الجزيرة نت تحاور الأب الروحي للباحثين العرب في ماليزيا
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
خلف قصص النجاح الكبيرة جنود مجهولون، لولا إخلاصهم ودأبهم وعشقهم لعملهم، ما اكتمل العمل الذي يجذب الأضواء نحو بطل القصة، ويبقى هؤلاء خلف الستار سعداء، بدعم المزيد من الأبطال.
يتحلى بعض الأبطال بالمروءة والعرفان بالجميل، فيعترفون بفضل هؤلاء الجنود، الذين لولاهم ما خرج العمل إلى النور، وكان من بين هؤلاء باحث الدكتوراه بالجامعة الماليزية للعلوم الشاب الغزاوي أنس القانوع، الذي أصبحت قصته حديث العالم بعد أن ناقش أطروحة الدكتوراه عن بعد من داخل غرفة منزله شبه المهدمة بقطاع غزة، والتي طالها آثار القصف الإسرائيلي.
لم ينس القانوع، وهو يعبر عن سعادته بعد أن أصبحت قصته عنوانا للصمود والتحدي، أن يذكر فضل أستاذه ومشرفه بالجامعة البروفيسور العراقي ناصر الراوي، ليلفت انتباهنا نحو هذا العالم العربي، الملقب في الجامعة بـ"الأب الروحي للطلاب العرب"، لنكتشف بعد مراجعة سجله البحثي، الذي يضم في عام 2024 وحده، الذي لم ينته بعد، 22 دراسة بحثية نشرت في دوريات علمية مرموقة.
أرسلنا له طلبا لإجراء الحوار، عبر صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، فلم يتردد في الموافقة، مبديا استعداده للإجابة عن أي تساؤلات، وكانت هذه هي تفاصيل المقابلة التي امتدت لمدة ساعة كاملة عبر تطبيق زووم.
البروفيسور ناصر الزاوي بجوار تلميذه أنس القانوع (الثاني من اليمين) ومعهما طالبان آخران (الراوي) بداية: هل يمكن أن تعطيني نبذة مختصرة تلخص فيها مسيرتك البحثية؟حصلت على البكالوريوس والماجستير من بغداد، حيث كان الأول من الجامعة المستنصرية، والثاني من الجامعة التكنولوجية، ومن ثم التحقت بعد ذلك بأحد مراكز أبحاث التصنيع العسكري، وكان تخصصي في تصنيع الليزر، وتعلمت كثيرا خلال تلك الفترة.
لكن مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وما تبع ذلك من تدهور في الظروف المعيشية، انتقلت إلى ليبيا، وعملت هناك 5 سنوات بجامعة ناصر، وأحد معاهد المعلمين العليا.
وبعد ذلك، فكرت في السفر إلى ماليزيا، لاستكمال الدراسات العليا، وبالفعل حصلت في 2006 على الدكتوراه من جامعة العلوم الماليزية، وكانت عن تحسين الإضاءة بواسطة تقنيات النانو تكنولوجي، ثم انتقلت بعد الدكتوراه إلى شمال ماليزيا، وتحديدا جامعة برليس، التي بقيت فيها 3 سنوات، قبل أن أحصل مجددا على فرصة للعمل بالجامعة التي حصلت منها على درجة الدكتوراه، وبقيت فيها 23 عاما أعمل أستاذا مشاركا في قسم الفيزياء.
ومؤخرا عدت إلى العراق للعمل رئيس قسم هندسة الليزر والإلكترونيات البصرية بجامعة دجلة.
لكنك تحدثني الآن من ماليزيا، فهل تتنقل في عملك بين جامعة دجلة وجامعة العلوم الماليزية؟أعمل حاليا بين الجامعتين، لأني ما زلت أشرف على 14 طالبا من طلاب الدكتوراه في جامعة العلوم الماليزية، فقد تخرج تحت إشرافي أكثر من 35 طالبا من طلاب الدكتوراه، وأكثر من 40 طالبا من طلاب الماجستير، وهو نشاط علمي أعتز به كثيرا، إلى جانب أنشطتي الأخرى التي تشمل 11 كتابا علميا باللغة العربية والإنجليزية، وسلسلة من الكتب أعمل حاليا عليها حول تصنيع الأجهزة النانوية، ولدي 3 براءات اختراع، ونشر بحثي غزير يتراوح ما بين الـ20 و40 بحثا في السنة.
