جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@09:39:36 GMT

حتى لا تتشوَّه هُويَّتنا

تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT

حتى لا تتشوَّه هُويَّتنا

 

د. صالح الفهدي

 

الحفاظُ على الهُويَّة لا يكمنُ في تقييدها، ولا في تركها تنفلتُ دون عقالٍ، وإِنَّما في رعايتها، وتعهُّدها، وتجديدها بما يؤصِّلها، ويرسِّخُ مبادئها، ويشدُّ على ضوابطها، وعلى هذا نقولُ بأنَّ الهويَّة الوطنية تواجهُ تحديات جسيمةٍ يأتي أهمُّها من أهلها، وليس من الخارج! وكلَّها تسعى إمَّا إلى تذويبها، أو إعادة تشكيلها، أو تشويهها!

ها هو التسابقُ نحو المسمِّيات الأجنبية على أَشدُّه بين أهل البلد، كلُّ واحدٍ ينتقي المسمَّى الذي يعرفُ معناه والذي لا يعرفُ معناه! سألتُ أحد أصحاب الأنشطةِ عن معنى مسمَّى فرنسي وضعه على لافتةِ نشاطه، فقال: لا أعرف، فقد جاءتْ إحدى الفرنسيات وأسمت النشاط بهذا الاسم، وأُخبِرتُ أن صاحبةَ أعمال سُئلت عن معنى الاسم الذي اختارته لمحلِّها: فضحكت وفقالت لا أعرف، ابحثوا أنتم عن معناه!!

لكنَّ هناك في المقابل من يعرف معاني المسمِّيات فيُعليها في نفسه على لغته، ويراها عظيمةً، فخمةً، دون الحاجةِ إلى ذكرها، وهي من المسمّيات التي لا صلةَ لها بالعربية رأس هويتنا، وأصل لساننا، وليس من سبب وراءَ ذلك سوى إعطاءِ المكانِ فخامةً كما يظنُّ من سمَّاها.

لكن الفخامة الأصيلة تأتي من التشبُّث باللغة العربية وهي أعظم اللغات، لا تجاريها لغةٌ في العالم قوةً، واتساعًا، وعمقًا، يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

أنا البحرُ في أرجائه الدرُّ كامنٌ // فهل سألوا الغوَّاص عن صدفاتي؟

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني // ومنكم وإِن عزَّ الدواءُ أُساتي!

لنكنْ صريحين غاية الصراحة بأنَّ تفضيل المسميات الأجنبية في اللافتتات التجارية، وأسماء المشاريع، والمراكز التجارية وغيرها إنَّما هو سعي إلى تذويب الهوية الوطنية، وتشويهٌ لها، فالمسميات الأجنبية ما هي إلا إعلانات مجَّانية لتغليب اللغات الأُخرى على اللغة العربية التي هي معقلُ هويتنا، وأصلُ حضارتنا وعراقتنا!

ومن الغريبِ أن يأتي اليمني، والشامي، والمصري، والتركي إلى البلد فيختارُ مسمِّيات اللوائح التجارية لنشاطه من بيئات وثقافات وطنه، وذلك ترسيخًا لهويتهِ، وحفاظًا على أصالته، بينما تجدُ من أبناءِ البلدِ من يهرعون إلى المسميات الأجنبية فيفضلونها على المفردات النابعة من لغتهم العربية!

ومن المتناقضات أن الأجنبي نفسه الذي ينقلُ البعضُ من لغته المسميات لمشاريعه لا يكترثُ للغةِ العربية، فلا يسمِّي شارعًا، ولا مركزًا، ولا مشروعًا تجاريًا باسمٍ تجاري فذلك لا يعنيه على الإِطلاق، بل يراهُ أمرًا شاذًا لا يقبلهُ منطق العقل، ولا ترتضيه هويَّته الوطنية والقومية.

ولننظر إلى اليابان التي تحرصُ على المسميات اليابانية لكل ما تنتجه، فسيارة تويوتا تعنى الحقل الوفير، ونيسان تعنى أن السيارة إنتاج اليابان، وهوندا تعني الحقل، أما شركاتها من أمثال سوني، وبانسونيك، وشارب، وكانون فكلُّها من اللغة اليابانية وليست مستوردة من الخارج، ولم يدر في خُلد اليابانيين أن عالميَّتهم يجب أن تكون على حساب لغتهم، وهويتهم، فأسموا منتجاتهم بلغتهم فأصبحت عالميةً، فرضت على كلِّ الشعوب نطقها بغضِّ النظر عن معرفتهم لمعانيها اليابانية.

