د. النور حمد: علاقتنا بمصر بصورتها القائمة الآن، علاقة سامَّة ولإثيوبيا أيضا مطامع في السودان
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
في الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته صحيفة إدراك الإلكترونية مع المفكر السوداني الدكتور والباحث النور حمد تحدث بشجاعة وشفافية عن الازمة السياسية التي تجلت في الحرب الضروس بين الدعم السريع والجيش بتحالفاته من الحركات المسلحة وكتائب الحركة الإسلامية والمستنفرين قبلياً وايدولوجياً كما تناول الإعلام الإخواني للحرب وإزدواجية المعايير وانتشار خطاب الكراهية وكيفية مواجهته وكيف يؤسس السودانيون جيش قومي ، علي أنقاض الجيش المؤدلج والذي يحمى مصالح الطبقات الإجتماعية ومستقبل الأخوان والتحالفات في المشهد السياسي ورؤيته عن العلمانية ، كما تناول الحوار ايضا علاقة السودان بمصر واثيوبيا.
وفيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار :
إلى أى مدى ساهم خطاب الكراهية على التوقيف والاعتقال الانتقائي والقتل على أساس الهوية؟
خطاب الكراهية لا يكون فعالاً إلا في البيئات التي تستجيب له. فالمشكلة ليست في خطاب الكراهية في حد ذاته، لأنه موجود في كل أقطار الأرض. فقط يصبح خطاب الكراهية مشكلة في سياق الثقافة الاجتماعية السائدة والأوضاع السياسية المتردية، كالوضع الذي نحن فيه الآن. أعني، الثقافة القابلة لكي يستقيظ فيها هذا الخطاب حين ينفخ الخبثاء والوضعاء رقيقي الدين في بوقه. يمثل خطاب الكراهية أكبر الأدوات تهديدًا للسلم الأهلي. وبطبيعة الحال فإن الأنظمة الديكتاتورية تعتمد في بقائها على تفتيت وحدة الشعوب. وفي السودان مارس نظام الإنقاذ سياسة التفتيت هذه عبر إيقاظ النزعات الدينية المتطرفة واستخدام المال والمناصب لشق الأحزاب السياسية. يضاف إلى ذلك، عمل على إحياء الروح القبلية والعشائرية والمناطقية والطائفية بصورة غير مسبوقة. وقد قام الإسلامويون بذلك، لضرب وحدة الشعب، وشل قدرته على التوحد لمواجهة نظامهم القمعي القائم. وفي ظروف هذه الحرب الكارثية اللعينة التي أشعلوها وأفلت زمامها من أيديهم، بفضل الله، ذهبوا إلى إيصال خطاب الكراهية إلى حدوده القصوى، آملين في اصطفاف الناس وراءهم. وقد أحدث تأجيج هذا الخطاب فظائع عديدة لا تزال تتواصل. فقد حدثت من جرائه عمليات طردٍ واعتقالٍ، بل وتصفيةٍ في مجازر جماعية لأفراد أبرياء لمجرد أنهم من دارفور أو كردفان، أو بسبب سحنهم ولون بشرتهم. وهؤلاء الضحايا لم يكونوا سوى بسطاء أتى بهم حظهم العاثر لطلب العمل في ولايات الشمال والوسط النيلي. بل بلغ خطاب الكراهية وتأثيراته درجة القتل الجماعي العشوائي بإلقاء البراميل المتفجرة من الجو على المدنيين في دارفور وسوق ليبيا ومختلف المدن والقرى، ومؤخرًا في معسكر زمزم، بزعم أنهم يمثلون حواضن لقوات الدعم السريع. كل هذه التجاوزات ينبغي أن تُرصد لأن يوم الحساب عليها سيأتي لا محالة. نهاية الأمر نحتاج عقب هذه الحرب إلى نظام تعليمي يخاطب مثل هذه العلل في عقول الصغار منذ الطفولة الباكرة. كما نحتاج خطابًا إعلاميًا جديدًا فاعلاً في نبذ خطاب الكراهية، تسنده قوانين رادعة تحاكم المجرمين، بل وتحاكم من يمارسون الترويج الخطابي والكتابي له.
