د. طارق فهمي يكتب: تغييرات أوروبية عاصفة وارتداداتها المتوقعة
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
لم تهدأ بعد الأوضاع فى أوروبا ولن تهدأ كما هو متوقع، ليس فقط بسبب التغيرات العاصفة أوروبياً، وإنما لأن الصراع ما بين اليمين، وهو الأصل فيما يجرى، وتصاعد مد اليسار فى اتجاهات محددة وفى دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، قد يمثل تحدياً للمعطيات الراسخة فى أوروبا التى ترتبط بصورة أو بأخرى بما يجرى فى أتون نظام دولى يعاد تشكيله على قدم وساق ومرتبط بالصراع بين الولايات المتحدة من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر.
ولعل ما طُرح من حلف الناتو مؤخراً يشير إلى أننا أمام تطورات مفصلية فى اتجاه الدول الأوروبية للدفاع عن أمنها والعمل وفق معادلة صعبة تتشكل على أساس النفقة والتكلفة والعائد مع التوقع بأن أوروبا باتت تقر بوضع غربى جديد يعمل فى اتجاه الحفاظ على الثوابت الرئيسية التى تحمى أوروبا من احتمالات التغيير القادم فى إطار علاقات الغرب، والولايات المتحدة حال أى تغيير متوقع ومحتمل فى الانتخابات الأمريكية المقبلة، والتى ستحدد البوصلة فى اتجاهات محددة.
ولعل الشرق الأوسط ومشاكله المزمنة سيتأثر بما يجرى من ارتدادات حقيقية فى ظل القادم من سيناريوهات متعلقة بما يمكن أن يُطرح من حلول جزئية مرحلية وليست شاملة، كما هو متوقع، خاصة أن النظام الجديد الذى يتشكل فى النطاقات الإقليمية والدولية يعمل فى بيئة مغايرة لما كان يجرى من تحولات عميقة فى بنية النظام الدولى الراهن.
ثم إن الشرق الأوسط جزء من هذه البنية الدولية التى سيجرى فيها التغيير المحتمل، خاصة بالنسبة للملف الفلسطينى وإن كانت البدايات ستكون مرتبطة بالفعل بالنظر فى مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار وبدء إعمار القطاع.
وإن كان هذا الأمر سيتم ولسنوات طويلة، حيث لا يوجد حل حقيقي فى القضية الفلسطينية بأكملها فى ظل تكريس سياسة الفصل ما بين القطاع والضفة الغربية، وانتظار التغيير من داخل السلطة، واليوم التالي فى قيادة السلطة الفلسطينية، والتي ستتحكم فى كثير من المتغيرات المقبلة فى الإقليم، ولا تتوقف على غزة أو الضفة فى ظل دور رئيسي للولايات المتحدة وللدول الأوروبية المانحة.
كما أن البحث عن حل فى ظل الارتدادات الأوروبية على إقليم الشرق الأوسط سيحتاج إلى تحديد الأولويات الرئيسية للدول الأوروبية الكبيرة، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، فى ظل إقليم أوروبي يتشكل على قاعدة جديدة فى نطاق الناتو بل وخارجه، والتخوف الحقيقي من تحركات مختلفة على أسس وقواعد متباينة للجانب الروسي، الذى يسعى للخروج من دائرة العقوبات.
وتحديد إطار العمل فى أوكرانيا بعد أن استمرت المواجهات حتى الآن وإن كانت الدول الغربية تعايشت مع الحرب الجارية والرهان على أنها ستستمر لسنوات أخرى، وفى ظل انتظار خيارات أخرى على المستوى الأوروبي بل والروسي الصيني مع التوقع باحتمالات التوصل لحلول جزئية فى مسار ما يجرى من اتجاهات متوقعة ممتدة ربما لن تكون مطروحة فى الوقت الراهن.
خاصة أن القضايا العربية الإقليمية والدولية متعددة وتمتد من الملف الليبى الذى بات شأناً دولياً والملف السودانى الذى ما زال مطروحاً على سيناريوهات التقسيم، وبقاء المواجهات فى المديين المتوسط والطويل الأجل، ما قد يفتح الباب أمام تغيير متوقع فى الجنوب.
