جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@00:34:13 GMT

شبكات التواصل تقود التغيير

تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT

شبكات التواصل تقود التغيير

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

غريزة البقاء من أهم الغرائز الإنسانية، ونراها جليّا عند الطفل الذي يستكشف ما حوله، فيتعلم الحذر وتجنّب المخاطر، لكن هذا لا ينطبق على كل شيء في حياتنا، فمنذ دخول التكنولوجيا في حياتنا،كانت ثقة بني البشر عمياء، يساقون إلى المخاطر مع إدراك تام أنهم وأحباءهم قد يعانون في مرحلة ما.

حقيقةٌ قد ينكرها البعض، لكن واقع الحال يقول إننا قد نخاف على أبنائنا من السفر أو الخروج ليلًا أو التحدث مع أصدقاء السوء، لكننا لا نخاف عليهم من شبكات التواصل الاجتماعي، والغرف الافتراضية المغلقة، ولا من أصدقائهم الافتراضيين، ولا من مصادر المعلومات المجهولة، التي تُقدِّم لهم إجابات عن أية أسئلة دون أن نعلم أهداف المصدر الذي يقدّم معلومات مجانية، بلا مقابل في عالم مادي قائم على المصالح المُتبادلة!

في هذا التوقيت، لا نستغرب من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي وجّه خطابًا شديد اللهجة لشركات التواصل الاجتماعي بشأن دورها في منع التحريض؛ وذلك أعقاب الاحتجاجات العنيفة التي طالت عدة مدن بريطانية، بسبب خبر مُضلِّل جرى تداوله في شبكات التواصل الاجتماعي. ولا من استياء رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم من حذف منشوراته بشأن غزة، ولا من قرار السلطات التركية حجب شبكات التواصل نتيجة حذفها منشورات تركية، ولا من تقرير يؤكد أنَّ الشركات التكنولوجية الكبرى تشارك في حرب غزة بخدمات الذكاء الاصطناعي الذي تقدمه للاحتلال!

أثبتت شركات شبكات التواصل الاجتماعي حقيقة تمتعها بـ"الحيادية"، ونشرها لـ"حرية التعبير والديمقراطية المشروطة"، فمع تكرار حوادث العنف والثورات والقلاقل في الدول التي سمحت لتلك الشركات أن تُقدِّم خدماتها التي عادة ما تطلق شبكات التواصل الشرارة الأولى لإذكاء الفتن. وما زلنا نشاهد جيوشًا من الذباب الإلكتروني النشط الذي يُوظِّف إمكانيات مالية ضخمة للنيل من دولة ما، وزعزعة أمنها أو رسم صورة مغايرة لحقيقة مجتمعها لأهداف سياسية واقتصادية.

شاهدنا كيف وظّفت شركات التكنولوجيا خدماتها للتجسس على أشخاص ومواقع في مناطق النزاعات والحروب. وشاهدنا كيف ساهمت شبكات التواصل والقنوات المُتلفَزة المدفوعة والمجانية على حد سواء وغيرها من وسائل التواصل التكنولوجي، في تغيير العادات والقيم، حتى فقدت الأُسرة القدرة على التحكم في بوصلتها الأخلاقية، وشاهدنا كيف أصبحت السلوكيات المنبوذة مجتمعيًا عادات طبيعية لمن يبحث عن التحضر، وشاهدنا التفاخر والتباهي بالثراء دون مراعاة لمشاعر الفقراء، وشاهدنا بعضًا من محبي التصوير يخسرون حياتهم من أجل لقطة تجلب لهم متابعات لكنها سلبت حياتهم.

لن أستطيع في هذه المساحة تسطير كل الأمثلة التي تقودنا إلى حقيقة أننا كمجتمعات عربية لم نتعامل مع شبكات التواصل بإيجابية مطلوبة؛ بل تركناها تقود حياتنا إلى حيث تريد، لم نفعل كما فعلت بعض الدول التي فرضت قيودًا ومراقبة على المحتوى وبث رسائل تحذيرية توعوية للمتصل قبل إرسال أي محتوى حساس وفق معايير وضعتها الدولة، كي لا تقع في فخ الفوضى. وتمكنت من توظيف الشبكات وإبتكار شبكات أخرى لخدمة مجتمعها وصون مكتسباتها، كما قننت تداول شبكات التواصل حتى تصبح بمنأى عن مرمى التدخل الخارجي إلى حد ما.

وتعدّ الصين من الدول التي تتمتع بتنوع ثقافي وخصوصية استطاعت إلى حد كبير الحفاظ عليها من الوارد الخارجي؛ فالسلطات الصينية اتخذت من التدابير التي تحمي ثقافة المجتمع في نفس الوقت الذي تواكب التطور الحضاري والتقني. ومنذ تسعة أعوام تقريبا نظّمت الدولة حملة لتنقية البيئة الثقافية على شبكة الإنترنت من خلال حذف ومنع المحتويات التي تتعارض مع القيم المجتمعية، من أجل خلق بيئة مجتمعية صحية، ومتحضرة تشجع على نشر المحتوى الاجتماعي الهادف والإيجابي الصادق والمتزن، ونبذ كل ما يروج للتفاخر والثروة ومستفز لمشاعر الغير، في إطار مساعي الدولة لمعالجة الهوة في مستويات الدخل.

نحن نمر بمرحلة استثنائية، وحسّاسة في تاريخ الحضارة، يعيش العالم فيها إضرابات سياسية واقتصادية واجتماعية، مع تفشي العنصرية والعنف والغضب واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء؛ مما يتطلب الحذر ورفع مستوى الوعي المجتمعي والمؤسسي كحالة استثنائية.