ماهى رؤيتك لعملية بناء وتاسيس جيش قومى ومهنى مابعد الحرب؟
هذا أمر لا مناص منه. فالجيش الذي خضع للأدلجة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي تحول إلى مجرد ميليشيا لحراسة حكم الإسلامويين الأيديولوجي الإقصائي. ثم ما لبث أن تحول من مليشيا جهادية لحراسة مشروع ديني أيديولوجي أحادي، إلى قوة باطشة لحراسة نظام حكم كليبتوقراطي لصوصي، غايته نهب الموارد. وأصبح من ثم أداة تعمل في خدمة طبقة اجتماعية من الإسلاميين، جعلها احتكار السلطة والثروة طبقةً بالغة الثراء. وبهذا وقع الجيش وسائر القوى الأمنية في حفرة الزبائنية التابعة للطبقة الثرية المتجبرة الحاكمة. والآن، اتضح عمليًا، وبما لا يقبل الجدل، أن البلاد تحتاج جيشًا مهنيًا جديدًا، تمام الجدة، وتحتاج، كذلك، منظومةً أمنيةً جديدة أيضًا. ويقتضي تأسيس الجيش الجديد تغييرًا في مناهج الكلية العسكرية، لتحوي بالإضافة إلى العلوم العسكرية العصرية، تغيير تصوُّر ضباط الجيش الخاطئ لأنفسهم. وهو اعتقادهم الخاطئ أن دورهم هو ممارسة الحكم، وليس حماية ثغور البلاد وحراسة الدستور الديمقراطي.
ماهو تصورك لمستقبل علاقات السودان الخارجية، خصوصًا مصر واثيوبيا في الفترة التي ستلي الحرب؟
علاقتنا بمصر بصورتها القائمة الآن، علاقة سامَّة. والذي جعلها سامَّةً هي الأطماع المصرية التاريخية في السودان. مصر تكره أن يكون في السودان حكم ديمقراطي وبرلمان يقرر في السياسات وصحافة حرة تراقب الأداء الحكومي. ظلت مصر على الدوام تفضل وجود ديكتاتور في سدة الحكم في السودان، لتقوم بدعمه للبقاء في السلطة والعمل من أجلها ضد تطلعات شعبه. بهذا يبقى الديكتاتور السوداني أسيرًا لمصر ينفذ لها ما تريده من السودان. ودعونا نستذكر سلوك مصر منذ أن قامت ثورة ديسمبر 2018 ومحاولاتها المتكررة لشق الثوار وإجهاض الثورة وإغراق صفوفها بفلول النظام القديم، من أجل إبقاء العسكر في سدة الحكم.
من الجانب الآخر، فإن لإثيوبيا، هي الأخرى، مطامع في السودان. فعينها على السودان أكثر من عينها على جاراتها الأخريات، خاصة فيما يتعلق بالناحية الاقتصادية، بسبب الإمكانات الهائلة التي لدى السودان. لكن تصحيح العلاقة مع إثيوبيا أسهل، وبما لا يُقاس، من تصحيح العلاقة مع مصر. هاتان الدولتان الجارتان تعانيان من انفجار سكاني ضخم. فكلتاهما تعدى تعداد السكان فيهما المئة مليون نسمة. والسودان بمائه وأراضيه الواسعة وقلة سكانه، مقارنة بمساحته، موضع نظر هاتين الدولتين.
ما ينبغي هو أن تقوم العلاقة مع هذين القطرين الجارين على أساس المصالح المتبادلة، وفق أسس شفافة وعادلة، خادمة لغرض الطرفين. لكن، هذا في نظري، أقرب إلى التحقق مع إثيوبيا منه مع مصر. فمصر سبق أن استعمرتنا، ولا تزال تنظر إلينا كمستعمَرة سابقة وكجزء لا يتجزأ منها جرى اقتطاعه منها. هذا الوضع اصطحب معه نظرةً دونيةً للسودان وللسودانيين، وحصرًا للعلاقة معنا في الإطار الأمني وحده. وهو ما جعل ملف السودان في مصر ملفًا أمنيًا تابعًا لجهاز الاستخبارات وليس لوزارة الخارجية. يزور بلادنا مدير الاستخبارات المصرية عشرات المرات ولا يزورها وزير الخارجية إلا نادرا. وهذا وضع رسخه وأطاله انبطاح العسكريين والسياسيين السودانيين لمصر لأسبابٍ متنوعة، لا يسمح المجال بالخوض في تفاصيلها.