إذن لماذا لا نحرصُ نحن على لغتنا العظيمة التي هي رأسُ مالِ هويتنا، ومصدرُ حضارتنا، وأساسُ تاريخنا، وقاعدةُ قيمنا، وهي لغة دستورنا العظيم، وديننا الحنيف؟! هل عجزنا على أن نجد أسماءَ عربية لمشاريعنا؟ هل نشعرُ بالدونية إن اعتززنا بلغتنا العربية؟ هل ننتصرُ للغةِ لا شأنَ لنا بها ونخذلُ لغتنا؟

على هذا الأساس، فإنني لأرجو من رجالات الدولةِ، أصحاب القرارات، أن يوقفوا هذه الظاهرة التي تتوسَّع بصورة متسارعة، وأن يُمهلوا أصحاب المشاريع فترةً محدَّدةً لتغيير أسماء مشاريعهم إلى أسماء عربية بديلة، وألا يسمحوا لأي مسمَّى أجنبية عدا تلك التي تحملُ أسماء الوكالات الخارجية فهذا أمرٌ مسلَّمٌ به.

لا نريد لهويتنا أن تتشوَّهَ بهذه الممارسات الخارجة من إطارِ المسؤولية الوطنية؛ بل نحثُّ كل غيور على أن ينتصر لهويته، وحضارته، وتاريخه؛ لأن العواقب غير حميدة في اتجاه تشويه الهوية، لا يدركها إلا أصحاب البصائر الثاقبة، والرؤية البعيدة، أما غيرهم فيبادرون بالإنتقادِ والتذمر ورمي المنتصر لهويته بالرجعية والتخلف وهؤلاءِ هم السَّطحيون الذين لا يبصرون العواقب القادمة لأوطانهم.  

في الختام.. أقول إنَّ الحفاظ على الهوية أفعالٌ وليست أقوال، أعمالٌ وليست شعارات، وهذا ما نأملُ أن نراهُ في الوطنِ الذي ولدنا ونشأنا وكبرنا فيه، الوطن الأصيل الحضارة، السَّامي القيم، العليِّ المبادئ.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري

 

 

نيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، ترأس سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، وفد دولة الإمارات في القمة العربية غير العادية بشأن تطورات القضية الفلسطينية، والتي افتتح أعمالها أمس في القاهرة فخامة عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة.
شارك في القمة عدد من قادة الدول العربية ورؤساء حكوماتها وممثليها بجانب ممثلي عدد من المنظمات الإقليمية والدولية.
وضم وفد الدولة المشارك كلا من، معالي علي بن حماد الشامسي الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، ومعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، ومعالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي عضو مجلس الوزراء وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، ومعالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان وزير دولة، ومعالي خليفة بن شاهين خليفة المرر وزير دولة، ومعالي لانا نسيبة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية.وام


مقالات مشابهة

  • أسماء 8 من كبار قادة الحوثيين طالتهم عقوبات أمريكية جديدة.. تعرف عليهم والدور الذي يقومون به
  • أسعار العملات العربية و الأجنبية في مصر اليوم.. الأربعاء 5-3-2025
  • نيابة عن رئيس الدولة.. منصور بن زايد يرأس وفد الإمارات في القمة العربية غير العادية التي افتتح أعمالها الرئيس المصري
  • نص كلمة الرئيس اليمني أمام القمة العربية في القاهرة
  • حماس: نرحب بخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية
  • القمة العربية غير العادية تعلن الرفض المطلق لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم
  • الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني
  • أسعار العملات العربية الأجنبية في مصر اليوم.. الثلاثاء 4-3-2025
  • شيخ الأزهر: ندعو الله أن يوفِّق القادة العرب في القمة العربية ووضع حدٍّ للغطرسة والفوضى التي يتعامل بهما الداعمون للكيان المحتل
  • “النقل” تُعلن فرض عقوبات وغرامات مالية للشاحنات الأجنبية المخالفة التي تُمارس نقل البضائع داخل المملكة