إنتاج بحثي غزير في الحقيقة إن نشرك البحثي الغزير كان من الأشياء اللافتة عند التجهيز للحوار، حتى إني خشيت لبعض الوقت أن تكون من المتعاملين مع "مصانع إنتاج الأوراق البحثية"؟(بعد إطلاق ضحكة عالية) بالطبع، فإن مكاتب إنتاج الأوراق البحثية، التي يسميها البعض بـ"بمصانع إنتاج الأوراق البحثية"، أصبحت تمثل خطرا على البحث العلمي، وقد يثير الإنتاج العلمي الغزير لأي باحث شكوك حول التعامل مع تلك المكاتب، لا سيما عندما يصل النشر في أحد الأعوام، كما حدث معي ، إلى 80 بحثا.
لكن بالنسبة لحالتي، فأسباب النشر الغزير معروفة، فأنا أقبل الإشراف على كثير من طلاب الماجستير والدكتوراه العرب الذي يأتون إلى الجامعة الماليزية للعلوم، لا أفرق بين طالب جيد أو غير جيد، كما يفعل الآخرون، لأن لدي قابلية لتعليم الطلاب، واستخراج أفضل ما عندهم، لذلك يتم نشر اسمي في الأبحاث التي تنشر من رسائل الماجستير والدكتوراه الخاصة بطلابي.
كما أني عندما أشرف على طلاب البكالوريوس في مشروعات تخرجهم، أحرص على النشر البحثي لهذا المشروع، هذا فضلا عن أن لدي علاقات مع فرق بحثية كثيرة حول العالم، وأعمل معهم في مشروعات بحثية مشتركة، يتم نشر أبحاث منها، ولكل هذه الأسباب لدي نشر بحثي غزير.
وهل كانت الجامعة تقبل أن يسجل معك كل الطلاب العرب؟أغلب طلابي من العرب، لكني أشرف أيضا على طلاب من أفريقيا وباكستان والصين وغيرها من الدول، والحقيقة أن الجامعة كانت تستجيب لطلب أي طالب عربي يرغب في التسجيل معي، وأنا بطبيعتي لم أكن أرفض.
إذن أنت صديق للطلاب العرب؟(بعد ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه) يطلقون علي هناك لقب "الأب الروحي للطلاب العرب"، فعلاقتي مع طلابي لا تقتصر على حدود المعمل والجامعة، فأنا أقضي معهم ساعات طويلة خارج المعمل نتناقش ونتبادل الأفكار التي نقوم بتحويلها في اليوم التالي لمنتج بحثي.
البروفيسور ناصر الزاوي يتابع نتاج إحدى التجارب البحثية مع أحد طلابه داخل مختبر تصنيع النانو بجامعة العلوم الماليزية (الراوي) عقلية رائعة بدون توجيه وما تقييمك الموضوعي لعقلية الطالب العربي؟الطلاب العرب نوابغ ولديهم استعداد سريع للتعلم والتطور، لكنهم للأسف يفتقدون إلى التوجيه، فلا أخفيك سرا أن نسبة ليست ببسيطة، اكتشفت في بداية تعاملي معها ضعفا شديدا في المادة العلمية وافتقادا للأساسيات، وهو وضع لم يكن موجودا في الماضي، حيث كانت المستويات أفضل بكثير.
ولكن الشيء الإيجابي، أن هؤلاء الطلاب لديهم استعداد سريع للتعلم عندما يجدون من يوجههم، ولدي قصة حدثت مؤخرا تؤكد ذلك، فأنا أحرص على أن يقدم كل طالب من طلابي عرضا (برسينتيشن) كل أسبوعين.