وفى امتدادات دول حوض النيل والقرن الأفريقى، إضافة لجنوب الساحل والصحراء بالنسبة للامتدادات الإقليمية للملف الليبى فى الجنوب إلى تشاد والنيجر، وصولاً إلى القرن الأفريقى ومناطق التماس والتى ستجعل الارتباطات الهيكلية قائمة ما بين التحرك الأوروبى الجديد والنشط للبحث عن أمن أوروبا أولاً والعمل على تحييد المخاطر الكبرى التى قد تدفع بالتأثير فى القضايا التى تمس أمن أوروبا مثلما يُطرح فى النطاق الليبى على سبيل المثال.
وإعادة تدوير إشكالية الهجرة غير المشروعة والاستراتيجيات المطروحة لمواجهة الأزمات الأوروبية من خلال شراكة ممتدة وفعالة، حيث تدرك الدول الأوروبية أن الشرق الأوسط وقضاياه يأتى فى سياق من الأولويات التى يجب العمل من خلالها، أو البحث عن حلول أياً كان توصيفها.
إضافة إلى الانتقال تدريجياً لتحييد المخاطر الكبرى التى تدق أبواب العواصم الأوروبية بصرف النظر عن التحولات السياسية أو الجيوسياسية التى تجرى وعبّر عنها ما جرى فى عدد كبير من الدول الأوروبية.
وكان ذلك متوقعاً منذ سنوات، ما يؤكد على أن الدول الأوروبية ستشهد مزيداً من التحولات فى بنية مؤسساتها، وأنماط سياستها، سواء فى إطار علاقاتها بالدول العربية والإقليمية من جانب، أو فى إطار ما هو قادم من سيناريوهات مستجدة فى إطار علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا والصين، حيث تحاول الدول الأوروبية لعب دور توازنى فيما يجرى بين الصين والولايات المتحدة فى إطار السياسات الاقتصادية.
وتقود ألمانيا -على سبيل المثال- هذا الأمر فى ظل مناخ ما زال يتسم بالكثير من التغيرات الحقيقية التى ستلقى بتداعياتها على الشرق الأوسط وقضاياه، وسيمتد إلى المصالح المشتركة فى الممرات العربية، حيث لا تزال المخاطر قائمة من ممارسات الفواعل من غير الدول.
ولا تزال خطوط الغاز والنقل والتجارة الدولية مهددة، إضافة للمشكلات السياسية التى تعايش معها العالم بصورة واضحة، ولم تعد هناك حلول جذرية فى ظل مناخ دولى متعدد التوجهات وصراع متعدد الأقطاب إلى حين يستقر إطار ومنظومة النظام الدولى، وربما سيأخذ هذا الأمر مزيداً من الوقت، وقد لا يتوقف عند التغيير القادم فى الولايات المتحدة عقب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يمكن التأكيد إذاً على أن الارتدادات الجارية فى بنية النظام الدولى عامة والأوروبى على وجه الخصوص ستؤثر على النظر فى التعامل مع الملفات العربية المفتوحة على مصراعيها والتى تحتاج إلى معالجة حقيقية ناجزة، وليس فقط إدارتها بمنهاج جزئى، أو مرحلى، وفى ظل استمرار التحالفات العربية الدولية على ما هى عليه، وعدم وجود ما يشير، ولو بصورة أولية، لفرص التغيير ولو المبدئية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحزاب اليمينية الاتحاد الأوروبى الأزمات العالمية الهجرة غير الشرعية الدول الأوروبیة الشرق الأوسط ما یجرى فى إطار
إقرأ أيضاً:
سان مارينو المنتخب الأسوأ عالميا يكتب التاريخ في دوري الأمم الأوروبية
يعيش منتخب سان مارينو المغمور كرويا أجمل فترة في تاريخه، وذلك بعد نجاحه في الارتقاء إلى المستوى الثالث من النسخة المقبلة من بطولة دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم.
وصعد سان مارينو إلى المستوى الثالث بعد تصدّره منتخبات المجموعة الأولى من المستوى الرابع برصيد 7 نقاط على حساب نظيريه جبل طارق (6) وليشتنشتاين (2)، وهو إنجاز وصفته صحيفة "ماركا" الإسبانية بأنه "معجزة" بالنسبة لأسوأ فريق في العالم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هداف العالم ومطمع كبار أوروبا.. السويدي جيوكيريس يخطف الأضواءlist 2 of 2لاعبة برشلونة السابقة تخسر جوائزها بسبب فيضان فالنسياend of listCampioni ????????
