الميزان: السيولة النقدية بغزة في سياق الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
غزة - صفا
قال مركز الميزان لحقوق الإنسان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي سعت منذ بدء عدوانها على قطاع غزة، إلى تدمير مقومات الحياة كافة، وأمعنت في استخدام جميع الوسائل والإجراءات، التي من شأنها أن تلحق أذىً واسعاً بالمدنيين في سياق الإبادة الجماعية، وتتمادى في خلق ظروف معيشية غير إنسانية وقاهرة من خلال تعمد استهداف القطاعات والمصادر التي لا غنى عنها لحياة السكان، كاستهداف مصادر الغذاء والمياه، وتدمير القطاع الصحي والبيئي، والتعليمي والاقتصادي.
وأضاف الميزان في تقرير له يوم الإثنين، أن قطاع غزة يعيش منذ شروع قوات الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية، أزمة سيولة نقدية شديدة ومستمرة، بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل وتدمير غالبية البنوك وأجهزة الصراف الألى ومنع دخول الأموال ونقلها.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تمنع وصول السيولة النقدية الضرورية لعمل المصارف بالعملات المختلفة ولاسيما الشيكل الإسرائيلي الذي يشكل عملة التداول الرئيسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما خلق أزمة في توفر السيولة المالية غير مسبوقة في قطاع غزة.
وأكد أن أزمة نقص السيولة تؤثر على المواطنين بشكل مباشر، وتضاعف من التحديات التي تواجههم بشكل يومي، وتحول دون قدرتهم على سحب أموالهم من البنوك سواء رواتب وأجور الموظفين أو صناديق التوفير والودائع أو تلقي التحويلات الخارجية من الأقارب والأصدقاء.
وأوضح الميزان في تقريره، أن المصارف في فلسطين تخضع لإشراف سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية، ولكن الاقتصاد الفلسطيني بما في ذلك سلطة النقد والبنوك يخضع لإشراف ورقابة مباشرة من وزارة المالية الإسرائيلية وفقاً لاتفاقية باريس الاقتصادية لعام 1994، والتي منحت الكيان الإسرائيلي الحق في استقطاع الضرائب والمكوس وجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، على أن تحولها شهرياً إلى سلطة النقد، بعد موافقة وتوقيع وزارة المالية الإسرائيلية، وهو ما يعرف بأموال المقاصة، التي تمثل المصدر الأكبر لتمويل موازنة السلطة ومجمل إيراداتها المالية.
وبيّن أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في تغريدة على حسابه على منصة "إكس"، أنه يرفض تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى أنه لن يمدد التصريح للبنوك التي تتعامل مع بنوك السلطة الفلسطينية.
وبحسب التوزيع الجغرافي لسلطة النقد، فإن عدد البنوك العاملة في قطاع غزة هي (10) بنوك، و(56) فرعاً ومكتباً، و(84) صرافاً آلياً.
وكانت سلطة النقد الفلسطينية قالت في تصريح صحفي صادر عنها في 5 مايو الماضي، إن جميع فروع ومكاتب البنوك الفلسطينية في محافظة غزة والشمال متوقفة عن العمل منذ اليوم الأول لبداية العدوان، مضيفة: "وفي وقت لاحق مع اجتياح مدينتي خانيونس رفح توقف العمل بشكل كامل في كافة فروع ومكاتب البنوك جنوبي قطاع غزة، ولم يعد يعمل في قطاع غزة سوى فرعين فقط من فروع بنك فلسطين في المحافظة الوسطى، هما: فرع النصيرات، وفرع دير البلح".
نقص السيولة النقدية
وأشارت سلطة النقد في بيان صادر عنها في 24 مارس الماضي، إلى وجود أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي المواطنين وفي الأسواق بقطاع غزة، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة وتعذر فتح ما تبقى من الفروع للقيام بعمليات السحب والإيداع في محافظات القطاع كافة، بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
من جهته، قال الموظف الحكومي فادي الشيخ يوسف، إنه "حاول أكثر من 20 مرة سحب راتبه عن طريق الصراف الآلي الوحيد الذي كان يعمل في رفح بداية الحرب، لكنه فشل رغم ذهابه في وقت مبكر جداً والتزامه بالطابور، إلا أنه لا يوفّق في غالب الأحيان في سحب أي مبلغ نقدي".