وفي إحدى المرات كان تقييمي لعرض أحد الطلاب بأنه سيئ للغاية وغير صالح بتاتا، فطلبت منه تجهيز نفسه لإعادة العرض مجددا بعد أسبوع، وذلك بعد أن أعطيته بعض التوجيهات، فاتصل بي بعد أسبوع طالبا مهلة أخرى، فعاد بعد أسبوعين وقدم عرضا رائعا، كان تقييمي له أنه يحصل على تقدير 90%، إذن المشكلة لم تكن في قدرات هذا الطالب، بقدر ما كانت في افتقاده لمن يوجهه ويعلمه.
ولا تقول لي إن الطالب لم يعد لديه استعداد للتعلم، فلدي تجربة أخرى، عندما كتبت قبل شهور على صفحتي بالفيسبوك، داعيا الباحثين للانضمام إلى مبادرة أطلقتها تحت عنوان (100 ورقة بحثية في السنة)، أرسلت لي طالبتان بالمرحلة الثانوية من العراق والأردن تطلبان الانضمام إلى تلك المبادرة، فالرغبة في التعلم موجودة حتى عند هذا السن الصغير، إذن فالمشكلة في غياب الأستاذ الذي لديه استعداد للتعليم والتوجيه.
ومن الذي غيب هذا الأستاذ؟في تقديري، فإن ظهور الجامعات الأهلية هي التي أدت لتلك الانتكاسة، حيث أصبح الربح هو المسيطر على العملية التعليمية، فالطالب لا يكون مؤهلا لدراسة التخصص، ولكن لامتلاكه المقابل المادي يستطيع دراسة التخصص الذي يريده، والأستاذ ليس لديه وقت للعمل مع طالب غير مؤهل، ومع ذلك ومن خلال تجربتي، تستطيع أن تصنع قصة نجاح مع هذا الطالب، كما تكشف تجربتي الشخصية من خلال توجيهه وتعليمه، لأن مجموع الثانوية العامة، أحيانا لا يكون معبرا عن القدرات.
وأنصح كل أستاذ أن يربط الطلاب مبكرا بمنصات التواصل العلمي، فقد وجهت طلابي بمرحلة البكالوريوس بجامعة دجلة، إلى الانضمام لتلك المنصات مثل "ريسيرش جيت " و "غوغل سكولار"، وأعطيهم درجات على ذلك، فهذا هو أول الطريق لتوسيع مدارك الطالب، بلفت انتباهه إلى طريق للتواصل يصب في صالح مساره المهني بدلا من التواصل الاجتماعي الذي يقضي به وقتا طويلا.
لا تنس أننا تعرفنا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي؟(ضاحكا) لا أنكر أهميتها في التعارف والترويج للأبحاث، لكن ما يحزنني هو الإفراط في الاستخدام، حتى إن أطفالنا باتوا يقضون الليل في الانتقال من فيديو لآخر عبر موقع (التيك توك)، وهذا سلوك مضر للغاية، سينتقل معه خلال المراحل العمرية المختلفة، ليجد حينها صعوبة في الاستمتاع بمنصات أخرى تفيده مهنيا مثل منصات التواصل العلمي.
البروفيسور ناصر الزاوي يتابع نتاج إحدى التجارب البحثية مع طالبه أنس القانوع (الراوي) استعادة العراق لماضيها البحثياسمح لي بالانتقال بالحوار لمساحة أخرى، وهو تقييمك لحال البحث العلمي في العراق، حيث كانت دولتكم تسير على طريق نهضة بحثية كبيرة، ثم تراجعت بسبب الحرب مع إيران والحرب الأميركية، فهل هي قادرة على العودة؟
لا توجد صعوبة في العودة متى توفرت الإمكانيات، بدليل أنه رغم الظروف الصعبة يوجد نشاط بحثي ملحوظ في العراق، بواسطة باحثين يعتمدون على أجهزة مصنعة محليا، ويتوصلون لنتائج جيدة، لكن إذا كنت تبحث عن نقلة كبيرة، فأنت بحاجة لأجهزة متطورة تقوم بتوفيرها بملايين الدولارات، وتنفق عليها ملايين أخرى من أجل الصيانة، والفارق الكبير في الإمكانيات لمسته بشكل واضح في زيارة مؤخرا لإحدى الجامعات الصينية، حيث كان لدى قسم الفيزياء بها 6 أجهزة من نوع واحد، بينما لا يوجد في جامعات العراق مجتمعة سوى جهاز واحد من هذا النوع.
