لم تهدأ بعد الأوضاع فى أوروبا ولن تهدأ كما هو متوقع، ليس فقط بسبب التغيرات العاصفة أوروبياً، وإنما لأن الصراع ما بين اليمين، وهو الأصل فيما يجرى، وتصاعد مد اليسار فى اتجاهات محددة وفى دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، قد يمثل تحدياً للمعطيات الراسخة فى أوروبا التى ترتبط بصورة أو بأخرى بما يجرى فى أتون نظام دولى يعاد تشكيله على قدم وساق ومرتبط بالصراع بين الولايات المتحدة من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر.

ولعل ما طُرح من حلف الناتو مؤخراً يشير إلى أننا أمام تطورات مفصلية فى اتجاه الدول الأوروبية للدفاع عن أمنها والعمل وفق معادلة صعبة تتشكل على أساس النفقة والتكلفة والعائد مع التوقع بأن أوروبا باتت تقر بوضع غربى جديد يعمل فى اتجاه الحفاظ على الثوابت الرئيسية التى تحمى أوروبا من احتمالات التغيير القادم فى إطار علاقات الغرب، والولايات المتحدة حال أى تغيير متوقع ومحتمل فى الانتخابات الأمريكية المقبلة، والتى ستحدد البوصلة فى اتجاهات محددة.

ولعل الشرق الأوسط ومشاكله المزمنة سيتأثر بما يجرى من ارتدادات حقيقية فى ظل القادم من سيناريوهات متعلقة بما يمكن أن يُطرح من حلول جزئية مرحلية وليست شاملة، كما هو متوقع، خاصة أن النظام الجديد الذى يتشكل فى النطاقات الإقليمية والدولية يعمل فى بيئة مغايرة لما كان يجرى من تحولات عميقة فى بنية النظام الدولى الراهن.

ثم إن الشرق الأوسط جزء من هذه البنية الدولية التى سيجرى فيها التغيير المحتمل، خاصة بالنسبة للملف الفلسطينى وإن كانت البدايات ستكون مرتبطة بالفعل بالنظر فى مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار وبدء إعمار القطاع.

وإن كان هذا الأمر سيتم ولسنوات طويلة، حيث لا يوجد حل حقيقي فى القضية الفلسطينية بأكملها فى ظل تكريس سياسة الفصل ما بين القطاع والضفة الغربية، وانتظار التغيير من داخل السلطة، واليوم التالي فى قيادة السلطة الفلسطينية، والتي ستتحكم فى كثير من المتغيرات المقبلة فى الإقليم، ولا تتوقف على غزة أو الضفة فى ظل دور رئيسي للولايات المتحدة وللدول الأوروبية المانحة.

كما أن البحث عن حل فى ظل الارتدادات الأوروبية على إقليم الشرق الأوسط سيحتاج إلى تحديد الأولويات الرئيسية للدول الأوروبية الكبيرة، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، فى ظل إقليم أوروبي يتشكل على قاعدة جديدة فى نطاق الناتو بل وخارجه، والتخوف الحقيقي من تحركات مختلفة على أسس وقواعد متباينة للجانب الروسي، الذى يسعى للخروج من دائرة العقوبات.

وتحديد إطار العمل فى أوكرانيا بعد أن استمرت المواجهات حتى الآن وإن كانت الدول الغربية تعايشت مع الحرب الجارية والرهان على أنها ستستمر لسنوات أخرى، وفى ظل انتظار خيارات أخرى على المستوى الأوروبي بل والروسي الصيني مع التوقع باحتمالات التوصل لحلول جزئية فى مسار ما يجرى من اتجاهات متوقعة ممتدة ربما لن تكون مطروحة فى الوقت الراهن.

خاصة أن القضايا العربية الإقليمية والدولية متعددة وتمتد من الملف الليبى الذى بات شأناً دولياً والملف السودانى الذى ما زال مطروحاً على سيناريوهات التقسيم، وبقاء المواجهات فى المديين المتوسط والطويل الأجل، ما قد يفتح الباب أمام تغيير متوقع فى الجنوب.

وفى امتدادات دول حوض النيل والقرن الأفريقى، إضافة لجنوب الساحل والصحراء بالنسبة للامتدادات الإقليمية للملف الليبى فى الجنوب إلى تشاد والنيجر، وصولاً إلى القرن الأفريقى ومناطق التماس والتى ستجعل الارتباطات الهيكلية قائمة ما بين التحرك الأوروبى الجديد والنشط للبحث عن أمن أوروبا أولاً والعمل على تحييد المخاطر الكبرى التى قد تدفع بالتأثير فى القضايا التى تمس أمن أوروبا مثلما يُطرح فى النطاق الليبى على سبيل المثال.

وإعادة تدوير إشكالية الهجرة غير المشروعة والاستراتيجيات المطروحة لمواجهة الأزمات الأوروبية من خلال شراكة ممتدة وفعالة، حيث تدرك الدول الأوروبية أن الشرق الأوسط وقضاياه يأتى فى سياق من الأولويات التى يجب العمل من خلالها، أو البحث عن حلول أياً كان توصيفها.

