صعود اليسار والوسط في فرنسا يحبط خطط اليمين للهيمنة على قارة أوروبا
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
على الرغم من صعود اليمين المتطرف، إلا أنه فى مواجهة شرسة مع اليسار والوسط الليبرالي، فقبيل تحقيقه انتصاراً ساحقاً فى فرنسا بعد أن فاز بأغلبية ساحقة فى الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، اتحدت الأحزاب اليسارية والوسطية لتوقع به خسائر خلال الجولة الثانية، وفى بريطانيا كانت المواجهة بين حزب المحافظين المحسوب على وسط يمين الطيف السياسي وحزب العمال اليساري فى أوجها، حيث نجح الأخير فى إيقاع هزيمة ساحقة بالأول، ليتولى مقاليد الحكم الإنجليزي لأول مرة منذ 14 عاماً.
وحسب عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، خلال حديثهم لجريدة «الوطن»، فإن أوروبا ترسم ملامح خطة سياسية جديدة، حيث يحاول اليمين المتطرف السيطرة على الانتخابات التشريعية والحكومات، فيما تستعد الأحزاب اليسارية والوسط لاستعادة الهيمنة على مقاليد السلطة من خلال اكتساب ثقة الشعوب مرة أخرى.
«العنانى»: اليمينيون المتطرفون يرفضون الدعم الغربى لأوكرانيا لتجنب المواجهة مع الدب الروسىفى البداية، قال أحمد العنانى، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إنه مع صعود اليمين المتطرف فى أوروبا أصبحت المواجهة مع الأحزاب اليسارية والوسطية حتمية، لا سيما أن كلا الطرفين يحاول السيطرة على مقاليد الحكم والبرلمان.
وأضاف أن أحزاب اليمين المتطرف تكتسب شعبيتها بين المواطنين الأوروبيين من خلال معارضة ملف الهجرة، وبالأخص من بعض الدول العربية ودول شمال أفريقيا مثل المغرب والجزائر، فهناك توجُّه عام لطرد العرب والمسلمين والأفارقة من هذه الدول بسبب اعتقادهم أن الهجرة تعود بالسلب على المواطنين، مضيفاً أن ملف الهجرة يُعتبر موضوعاً حساساً، حيث يشعر البعض بأن الهجرة تتسبب فى تهديد أمنى يؤدى إلى تأثيرات سلبية على المواطنين ويثير جدلاً كبيراً، ما يدفع بعض الفئات السياسية إلى اتخاذ مواقف متشددة ضد الهجرة.
وأوضح: «الأحزاب اليسارية والمحافظة تتبنى سياسات أقل تعقيداً تجاه أزمة الهجرة»، مضيفاً أنها يجب عليها أن تثبت لمواطنيها أن المهاجرين قد يكونون داعمين لتلك الدول، خاصة أنها تواجه أزمة زيادة أعداد كبار السن فى مقابل انخفاض أعداد الشباب والقوى العاملة.
ولفت إلى أن أزمة روسيا وأوكرانيا هى إحدى نقاط الخلاف بين القوتين المتصارعتين، ففى الوقت الذى تقدم فيه الأحزاب اليسارية والوسطية دعماً لا محدوداً لأوكرانيا، ترى الأحزاب اليمينية المتطرفة أنها تؤدى إلى تعقيد الأمور اقتصادياً، بخاصة بعد الاستغناء عن الغاز الروسى الذى يُعد الأرخص والأسرع فى التوصيل مقابل الحصول على الطاقة من دول أو أماكن أخرى، مؤكداً أن هذه التوجهات السياسية تؤدى إلى تشكيل تحالفات وتوترات تؤثر على الاستقرار الإقليمى والدولى.
وأكد «العنانى» أن هناك خلافات داخل الأحزاب الأوروبية بشأن الملف «الروسى - الأوكرانى» بخاصة فيما يتعلق بعمليات التسليح، فبعض الأحزاب اليمينية فى دول مثل ألمانيا والنمسا تعارض التدخل الغربى والأمريكى فى أوكرانيا، وتعتقد أن هذا التدخل يؤثر سلباً على الدول الأوروبية ويزيد التوتر مع روسيا، وأن دعم الغرب لأوكرانيا قد يضع الدول الأوروبية فى مواجهة مباشرة مع الدب الروسى، مما يزيد من التوترات ويخلق تحديات اقتصادية وسياسية للدول الأوروبية التى تسعى لتجنب تصعيد الصراع.
وتابع: «إن من أبرز القضايا التى تتصادم بين اليمين واليسار هى ملف الضرائب، وبعض الملفات الداخلية الأخرى التى كانت محل جدال ونقاش، فمثلاً أعلن اليسار الفرنسى قبيل الانتخابات التشريعية عن أنه يعتزم جمع 30 مليار يورو سنوياً من الأثرياء، وهو ما أدى إلى غضب رجال الأعمال وتيار الوسط، بينما يحاول التيار اليمينى تبنى وجهة نظر مغايرة، وهى تقليل قيمة الضرائب المفروضة على المواطنين ورجال الأعمال».
«محمود»: فشل «المحافظين» فى تحقيق برامجه الانتخابية دفع البريطانيين لاختيار «العمال» كبديلوقال بهاء محمود، خبير العلاقات الدولية، إن تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية فى الدول الأوروبية تصطدم بالواقع المرير، وهو ما أدى إلى هزيمتهم فى بريطانيا، نظراً لفشلهم فى تحقيق الوعود الانتخابية على مدار 14 عاماً، مضيفاً أن صعود اليمين المتطرف فى انتخابات البرلمان الأوروبى لا يعنى بالضرورة وصوله إلى السلطة فى الحكومات الأوروبية، ورغم ذلك فإن الوضع فى فرنسا يختلف، حيث يرى «محمود» أن اليمين المتطرف يمكن أن يُشكل خطراً على السلطة الحالية، خاصة فى حال فشل اليسار فى استعادة قوته.
وأكد «محمود» أهمية «جبهة الجمهورية» التى تُشكل تحالفاً بين الأحزاب اليسارية واليمينية المعتدلة لمنع وصول اليمين المتطرف للحكم، حيث يُثير هذا الصعود العديد من المخاوف، خاصةً فيما يتعلق بدعم أوكرانيا، حيث يُعبر بعض أعضاء اليمين المتطرف عن مواقف موالية لروسيا، وهو ما قد يؤثر على سياسة أوروبا تجاه الأزمة الأوكرانية، ولكن حتى هذه اللحظة يوجد دعم كبير لمنع اليمين المتطرف للوصول إلى الحكومة.
وأضاف خبير العلاقات الدولية أنه على المستوى الإقليمى والدولى لا يوجد فارق كبير فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، وأما بخصوص منطقة الشرق الأوسط فيمكن أن يكون هناك تغير فى شكل العلاقة، فمصالح تلك الدول هى العامل الرئيسى فى تحديد شكل العلاقات، وممكن أن يكون هناك توتر فى بعض الملفات مثل الهجرة واللجوء، فاليمين المتطرف ضد هذه المسألة لكن بدأ يعيد صياغتها مع الحكومات مثل إيطاليا، واليمين المتطرف لم يعد بنفس الحدة فى طلب الخروج من الاتحاد الأوروبى، أو اتخاذ مواقف تهدد مصالح الدول الكبرى، كما أن بريطانيا وفرنسا تتحركان تحت رعاية أمريكا، وبالتالى دورهما محدود فى تحديد سياساتهما الخارجية، بغضِّ النظر عن الخلافات بين فرنسا أو بريطانيا أو دولة أخرى.
ويرى «محمود» أن صعود اليمين فى أوروبا ليس ظاهرة جديدة، وأن الأنظمة السياسية فى دول مثل فرنسا وبريطانيا تعمل بشكل مختلف عن النظام ثنائى الأحزاب، حيث يوجد هناك العديد من الأحزاب والتيارات السياسية، مشيراً إلى أن فشل حزب «المحافظين» فى بريطانيا فى تحقيق برنامجه الانتخابى دفع المواطنين لاختيار حزب العمال كبديل، على الرغم أنه لم يُقدّم برنامجاً واضحاً بعد، لكن مرحلة التغيير بدأت بسبب استياء الشعب من فشل الأحزاب التقليدية.