ولماذا رجعت للعراق رغم ضعف الإمكانيات؟وصلت لعمر التقاعد في ماليزيا (60 عاما)، ومع ذلك منحتني جامعة العلوم الماليزية عامين إضافيين، وما زلت مستمرا في الإشراف على طلابي، إلى جانب عملي في جامعة دجلة، وبعد الانتهاء من الإشراف على الرسائل التي لم تنته بعد، سأستمر في العمل معهم، كمشرف ثان على بعض الرسائل، وقد أعمل أيضا على بعض المشروعات البحثية.
ولماذا لم تفكر في البحث عن دولة أخرى تمنحك عملا دائما بعد عمر الـ62 عاما؟قضيت 30 عاما خارج العراق، وكان لا بد من العودة إلى أرض الوطن، مع حرصي على ألا أقطع صلتي بجامعة العلوم الماليزية، لذلك تقدمت بطلب للحصول على إقامة الموهبين، وهي إقامة لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد تمنح بعد تقييم إنجاز الشخص وسيرته الذاتية، وأنا والحمد لله لدي سيرة ذاتية جيدة، وسجل حافل بالتكريم سنويا من ملك ماليزيا، بسبب كم الأبحاث المنشورة وجودتها، وهو ما أهلني للحصول عليها.
أسلاك الفضة النانوية أحد أهم أبحاثك المنشورة هذا العام كانت عن أسلاك الفضة النانوية برفقة طالبك الغزاوي أنس القانوع، هل يمكن إعطاؤنا فكرة عنها؟قبل الحديث عن أسلاك الفضة النانوية اسمح لي في البداية أن أشيد بأنس القانوع، فعندما جاءني طالبا الإشراف على رسالته، كان يريد أن يكون اتجاهه في البحث نظريا، لكني قلت له إني لا أعمل إلا في الجانب التطبيقي، فإذا كانت لا ترغب في ذلك، يمكنك البحث عن مشرف آخر، لكنه وافق على تعديل توجهه، وعمل ليل نهار، حتى تمكن من الخروج بنتائج خلال 4 أشهر فقط، شاركنا بها في مؤتمرات بحثية، وكانت من الجودة بحيث أن فريقا بحثيا ألمانيا طلب زيارتنا في المعمل لرؤية عينات من المنتج.
وما الجديد في منتجكم؟من الجيد أنك طرحت هذا السؤال، فإذا قمت بإجراء بحث على الإنترنت ستجد بالفعل عشرات الأبحاث على إنتاج أسلاك الفضة النانوية، ولكن المميز في عملنا أننا نجحنا في إنتاجها بنقاء عال يجعلها مؤهلة للتطبيق العملي.
وما قيمة أسلاك الفضة النانوية؟لها العديد من التطبيقات في أجهزة اللمس، بما فيها الهاتف المحمول، فهي تساعد في تحقيق الهدف الذي تريده الجهات المصنعة، وهو إنتاج شاشات قابلة للطي، حيث إن المادة المستخدمة في التصنيع حاليا لا تسمح بالطي، وتؤدي إلى كسر الشاشات، في حين أسلاك الفضة النانوية النقية التي نجحنا في إنتاجها يمكن أن تكون مساعدة في ذلك.