إذا لم يُجبر السودانيون مصر على تصحيح نظرتها إلى السودان ليجري وضع علاقتنا معها في إطار تبادل المصالح المشتركة بندية، فلن يستقر السودان على الإطلاق، ولن يتحقق فيه أي نمو اقتصادي. فمصر تريد السودان مجرد مخزنٍ للمواد الخام رخيصة الثمن، لتضع عليها هي القيمة المضافة لخدمة اقتصادها. ولا يعنيها في هذا إطلاقًا إن جاع شعب السودان، أو تعطلت لديه التنمية الاقتصادية. بل، إن تخلف السودان الصناعي وحكمه بواسطة عملائها من السودانيين إنما يعينها وفقا لنظرتها القاصرة على استنزاف موارده. فهي تمارس نفس النسق الذي فعله المستعمرون الأوربيون في المستعمرات في القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين. وعلينا أن نتذكر أن وقوف مصر إلى جانب البرهان منذ صعوده إلى مجلس السيادة، واشتراكها بفعالية معه لإرباك الثورة وتصفيتها، قد آتى أكله لصالح مصر. فتحكُّم البرهان وشلته في سلطة القرار وقيامه بالانقلاب على رئيس وزراء الفترة الانتقالية عبد الله حمدوك مكن مصر من نهب موارد السودان بصورةٍ لم تتحق لها بتلك الضخامة، في كل تاريخها الطويل، منذ عهود الفراعنة.
نقلا عن صحيفة إدراك
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: خطاب الکراهیة فی السودان خطاب ا
إقرأ أيضاً:
وزير الزراعة يدحض بالأرقام التقارير التي تروج للمجاعة بالسودان
نفى وزير الزراعة والغابات المكلف، د. أبوبكر عمر البشرى، صحة التقارير التي تروج لحدوث مجاعة في السودان، مؤكدًا بالأرقام أن السودان يتمتع بموارد وفرص زراعية هائلة تحول دون وقوع مجاعة.
وفي مؤتمر صحفي عقده ببورتسودان يوم الاثنين، أعلن الوزير عن نجاح الموسم الزراعي الصيفي، مشيرًا إلى الاستعدادات الجيدة للموسم الزراعي الشتوي الذي انطلق في الولاية الشمالية منتصف نوفمبر الجاري.
وأكد الوزير أن المزاعم بشأن وجود مجاعة في السودان تفتقر إلى الأسس العلمية، حيث تعتمد المجاعة على معايير محددة أبرزها معدلات سوء التغذية. وأوضح أن الجهات التي أثارت هذه الادعاءات لم تجمع بيانات أو تجري دراسات حول سوء التغذية، وإنما استندت إلى دوافع سياسية.
وأضاف الوزير أنه تم تدشين حصاد الموسم الصيفي مطلع نوفمبر في ولاية كسلا، كاشفًا أن الإنتاج المتوقع يتراوح بين 7 و8 ملايين طن من الحبوب، وهي كمية تتجاوز احتياجات السودان، ما يؤكد عدم صحة الادعاءات بوجود مجاعة.
وتطرق وزير الزراعة إلى سير التحضيرات للموسم الشتوي مطمئنا الجميع بأن التحضيرات تسير بشكل ممتاز وعبر عن تقدير الوزارة للشركاء من المنظمات الدولية ذات الصلة بالقطاع الزراعي، وتقدير الوزارة لشركات الوقود وكل الجهات التي ساهمت في إنجاح الموسم الصيفي وتساهم في التحضير الجيد للموسم الشتوي .وتناول حجم الدمار الذي حدث بسبب إنتهاكات مليشيا الدعم السريع الإرهابية على القطاع الزراعي، مشيرا إلى أن البلاد رقم ذلك تجاوزت التحدي ومضت وحققت نجاحات في القطاع .سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب