العلاقات الأوروبية الشرق الأوسطية.. المصالح الاقتصادية والسياسية صاحبة «اليد العليا»
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
أكد عدد من الخبراء والدبلوماسيين أن تيار اليمين المتطرف استطاع اكتساب شعبية كبيرة فى العديد من الدول الأوروبية، مستغلاً الأحداث التى أثرت عليها، ومنها قضية المهاجرين والضرائب، موضحين أن هذه التيارات قد يكون لها تأثير على المواطنين، لكنها لن تغير من السياسة الخارجية للدول لارتباطها بالمصالح المشتركة.
وأضافوا، خلال حديثهم لـ«الوطن»، أن صعود اليمين المتطرف إلى السلطة قد يؤثر على قضايا الشرق الأوسط، وبالأخص القضية الفلسطينية والأحداث الأخيرة فى قطاع غزة، موضحين أن هذا لا يمنع أن كثيراً من هذه الدول غيرت سياستها تجاه القضية.
وكشف السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الحديث عن التأثير الكبير الذى سيحدثه صعود أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا فى وسائل الإعلام هو من باب المبالغات، مؤكداً أنه سيحدث بعض التغيير مثل التضييق على المهاجرين، ولكن فى النهاية المصالح الاقتصادية هى التى تسيطر على العلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط التى تعد وطيدة وحتمية.
وأضاف أن أحزاب اليمين قد تتحدث إعلامياً بخطاب يدغدغ المشاعر للناخب الأوروبى حول المهاجرين والضرائب والقوانين، لكن العلاقات السياسية ستفرض عليهم الحفاظ على العلاقات والمشروعات الاقتصادية القائمة.
وأكد «حجازى» عمق العلاقات بين أوروبا والشرق الأوسط ومصر فى الفترة الأخيرة، لأسباب تجارية وسياسية وأمنية وصناعية وثقافية، مبيناً أن رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى الثاقبة لعبت دوراً مهماً فى توطيد العلاقات بين مصر وأوروبا، التى بدأت بتوجه استراتيجى فى عام 2004، ثم انتعشت بعد عام 2014، وتوجت بشراكة واسعة النطاق فى يونيو الماضى.
وأضاف أن العلاقات المصرية - الأوروبية قائمة على الشراكة الاقتصادية والتجارية، وقد ظهر ذلك جلياً فى الاتفاق الذى جرى فى مارس الماضى بين رئيس بعثة الاتحاد الأوروبى فى مصر، كريستيان برجر، والحكومة المصرية، ثم ترفيع العلاقات بمؤتمر الشراكة الاقتصادية نهاية يونيو الماضى بتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مؤتمر موسع على مدار يومين، بحضور ممثلين عن أبرز الكيانات الأوروبية، مثل بنك الاستثمار الأوروبى، والمفوضية الأوروبية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية.
وأوضح «حجازى» أن الشركات الأوروبية سعت لتوسيع استثماراتها من أجل تحقيق مكاسب كبرى فى السوق المصرية، إذ بلغ حجم تعاملاتها 75 مليار دولار، مؤكداً أن مصر شريك مسئول ذو مصداقية، وأوروبا مبيتة النية لترسيخ العلاقات.
وتابع: «ظهر هذا التعاون فى عام 2015 أثناء كلمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء زيارته التاريخية لبرلين، وحينها أعلنت شركة سيمنز الألمانية توقيع شراكة مع مصر باستثمارات قدرها 8 مليارات يورو، وهى أكبر صفقة استثمار فى تاريخ الشركة الألمانية، وقالت حينها «ميركل» إن أمن مصر من أمن قارة أوروبا، فى إشارة إلى قضية المهاجرين».
«الإسلامبولى»: الأحزاب اليمينية ستسعى لتحسين علاقاتها بالشرق الأوسط لمنع الهجرة غير الشرعيةمن جانبها، قالت السفيرة هاجر الإسلامبولى، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية، إن صعود الأحزاب اليمينية المتشددة فى أوروبا سيؤثر بشكل قوى على قضايا الشرق الأوسط، وبالأخص الصراع «الإسرائيلى - الفلسطينى»، خاصة أن الجانب الأكبر من هذا التيار يدعم دولة الاحتلال منذ بدايتها، مضيفة: «إلا أن هذا لا يمنع أن هناك تغيرات كبيرة فى سياسة بعض الدول الأوروبية، لا سيما التى أعلنت خلال الفترة الماضية اعترافها بالدولة الفلسطينية، وأدانت الجرائم والإبادة الجماعية التى ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلى بحق المدنيين العزل فى غزة».