البروفيسور ناصر الزاوي في مختبر تصنيع النانو مع طلابه من السعودية والعراق والأردن (الراوي) الفجوة بين البحث والتطبيق كان لدي سؤال أثارته سيرتك الذاتية، لكني آثرت ادخاره للختام، وهو المتعلق بعملك في بداية حياتك العملية على إنتاج الليزر بأحد مراكز الأبحاث العسكرية، ولأن كثيرا من الأسلحة تعتمد في الوقت الراهن على الليزر، فهذا يدفعني لسؤالك: هل العالم العربي يمكنه إنتاج تلك الأسلحة محليا؟نستطيع في العالم العربي تصنيع الليزر معمليا، فلدينا عقول رائعة ومبدعة في المعمل، لكن تحويل هذا العمل لمنتج تطبيقي ما زال حلما بعيد المنال، فالفجوة بين البحوث الأساسية والتطبيق واسعة جدا.
وما قيمة البحث إن لم يتحول إلى تطبيق، حتى لو كان بحثا جيدا مثل بحث تلميذك أنس القانوع؟الفكرة قابلة للتطبيق، ولكن لا توجد لدينا الشركات التي تستفيد منها، وأتوقع عندما تنتهي الحرب، ستحرص كثير من الشركات الأجنبية على استقطاب أنس. لكن على الأقل، سيكون لدينا أساس يمكن البناء عليه عندما تتوفر الإرادة السياسية لسد الفجوة بين البحث والتطبيق.
لو أردنا أن نحصل منك في الختام على نصيحة تقدمها للباحثين العرب، فماذا تقول؟أقول لهم إن عليهم الاهتمام بالمنصات العلمية، فمن خلال الاشتراك بها سيحصلون على كثير من العلم والأفكار والتوجيه، فكما قلت لك سابقا، نحن لدينا عقول نابغة، لكنها تحتاج لتوجيه، والمنصات العلمية يمكن أن تدعم هذه المهمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جامعة العلوم المالیزیة الإشراف على من طلاب حیث کان
إقرأ أيضاً:
الجزيرة نت ترصد حقيقة وضع السوق والتجار وتداول العملة في غزة
غزة – وسط سوق الصحابة المركزي بمدينة غزة، لم يطغ ضجيج السوق على صوت جدال المواطن مروان مع بائع المعلبات، الذي يرفض استلام عملة 10 شواكل معدنية (الدولار يعادل 3.67 شواكل) مقابل ما اشتراه، فيقول له، متفحّصا العملة: "إنها بحالة ممتازة لماذا ترفض أخذها؟" ليحصل على إجابة: "يرفض التجار الذين نشتري منهم البضائع أخذها".
إلى الأمام قليلا وفي زاوية أحد المخابز، قدمت سيدة عملة ورقية من فئة 100 شيكل، بطبعتها القديمة إلى البائع، لكنها فوجئت برفض البائع استلامها قائلا: "ما بتمشي بالسوق"، مما أجبرها على إعادة مشترياتها متسائلة: "بالكاد دبرتها وليس لدي غيرها، هل أرميها؟" قبل أن تخرج.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الذهب يرتفع وسط الاضطرابات الجيوسياسية وتحفيزات الصين تدعم النفطlist 2 of 2عملاق جديد يدخل قطاع التجارة الإلكترونية عالمياend of list شح السيولة وأعباء الغلاءتشي هذه المشاهد بالواقع المأزوم الذي تحولت فيه العملة من وسيلة لتأمين الاحتياجات إلى ورقة لا قيمة لها مع إحجام الباعة في غزة عن استلام العملات الورقية ذات الطبعة القديمة أو المهترئة أو العملة من فئة 10 شواكل، رفضٌ حققت الجزيرة نت في أسبابه، حيث أجمع مختصون على أنها مبنية على الشائعات، وهو تخوف "غير مبرر" من عدم صلاحية هذه العملة يعززه صمت سلطة النقد وتفرد التجار بالسوق مصرفيًا وتجاريًا.
يأتي ذلك في وقت يعيش فيه الغزيون شحًا في السيولة يقابله غلاء في أسعار السلع على تنوعها.
