السياسات التقشفية تساعد التيارات اليمينية على احتلال الساحة في «القارة العجوز»
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
على مدار السنوات القليلة الماضية، أصبح صعود التيارات والأحزاب اليمينية على الساحة السياسية يشكل اتجاهاً عاماً فى معظم البلدان الأوروبية، نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية التى تواجه القارة العجوز، والتى تستغلها هذه الأحزاب من أجل التمدّد داخل المجتمع، والتسلل إلى المؤسسات الحكومية فى عدد كبير من الدول، سواء فى شرق أو غرب أوروبا، حيث أصبحت تلك الأحزاب موجودة بقوة وبشكل غير مسبوق داخل الكثير من البرلمانات والأجهزة الحكومية.
تظهر دراسة نشرها «المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات» مؤخراً أن أحزاب التيارات اليمينية تمكنت من تحقيق نتائج غير مسبوقة فى الكثير من الانتخابات منذ عام 2018، الأمر الذى تطور على مدار السنوات الماضية فى عدد من الدول، من ضمنها بولندا، حيث تمكن حزب «القانون والعدالة» اليمينى، بزعامة ياروسلاف كاتشينسكين، من الحصول على 235 مقعداً من أصل 460 مقعداً داخل البرلمان، بعد فوزه فى انتخابات أكتوبر 2019، بنسبة تصل إلى 51% من الأصوات، وكذلك فى ألمانيا استطاع حزب «البديل من أجل ألمانيا» الحصول على أول منصب قيادى على مستويات البلديات فى ولاية «تورنجن»، شرق البلاد، فى يونيو 2023، كما حصل على نسبة تصل إلى 10% من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى سبتمبر 2021.
وتشير الدراسة إلى صعود حزب «فيدس» اليمينى المتطرّف على الساحة السياسية فى المجر، بعد حصوله على 59% من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية فى أبريل 2022، وتُعد النتيجة رابع فوز يحقّقه الحزب منذ عام 2010، وتمكن بتحالفه مع الأحزاب اليمينية من الحصول على الأغلبية المطلقة فى البرلمان المكون من 199 مقعداً، لذا أعيد انتخاب زعيمه فيكتور أوروبان، رئيساً للحكومة، أما فى السويد فحصلت كتلة من اليمين واليمين المحافظ الليبرالى على 176 مقعداً، مقابل 173 مقعداً لليمين الوسط و«الخضر»، من أصل 349 مقعداً داخل البرلمان، بما يمثل فوزها بنسبة 51% من الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر 2022.
دراسة: التيارات المتشدّدة تستغل الأزمات الاقتصادية للتسلل داخل مؤسسات الحكومةوفى إيطاليا، حقّق تحالف الأحزاب اليمينية نتيجة غير مسبوقة منذ 1945، بالفوز بنسبة 44.2% من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية، فى سبتمبر 2022، وحصل حزب «إخوة إيطاليا»، بقيادة جورجيا ميلونى على 26.2% من الأصوات، وحزب «الرابطة»، بزعامة ماتيو سالفينى، على 8.2%، بينما حصل حزب «فورزا إيطاليا»، بقيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكونى على 8%، وهذا ما مهد الطريق أمام جورجيا ميلونى لتولى رئاسة الحكومة الإيطالية.
وتتناول دراسة «المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات» صعود حزب «الشعبى» فى إسبانيا، بزعامة ألبرتو نونييس فيخو، بعد حصول الحزب اليمينى على أكبر كتلة تصويتية فى الانتخابات التشريعية المبكّرة فى يوليو 2023، وكذلك تمكن «التحالف الشعبوى» فى فنلندا، فى أبريل 2023، من الوصول إلى الحكومة، بعد تشكيل تحالف من أربعة أحزاب، أما فى اليونان، فقد شهدت الانتخابات البرلمانية فى يونيو 2023، فوز حزب «سبارتيانر القومى» بـ4.8%، وحصول حزب «إلينيكى ليسى الشعبوى» اليمينى على 4.7%، وحزب «نايكى الأرثوذكسى» على 3.8% من الأصوات، وهو ما مكن اليمين من الحصول على 13% من مقاعد البرلمان، وفوز رئيس الوزراء المحافظ، كيرياكوس ميتسوتاكيس، بولاية ثانية.
