جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-10@17:26:54 GMT

حتى لا تتشوَّه هُويَّتنا

تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT

حتى لا تتشوَّه هُويَّتنا

 

د. صالح الفهدي

 

الحفاظُ على الهُويَّة لا يكمنُ في تقييدها، ولا في تركها تنفلتُ دون عقالٍ، وإِنَّما في رعايتها، وتعهُّدها، وتجديدها بما يؤصِّلها، ويرسِّخُ مبادئها، ويشدُّ على ضوابطها، وعلى هذا نقولُ بأنَّ الهويَّة الوطنية تواجهُ تحديات جسيمةٍ يأتي أهمُّها من أهلها، وليس من الخارج! وكلَّها تسعى إمَّا إلى تذويبها، أو إعادة تشكيلها، أو تشويهها!

ها هو التسابقُ نحو المسمِّيات الأجنبية على أَشدُّه بين أهل البلد، كلُّ واحدٍ ينتقي المسمَّى الذي يعرفُ معناه والذي لا يعرفُ معناه! سألتُ أحد أصحاب الأنشطةِ عن معنى مسمَّى فرنسي وضعه على لافتةِ نشاطه، فقال: لا أعرف، فقد جاءتْ إحدى الفرنسيات وأسمت النشاط بهذا الاسم، وأُخبِرتُ أن صاحبةَ أعمال سُئلت عن معنى الاسم الذي اختارته لمحلِّها: فضحكت وفقالت لا أعرف، ابحثوا أنتم عن معناه!!

لكنَّ هناك في المقابل من يعرف معاني المسمِّيات فيُعليها في نفسه على لغته، ويراها عظيمةً، فخمةً، دون الحاجةِ إلى ذكرها، وهي من المسمّيات التي لا صلةَ لها بالعربية رأس هويتنا، وأصل لساننا، وليس من سبب وراءَ ذلك سوى إعطاءِ المكانِ فخامةً كما يظنُّ من سمَّاها.

لكن الفخامة الأصيلة تأتي من التشبُّث باللغة العربية وهي أعظم اللغات، لا تجاريها لغةٌ في العالم قوةً، واتساعًا، وعمقًا، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

أنا البحرُ في أرجائه الدرُّ كامنٌ // فهل سألوا الغوَّاص عن صدفاتي؟

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني // ومنكم وإِن عزَّ الدواءُ أُساتي!

لنكنْ صريحين غاية الصراحة بأنَّ تفضيل المسميات الأجنبية في اللافتتات التجارية، وأسماء المشاريع، والمراكز التجارية وغيرها إنَّما هو سعي إلى تذويب الهوية الوطنية، وتشويهٌ لها، فالمسميات الأجنبية ما هي إلا إعلانات مجَّانية لتغليب اللغات الأُخرى على اللغة العربية التي هي معقلُ هويتنا، وأصلُ حضارتنا وعراقتنا!

ومن الغريبِ أن يأتي اليمني، والشامي، والمصري، والتركي إلى البلد فيختارُ مسمِّيات اللوائح التجارية لنشاطه من بيئات وثقافات وطنه، وذلك ترسيخًا لهويتهِ، وحفاظًا على أصالته، بينما تجدُ من أبناءِ البلدِ من يهرعون إلى المسميات الأجنبية فيفضلونها على المفردات النابعة من لغتهم العربية!

ومن المتناقضات أن الأجنبي نفسه الذي ينقلُ البعضُ من لغته المسميات لمشاريعه لا يكترثُ للغةِ العربية، فلا يسمِّي شارعًا، ولا مركزًا، ولا مشروعًا تجاريًا باسمٍ تجاري فذلك لا يعنيه على الإِطلاق، بل يراهُ أمرًا شاذًا لا يقبلهُ منطق العقل، ولا ترتضيه هويَّته الوطنية والقومية.

ولننظر إلى اليابان التي تحرصُ على المسميات اليابانية لكل ما تنتجه، فسيارة تويوتا تعنى الحقل الوفير، ونيسان تعنى أن السيارة إنتاج اليابان، وهوندا تعني الحقل، أما شركاتها من أمثال سوني، وبانسونيك، وشارب، وكانون فكلُّها من اللغة اليابانية وليست مستوردة من الخارج، ولم يدر في خُلد اليابانيين أن عالميَّتهم يجب أن تكون على حساب لغتهم، وهويتهم، فأسموا منتجاتهم بلغتهم فأصبحت عالميةً، فرضت على كلِّ الشعوب نطقها بغضِّ النظر عن معرفتهم لمعانيها اليابانية.

