عين على خريف ظفار 2024
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
علي بن سالم كفيتان
زرتُ نهاية الأسبوع المُنصرم، وادي دربات، وحرصتُ على القدوم مُبكرًا، وعقدتُ النيَّة على التجوال في كافة المرافق والأنشطة الموجودة في المكان، والتجرُّد من الصورة النمطية المُسبقة للخدمات السياحية بظفار قدر الإمكان، فقد كتبتُ مقالًا في بداية يونيو الماضي عنونته "أسمع جعجعة ولا أرى طحينًا"، رصدتُ من خلاله تأخر المشاريع التي تمَّ الإعلان عنها مثل ازدواجية بعض الشوارع وتشييد الأنفاق والوجهات السياحية، وفي الحقيقة لاقى المقال متابعة واسعة واهتمامًا بالغًا.
ولعلَّ أكثر ما لفت انتباهي، ردة فعل سعادة الدكتور رئيس بلدية ظفار، الذي قابلته على هامش إحدى الندوات الرسمية، ولمحاسن الصدف تجاورنا في الطاولة، فما كان من أحد الجالسين إلّا أن أثار موضوع المقال، لعله يُريد أن يُثير جدلًا أو يدق إسفينًا بيننا! فكان رد سعادة الدكتور غير مُتوقع للحاضرين؛ ففي العادة يُدافع المسؤول ويختلق الأعذار، ويبحث عن الأسباب، وينفر من كل ناقد أو وسيلة نقد للعمل الذي يشرف عليه، لكن سعادته ردَّ بالقول "إننا نحترم الأقلام الوطنية التي تتطرق لعملنا بمسؤولية ولا نزعم الكمال ونستفيد من كل كلمة صادقة لتطوير العمل في ظفار". وأثنى سعادته على ما نكتُب، ثم وجه الحديث للشخص الذي آثار النقاش قائلًا: "هذا قلم مشاكس ويدعمنا بما يطرح من أفكار ونتقبل النقد البنّاء دائمًا".
بحكم معرفتي بالرجل لا أعتبر ذلك نوعًا من الذكاء العاطفي للمسؤول أو حتى ضربًا من ضروب الدبلوماسية الناعمة التي يلتهم من خلالها حماس الصحافة وشغف الصحفيين، لذلك أردتُ هنا أن أشكر سعادته لتقبله الرأي والرأي الآخر بكل رحابة صدر، في الوقت الذي كتب لي أحد كبار المسؤولين عن التنمية السياحية مُعلقًا على ذات المقال عبارة "هرمت الأقلام هكذا هي الحياة، تعرك الناس بأثفالها"، ولا أُخفيكم سرًا بأنني رجعتُ للمعجم الوسيط لمعرفة معنى كلمة "أثفالها"!!
وبالعودة إلى زيارتي لدربات نهاية الأسبوع المُنصرم، أودُ أن أسرد لكم رحلتي، ومثلما قلت لكم حاولت التخلص من كل أحمال النقد والنظرة السوداوية للموسم السياحي في ظفار التي أراها في كل حدب وصوب. وصلت دربات الهادئة الجميلة في تمام الساعة 11 صباحًا، وكان الجو عليلًا وأزيحت ستارة الضباب لتمنحني مشهدًا كاملًا للمكان، وصَمَتَ المطر احتفالًا بمقدمنا. لم تكن هناك زحمة مركبات، فتوجهت لموقف السيارات الفسيح عند شلالات مدخل الوادي، وسرنا مع جموع السياح المنبهرين بالمكان إلى السواقي الهادئة في ذلك السهل الفسيح، فخُيِّل لي أنها الجنة لوهلة، ثم عدت إلى الدنيا لأكمل طريقي إلى أطراف مزرعة النخيل التي تشرف على الشلال الشهير (جعفر). وبحكم أنني من الريف، فقد كنت أتنقل برشاقة بين السواقي والصخور؛ مما جذب عددًا من السياح السعوديين للسير على إثري، فعادة لا يتوغل إلى هذه المنطقة إلّا القلة، والجميع يحتشدون عند مصب الشلالات. كان المشهد خياليًا من الأعلى؛ فتمنيت لو يتم تدوير المياه عبر مضخات من البحيرة أسفل الشلال إلى الأعلى لتشكل عدة مساقط وتكتمل اللوحة.
عدتُ إلى المواقف مُجددًا، وسلكت طريق المشاة المهيأ بشكل جيد إلى الشلالات، وفي الطريق لفت انتباهي مشروع رائد لأحد الشباب، وهو تأجير عربات لنقل السياح على هيئة "توكتوك"، وذلك من المواقف إلى الشلال، وهي مسافة قصيرة. وركبت إحدى تلك العربات من باب التجربة ودعم الشباب. وفي المكان عدة أكشاك توفِّر المطلوب من الاحتياجات، وعمال النظافة متأهبون، والمكان يعج بالمصطفين على ضفاف البحيرة لتجربة القوارب في بحيرة صغيرة تصب فيها الشلالات، وتمنيتُ أن يتم دمج البحيرة مع البحيرة التي خلفها باتجاه الشلال، لمنح السياح مساحة أوسع ورؤية أفضل.