وعن طبيعة العلاقة الدبلوماسية التى قد تكون عليها هذه الأحزاب مع دول الشرق الأوسط، أكدت أن الأحزاب الأوروبية، على اختلاف توجهاتها، ستسعى إلى تحسين العلاقات مع دول المنطقة وبالأخص مصر والمغرب العربى وشمال أفريقيا، باعتبار أن هذه الدول هى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ودعمها سيكون له دور قوى فى منع الهجرة غير النظامية، والحد من عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبى، وأوضحت أن أحزاب اليمين ستتبع نهجاً جديداً لتقديم المساعدات والاستثمارات لدول شمال أفريقيا، فى مقابل مشاركة هذه الدول فى العمل على الحد من الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبى.
«بدر الدين»: سياستهم لن تتحدد إلا بعد الوصول إلى السلطةوقال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، إن الفترة الأخيرة شهدت ثقة شعبية متزايدة فى الأحزاب التى تنتمى للتيار اليمينى المتشدد، وهو ما أدى إلى صعود أحزاب اليمين فى العديد من الدول الأوروبية، ومنها فرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وأوضح: «هذه التيارات تنقسم إلى اتجاهين، فهناك دول صعد فيها التيار اليمينى بمفرده إلى السلطة، وهذا النوع يكون ذا تأثير كبير على القرارات السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط، وبالأخص الحرب على قطاع غزة، بينما الاتجاه الثانى هو صعود هذه الأحزاب من خلال تحالف مع عدد من التيارات الأخرى، وذلك ينتج عنه نفوذ أقل فى القرارات».
وأشار إلى أن تزايد الثقة فى التيار اليمينى بأوروبا امتد تأثيره إلى الولايات المتحدة، فالمرشح الجمهورى دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية يتبنى برنامجاً انتخابياً ذا طبيعة يمينية، ويتضمن منع الهجرة، واتخاذ بعض الإجراءات ضد المهاجرين، وهى نفس الأفكار التى تتبناها هذه الأحزاب فى القارة العجوز.
وأضاف أن سياسات الأحزاب اليمينية تجاه القضايا المختلفة، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لن تظهر بشكل واضح إلا بعد الوصول إلى السلطة، لأنه خلال فترة الانتخابات يسعى اليمينيون إلى استقطاب الأقليات، ومنهم المهاجرون الذين اكتسبوا صفة المواطنة، لافتاً إلى أن سياسات اليمين تؤثر على العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وتهدئة مناطق الصراع.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحزاب اليمينية الاتحاد الأوروبى الأزمات العالمية الهجرة غير الشرعية الشرق الأوسط أحزاب الیمین إلى السلطة
إقرأ أيضاً:
“الشرق الأوسط الجديد”: لا شيء يـبقى لا أرض تُـستثنى
يمانيون../
يعتبر مشروع “الشرق الأوسط الجديد” أحد أبرز التوجهات الاستراتيجية التي يسعى إليها العدوُ الإسرائيلي بدعم وشراكة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف الصهيونية العالمية ضمن مخططاتها في المنطقة العربية، يهدف هذا المشروع إلى توسيع نفوذ الكيان الصهيوني وتعزيز وجوده في المنطقة بما يفضي إلى تسيّده المطلق، واستباحته الكاملة لسيادة ومقدرات دول المنطقة، ومصادرتها كليا، قرارات وحقوق شعوبها وهويتهم، وهو في الوقت ذاته يجسّد جوهر أطماع السياسة الغربية المتبعة في العالم العربي.
لم يكن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” فكرة مستجدة؛ بقدر ما هو تحديث لأهداف قديمة وضعها وصاغها المحتل، وهي موجودة في متن وهوامش استراتيجيته الانتهازية الإمبريالية، وبالتالي فإن “الشرق الأوسط الجديد” مفهوم حديث لمخطط قديم ، يعيد اليوم المستعمرُ الغربي قولبته وصياغته ليحقق أهداف المحتل وفق متغيرات المرحلة في المنطقة التي شهدت أحداثاً كبرى من بينها ثورات “الربيع العربي” التي تزامنت مع الترويج لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” قبل عقد من الزمن، وأعلن للمرة حينها على لسان كوندليزا رايز، وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، كحصاد لمسرحية “أحداث” 11 سبتمبر، ضمن ترتيبات عالمية واسعة.
واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على خلق “فوضى خلاّقة” في الدول العربية، مستغلة الفروق الجغرافية والسياسية الناشئة أصلا عن اتفاقية “سايكس بيكو”، بالإضافة إلى تعزيز وتكريس الصراعات الداخلية التي أدت إلى تفكك الدول العربية وتمزيق مجتمعاتها.
