما لا يراه الآخرون بأعينهم .
من هذه البداية، انطلق عمار ليصبح سيد الموسيقى التصويرية في مصر والعالم العربي، حيث قدم موسيقى أكثر من 50 فيلماً و150 مسلسلاً . لقد كان قادرًا على تحويل الصور إلى مشاعر، والمشاعر إلى نغمات. من أبرز أعماله التلفزيونية مسلسلات "الأيام"، "بابا عبده"، "رأفت الهجان"، "أرابيسك"، "الراية البيضا"، و"الشهد والدموع" . وفي السينما قدم موسيقى أفلام مثل "البريء"، "حب في الزنزانة"، "أرجوك أعطني هذا الدواء"، و"حليم" .
لكن الإنجاز الأكبر كان في اختراعه - مع الشاعر سيد حجاب والمطرب علي الحجار- لفن "التتر" التلفزيوني كما نعرفه اليوم. لم يعد مجرد موسيقى تصاحب كتابة فريق العمل، بل صار "طاقة مغناطيسية لاستقطاب الجمهور، وربما تكون أكثر بقاء من المسلسل نفسه" . لقد جعل من هذه الشارات قصائد موسيقية تختزل روح العمل الفني كله في دقائق معدودة.
فلسفة الكبرياء
"الصبر والكبرياء" كانا الدرسين اللذين تعلمهما عمار من والده الذي توفي وهو في السادسة عشرة . هذان المبدآن أصبحا فلسفة حياة للرجل الذي رفض أن يكون ضحية لإعاقته أو لظروف مجتمعه. لقد حول الظلام إلى مساحة خصبة للخيال، والصمت إلى عالم زاخر بالنغم.
"طه حسين" كان يرى بعين العقل، أما عمار الشريعي فكان يرى بأذن الروح. كلاهما امتلك "عبقرية شفاهية" وقدرة على "الهيمنة على المتلقي بعذوبة الحكي"، كما ورد في إحدى المقالات . لكن بينما التزم طه بالفصحى البسيطة، انحاز عمار إلى "عامية قريبة من الفصحى" في حديثه، وكان "بليغًا بحلاوة العبارة، وجمال التصور، والحس الساخر اللطيف" .
لم يكتف عمار بإتقان آلة واحدة، بل تعلم العزف على البيانو والأكورديون والعود والأورج . لقد كان "أكثر شجاعة من أن يبقى حبيس آلة واحدة"، كما كان رافضًا أن يكون حبيس العمى . وعندما افتتح استديو خاصًا به، كان قادرًا على أن يجلس على "المكسر" ويدير عشرات المفاتيح لتوليف النغمات ، محققًا بذلك معجزة تقنية لم يتصورها الكثيرون لشخص كفيف.
مدرسة المواهب 
لم يكن عمار الشريعي يكتفي بالإبداع الفردي، بل كان دائم السعي لاكتشاف المواهب الجديدة ورعايتها. في عام 1980 كوّن فرقة "الأصدقاء" التي ضمت منى عبد الغني وحنان وعلاء عبد الخالق . كما اهتم بأغاني الأطفال، حيث قدم أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عامًا متتالية ، مشاركًا في ذلك نجومًا مثل عبد المنعم مدبولي ونيللي وصفاء أبو السعود ولبلبة .
من بين المواهب التي اكتشفها أو رعاها: منى عبد الغني، حنان، علاء عبد الخالق، هدى عمار، حسن فؤاد، ريهام عبد الحكيم، مي فاروق، أجفان الأمير، آمال ماهر، أحمد علي الحجار، وسماح سيد الملاح . لقد كان يؤمن بأن الفن رسالة جماعية، وأن العطاء لا يكتمل إلا عندما يساعد المبدع في إبراز مواهب الآخرين.
على المستوى الأكاديمي، تم تعيينه أستاذًا غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية عام 1995 . كما أصبحت أعماله موضوعًا لرسائل علمية عديدة، حيث تناولت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر أعماله، بالإضافة إلى رسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا .
جوائز وتكريم
حصل عمار الشريعي على العديد من الجوائز المحلية والدولية التي كرست مكانته كأحد عمالقة الموسيقى العربية، منها:
- جائزة مهرجان فالنسيا بإسبانيا عام 1986 عن موسيقى فيلم "البريء" 
- وسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان عام 1992 
- جائزة الحصان الذهبي لأحسن ملحن في الشرق الأوسط لسبعة عشر عامًا متتالية 
- جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2005

نغم لا يموت
في ليلة زفافه على الإعلامية ميرفت القفاص، ترك عمار "الكوشة" ليعزف كما تروي زوجته . هذه الحكاية تلخص شخصية الرجل الذي جعل من الفن زواجه الحقيقي، ومن الموسيقى بيته الدائم. لقد كان -كما وصفتَه بدقة- "قمر الظلام" الذي أضاء لنا دروب الحنين، و"صديق الرحلة" التي عشناها مع تترات مسلسلاته الخالدة.
عندما توفي في 7 ديسمبر 2012 عن 64 عامًا بسبب قصور القلب ، لم يكن يرحل مجرد ملحن، بل كان يترك وراءه إرثًا إنسانيًا وفنيًا يثبت أن الإعاقة ليست في العينين، بل في الروح التي ترفض أن ترى الجمال. لقد علمنا عمار الشريعي أن "الظلام يمكن أن يكون أرضًا خصبة لأجمل الألحان"، وأن "اليد التي لا ترى قادرة على صنع ما يعجز عنه البصر".
اليوم، كلما سمعنا موسيقى "الأيام" أو "رأفت الهجان" أو أي من أعماله الخالدة، ندرك أن عمار لم يرحل حقًا، فهو حاضر في كل نغمة تذكرنا بأن الفن الحقيقي هو ذلك القادر على تحويل الظلام إلى نور، والصمت إلى أغنية، واليأس إلى أمل.

مقالات مشابهة

  • أكاديمية الشرطة تواصل تنظيم الدورات التدريبية للكوادر الأمنية بالتنسيق مع الصليب الأحمر
  • بالتعاون مع الصليب الاحمر.. أكاديمية الشرطة تنظم دورة تدريبية للكوادر الأمنية| صور
  • الداخلية تضبط قائد سيارة نقل دهس عامل في السلام
  • أسعار البيض تحلّق في أوروبا... من هي الدولة التي تدفع أكثر من غيرها؟
  • موسى هلال يفجر مفاجأة بشأن جنسية آل دقلو
  • يجب منح الجهاز صلاحيات جديدة تتناسب مع حالة الحرب وتتلاءم مع طبيعة المهددات الأمنية التي تهدد السودان
  • عبد السلام فاروق يكتب: عمار الشريعي.. قيثارة الموسيقى التي أنارت دنيا النغم
  • خدمية شركة كهرباء السودان تصدر بياناً توضيحياً حول حالة الإمداد الكهربائي
  • ‏رئيس الحكومة اللبنانية يدعو الأجهزة الأمنية لمواصلة جهودها لإحباط المخططات المشبوهة التي تسعى لتوريط لبنان بالمزيد من الحروب
  • شركة كهرباء السودان تصدر بياناً توضيحياً حول حالة الإمداد الكهربائي