إعلانوتواصلت الجزيرة نت مع أحد تجار البضائع الذي طلب عدم نشر اسمه، الذي حمّل مسؤولية غلاء البضائع للجمعيات التي تعمل وسيطًا لإدخال بضائعهم، إذ يدفع التجار إليهم مبالغ طائلة لإدخال هذه البضائع تصل بحد أدنى إلى 165 ألف دولار إضافة إلى 3 آلاف دولار لتأمين دخولها وحمايتها من اللصوص وقطاع الطرق عدا عن أسعار الشحن التي تصل إلى 4 آلاف دولار، مما يضاعف أسعار البضائع بشكل لم يسبق له مثيل.
فوضى السوقهذا الوضع أفضى إلى حالة غير مسبوقة من فوضى السوق في غزة -عززها تفرد بعض التجار وأصحاب الأموال بالتحكم- يدفع ضريبتها المواطن.
فبعد مرور 15 شهرًا من الحرب، صرف فيها المواطن أبو بلال كل الأموال التي كانت بحوزته، وفقد فيها مهنته كسائق حين أحرق الاحتلال سيارته خلال اجتياحه لحي الشيخ رضوان شمال غزة، يقول الرجل للجزيرة نت: "أعتمد في إطعام أسرتي على العطاءات والتكايا والمساعدات الإنسانية التي أتلقاها من الجمعيات الخيرية".
يأخذ أبو بلال ما يحتاجه من الطرد الإغاثي، ثم يبيع ما لا يلزمه كي يتمكن من توفير العلاج لأطفاله أو شراء حفاظات لهم، يطالب المؤسسات الخيرية بمنحهم مساعدات مالية بدلا من الاعتماد الكامل على الطرود، ويعلّق على ذلك، قائلا: "لا يعقل أن يكون في بيتي 20 كيلو من عدس، بينما لا أملك في جيبي شيكلا واحدا".
أزمة السيولة واستغلال التجارليس هذا حال أبو بلال وحده فمعظم الغزيين يعيشون ظروفا مشابهة، ويقتاتون من عطاءات الجمعيات الخيرية من دون دخل يذكر، أما العاملون في المؤسسات والشركات الخاصة فيضطرون إلى سحبها من البنك عبر تحويلها من خلال التطبيق البنكي لأحد تجار السيولة.
يقول حسن وهو يعمل في إحدى شركات الاتصالات بمدينة غزة: "يودع راتبي في حسابي البنكي مطلع كل شهر، لم أتمكن من الحصول على أموالي في أشهر الحرب الأولى بسبب إغلاق المصارف والبنوك، ولم يكن في يدي سيولة مالية وبدأت البحث عن تجار العُملة للحصول على جزء من أموالي المودعة".
ويستنكر حسن استغلال وابتزاز تجار السيولة (الأموال النقدية) الذين يفرضون نسبة مالية كبيرة كـ"عُمولة" مقابل الحصول على النقد، قائلا: "مضطر لسحب الأموال من أجل إطعام أبنائي ودفع تكاليف الحياة اليومية الباهظة عبر التجار فلا خيارات لدي إلا التعامل معهم رغم أنهم ينهشون من رزقنا ويقاسموننا أموالنا دون رحمة".
إعلان العمولة المرتفعة.. اتهامات وردودبدأت العمولة ترتفع بشكل تدريجي من أشهر الحرب الأولى حتى وصلت إلى أكثر من 35% في جنوب القطاع، و25% في شماله، وقد حققت الجزيرة نت في أمرها، إذ يتهم الغزيون فيها تجار السيولة.
يقول (ل.س) أحد العاملين في مجال السيولة النقدية في مدينة غزة للرد على هذه الاتهامات -للجزيرة نت- إنه وزملاءه ليسوا سوى وسطاء بين المواطن وصاحب المال الحقيقي، وإن نسبة العمولة التي يتقاضونها اليوم لا تتجاوز 3%، في حين أن أصحاب المال الرئيسي ومستوردي البضائع هم الذين يسيطرون على السوق ويضخون السيولة بنسبة عمولة تصل إلى 25%.
