«السنوار».. ومرحلة أكثر دقة وخطورة !
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
عندما أعلنت حركة حماس في السادس من الشهر الجاري وبعد أيام من المشاورات المكثفة عن اختيار يحيى السنوار قائدها العسكري في غزة رئيسًا لمكتبها السياسي، خلفًا لرئيسها السابق الشهيد إسماعيل هنية أُصيب البعض بالدهشة وتساءل البعض الآخر عن حكمة هذا القرار ورحّب البعض الثالث به كرد من حماس على اغتيال إسرائيل للشهيد إسماعيل هنية والرسالة التي يحملها لإسرائيل وفي النهاية كان هناك اتفاق عام على الدلالة التي ينطوي عليها هذا القرار على مختلف المستويات الفلسطينية والإسرائيلية اليوم وغدا وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج داخل حماس وعلى الصعيد الشخصي لقيادتها.
وإذا كانت قد ترددت وجهات نظر مختلفة حول الشخصية التي يمكن أن تخلف هنية في موقعه الشاغر، بل إنَّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وجّه دعوة لخالد مشعل لزيارة طهران قبيل انتهاء المشاورات وجاء اختيار السنوار ليضع حدًا لمثل تلك الاجتهادات. ومع الوضع في الاعتبار أن الجناح السياسي في قيادة حماس يضم شخصيات مخضرمة مثل خالد مشعل وخليل الحية وموسى أبو مرزوق وغيرهم، كما توجد قيادات أخرى ظهرت بينها وبين يحيى السنوار خلافات ما لبعض الوقت حول قرار شن الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي وحالة التكتم الشديدة والتي اقتصرت على دائرة ضيقة تكاد تقتصر على السنوار وصديقه القريب منه الراحل محمد الضيف الذي أعلنت إسرائيل عن اغتياله مؤخرا، فإن البعض رأى في قرار تكليف السنوار ليترأس القيادة العسكرية لحماس إلى جانب القيادة السياسية جمعا للسلطة في يد السنوار من حيث القرارين السياسي والعسكري دون إغفال أن المؤسسات الفلسطينية بوجه عام تتمتع بقدر كبير من المرونة والقدرة على الحوار الديمقراطي مقارنة بغيرها من المؤسسات العربية لأسباب كثيرة ومعروفة منها خبرة النضال الفلسطيني الطويلة والمتعددة الاتجاهات. وإذا كان السنوار يتمتع في الواقع بشعبية كبيرة على الصعيد الشعبي الفلسطيني بغض النظر عن أية خلافات حول ما حدث في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية، فإن هناك من رأى في اختيار السنوار وعبر تحدي إسرائيل المباشر، نوعًا من تحميل السنوار كشخص وكقائد عبئا كبيرا سياسيا وعسكريا وأمنيا إلى جانب ما يتصل بحماية نفسه أمنيًّا خاصة أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعمل على تتبُّعه على مدى الأشهر الماضية وهو ما يزيد من أعباء ومخاطر العمل الميداني، خاصة أنه هو الذي أسَّس قبل سنوات جهاز الأمن «مجد» داخل حماس لكي يتولى متابعة وتعقب أنشطة الضباط الإسرائيليين على الساحة الفلسطينية وإحباط أنشطتهم التجسسية والتخريبية بكل السبل الممكنة، وإذا كان السنوار قد نجح حتى الآن على الأقل في التخفي وحماية نفسه من العيون الإسرائيلية ومن الخونة من جهات عديدة فإننا نتمنى ألا يكون تكليف السنوار برئاسة المكتب السياسي لحماس في غزة محاولة غير مباشرة لعرقلة عمله بشكل أو بآخر، أو على الأقل زيادة فرص حدوث أخطاء قد تعرّضه لمخاطر ما وذلك برغم ما يبدو ظاهريا في ذلك من ترفيع لمنصبه وزيادة لمسؤولياته الثقيلة. على أية حال فإنه يمكن القول إنه بعيدا عن أية افتراضات قد تبدو غير مألوفة بدرجة ما فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا، أن السؤال الذي يشغل الكثيرين هو كيف نجح يحيى السنوار على مدى الأشهر الماضية في استخدام شبكة الأنفاق بكفاءة ودون أن تنجح إسرائيل في اختراقها أو كشف نقاط تقاطعها ومفاتيحها الأساسية برغم إعلانها عن اكتشاف وتدمير عدد غير قليل منها؟ وأيا كانت الأساليب والتكتيكات التي يستخدمها السنوار لحماية نفسه والنجاة من خطط الموساد والشاباك للإيقاع به حتى أنه أُطلِق عليه «الرجل ذو التسعة أرواح» و«رجل الأنفاق»، فإنه ليس من المبالغة القول بأن تولي السنوار المسؤولية السياسية والعسكرية لقيادة حماس من شأنها أن تسهل ولو نسبيا قيادة الحركة وقد تقلل من الخلافات بين جناحي الداخل والخارج التي ظهرت من قبل حتى وإن كان هناك من يتوقع الخطأ للسنوار بفعل تعدد وتراكم المسؤوليات في الفترة القادمة. لذا فإن قرار السنوار بتكليف نائب رئيس المكتب السياسي في غزة خليل الحية ليكون مسؤولا عن المفاوضات مع إسرائيل وليكون حلقة الاتصال مع السنوار من ناحية وليساعد في التخفيف من الظهور العلني للسنوار، ومن ثم تقليل مخاطر الظهور العلني له من ناحية أخرى، هو في الواقع قرار حكيم وبعيد النظر وقد يحتاج إلى قرارات أخرى لتوزيع الأعباء وتقسيم الأدوار بين عدد من القيادات العليا في المكتب السياسي لحماس والاستفادة من الخبرات المتعددة والمتنوعة وفقا لتقييم السنوار للخبرات والقدرات الفلسطينية المتوفرة والمتاحة، وسيعزز قدرات حماس وقدرات السنوار كذلك في إدارة حماس في الفترة الدقيقة القادمة التي فقدت فيها حماس عددا من كوادرها في المواقع المختلفة. ولعل مما يزيد من أهمية العناية بتوزيع وتكامل الأدوار بقيادة السنوار في الفترة القادمة أن السنوار نفسه لا يستبعد إمكانية تعرّضه للخطر الإسرائيلي في أي وقت وتحت أية ظروف؛ لأنه يدرك جيدًا كيفية تفكير المسؤولين الإسرائيليين، وفي هذا الإطار فإن مما له دلالة أن «الجنرال هاليفي» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أكد قبل أيام أن تولي السنوار لمنصبه الجديد لن يغير من تعقب أجهزة الأمن الإسرائيلية له باعتباره مطلوبًا لها، كما أشار وزير الخارجية الإسرائيلي «كاتس» إلى الأمر ذاته وهو ما يعني أنه موضع تفكير وإقرار سابق على مستوى القيادة الإسرائيلية العليا لدور السنوار في هجوم السابع من أكتوبر ضد إسرائيل. والمؤكد أن تلك الأساليب الإسرائيلية لن تهز السنوار ولا القيادات الفلسطينية التي تقدم كل يوم تضحيات متجددة ومتواصلة، وعن إيمان عميق بأهمية وضرورة التضحيات على طريق التحرير واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
ثانيا، أنه في ظل الوقت المحدود المتبقي حتى إجراء الانتخابات الأمريكية وحاجة إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق سريع حول وقف إطلاق النار في غزة، وكذلك إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، وهو ما أكدت عليه في الأيام الأخيرة كل من مصر وقطر والولايات المتحدة وحددت بيانات ومواقف مشتركة بل وحددت موعدًا لجولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يوم بعد غد الخميس في الدوحة فإنه من الواضح أن إدارة بايدن -التي تتوق إلى تحقيق أي خطوة تحسب لها- أخذت تعمل بقوة للحد من العقبات التي قد تعرقل من السير على الطريق والتقريب بين إسرائيل وحماس من ناحية والتحذير من أي تصعيد قد يخرج مسار المفاوضات عن إطاره بسبب المتطرفين على أي جانب بمن فيهم المتطرفون في إسرائيل. وإذا كانت إدارة بايدن قد قدمت 3.5 مليار دولار أمريكي إلى إسرائيل لتشتري بها أسلحة، فإن الضغط ينصب على طهران لتحذيرها من أي تصعيد ومن مزيد من الضغوط الاقتصادية عليها إذا عمدت إلى التصعيد وهو ما يضع إيران في موقف دقيق لخطورة تلك التهديدات على الاقتصاد الإيراني في هذه المرحلة التي تتطلع فيها إيران إلى إعادة صياغة علاقاتها مع الغرب ودول العالم بعد تولي الرئيس الإيراني الجديد مهامه ورغبته في اتباع سياسات أكثر مرونة. ولعل ذلك هو المسؤول -إلى جانب عوامل أخرى- عن حالة الانتظار الراهنة بين إسرائيل وحزب الله وإيران التي يترقبها العالم بقلق شديد منذ عدة أيام.
