هاريس تكسب معركة «كسب القلوب» المهمة جدا
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
هنالك نزعة وسط الديمقراطيين بالسخط من الأمريكيين لعدم التصويت لمصالحهم المادية وتحديدًا للسياسات التي من شأنها مساعدتهم على تحسين ظروفهم. إنهم يتساءلون مثلما تساءل عنوان كتاب يثير هذا الموضوع: ماذا حل بكنساس؟ لكن ما يعنيه الديمقراطيون حقًا «ماذا حل بأمريكا؟» (الكتاب المشار إليه من تأليف توماس فرانك وصدر عام 2004.
لكن في السنوات الأخيرة أوضحت أعداد متزايدة من الدراسات العلمية أن الناس لا يميلون إلى التصويت على نحو عقلاني بل يستخدمونه للتعبير عن أنفسهم بطرائق عاطفية وأيديولوجية وأخلاقية. هذه النظرة للسلوك البشري والتي أنسبها إلى علماء من أمثال دانيال كانيمان وجوناثان هايدت ترى في الانتخابات قدرًا كبيرًا من الحدس والعاطفة وهي عوامل غير ملموسة. فالناخبون يختارون حدسًا (بإحساس داخلي) ثم يعقلون أو يبررون اختيارهم سواء بوعي أو دون وعي منهم بذلك. ويبدو أن حملة كمالا هاريس الانتخابية ترتكز على هذا الأخير. أي على مقاربة ترتكز على الحدس.
منذ أن أصبحت نائبة الرئيس المرشحة الرئاسية المفترضة للحزب الديمقراطي أدارت هاريس حملة مركَّزة ومنضبطة على نحو لافت. إنها حملة تبدو عن قصد أقل تركيزًا على المحتوى وأشد تركيزًا على المشاعر. فأنت لا تشاهد العشرات من أوراق السياسات التي كانت السمة المميزة لحملة هيلاري كلنتون الانتخابية في عام 2016.
لم تجرِ هاريس حتى الآن مقابلات واسعة أو تعقد مؤتمرات صحفية تجبرها على تقديم معلومات تفصيلية عن مواقفها حيال قضايا محددة. بدلا عن ذلك قدمت نفسها للشعب الأمريكي في سياق إنساني بحت كشخص يتفجر حيوية وودود ومرِح ومتفائل وبتركيز على الجانب العاطفي. حتى الآن يبدو ذلك ناجحا.
نائبها الذي اختارته يسير على النهج نفسه. فالاختيار العملي لنائب الرئيس الديمقراطي كان ينبغي أن يقع على جوش شابيرو الحاكم الذكي والكفء والمحبوب للولاية المتأرجحة التي بها أغلب الأصوات الانتخابية. بدلا عن ذلك اختارت حاكم ولاية زرقاء (تصوت للديمقراطيين) لكنه يعكس صورة طبعت أثرا عميقا حول الولايات المتحدة. إنها صورة رجل ودود ودمث الأخلاق وطيب القلب. اختيار تيم وولز نائبا لهاريس يذكرنا بأن الذكاء العقلي أحيانا له نفس أهمية الذكاء العاطفي.
هذا قلبٌ للطاولات. فدونالد ترامب والجمهوريون غالبا ما يتميزون كأساتذة في سياسة العاطفة بتأكيدهم على القوة واستثارة الخوف. لكن حتى الآن يبدو أن أمل هاريس أو إحساس البشاشة الذي يتحدث عنه تيم وولز في الحملة الانتخابية هو المهيمن.
هنالك أيضا قلب للطاولات بمعنى آخر. ففي كل انتخابات رئاسية خلال العقود الثلاثة الماضية وحتى عام 2020 رشح الديمقراطيون والذين هم الآن حزب طبقة متعلمي الجامعات شخصا حاصلا على شهادة من جامعة هارفارد أو ييل لمنصب الرئاسة. لكن الآن هاريس وتيم وولز يواصلون التحول بعيدا عن خريجي جامعات النخبة (رابطة آيفي) الأمريكية الذي بدأه كل من بايدن وهاريس. والجمهوريون هم الذين يقتصر ترشيحهم على خريجي رابطة آيفي (أحدهم مليونير والآخر صاحب رأسمال مغامر).