واستكمالًا للجولة، أوقفت مركبتي عند أول المناشط في الوادي، وهو موقع لتأجير القوارب المائية، واتخذت القرار بأن أسلك طريقي على الضفة مُستمتعًا بكل ما هو موجود، حتى أبلغ الكهف. لقد احتفل الوادي في ذلك النهار، فانقشعت السحب عن منظر رباني بديع؛ شباب عُمانيون يعملون في مشاريعهم بكل تفانٍ، والسياح يتجولون بحرية وسعادة، والجميع يلتقط الصور ويسجِّل الذكريات الجميلة من هذا المكان البديع. أطفال يمتطون الخيل ويتمتعون بالسير على ضفاف نهر دربات العظيم. جلستُ في المحطة الثانية لتأجير القوارب لجمال تصميم تلك القوارب؛ حيث إنها من الخشب الماهوجني، وكراسيها مبطنة بقماش بدوي جميل، ولها ستائر بيضاء ناصعة تداعبها النسمات. تلك الألوان مع خُضرة المكان وخلفية المياه والقهوة الساكنة في وسط البحيرة، أوجدت تحفة لا يمكن تجاوزها، وطلبت من مرافقي الذهاب لكشك التذاكر وحجز الجولة. ومنحنا صاحب المكان سعرًا تفضيليًا لا يُقاس بفخامة الناقل وجمال المكان. أبحرت الخشبة في دربات، فتسمرت على ذلك المقعد مُستمتعًا بكل ما حوالي، فقد أطلت علينا الشمس بحياء، ثم عادت لتحتجب خلف السحاب، ومررنا بأُسر مُبتهجة يُبحرون معنا في ذات البحيرة؛ عمانيون وخليجيون وعرب وأجانب، جميعهم مبهورين، وكل واحد يحاول جاهدًا توثيق هذه اللحظات الاستثنائية؛ صغارًا وكبارًا. كان القبطان يسير ببطء غير معتاد، ومررنا على النافورات المائية والأكواخ المصفوفة بانتظام ودقة على ضفاف البحيرة.
وبعد العودة إلى المرسى أكملنا الجولة، لنختار مقهى يقدم المأكولات المحلية، واستمتعنا بالغداء في هدوء وسكينة مع سقوط الشلالات الاصطناعية من الضفة الأخرى، ولفت انتباهي جمال التصميم لواجهة البحيرة الشمالية من ممرات ومنصات، وتمنيتُ أن تستمر إلى نقطة البداية عند موقع تأجير القوارب الأول الذي بدأت جولتنا من عنده.
اختتمنا جولتنا بزيارة واجهة الشلال المطل على سمهرم، لنُلقي نظرتنا الأخيرة عن كثب على شلال جعفر المنهمر، قبل تسجيل الخروج من دربات؛ حيث قضينا قرابة 7 ساعات، لم نحس بها مطلقًا، وهنا نسجل كلمة شكر لبلدية ظفار على تحمُّلها كامل المشهد السياحي في ظفار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: رحلة الإسراء والمعراج أخذت بيد النبي ليتجاوز عوالم المكان والزمان
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن رحلة المعراج هي إعجاز فريد خص الله سبحانه به سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ ، دون غيره من الخلائق .، ففي لحظة لطيفة خاطفة ، صعد النبي ﷺ من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا , ومنها إلى سدرة المنتهى ، وهو ما يعد كشفا كليا للغيب , وخروجا كاملا عن قوانين الأرض , وتجاوزا لا تستطيع بلوغه حواس الإنسان ومداركه.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه مما يجدر ذكره في هذه المعجزة الكبرى أنها أخذت بيد النبي ﷺ ليتجاوز عوالم الكون ومحددات الوجود , وهي عوالم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
أما عالم الزمان : فقد طوى الله عز وجل لنبينا ﷺ الزمان بما لا تبلغه العقول ولا تستوعبه الأفهام ، إلا إذا أدركت تلك العقول نفحات من الإيمان.
وأما عالم المكان : فإنه ﷺ تجاوز كل مكان بلغه مخلوق , سواء كان مبيًا مقربًا أو ملكًا مرسلاً , حيث تجاوز السماوات السبع إلى سدرة المنتهى , إلى حيث شاء الله عز وجل ، بما لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر.
وتجاوز أيضًا عالم الأشخاص : مع ما لهم من الحب والكرامة عند الله سبحانه , سواء كانوا أنبياء مرسلين أو ملائكة مقربين , بداية من آدم في السماء الأولى ، مرورًا بعيسى وموسى من أولي العزم ، حتى أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم. بل تجاوز الأمين جبريل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين , حيث قال له نبينا ﷺ : "أفي هذا المكان يفارق الخليل خليله؟" فأشار جبريل إلى قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}.
وبخصوص عالم الأحوال : فقد فاق رسول الرحمة ﷺ كل المقامات , وبلغ أعلى الرتب والدرجات. فقد تجاوز مراتب المرسلين , ومرَّ على أحوال الملائكة المقربين الذين وصفهم الله بقوله : {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} . وقال ﷺ عن السماوات: "ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" ، ولم يتحمل سيدنا جبريل أنوار جلال الله تعالى , فترك رسول الله ﷺ يدخل على تلك الأنوار وحده , ويتلقى الوحي والعلم والفضل من الله عز وجل دون واسطة جبريل , ليفضل الجميع بما تلقاه في تلك الحال , ويتحقق تفرده كما قال سبحانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
ولقد ظهرت هذه المعاني كلها بعوالمها الأربعة في قوله تعالى:
{وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}.