إذن لماذا لا نحرصُ نحن على لغتنا العظيمة التي هي رأسُ مالِ هويتنا، ومصدرُ حضارتنا، وأساسُ تاريخنا، وقاعدةُ قيمنا، وهي لغة دستورنا العظيم، وديننا الحنيف؟! هل عجزنا على أن نجد أسماءَ عربية لمشاريعنا؟ هل نشعرُ بالدونية إن اعتززنا بلغتنا العربية؟ هل ننتصرُ للغةِ لا شأنَ لنا بها ونخذلُ لغتنا؟

على هذا الأساس، فإنني لأرجو من رجالات الدولةِ، أصحاب القرارات، أن يوقفوا هذه الظاهرة التي تتوسَّع بصورة متسارعة، وأن يُمهلوا أصحاب المشاريع فترةً محدَّدةً لتغيير أسماء مشاريعهم إلى أسماء عربية بديلة، وألا يسمحوا لأي مسمَّى أجنبية عدا تلك التي تحملُ أسماء الوكالات الخارجية فهذا أمرٌ مسلَّمٌ به.

لا نريد لهويتنا أن تتشوَّهَ بهذه الممارسات الخارجة من إطارِ المسؤولية الوطنية؛ بل نحثُّ كل غيور على أن ينتصر لهويته، وحضارته، وتاريخه؛ لأن العواقب غير حميدة في اتجاه تشويه الهوية، لا يدركها إلا أصحاب البصائر الثاقبة، والرؤية البعيدة، أما غيرهم فيبادرون بالإنتقادِ والتذمر ورمي المنتصر لهويته بالرجعية والتخلف وهؤلاءِ هم السَّطحيون الذين لا يبصرون العواقب القادمة لأوطانهم.  

في الختام.. أقول إنَّ الحفاظ على الهوية أفعالٌ وليست أقوال، أعمالٌ وليست شعارات، وهذا ما نأملُ أن نراهُ في الوطنِ الذي ولدنا ونشأنا وكبرنا فيه، الوطن الأصيل الحضارة، السَّامي القيم، العليِّ المبادئ.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إطلاق أسماء الأبطال البارالمبيين على مراكز الشباب أسوة بالأوليمبيين

تواصل الدكتور أشرف صبحي وزير الرياضة، عبر تقنية الفيديو كونفرانس مع أبطال مصر الحاصلين على ميداليات فى دورة الألعاب البارالمبية، بحضور الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق.

إشادة بنتائج البعثة المصرية في البارالمبياد

وخلال اللقاء، أشاد وزير الشباب والرياضة بنتائج البعثة المصرية المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية بباريس، وحصولها على 7 ميداليات متنوعة، مشيرا إلى الدعم الكبير والمتواصل من القيادة السياسية لكل الأبطال الرياضيين في مختلف الرياضات، مؤكداً أن لاعبي مصر في البارالمبياد نجحوا في رفع اسم مصر عاليا، وتحقيق نتائج مميزة.

وأشار «صبحي» إلى أن الدولة المصرية تولي اهتماما خاصا بالأبطال البارالمبيين، وهناك مساواة بينهم وبين الأبطال الأولمبيين، موضحا أن الدولة تهتم بكل ما يخص البطل الرياضي، وحرصها على توفير الإمكانيات اللازمة لتحقيق أفضل النتائج واعتلاء منصات التتويج.

إطلاق أسماء الأبطال على مراكز الشباب

وأكد الدكتور أشرف صبحي أنه سيتم إطلاق أسماء أبطال ميداليات الدورة البارالمبية على مراكز الشباب، أُسوه بالأبطال الأوليمبيين، مشيراً إلى هناك تجهيزات لإستقبال الأبطال البارالمبيين بمطار القاهرة، فور عودتهم من باريس.

وخلال اللقاء، هنأ الدكتور علي جمعه الأبطال البارالمبيين علي النتائج المبهرة التي حققوها، معرباً عن سعادته بالتواصل معهم ومشيداً بالإنجازات والجهود التي بذلوها خلال الإعداد وأثناء البطولة، وصولاً باعتلاء منصات التتويج.

مقالات مشابهة

  • إصابة 11 شخصًا إثر تصادم "سيارة وتروسيكل" بالبحيرة (أسماء)
  • أسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن
  • .. والتهمة (تشابه أسماء)!!
  • إطلاق أسماء الأبطال البارالمبيين على مراكز الشباب أسوة بالأوليمبيين
  • عــــــاجل: صدور حكم بإعدام متهمين في اغتيال الشيخ العدني بعد إغلاق باب المرافعات (أسماء)
  • خالفوا التسعيرة.. محاضر ضبط بحق أصحاب مولدات في هذه المناطق
  • “الخارجية” تدعو مرشحين لإجراء مقابلات شخصية (أسماء)
  • ننشر أسماء ضحايا بالوعة الصرف الصحي بالبدرشين
  • أسماء لرسول الله لا تعرفها.. الماحي والعاقب والمُقفي
  • الجمارك تدعو مخالفين لتصويب أوضاعهم (أسماء)