The celebrations in the San Marino dressing room after they won promotion to League C ????#NationsLeague pic.twitter.com/FdgbLGv7gJ
— UEFA EURO 2024 (@EURO2024) November 19, 2024
ويقبع منتخب سان مارينو في المركز الأخير (210) في التصنيف الأخير الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذا ما يفسّر وصف الصحيفة الإسبانية التي أضافت "كتب الفريق واحدة من قصص النجاح الأكثر شهرة في العالم، المعجزة المزدوجة لسان مارينو أصبحت ظاهرة رياضية واجتماعية".
وعند البحث في التاريخ الكروي لمنتخب سان مارينو الذي بدأ عام 1990، نجد أن الفريق لم يحقق الانتصار في مباراة رسمية إلا مرة واحدة، وكان ذلك ضد ليشتنشتاين في مباراة ودية عام 2004.
لكن كل شيء تغيّر منذ 5 سبتمبر/أيلول 2024 والذي شهد أول فوز رسمي لسان مارينو وكان على حساب ليشتنشتاين بالذات (1-0)، وذلك في الجولة الأولى من المستوى الرابع لدوري الأمم الأوروبية 2024-2025.
ذلك الانتصار كسر سلسلة طويلة من النتائج السلبية لمنتخب سان مارينو بلغت 140 مباراة متتالية و20 عاما دون أي فوز، بعدها خسر أمام جبل طارق (1-0) بالجولة الثانية ثم تعادل مع المنتخب ذاته (1-1)، وعليه أصبح سان مارينو الذي يدربه روبرتو سيفولي مرشحا لكتابة التاريخ والصعود إلى المستوى الثالث.
وفي المباراة الأخيرة على أرض ليشتنشتاين صنع رجال سيفولي المعجزة حين تأخروا بالنتيجة 0-1 في الشوط الأول قبل الانتفاضة في الشوط الثاني وتسجيل 3 أهداف.
وهو أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ سان مارينو أيضا، ليكون ذلك الفوز الثاني في مباراة رسمية في تاريخ المنتخب والأول له خارج الديار، والثالث في المجموع ما بين وديّ ورسمي.
FINAL DEL PARTIDO
???????? LIECHTENSTEIN 1-3 SAN MARINO ????????
LOS MUCHACHOS HAN JUGADO EL PARTIDO DE SU VIDA, GOLEAMOS EN EL CLÁSICO, GANAMOS POR PRIMERA VEZ EN LA HISTORIA DE VISITANTE Y ASCENDIMOS A LA LIGA C DE LA NATIONS LEAGUE ????
GRACIAS TOTALES, TE AMO SAN MARINO ???????? pic.twitter.com/g4FtVFsYmZ
— San Marino Fútbol ???????? (@SanMarinoTeam) November 18, 2024
واعتُبر منتخب سان مارينو لسنوات مطمعا للفرق التي تعاني من أزمة نتائج، فأي منتخب يريد استعادة ثقته يواجه هذا الفريق، وفق "ماركا".
ورغم ذلك يُوصف أنصار الفريق بأنهم من أكثر جماهير كرة القدم وفاء لمنتخبها واعتبارهم "مشجعين حقيقيين" لأنهم يعلمون علم اليقين بأن منتخبهم سيخسر المباراة لا محالة، وربما بنتائج عريضة، لكنهم يصرّون على الوجود على المدرجات في جميع الأوقات، مع الأخذ في الاعتبار أيضا أنهم يشجعون "الفريق الأسوأ في العالم" وفق تصنيف الفيفا.
San Marino come from behind to beat Liechtenstein and it means the world to them ????????
It's only their third-ever win and it's delivered a change in UEFA Nations League group ????
Watch ???? https://t.co/asxYN8w5Ek#NationsLeague #UNL pic.twitter.com/7Ocx5cj2HY
— Optus Sport (@OptusSport) November 18, 2024
وتُعد سان مارينو من أصغر الدول في العالم، حيث تبلغ مساحتها 61.2 كيلومترا مربعا، في حين يبلغ عدد سكانها 33 ألف نسمة فقط، ويعتمد اقتصادها على السياحة ويزورها 3 ملايين سائح سنويا، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".