ووفقاً للدراسة، فإن تأثير صعود التيارات اليمينية المتشدّدة على الساحة السياسية فى أوروبا، يُشكل تهديدات وجودية للاتحاد الأوروبى، لاسيما أن غالبية الأحزاب اليمينية تتبنى خطاباً مضاداً لقدرات الاتحاد على مواجهة التحديات التى تمر بها الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ارتفاع نبرة اللهجة الحادة ضد سياسات الهجرة، كما أن صعود اليمين فى أوروبا سيكون له الأثر الأكبر على الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، حيث إن معظم تلك الأحزاب ترفض العقوبات المفروضة على موسكو، وترى أن الدعم غير المشروط لأوكرانيا يكبّدهم الكثير من الخسائر.
وتعتبر الدراسة أن سياسة الحكومات التقشفية لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية، التى بدأتها عام 2008، كانت فرصة كبيرة أمام التيارات اليمينية لتوجيه انتقادات لاذعة لتلك القرارات، خاصة بعد أن ألقت بظلالها على الحالة الاقتصادية للأوروبيين، ومع ارتفاع موجات الهجرة فى 2015، تعالت أصوات الأحزاب اليمينية الرافضة للهجرة، مما منحها ميزة خلال التصويت فى الانتخابات فى ما بعد، إضافة إلى أسباب أخرى أدّت إلى تصاعد الأحزاب اليمنية تناولتها الدراسة، منها استغلال التغيّرات المناخية، والتداعيات الاقتصادية جراء جائحة كورونا، وأزمة روسيا وأوكرانيا، مما جعلها تحقّق شعبية ضخمة فى مقابل تهاون من الأحزاب الليبرالية والاشتراكية واليسارية والمحافظة فى عدد من الملفات الاقتصادية والسياسية أمام الرأى العام، مما جعل شعبيتها تتراجع بشكل ملحوظ.
وتحذّر الدراسة من أن ما يثير القلق فى صعود الأحزاب اليمينية، يتمثل فى إثارتها قضية الخروج من الاتحاد الأوروبى، وإلغاء اتفاقيات مشتركة تتعلق بالهجرة والتجارة، خاصة أن الظروف التى تمر بها القارة العجوز تُمهد الطريق لصعود الأحزاب اليمينية فى الكثير من الدول، كما أن حصول التيارات المتشدّدة على أغلبية داخل المجالس البرلمانية، يجعل الرأى العام الأوروبى مؤهلاً لتقبّل سياساتها والتعامل مع توجّهات هذه الأحزاب، خاصة أنه مثلما احتاجت تلك الأحزاب لعقود لتظهر بهذا الشكل، سيكون أمام الأحزاب اليسارية سنوات من العمل أيضاً، حتى تتمكن من استعادة وجودها على الساحة السياسية وداخل المجتمع الأوروبى، وتوصى الدراسة بضرورة رصد ومتابعة المقاربات والتعاون بين الأحزاب اليمينية، ومحاولة معرفة مدى تغلغلها داخل المجتمع الأوروبى، وما يطرأ من انتشارها من مفاهيم معادية للمهاجرين، والاتجاه نحو القومية، مما يُهدّد الأمن المجتمعى للدول ووحدة التكتل الأوروبى.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأحزاب اليمينية الاتحاد الأوروبى الأزمات العالمية الهجرة غير الشرعية الانتخابات البرلمانیة على الساحة السیاسیة الأحزاب الیمینیة فى الانتخابات الحصول على من الأصوات الکثیر من
إقرأ أيضاً:
وزيرة البيئة: مشروعات التكيف تشكل فرصا واعدة للتعاون مع الأتحاد الأوروبى
استقبلت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة السفيرة أنجيلينا ايخورست رئيسة وفد الاتحاد الأوروبي بالقاهرة والوفد المرافق لها لمناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي في تحقيق التحول الأخضر.