ويعدد (ل.س) التحديات التي تواجههم في عملهم، قائلا: "نضطر لاستلام أوراق نقدية متهالكة، ونتحمل تكاليف التشغيل المرتفعة، كما أن البنوك تفرض سقوفًا محددة للتحويلات الداخلية ونجبر على تحويل العملات بين فئات الدولار والشيكل، مما يتسبب في خسارة تقدر بنحو دولار واحد عن كل 100 دولار يتم تحويلها".
وتواصلت الجزيرة نت مع عدد من تجار العملة للكشف عن أسباب فرض العمولة المرتفعة، فرفضوا التعليق، إلا ردا مقتضبا جاء من أحدهم "اللي ما معو ما بيلزمو!".
حسابات مجمدةوعلى إثر اعتماد الكثيرين في قطاع غزة على الحوالات البنكية في سحب أموالهم، رصدت الجزيرة نت عددًا من شكاوى المواطنين المتعلقة بالقيود التي تفرضها البنوك وتجميدها الحسابات البنكية مؤخرًا، وفق هؤلاء.
ويقول جمال: "تم تجميد حسابي فجأة وبدون أي أسباب أو تحذيرات مسبقة وهو المصدر الوحيد الذي أستطيع من خلاله تأمين احتياجات عائلتي".
حاول جمال التواصل مع البنك عبر القنوات المعروفة، وقدم طلبًا للاستفسار عن سبب التجميد، لكن محاولاته قوبلت بالتجاهل والتأجيل، بحسب قوله.
أما رجاء التي تم تجميد حسابها بشكل مفاجئ فتقول للجزيرة نت: "بعد اتصالات متواصلة مع البنك تبين أن مهنتي المسجلة في بيانات حسابي هي ربة منزل، وخلال الحرب التحقت بالعمل الخيري، الأمر الذي يتطلب مني إرسال واستقبال الأموال بشكل دوري مما أدى إلى تجميد الحساب".
إعلانوتضيف: "أبلغت بأن التجميد سيبقى مستمرا إلى حين انتهاء الحرب وتمكني من تعديل البيانات في أحد فروع بنك فلسطين في غزة".
إحجام الباعة في غزة عن استلام العملات ذات الطبعة القديمة أو المهترئة (الجزيرة) بين الحماية والتضييقحاولت الجزيرة نت التواصل مع بنك فلسطين عدة مرات للنظر في مبررات تجميد حسابات العشرات من الغزيين إلا أنهم طلبوا التوجه لسلطة النقد للحصول على رد بهذا الخصوص.
وأمام هذا الوضع أجرت الجزيرة نت عدة اتصالات مع عاملين في المجال المصرفي الذين أجمعوا على أن قرار تجميد الحسابات يأتي عادة بسبب إساءة استخدام الحساب البنكي والقيام بإجراءات غير قانونية في المعاملات بحيث لا تتطابق مع الغرض من فتحه، أما عن الحوالات الخارجية فيقولون إنها يجب أن تكون بياناتها المالية صحيحة وسبب التحويل واضح لتصل بدون أية مشاكل.
وبينما يرى الغزيون أن التجميد واحد من القيود التي تأتي للتضييق عليهم فإن عددا من المختصين يبررون ذلك، فقد قال الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب إنه "من المبرر فرض البنوك إجراءات احترازية لتحقيق نظام التحوط والحماية، لضمان عدم التعامل مع أموال غير مشروعة وإلا تعرضت البنوك للمساءلة القانونية".
وقال أبو جياب للجزيرة نت: "من غير المعقول أن تترك الحسابات التي تستقبل أموالا دون مبررات أو تقديم أدلة وإثباتات دون التحقق من مشروعيتها خاصة للتجار الجدد الذين ولدتهم الحرب في غزة".