وأضاف يوسف لمركز الميزان: "أعاني كثيراً لكي أتمكن من تلبية متطلبات الحياة وشراء المستلزمات الأساسية، ومن غير المنطقي أن راتبي الشهري في الحساب ولا أستطيع الحصول عليه".
وأفاد تقرير الأونروا رقم 118 لشهر مارس الماضي، بأن الوصول إلى السيولة النقدية أصبح يمثل مشكلة متزايدة، وذلك بسبب الضغط المتزايد على المؤسسات المالية المحلية نظراً لارتفاع عدد الأشخاص في المناطق الصغيرة، والتحديات اللوجستية وتحديات السلامة والأمن في نقل النقد من البنوك وأجهزة الصراف الآلي وفيما بينها، الاتجاهات غير المنتظمة لإيداع النقد من الشركات والتجار في البنوك. وقد أثر هذا الأمر سلباً على القطاع الاقتصادي، ومن المحتمل أن يؤثر على العديد من عناصر العمليات العامة والإنسانية في حال عدم وجود حلول طويلة الأمد.
بدوره، قال رئيس قسم السياسات في دائرة الأبحاث والسياسة النقدية في سلطة النقد سيف الدين عودة، إن سلطات الاحتلال منذ بداية العدوان وحتى الآن، ترفض تحويل قيمة الأموال المخصصة لقطاع غزة إلى سلطة النقد بالتالي لم تحصل غزة على نصيبها من أموال المقاصة، كما لم تنجح سلطة النقد بإدخال أي مبالغ مالية لأسواق قطاع غزة منذ بداية العدوان بسبب رفض الاحتلال إدخال الأموال.
وفي سياق محاولات سلطة النقد توفير بدائل عن التعامل بالعملة النقدية، أعلنت في بيان صادر عنها في 8 مايو الماضي، إطلاق نظام المدفوعات والحوالات الفوري بين البنوك وشركات خدمات الدفع الفوري وتنفيذ المعاملات المالية بوسائل إلكترونية، باستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات البنكية.
وأوضحت أمل أبو سعدة الموظفة في القطاع الخاص، أن "الدفع بالوسائل الإلكترونية أمر في غاية الصعوبة، فالحرب خلقت سوق بسطات ونادراً ما نجد محلات أو من يقبل أن يتعامل بالوسائل الإلكترونية، لا سيما مع انقطاع الكهرباء منذ بداية الحرب، وكل ما كنت أملكه من سيولة نقدية نفد، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني طوال فترة الحرب، أصبحت الآن عاجزة عن تلبية أبسط احتياجاتنا الأساسية لانعدام السيولة النقدية رغم وجود الأموال في حسابي البنكي".
عمولة مرتفعة مقابل النقد
يلجأ المواطنون في قطاع غزة إلى طرق أخرى للحصول على النقد بعد صعوبة الحصول عليه من الصراف الآلي أو البنوك، حيث يضطر البعض لاستلام رواتبهم ببطاقتهم البنكية مقابل "عمولة" من الصرافين، أو من بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وهنا يتعرض المواطن للاستغلال ويخسر نسب كبيرة من راتبه أو أمواله عند استلام النقد.
وبيّنت موظفة في مؤسسة دولية، أنها "تضطر للمفاضلة في عملية الشراء، فلا تدفع الكاش إلا للضرورة القصوى رغم مقدرتها المادية على الشراء".
وأضافت لمركز الميزان: "كنت أسحب راتبي مقابل عمولة ما بين 4-6%، بسبب سحبها عن طريق أصدقاء، الآن وصلت العمولة إلى 17%، وتتفاقم معاناتي في محاولة توفير السيولة وشراء المستلزمات، وهو موضوع مرهق في ظل الحرب".
وطالب الميزان، المجتمع الدولي إجبار "إسرائيل" على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وتنفيذ وقف فوري إطلاق النار، وإلزامها الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والضغط عليها أيضًا لإدخال النقود والسيولة النقدية إلى قطاع غزة، وتحرير أموال المقاصة الخاصة بالقطاع المجمدة من قبل وزارة المالية الإسرائيلية.
ودعا إلى تكثيف الجهود الدولية لتمكين الجهات المختصة من تقديم خدماتها وتفعيل عمل البنوك والصرافات الآلية، والسماح بإدخال الوقود والمعدات اللازمة لتشغيلها، وذلك تماشياً مع التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ومنع وقوع أضرار اقتصادية وإنسانية لا يمكن تداركها.