إضافة إلى الانتقال تدريجياً لتحييد المخاطر الكبرى التى تدق أبواب العواصم الأوروبية بصرف النظر عن التحولات السياسية أو الجيوسياسية التى تجرى وعبّر عنها ما جرى فى عدد كبير من الدول الأوروبية.

وكان ذلك متوقعاً منذ سنوات، ما يؤكد على أن الدول الأوروبية ستشهد مزيداً من التحولات فى بنية مؤسساتها، وأنماط سياستها، سواء فى إطار علاقاتها بالدول العربية والإقليمية من جانب، أو فى إطار ما هو قادم من سيناريوهات مستجدة فى إطار علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، حيث تحاول الدول الأوروبية لعب دور توازنى فيما يجرى بين الصين والولايات المتحدة فى إطار السياسات الاقتصادية.

وتقود ألمانيا -على سبيل المثال- هذا الأمر فى ظل مناخ ما زال يتسم بالكثير من التغيرات الحقيقية التى ستلقى بتداعياتها على الشرق الأوسط وقضاياه، وسيمتد إلى المصالح المشتركة فى الممرات العربية، حيث لا تزال المخاطر قائمة من ممارسات الفواعل من غير الدول.

ولا تزال خطوط الغاز والنقل والتجارة الدولية مهددة، إضافة للمشكلات السياسية التى تعايش معها العالم بصورة واضحة، ولم تعد هناك حلول جذرية فى ظل مناخ دولى متعدد التوجهات وصراع متعدد الأقطاب إلى حين يستقر إطار ومنظومة النظام الدولى، وربما سيأخذ هذا الأمر مزيداً من الوقت، وقد لا يتوقف عند التغيير القادم فى الولايات المتحدة عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة.

يمكن التأكيد إذاً على أن الارتدادات الجارية فى بنية النظام الدولى عامة والأوروبى على وجه الخصوص ستؤثر على النظر فى التعامل مع الملفات العربية المفتوحة على مصراعيها والتى تحتاج إلى معالجة حقيقية ناجزة، وليس فقط إدارتها بمنهاج جزئى، أو مرحلى، وفى ظل استمرار التحالفات العربية الدولية على ما هى عليه، وعدم وجود ما يشير، ولو بصورة أولية، لفرص التغيير ولو المبدئية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأحزاب اليمينية الاتحاد الأوروبى الأزمات العالمية الهجرة غير الشرعية الدول الأوروبیة الشرق الأوسط ما یجرى فى إطار

إقرأ أيضاً:

مشاركة تركية أوروبية في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة

يعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب دورته الجديدة 162 بالقاهرة، الثلاثاء، برئاسة اليمن.

ويشارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في الاجتماع حيث من المنتظر أن يلقي كلمة حول تطورات الأوضاع في غزة إلى جانب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل الذي سيلقي كلمة أمام الاجتماع أيضاً عن جهود الوساطة من أجل وقف الحرب، وكذلك دور الاتحاد الأوروبي في تخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع، والوضع الإنساني الكارثي.

استقبل السفير @khaledManzlawiy الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية السفير/ عبد العزيز المطر،مندوب #المملكة_العربية_السعودية والسفير/ محمد عرفي،مندوب #جمهورية_مصر_العربية،على هامش اجتماعات مجلس الجامعة العربية،للتباحث والتوافق حول الموضوعات المطروحة على جدول أعمال المجلس. pic.twitter.com/riWJn68o2c

— جامعة الدول العربية (@arableague_gs) September 9, 2024

وأعلنت المملكة العربية السعودية مشاركة وزير خارجيتها في الاجتماع كما يشارك وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للمرة الأولى منذ توليه منصب وزير الخارجية.

وتتصدر القضية الفلسطينية أجندة مجلس جامعة الدول العربية، والصراع العربي الإسرائيلي ومتابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية، والانتهاكات الإسرائيلية في مدينة القدس والضفة العربية، وكذلك بند الشؤون العربية والأمن القومي العربي ومتابعة الأوضاع في لبنان واليمن وليبيا والصومال والسودان، وكذلك التعاون العربي الدولي.

مقالات مشابهة

  • طارق فهمي: وقف إطلاق النار في غزة يؤدي إلى تهدئة مؤقتة بالمنطقة
  • د.حماد عبدالله يكتب: حضارة الأغنياء فى مصر القديمة !!
  • حنظلة فى أوروبا
  • مشاركة تركية أوروبية في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة
  • علاقة أحمد فهمي وهنا الزاهد تعود إلى الواجهة.. والسبب فيلم
  • د. فكري فؤاد يكتب: بناء المهارات الرقمية
  • معمل المستحضرات الحيوية البيطرية يشارك في مؤتمر الجمعية العالمية البيطرية للدواجن
  • خالد ناجح يكتب: كلام مصري
  • د.حماد عبدالله يكتب: نعيش حالة من "العبث" !!
  • طارق فهمي: وعد ترامب على بقاء إسرائيل في فلسطين ليست مغازلة فقط