ثالثا، أن تولي السنوار رئاسة المكتب السياسي لحماس في غزة قد صاحبه وضع بعض النقاط على الحروف، سواء من جانب إسرائيل أو من جانب السنوار؛ فنتانياهو الذي طالما أكد على موقفه من حماس وعلى أنه لم يغير هذا الموقف المعلن من قبل يستعد لعقد اجتماع في هذه الأيام لمسؤولين كبار في حكومته لمراجعة حدود الموقف التفاوضي في الجولة القادمة للوفد المفاوض، وذلك بعد أن رفض إعطاء الوفد مزيدا من الصلاحيات للعمل في الفترة الماضية وهو ما أدى إلى عودة الوفد الإسرائيلي من القاهرة الأسبوع الماضي بعد خلافات مع نتانياهو ودون إجراء مفاوضات. وعلى الجانب الفلسطيني فقد أوضح السنوار في أول تصريحاته أنه يرفض حكم السلطة الفلسطينية لغزة بعد انتهاء الحرب وبذلك نسف احتمال حدوث تقارب بين السلطة الفلسطينية وحماس بعد محادثات بكين الأخيرة، ومن ثم استمرار الخلافات التي قد تقلل منها مطالبة السنوار بإطلاق سراح مروان البرغوثي وقادة المنظمات الفلسطينية الرئيسية في أول دفعة لتبادل المحتجزين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا كان من الطبيعي أن يحتاج السنوار بعض الوقت ليعيد ترتيب وضعه على قمة هرم حماس وإمساكه بالسلطتين السياسية والعسكرية في حماس فإن نتانياهو أكد من جانبه أنه باق في منصبه طالما يحقق ذلك مصلحة وأمن إسرائيل من وجهة نظره بالطبع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المکتب السیاسی فی الفترة وإذا کان حماس فی فی غزة وهو ما
إقرأ أيضاً:
لأول مرة.. حكومة الاحتلال تقاطع صحيفة هارتس الإسرائيلية: تدعم حماس
كشفت وسائل إعلام عبرية عن مٌوافقة حكومة الاحتلال على مقاطعة صحيفة هآرتس العبرية، في سابقة تحدث للمرة الأولى، مُتهمين أنها تتبنى مواقف «تسيء لإسرائيل».
مقاطعة صحيفة هآرتس الإسرائيليةوكشفت صحيفة «واينت» العبرية، أن وزير الإعلام شلومو شرعي، اقترح مٌقاطعة صحيفة هارتس، ووقف أي تواصل بينها وبين الحكومة.
وذكرت حكومة الاحتلال، أن الصحيفة نشرت سلسلة من المقالات اعتُبرت مُسيئة لإسرائيل، وكان أبرزها وصف كاتب بالصحيفة العبرية، وهو عاموس شوكين، المسلحين الفلسطينيين بأنهم «مُقاتلون من أجل الحرية»، بالإضافة إلى دعوته لفرض عقوبات على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
واعتبرت حكومة الاحتلال أن دعم الصحيفة العبرية لما وصفتهم «لأعداء إسرائيل» والدعوة لفرض عقوبات عليها في ظل الحرب والضغوط الدولية لإضعاف شرعيتها أمر «غير مقبول».
ردود أفعال الإسرائيليين على مقاطعة الصحيفة العبريةآثار القرار ردود فعل واسعة داخل الاحتلال الإسرائيلي، حيث أعرب بعض الصحفيين في الصحيفة عن معارضتهم لتصريحات شوكين، مؤكدين أن الهجمات ضد المدنيين لا يُمكن اعتبارها جزءًا من أي نضال شرعي، وأدان المساهمون في الصحيفة ومنهم رجل الأعمال ليونيد نيفزلين التصريحات، واعتبروها «غير إنسانية» ولا تعكس توجه الصحيفة.
4 تحقيقات آثار غضب الحكومة الإسرائيليةويُعرف عن صحيفة هآرتس العبرية أنها ذات توجه يساري، معارض للحكومة، ونشرت عدة تحقيقات معارضة للحكومة، والتي جاءت على النحو التالي:
وفي أغسطس الماضي، نشرت الصحفية تحقيق بأن جيش الاحتلال يُجبر المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة على تفتيش الأنفاق والمنازل المشتبه بتفخيخها، بهدف حماية الجنود الإسرائيليين خلال العمليات العسكرية.
ووفقًا للتحقيق، يتم اختيار هؤلاء المدنيين بشكل عشوائي، ومعظمهم شباب في العشرينيات، دون أي اشتباه بأنهم مرتبطون بأنشطة إرهابية، يتم احتجازهم وإرسالهم كدروع بشرية لتفتيش المناطق قبل دخول القوات الإسرائيلية.
أما في سبتمبر الماضي فكشف تحقيق للصحيفة العبرية، أن جيش الاحتلال يعتمد وسائل غير أخلاقيه لتجنيد طالبي اللجوء من الأفارقة، حيث يتم منحهم مميزات ورواتب مالية ضخمة، ومنازل وإقامة دائمة مقابل المشاركة في الحرب على قطاع غزة.
وفي مايو الماضي، نشرت الصحيفة العبرية، تقرير يؤكد انتحار 10 ضباط وجنود منذ السابع من أكتوبر وسط تكتم من جيش الاحتلال، مؤكدة أن معظم الحالات كانت لجنود شباب، وبعضهم في الخدمة الدائمة وفي الاحتياط.
آخر تلك التحقيقات التي أغضبت حكومة الاحتلال، هو نشر الصحيفة لتحقيق يؤكد أن الحكومة لا تسمح بدخول المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، بل على العكس تعمل مع عصابات في غزة لسرقة وإتلاف المواد الغذائية والحصول على رشوة «خاوة» من السائقين، خاصة وأن المنظمات الدولية لم تعد تتحمل مسؤولية توصيل المساعدات بسبب الغارات الإسرائيلية التي تستهدف عملهم.