كما دعا الميزان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إلى ملاحقة المسئولين الإسرائيليين وكل من أمر بتجميد الأموال الخاصة بقطاع غزة ومنع إدخال أي أموال الى قطاع غزة.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: مركز الميزان السيولة النقدية حرب غزة ابادة جماعية المالیة الإسرائیلی الإبادة الجماعیة السیولة النقدیة بدایة العدوان أموال المقاصة الصراف الآلی فی قطاع غزة سلطة النقد منذ بدایة
إقرأ أيضاً:
مهنة غريبة أوجدتها الأوراق المالية التالفة بغزة
على بسطة صغيرة في سوق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يجلس الشاب عبده أبو علوان يوميا، لترميم وإصلاح الأوراق النقدية الممزقة، في محاولة لإبقائها قيد التداول بين المواطنين، مقابل رسوم رمزية.
ولم يتخيل الشاب عبده طوال حياته أن يؤول به الحال إلى هذه المهنة الغريبة، لولا أنه مرَّ بعدة مواقف شخصية قاسية، جعلته يشعر باليأس، بعدما رفض التجار قبول أوراق نقدية "قالوا إنها تالفة" منه، مقابل احتياجات أطفاله وأسرته.
ومع استمرار الحرب الإسرائيلية منذ ما يقارب 18 شهرا، ومنع الاحتلال تدفق العملة الجديدة إلى القطاع، إضافة إلى الإغلاق المطول لفروع البنوك، اضطر السكان لاستخدام نفس الأوراق النقدية البالية، وهذا زاد من تعقيد النشاط التجاري الهش أصلا، وأسهم في انتشار العملات المزيفة.
مهنة اضطرارية لسد الحاجةيقول الشاب عبده أبو علوان في حديثه للجزيرة نت:"هذه مش شغلتي، بس اضطريت لها عشان أمشي أموري الحياتية، بعدما رأيت كل المواطنين في غزة يحملون أوراقا نقدية مهترئة وممزقة، والتجار يرفضون التعامل بها".
يوضّح أبو علوان أن جميع التجار وأصحاب البسطات، عند الشراء منهم، يطلبون عملة جديدة بدل القديمة، الأمر الذي دفع إلى التوجه لإصلاح العملة، حتى تبقى قابلة للتداول، لأنه لا يوجد بديل لها في غزة.
إعلانوأشار إلى أن أكثر فئتين نقديتين يُطلب إصلاحهما هما ورقة الـ20 شيكلا، وورقة الـ100 شيكل القديمة، بسبب تهالك حالتهما.
وأضاف أن التجار باتوا يرفضون التعامل بورقة الـ20 شيكلا بشكل خاص، نتيجة اهترائها الشديد، على غرار عملة الـ10 شواكل المعدنية التي اختفت من السوق قبل نحو 5 أشهر، بعدما رفض التجار التعامل بها.
ويروي أبو علوان في حديثة للجزيرة نت أن عمله يعتمد على استخدام مادتين: الأولى: مادة سريعة الجفاف، تُشترى بالسنتيمتر من أحد الأشخاص في مدينة غزة، وتتيح للمواطنين استخدام العملة بعد 5 دقائق فقط من إصلاحها.
الثانية: مادة تشكل طبقة زجاجية على الورقة النقدية، بحيث يغطي اللون على التلف، مع ضرورة إعادة التلوين على الجروح في الورقة لإخفاء نحو 70% من العيوب، وهذا يسهل إعادة تداولها.
يقول عبده: "آخذ الحد الأدنى من الأجر مقابل تصليح الأوراق النقدية: شيكلان لإصلاح ورقة الـ20 شيكلا، وإذا كانت الورقة تحتاج إلى إصلاح أكبر مثل أوراق الـ100 شيكل أو الدينار أو الدولار، قد يصل الأجر إلى 5 شواكل".
بداية فكرة تصليح العملاتبدوره، يوضح المواطن أبو الجود، الذي لا يبعد كثيرا عن بسطة زميله عبده، أن فكرة تصليح العملة بدأت تتبلور منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حينما تفاقمت أزمة العملات الورقية بين المواطنين والتجار.
ويشرح أبو الجود في حديثة للجزيرة نت: "العملة كانت في السابق تعاني من تلف بسيط جدا، لكن مع الحرب واستخدامها المكثف في الأسواق من دون استبدال أو تجديد، تفاقم الوضع كثيرا مع استمرار إغلاق البنوك".