ويستوجب اليوم وقبل أي وقت مضى، أن نتعلم مما حدث في المجتمعات الأخرى، والتي اتخذت تدابير أكثر صرامة لتقنين شبكات التواصل والإنترنت وتبني فكرة إنشاء شبكات محلية بديلة عن الشركات الأجنبية؛ فشبكات التواصل ليست بريئة؛ فهي شركات تهدف إلى الربح دون معايير أخلاقية، ولا يمكننا أن نتعامل معها كوسيلة تواصل بدون محاذير وضوابط مقننة وإيجاد بدائل محلية وشبكات مغلقة لا تفصلنا عن الأحداث المُهمة بالعالم، لكنها تحمينا من موجات التفاهة والتحريض والتدجين والانسلاخ الخلقي.

روّجت شركات التكنولوجيا الكبرى مسمى التواصل الاجتماعي للترويج لشبكاتها استغلالًا لغريزة أساسية في الإنسان وهي التواصل والاتصال مع الغير. في حين أن شبكاتها تسببت في انعزال المستهلكين وانفصالهم عن واقعهم وحياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وإلى تبنِّي ممارسات أكثر أنانية وحبًا للذات وتقليد الآخرين حتى باتت المجتمعات التي تستهلك منتجاتهم متشابهة في كل شيء.

حان الوقت الذي نفقد به الثقة في شركات التكنولوجيا الأجنبية، ونحن نملك من العقول والموارد أن نصنع إنجازًا في العالم التقني.. إننا في هذه المرحلة الفاصلة من الحضارة نحتاج إلى توظيف إمكانياتنا المحلية والعقول المبدعة للنهوض باستراتيجية ثقافية توعوية تستنهض التواصل الإنساني الطبيعي، وأن يصبح التواصل الاجتماعي التقني وسيلة لا يفصلنا عن العالم لكنه يُساعدنا على بناء الداخل للخروج إلى العالم بقيم وثقافة صادقة خالية من القيم المادية الجوفاء. نحن على بُعد خطوة من التغيير، قد نقود التغيير أو أن التغيير يقودنا إلى حيث لا ندري!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: العالم يترقب القمة العربية.. ومصر تقود خطة لإعادة إعمار غزة «فيديو»

أكد الإعلامي أحمد موسى أن العالم كله يترقب القمة العربية المرتقبة غدًا الثلاثاء، والتي ستعقد في تمام الساعة الثامنة مساءً، مشيرًا إلى أن الاجتماع لا يقتصر فقط على الدول العربية، بل يشهد اهتمامًا دوليًا واسعًا، حيث وصل اليوم الأمين العام للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يصل غالبية قادة الدول غدًا للمشاركة.

وقال الإعلامي أحمد موسى خلال تقديم برنامجه «على مسئوليتي» عبر قناة «صدى البلد» أن مصر تعمل منذ فترة طويلة على خطة متكاملة لإعادة إعمار وإدارة قطاع غزة، مشددًا على ضرورة مراعاة مصالح الشعب الفلسطيني أولا، في ظل التحديات الراهنة.

وأشار إلى أن القمة العربية تمثل «آخر ورقة» يمكن تقديمها في هذا الملف، مؤكدًا أن الخطة المصرية تحظى بتوافق عالمي، وتسعى إلى تفادي أي رفض أمريكي، مع الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيين.

وحذر «موسى» من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يستعد لشن حروب جديدة خلال الأيام العشرة المقبلة، بهدف تهجير الشعب الفلسطيني قسريًا، لافتا إلى أن الكنيست الإسرائيلي شهد اليوم نقاشًا حادًا حول «التهجير الطوعي» للفلسطينيين، وسط حالة من التوتر السياسي في إسرائيل.

اقرأ أيضاًتسارع الوفود.. القادة العرب يتوافدون على القاهرة لحضور «القمة العربية الطارئة»

تهديدات باستئناف القتال.. إسرائيل تدق طبول الحرب قبل القمة العربية الطارئة

مصطفى بكري: مخرجات القمة العربية المقبلة في القاهرة ستكون حاسمة

مقالات مشابهة

  • أحمد موسى: العالم يترقب القمة العربية.. ومصر تقود خطة لإعادة إعمار غزة «فيديو»
  • مدفع رمضان الحلقة 3: البرنامج الذي يتفوق على المسلسلات ويضج بالفرح والتفاعل الاجتماعي
  • خيط الجريمة.. الخلافات المالية تقود النيابة لكشف المتهم بقتل نقاش بالقاهرة
  • مجلس الضبيب الرمضاني: تقليد سنوي لتعزيز التواصل الاجتماعي
  • كيف ندمن وسائل التواصل الاجتماعي؟ السر في الهرمونات والإجهاد
  • البليدة: تفكيك شبكات إجرامية مختصة في ترويج المخدرات مع حجز أسلحة نارية وبيضاء
  • مصر تقود جهودا إقليمية متواصلة لدعم تسوية القضية الفلسطينية
  • روساتوم تقود تدريبًا دوليًا لإعداد خبراء الطاقة النووية من بينهم مصر
  • شاهد بالفيديو.. طيار حربي سوداني يبهر المواطنين الجالسين أمام النهر بمدينة شندي باستعراضه بطائرته التي كادت أن تلامس الماء ومتابعون: (ناس شندي يتابعون فيلم أكشن على الهواء مباشر)
  • اقتراحات طبية لتنظيف بشرة الوجه.. بعيداً عن توصيات التواصل الاجتماعي