وحضر اللقاء السفير رؤوف سعد مستشار الوزيرة للاتفاقيات متعددة الأطراف، وتامر أبو غرارة مستشار الوزيرة للتعاون الدولى والدكتور حازم الطنان مدير البرنامج الوطني لادارة المخلفات الصلبة، وهبة حسنين مدير عام بالإدارة المركزية للتعاون الدولى وأحمد عبد الرحيم ممثل وزارة الخارجية.
وثمنت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة التعاون التاريخيّ والممتد بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال العمل البيئي، حيث ساهم في بناء القدرات الوطنية في مصر لفهم افضل الطرق للتعامل مع البيئة وآليات تطبيق قانون البيئة، وايضًا كان شريكا في دعم مصر في صون محمياتها الطبيعية ووضع الاطار الاستراتيجي لها، و إعلان محمية رأس محمد اول محمية طبيعية في مصر، من خلال مساهماته المميزة في مجال التنوع البيولوجي وإدارة المناطق المحمية، في الوقت الذي أعطت دول قليلة اهتماما لملف التنوع البيولوجي.
واشارت د. ياسمين فؤاد إلى ان إعلان الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مجال التحول الاخضر يأتي في قلب التعاون المشترك، والذي بدأ بالفعل منذ سنوات من خلال التعاون في مجالات هامة ومنها الحد من الانبعاثات الصناعية، من خلال الشراكة في مشروع التحكم في التلوث الصناعي ، لمساعدة المنشآت الصناعية على التوافق مع قانون البيئة، وصولا الى تعزيز دعمها لتتخذ خطوات اكبر نحو التوافق البيئي بميزانيات منخفضة، من خلال مشروع الصناعة الخضراء GSI الذى سيبدأ تنفيذه قريبا، وقد قدم هذا الدعم قصص نجاح ملهمة، ومنها تعزيز قدرة المصانع على التوسع والتوافق البيئي بما ساعدها على تصدير قدر كبير من منتجاتها للخارج.
ولفتت وزيرة البيئة ايضا إلى التعاون المثمر من خلال البرنامج الوطني لادارة المخلفات الصلبة بمراحله المختلفة بالتعاون مع الجانب الألماني، الذي أثمر عن الخروج بأول قانون للمخلفات في مصر يقوم على فلسفة الاقتصاد الدائرى في ٢٠٢٠ ، ويتم التطبيق الفعلي يوما بعد يوما، حيث هيأ المناخ الداعم لإشراك القطاع الخاص، لتظهر قصصا ملهمة في توسيع قاعدة اصحاب المصلحة في الاستثمار في تدوير المخلفات، فمثلا دخلت مصانع الاسمنت هذا المجال من خلال انتاج الوقود البديل.
وشددت وزيرة البيئة على استكمال التعاون لتحقيق التحول الاخضر العادل في مصر، الذي مهد له حرص القيادة السياسية على وضع البيئة والاستدامة في قلب عملية التنمية، من خلال خلق المناخ الداعم الشامل ومشاركة مختلف اصحاب المصلحة كالقطاع الخاص و الشباب و المرأة كجزء من الاستراتيجية الوطنية للتحول الاخضر ، والخروج بمجموعة من السياسات الداعمة خلال السنوات الماضية والتركيز على التداخل بين المجالات المختلفة.
واوضحت الدكتورة ياسمين فؤاد ان مصر حرصت على عدم التعامل مع التحديات البيئية بطريقة منعزلة، فخلال استضافتها مؤتمر التنوع البيولوجي COP14 في ٢٠١٨ نيابة عن القارة الأفريقية قادت على مدار ٣ سنوات وضع مسودة الاطار العالمي للتنوع البيولوجي، وأطلق فخامة الرئيس مبادرة التآزر بين مسارات اتفاقيات ريو الثلاث ( المناخ، التصحر، التنوع البيولوجي) والتي تحتل اولوية لدى العالم حاليا ، كنظام متكامل لاستعادة النظام البيئي لحماية الكوكب، ومهدت مصر لربط حقيقي بين ملفات المناخ والتنوع البيولوجي فخرج الاطار العالمي للتنوع البيولوجي في قلبه المناخ واستضافت مصر مؤتمر المناخ COP27 وفي قلبه التنوع البيولوجي وخرج بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار .
واكدت ان المضي نحو الانتقال العادل في مصر ينبع من دورها الإقليمي والعربي في توحيد الجهود، كما قادت خلال رئاستها لاتفاقية حماية البحر الأحمر وخليج عدن (برسيجا) في السنتين الأخيرتين إعادة هيكلة الشق المؤسسي للاقتصاد الأزرق والفرص الواعدة له وكيفية دعم صغار الصيادين ، والعمل على الخروج بافكار مبتكرة لجذب مزيد من استثمارات القطاع الخاص في مجال صون الموارد الطبيعية، مشددة على التطلع للتعاون مع الاتحاد الأوروبي انطلاقا من دورها الإقليمي لإثبات مصداقية العمل متعدد الأطراف.
كما أكدت الدكتورة ياسمين فؤاد، حرص مصر على تعزيز موقف الدول النامية في اجتماعات اتفاقية البلاستيك INC5، وان مصر بدأت بنفسها في إطلاق جلسات تشاورية مع مختلف اصحاب المصلحة لتعريفهم بالمشكلة الحقيقية للتلوث البلاستيكي وتأثيره وكيفية مواجهته، من خلال خلق بدائل مناسبة، كما اتخذت عددا من الاجراءات ومنها قرار مواصفات الأكياس البلاستيكية احادية الاستخدام، وتبني نظام المسؤولية الممتدة للمنتج كخطوات مهمة نحو التحول الاخضر برغم الأوضاع الاقتصادية والحراك المجتمعي.
من جانبها، أعربت سفيرة الاتحاد الأوروبي عن التطلع للتعاون مع مصر في تحقيق التحول الاخضر والذي يعد من المجالات ذات الأولوية للاتحاد الأوروبي، في ظل الشراكة الاستراتيجية المشتركة، خاصة مع تبني الصناعة بالفعل لاجراءات التحول الاخضر ، وايضا التعاون في وضع المؤشرات الخاصة بالانتقال الاخضر العادل، لتقديم رسالة مهمة للعالم في كيفية إثبات مصداقية النظام متعدد الأطراف، والبناء على التعاون الممتد مع مصر في عدد من المجالات التي تمهد للتحول الاخضر ومنها توافق الانبعاثات الصناعية وإدارة المخلفات، والاقتصاد الأزرق.
وتناول اللقاء ايضا مناقشة التعاون المشترك في مجال الاقتصاد الأزرق والتنوع البيولوجي، خاصة مع عمل وزارة البيئة على الانتهاء من الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق واستضافة اتفاقية برشلونة للحد من التلوث في البحر المتوسط نهاية هذا العام، وإمكانية التعاون من خلال مشروع جديد يختص بصون التنوع البيولوجي والسياحة البيئية ودعم المجتمعات المحلية ومكافحة التلوث البلاستيكي.
واشارت الوزيرة إلى إمكانية الاستفادة من مخرجات المشروعات المنفذة مع شركاء التنمية ومنها مشروع السياحة البيئية ومشروع حماية الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر ووحدة البلاستيك بالوزارة ومشروعاتها.
كما ناقشت وزيرة البيئة اولويات التعاون المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي كفرص واعدة، وعلى رأسها مجال التكيف، باعتباره يمس الأمن الغذائي والحياة اليومية للمواطن، مشيرة إلى إمكانية مساهمة الآتحاد الأوروبى فى صندوق الطبيعة الذى تعمل الوزارة على تأسيسه ليخدم مجال السياحة المستدامة لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في صون الطبيعة والسياحة البيئية ، خاصة مع العمل على الانتهاء من الخطة الوطنية للتكيف، وخريطة تفاعلية لقطاعات مختلفة متضمنة الزراعة والمياه، وترجمة خطة المساهمات الوطنية لفرص استثمارية، بالإضافة إلى تحويل مشروعات التكيف لفرص استثمارية أسوة بقصة نجاح الطاقة المتجددة من خلال تدخل شركاء التنمية لتقليل مخاطر الاستثمار ونشر التكنولوجيا قليلة التكلفة ودخول القطاع الخاص.