ويضيف أن السوق اليوم يعجّ بجميع أنواع الأوراق: "الجيدة، والمتوسطة، وحتى السيئة"، أما التالفة جدا، فيتم ركنها جانبا، ويعمد المواطنون إلى استثنائها من التداول إلا للضرورة.
وعن أدوات العمل، يوضح أبو الجود أنه يعتمد على" مقص، وغراء، ومادة مثبتة، بالإضافة إلى خبرته الشخصية ونظرته الدقيقة في تقييم حالة الورقة النقدية وطريقة إصلاحها.
وأشار إلى أن أكثر الأوراق التي يتم إصلاحها بشكل متكرر هي ورقة 20 شيكلا، نظرا لكثرة تداولها، متوقعا أن يتم التوقف عن استخدامها قريبا نتيجة اهترائها الشديد ورفض التجار التعامل بها، تماما كما حصل مع عملة 10 شواكل المعدنية.
إعلان تدهور العملة الورقيةمن بين من يعانون من أزمة تهالك العملة الورقية في غزة، المواطن هاني أبو نحل، الذي وصف الواقع المالي في القطاع بأنه "معاناة حقيقية يومية" بسبب تدهور جودة الأوراق النقدية المتداولة منذ أكثر من 18 شهرا، من دون أي عملية تجديد.
يقول أبو نحل في حديثه لـ"الجزيرة نت": "بدك تشتري أي شي، بتتفاجأ إنو كل المصاري تالفة، هالمصاري إلها سنة ونص بتلف بالسوق بين الناس والتجار، وما في بديل".
ويُوضح أن المشكلة تبدأ منذ لحظة استلامه للراتب: "لما بدي أروح أسحب راتبي من تجار العمولة، بيعطيني 80% من الراتب بورق تالف، و20% بس بحالة كويسة"، متسائلا: "طيب الـ20% بدها تغطيلي كل متطلبات حياتي؟!".
ويُضيف بنبرة استياء: "هو مش بس بيشاركك براتبك بأخذ نسبة، كمان بيشاركك بالمصاري التالفة اللي هو أصلا استفاد منها قبلك، وبيرجعلك إياها عشان ترجع تصلحها وتدورها بالسوق من جديد".
تكلفة الإصلاح عبء إضافييتحدث أبو نحل عن تفاصيل تصليح الأوراق النقدية قائلا: "كل ورقة إلها تسعيرة… مثلا ورقة الـ20 شيكلا ممكن تصلحها بـ1 شيكل، وفي أوراق توصل لـ4 شواكل، وفي أوراق أصلا ما بتنفع تتصلح".
ويشير إلى أن إصلاح العملة بحد ذاته قد لا يكون حلا مثاليا: "أني أصلّح ورق وأنزل فيه للسوق، هاي معاناة ثانية، لأنه ممكن تاجر ثاني يمسكها ويرفضها، رغم إنك دافع على إصلاحها".
ويختم بالإشارة إلى أصحاب البسطات الذين يصلحون العملة قائلا: "نيّتهم طيبة وبيحاولوا يساعدوا، بس الواقع أكبر من هيك، الأزمة بدها حل جذري، مش ترقيع".
يرى عدد من المغردين أن التداول الرقمي البنكي في غزة يمكن أن يساهم بشكل كبير في حل عدة أزمات في ظل الحرب الإسرائيلية، خاصة مع شح السيولة وصعوبة التعامل النقدي، ولكنهم أشاروا أيضا إلى أن جشع بعض التجار، الذين يستغلون الحاجة للسيولة عبر بيعها في السوق السوداء، يعيق هذا الحل ويزيد من تعقيد الأوضاع.
إعلانواقترح بعض المغردين أن الحل الأنسب يتمثل في اعتماد المحفظة الإلكترونية في جميع التعاملات، بدون عمولة تُذكر، مع ضرورة أن يتم ذلك بشكل إجباري ومن دون تمييز؛ حيث يمكن لكل مواطن إنشاء محفظته الإلكترونية بسهولة ومن دون مشقة.
وأشار آخرون إلى أن اعتماد التداول الرقمي يمكن أن يُساهم في حل عدة أزمات متراكمة في قطاع غزة.
وأكدوا أن تعزيز ثقافة التداول الرقمي، واستخدامه في جميع عمليات البيع والشراء، سيُمكن المجتمع من تجاوز كل هذه المشكلات بسهولة.