وأشار إلى أن نجاح اليمين المتطرف فى الجولة الأولى فى الانتخابات التشريعية الفرنسية يرجع إلى فشل الرئيس ماكرون فى تحقيق وعوده، فبدلاً من أن يكون حزباً وسطياً جامعاً، انحرف عن مساره، ما أدى إلى عودة الأحزاب إلى مواقفها الأصلية، وحدوث استياء شعبى واسع، ويُرجَّح أن يكون هذا الاستياء هو السبب فى تفضيل الشعب الفرنسى لليسار على اليمين، ورغبة الشعب فى برامج واضحة من الأحزاب بدلاً من الخطابات الفارغة.
«الديهى»: اليساريون انتبهوا لخطر الغريم التقليدى ضد التكامل الأوروبى والحدود المشتركة وحقوق الإنسانوحذَّر الباحث فى العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهى، من أن صعود اليمين فى أوروبا قد يُغيّر جذرياً سياسة القارة تجاه العديد من الدول والقضايا، فمن المرجَّح أن تؤدى سياسات اليمين المتطرف إلى تراجع الدعم الأوروبى للقضايا الإنسانية، مثل حقوق الإنسان واللاجئين، كما أكّد «الديهى» أن رفض الهجرة من قبَل اليمين قد يُفاقم التوترات الداخلية فى الدول الأوروبية، ويشكّل عائقاً أمام فكرة التعاون الأوروبى، مثل إلغاء الحدود، التي تُعد حجر الزاوية فى التكامل الأوروبي.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحزاب اليمينية الاتحاد الأوروبى الأزمات العالمية الهجرة غير الشرعية الانتخابات التشریعیة الدول الأوروبیة الیمین المتطرف صعود الیمین فى تحقیق أن یکون
إقرأ أيضاً:
جاسوس روسي وهجرة سرية.. كيف تستخدم موسكو ليبيا لابتزاز أوروبا؟
كشفت صحيفة “التلغراف” البريطانية في تقرير حديث عن تورط روسيا في استخدام الهجرة كسلاح جيوسياسي للضغط على الدول الأوروبية، وذلك من خلال التلاعب بتدفقات المهاجرين عبر مسارات رئيسية، بما في ذلك ليبيا.
ليبيا.. نقطة انطلاق
وأشار التقرير إلى أن ليبيا، بسبب موقعها الجغرافي كنقطة عبور رئيسية للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نحو أوروبا، أصبحت ساحة نفوذ روسي متزايد، لافتا إلى أن موسكو تسعى لتعزيز سيطرتها على الأوضاع في ليبيا من خلال دعم قوات خليفة حفتر.
ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إن السيطرة الروسية على ليبيا تمنح موسكو القدرة على “فتح أو إغلاق صنابير الهجرة” حسب مصالحها، ما يمنحها نفوذا كبيرا على دول البحر الأبيض المتوسط، التي قد تكون مترددة بالفعل في دعم أوكرانيا.
تورط مرتزقة روس في تهريب البشر
واتهم التقرير مرتزقة روسيا بالتورط في تسهيل عمليات تهريب البشر في ليبيا، بالتنسيق مع عصابات تهريب وميليشيات محلية، حيث نقلت الصحيفة عن نائب رئيس الوزراء الإيطالي، أنطونيو تاياني، قوله إن لديهم معلومات استخباراتية تفيد بأن المرتزقة في المنطقة “نشطون للغاية وعلى اتصال بعصابات تهريب وميليشيات متهمة بتهريب المهاجرين.
دور مشبوه لـ”يان مارساليك”
وسلط التقرير الضوء على دور مشبوه لـ”يان مارساليك”، وهو عميل روسي متهم بمحاولة التأثير على تدفقات الهجرة إلى أوروبا، مشيرا إلى أنه كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة “Wirecard” الألمانية قبل هروبه إلى موسكو، حيث قام في عام 2016 بتسهيل دخول قوات عسكرية روسية خاصة إلى ليبيا، بعد لقاء جمعه مع ونيس بوخمادة، من خلال صفقة مع شركة “RSB Group” الروسية.
ورجح التقرير أن روسيا تسعى من خلال التلاعب بملف الهجرة إلى زعزعة استقرار أوروبا، وتأجيج المشاعر الشعبوية المناهضة للهجرة، للتأثير على الانتخابات في الدول الأوروبية.
المصدر: صحيفة التلغراف
أوروباروسياصحيفة التلغراف Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0