شاهِدوا فيديو تيم وولز في حملته الانتخابية الأولى لتولي منصب الحاكم وهو يشرح للناخبين كيف يستبدلون مجموعة أسلاك محترقة في المصباح الأمامي للسيارة بقطعة غيار تكلف 8 دولارات. من الصعب تصور باراك أوباما وهو يفعل ذلك.
حتى الآن مقاربة هاريس سمحت لها بانتشال السفينة الديمقراطية الغارقة. فالولايات «الزرقاء» الراسخة في ولائها للديمقراطيين والتي تحولت إلى ولايات متأرجحة (بين التصويت للجمهوريين أو الديمقراطيين) عادت الآن إلى الديمقراطيين. وهاريس تتقدم ترامب في بعض الاستطلاعات الوطنية ومتعادلة معه فعليا في الولايات المتأرجحة.
لكن هذا الزخم ربما له سقف لا يتعداه. فأمريكا مقسومة بالتساوي. ومنذ عام 2000 ظلت أصوات الانتخابات الرئاسية متقاربة (باستثناء انتصارات أوباما). وفي الغالب، كما يبدو، ستحسِم نتيجةَ الانتخابات القادمة مئاتٌ قليلة من آلاف الأصوات في ولايات بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسون وأريزونا وجورجيا وكارولينا الشمالية ونيفادا.
ولكي تكون لها الغلبة، سيلزم هاريس الشروع في تقديم محتوى لحملتها الانتخابية. أكبر نقاط قوة الديمقراطيين تتمثل في قضية الإجهاض ونائبة الرئيس بايدن ظلت تتحدث عنها ببلاغة واقتدار. أما أكبر نقاط الضعف فهي الهجرة التي شكلت حافزًا ودافعًا قويًا للجمهوريين بل حتى لبعض المستقلين.
هاريس تتحدث عنها بأكثر مما فعل بايدن. كما تلقَّت أيضا هدية من ترامب. فعندما أُجبر الجمهوريون هذا العام على التخلي عن مشروع قانون يؤيده الحزبان حول الهجرة والذي هو أساسا قائمة تحوي رغبات الجمهوريين قدّم للديمقراطيين بذلك مهربًا من قضية الهجرة.
بدلا عن الدفاع عن موقفهم الضعيف وغير الموفّق تماما من انهيار عملية اللجوء، يمكن للديمقراطيين الآن ببساطة الإشارة إلى أنهم أيدوا اتخاذ إجراءات قاسية على الحدود يوافق عليها الحزبان ولم يؤيدها ترامب.
قالت هاريس إنها ستحاول إجازة مشروع القانون إذا فازت في الانتخابات وأنها ستذهب إلى أبعد من ذلك بالتعهد بالتخلص من نظام اللجوء بأكمله واستحداث نظام جديد.
نحن نعيش في عالم مختلف عن العالم الذي شهد إيجاد ذلك النظام ويجب أن تعكس قوانيننا واقع وجود الملايين من طالبي اللجوء الآن حول العالم.
هل ستنجح استراتيجية هاريس؟ لا يزال الوقت مبكرًا، وستكون المنافسة على الرئاسة قاسية ومتقاربة. هاريس لديها نقاط ضعف حقيقية. لكنها حتى الآن اختارت مسارًا غير عادي نوعًا ما، ومن الممكن أن يؤتُي أُكُلَه في نوفمبر.
فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة سي إن إن
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حتى الآن
إقرأ أيضاً:
سبق علمي.. مسبار ناسا باركر يقف عند أقرب نقطة من الشمس
كشفت وكالة الفضاء الأميركية ناسا عن تمكن مسبارها الفضائي "باركر سولار بروب" من تحقيق رقم قياسي جديد باقترابه من الشمس بمسافة لم يصل إليها أي جسم صنعه الإنسان من قبل، إذ وصل مسبار الفضاء اليوم، 24 ديسمبر/كانون الأول، إلى مسافة 6.1 ملايين كيلومتر فقط من سطح الشمس، محققا سرعة هائلة تتجاوز 190 كيلومترا في الثانية.
ويُعد هذا الاقتراب، المسمى بـ"الحضيض الشمسي"، الـ22 من نوعه، وهو الأول ضمن مجموعة من التحليقات القريبة المخطط لها حتى عام 2025، وأكدت وكالة ناسا أن المسبار في حالة تشغيل كاملة ومستعد للمناورات الفضائية المقبلة.
ويساعد هذا الإنجاز ضمن جملة المناورات الأخرى، إلى الإجابة عن تساؤلات علمية طالما أبهرت العلماء حول كيفية عمل الشمس، وأشاد عالم الفلك أريك بوسنر، المسؤول عن برنامج المسبار الفضائي بالمهمة قائلا في بيان صحفي للوكالة: "هذا مثال على جرأة ناسا في تنفيذ مهام غير مسبوقة للإجابة عن أسئلة عميقة عن الكون".
أسرار الشمس في قبضة المسبارمنذ إطلاقه عام 2018، حطم "باركر" أرقاما قياسية على صعيد الاقتراب من الشمس والسبر بسرعات هائلة، ومنذ أن توغل في هالة الشمس، تمكن المسبار من الكشف عن بيانات غير مسبوقة عن الغلاف الشمسي، وهو حقل البلازما الحار المحيط بالشمس.
إعلانوأحد أعظم الألغاز الفلكية هو أن طبقة الشمس الخارجية (الهالة الشمسية) تكون أكثر سخونة بكثير من سطحها المرئي (الفوتوسفير)، وهو ما يتعارض مع الفهم التقليدي لأنظمة الحرارة، إذ يكون المصدر الأساسي (السطح) أكثر سخونة من الطبقات الخارجية، فقاعدة النار مثلا تكون عادة أشد حرارة من المنطقة المحيطة بالنار نفسها.
ويهدف المسبار إلى فهم هذا الظاهرة الغريبة من خلال الاقتراب من الشمس ومراقبة الظروف الفيزيائية في تلك الطبقات. بالإضافة إلى ذلك، تسعى المهمة إلى دراسة المجالات المغناطيسية للشمس، التي يُعتقد أنها تلعب دورا رئيسا في هذه الظاهرة، وتحليل الدورات التي يمر بها النشاط الشمسي.
وقد وصف عالم الفيزياء الفلكية نور روفي المهمة بأنها "تكافئ أهمية هبوط الإنسان على القمر عام 1969″، مشددا على الأهمية العلمية والتاريخية لهذه التحليقات القريبة التي تقرب الفلكيين من فهم أعمق للنجوم وتأثيراتها على كوكب الأرض.
نهاية المهمة باتت قريبةوبينما يواصل المسبار تحقيق إنجازات عدة، فإن المهمة الفضائية قد شارفت على الانتهاء، ومن المتوقع أن تستمر حتى عام 2025، حيث ستجري 4 مناورات إضافية أخرى، وترتبط نهاية المهمة بكمية وقود المسبار اللازم لتوجيهها بين الفينة والأخرى.
وعند نهاية المهمة، سيُحرق المسبار جزئيا بفعل أشعة الشمس، بينما ستبقى بعض أجزائه، مثل الدرع الحراري والكأس الفارادي (أداة لقياس الجسيمات الشمسية المشحونة)، وستدور في مدار شمسي على شكل كتلة منصهرة لمليارات السنين.