إصلاح العملاتوفي ظل انعدام الدور الحكومي والمؤسساتي في تقديم حلول لأزمات العملة المهترئة، لم يقف الغزيون مكتوفي الأيدي، ففي وسط السوق المزدحمة يجلس محمد المصري منهمكًا في مهنته التي فرضتها عليه ظروف الحرب، حيث يعمل على إصلاح العملات الورقية المتهرئة وإعادة تأهيلها للتداول.
يقول محمد: "منذ اليوم الأول للحرب، لم تكن هناك عملات جديدة، واضطر الناس لاستخدام العملات المتداولة، حتى لو كانت ممزقة أو مهترئة، فبدأت أفكر في طريقة لإعادة الحياة لهذه العملات بدلا من التخلص منها".
إعلانوباستخدام معدات بسيطة ولاصق من نوع خاص، يقوم محمد بترميم العملات بعناية ودقة، ويقول للجزيرة نت: "أعمل على إصلاح العملات بحيث تبدو وكأنها لم تتعرض لأي ضرر، وهذا ما يجعل التجار يقبلونها من دون تردد أكثر العملات التي أتعامل معها هي فئة الـ20 شيكلا، لأنها أصبحت بديلا عن فئة الـ10 شواكل التي اختفت من السوق".
لا يتوقف محمد عند الإصلاح السطحي، بل يتعامل مع أصعب الحالات، فيقول: "بعض العملات تأتيني من تحت الأنقاض وأحيانًا أضطر إلى رقع الأجزاء الناقصة منها"، ورغم أن تكلفة إصلاح بعض العملات قد تتجاوز أحيانًا أجرته، فإن هدفه الرئيسي إنساني بحت.
يقول محمد: "أعرف أن ما أفعله قد لا يكون مربحًا دائمًا، لكنني أعتبره خدمة للناس وللاقتصاد المحلي، المهم أن يتمكن الناس من استخدام أموالهم في ظل هذه الظروف الصعبة".
سلطة النقد الفلسطينية (الموقع الرسمي) الدفع الإلكتروني.. خطوة نحو الحل
من جهتها، تعمل الغرفة التجارية في غزة على إطلاق حملة ترويجية واسعة النطاق لدعم الدفع الإلكتروني، مع حث التجار على قبول هذه الطريقة دون زيادة في الأسعار، كخطوة مهمة في سبيل الخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.
وقالت الغرفة التجارية على لسان مديرها عائد أبو رمضان إن الحل الأنجع للتخفيف من أزمة السيولة والعمولة المرتفعة هو الدفع الإلكتروني باعتباره آلية فعالة وآمنة.
ودعا أبو رمضان خلال مقابلة مع الجزيرة نت إلى تشجيع هذه الطريقة بصورة قوية من خلال تقديم حوافز للتجار الذين يقبلون التعامل الإلكتروني، واتخاذ إجراءات صارمة ضد التجار الذين يرفضون استخدام هذه التقنية، وأكد ضرورة توحيد قاعدة البيانات للمواطنين لضمان توزيع المساعدات بصورة عادلة دون محاباة أو تلاعب.
مسؤولية سلطة النقد الفلسطينيةيطالب الشارع الغزي سلطة النقد الفلسطينية بالاضطلاع بمسؤولياتها بتوفير السيولة المطلوبة لكافة المواطنين من خلال تحديد نقاط تتوافر فيها السيولة لتمكين الناس من الوصول إليها بسهولة، مع فرض رقابة على تجار العمولة.
إعلانويستنكر هؤلاء صمتها عن إلغاء تداول العملات ذات الطبعة القديمة وفئة الـ10 شيكلات، وغياب توضيح مبررات تجميد الحسابات البنكية أو تقديم حلول للمواطنين.
وقد نقلت الجزيرة نت استفسارات المواطنين الغزيين إلى سلطة النقد لكنها لم تتلق ردا رغم إجراء عدة اتصالات لطلب الإيضاحات وتقديم الردود.