استنزاف قدرات الأمة
وفعلياً أدت السياسات الأمريكية إلى إضعاف القدرات البشرية والاقتصادية للدول العربية إثر سلسلة أحداث وفتن عصفت بالمنطقة، واستنزفت الثروات على حروب وصراعات داخلية، بينما تراجعت القضية الفلسطينية إلى مؤخرة الأولويات، في لحظة تراجع عربي وإسلامي غير مسبوق وفق تصنيف الكثير من الكٌتاب والنخب العربية، وهو ما مهّد لطرح مشاريع تطبيعية يقدمها كل وافد أمريكي جديد على البيت الأبيض ضمن مشاريعه الانتخابية في مضمار سباق الفوز برضا اللوبي اليهودي في أمريكا.
ورغم خطورة وانكشاف هذه المخططات مثل “صفقة القرن واتفاقية إبراهام” أمام الرأي العام والنخب في عالمنا العربي على ما تمثله من انقلاب واضح على القضية المحورية للأمة، شعوباً وأنظمة إلا أنها توضع على سكة التنفيذ، وتجد رواجاً وقابلية، وكان طرح مثل هذه الأفكار قبل سنوات يُعدُ خيانة تستوجب المحاكمة، وتلحق العار بدعاتها، لكنها اليوم وفي مؤشر على نجاح سياسة الترويض الأمريكية الإسرائيلية تُطرح بجرأة وتُقدم كحقيقة لا جدال فيها، وكقضية أساسية لتحقيق ما يصفه الأمريكي وأدواته الخيانية بـ”فرص خلق أمن واستقرار لشعوب المنطقة”!!.
بالعودة إلى الوراء قليلاً إلى مطلع القرن العشرين مع بداية الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وما أعقبها من تفريط عربي بالأرض، نجد أن الصهيونية إنما تُعيد تدوير العناوين وتحديث الشعارات لتحريك عجلة مشروعها القديم ليس إلا.
ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر صحوة تجاه القضية الفلسطينية، رغم التحديات التي فرضتها الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية.
“الشرق الأوسط” من التخطيط إلى التنفيذ
يُعتبر الاحتلال الإسرائيلي حجر الزاوية في مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتناسب مع مصالحها ومصالح “إسرائيل”. على الرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية للتعاون مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الشعوب تظل متشبثة بقضيتها المركزية: فلسطين.
تشير التصريحات الأخيرة من المجرمين القادة الإسرائيليين، مثل “بتسلئيل سموتريتش”، إلى نوايا إسرائيلية واضحة للتوسع والضم، متجاوزةً الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو.
ومع اقتراب ترامب من البيت الأبيض، يُتوقع أن تتصاعد هذه التوجهات، خاصة مع دعم ترامب العلني لإسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في فترة ترمب الرئاسية الأولى، ولاحقاً الاعتراف بالجولان السوري كجزء من “إسرائيل” وهو ما أعاد التأكيد عليه اليوم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته التي صادقت على “خطة نتنياهو” لتعزيز النمو الديمغرافي بهضبة الجولان ومدينة “كتسرين”.
وجاء في تصريحات المجرم نتنياهو: “سنواصل التمسك بالجولان من أجل ازدهاره والاستيطان فيه”، مضيفاً أن “تعزيز الاستيطان في الجولان يعني تعزيز “دولة إسرائيل” وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة” حد وصفه.
وهكذا تدريجياً تتوسع مظاهر “الشرق الأوسط” الجديد لتشمل ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، بالإضافة إلى التمدد نحو سوريا، تتجاوز هذه السياسات حدود الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن تجاهلها التام لسيادة الدول العربية، حتى أنه يبدو أن ما يمنع العدو الإسرائيلي من التوسع في هذه المرحلة هو فقط اعتبارات صهيونية داخلية لا أكثر.
ومع تسارع مشاريع الاستيطان وتوسعها خارج حدود الأراضي الفلسطينية يبدو مشروع “الشرق الأوسط الجديد” خطر لا يهدد وجود الدولة الفلسطينية وحسب بل يضع دول الطوق الفلسطيني أمام تهديد وجودي يعيد رسم الخارطة وفق الأجندات الصهيونية، ويُلغي تماماً هوية شعوبها ويصادر حقوقها، ولا يفهم اليوم سبب التغافل عن هكذا خطر بهذا الحجم لن يبقي ولا يذر.
موقع أنصار الله – يحيى الشامي