السلام تطلعات المدنيين ورطة المسلحين
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
خالد فضل
الواقع السوداني الآن على حقيقته وليس كما يتوهم الواهمون يؤشر بصورة واضحة إلى تطلعات أغلبية السودانيين/ات إلى اتفاق كيفما يكون لتحقيق هدوء ولو نسبي في المواجهات العسكرية بين المتقاتلين ؛ حتى يتمكنوا من تحقيق بعض أغراضهم , مثل جلب المواد الغذائية الأساسية وعلى رأسها الذرة والدخن في الأرياف , والدقيق في الحواضر , وكذلك الحصول على الماء الصالح للشرب من مواقع قريبة إن لم يك من حنفيات الدار , الحصول على الأدوية للأمراض المزمنة (ضغط سكري سرطان .
في استطلاع للرأي أجراه موقع صحيفتنا التغيير بالإشتراك مع المنصة الرقمية لموقع (إس . بي . سي )ونشر بالتزامن , كانت حصيلة 24ساعة من التفاعل وسط أكثر من 1600 مشارك 84% منهم يؤيدون وقف الحرب مقابل 14% يؤيدون خيار استمرارها . كما عبّر المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو عن أنّ الأهم من تواصل حكومة الجيش قي بورتسودان مع الإدارة الأمريكية وعقد اجتماعات استباقية لدعوة مفاوضات سويسرا الأهم تواصل آلاف السودانيين/ات معه يطالبون بوقف الحرب ومواجهة المجاعة !! على المستوى الشخصي أقوم بعمل استطلاعات متفرقة كلما سنحت لي فرصة مقابلة مع أي سوداني/ة في منافي اللجوء , أو عبر الهاتف والوسائط التواصلية , ألحظ بوضوح زيادة نسبة من يؤيدون وقف الحرب , مقابل تناقص نسبة الذين ما يزالون يتوهمون بإمكانية دحر التمرد باستمرار الحرب , يمكنني الجزم بأن النسبة الأعلى ممن كانوا يتصورون أن هناك جيش يمكنه حسم المليشيا المتمردة في أوساط أهلي في قرى الجزيرة قد عادوا الآن ينشدون نهاية الحرب عبر التفاوض وسكة السلام , وهنا يكمن القلق الكبير أو الهواجس التي تواجه جماعة الإسلام السياسي وحزب المؤتمر الوطني المحلول ؛ وهنا أستعير تعبير الزميل الصحفي عثمان ميرغني بتصرف طفيف .
لقد عبّر الأستاذ ميرغني عن شواغل وهواجس الإسلاميين الذين يدعمون استمرار الحرب _ هذا بالطبع ولمصلحة النقاش _إذا غضضنا الطرف عن حقيقة إشعالهم لها أساسا , هذه الهواجس واللواعج تنبعث في الأصل من الحقيقة الراسخة وهي أن تنظيمات الإسلاميين تعتبر على هامش الأوساط المدنية , إنها تنظيمات مسلحة , تعتبر صفة المدنية فيها طلاء خارجي يغطي النتؤات العسكرية الثابتة في تكوينها ونواتها , إنها جماعات جهادية , تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما في تصوراتها للمعروف والمنكر , وتمارس هذه الفضيلة المزعومة باليد وباللسان وبالقلب على أضعف الإيمان , واليد هنا تعني التشكيلات المسلحة , تعني الكتائب المدججة , التي تشكل القوام الرئيس للتنظيم ويعتبر الإنضمام لهذه التشكيلات العسكرية هو الرافعة التنظيمية الأعلى قيمة , لهذا لم يك غريبا البتة أن معيار التوظيف والترقي في الوظائف المدنية في عهد سيطرتهم في السودان كان يتم بصفة ( الأخ مجاهد ) الأخت من أخوات نسيبة , وهذا أمير في فيلق البراء وكتيبة القينقاع . هم بهذه الصفة تنظيم مسلح , تعظم هواجسهم ومخاوفهم من كل تطور سلمي مدني , وهذا من ملامح ورطتهم , وإذا كانوا يتحدثون عن وأد أي طموح سياسي لقوات الدعم السريع في المستقبل السوداني , فإنهم لا يطرحون أبدا فكرة (وأد) ذات الطموح للقوات المسلحة نفسها بإعتبارها أكبر حزب سياسي مسلح في البلاد بل ممول كليا من الخزينة العامة حتى رواتب عضويته , ببساطة لأنهم ما يزالون يسيطرون على مفاصل القيادة في الجيش , وإذا حدث تغيير جذري في هذه القيادة وأعتلى سدتها من غير تنظيمهم فإنهم سيكونون في حل من مسألة دعمها لبلوغ غايتهم في السيطرة والحكم عن طريقها , بمعنى أوضح أنّ عملية الإصلاح الجذري وهيكلة مؤسسة الجيش وتحويلها لمؤسسة مهنية قومية موحدة وقوية تأتمر بإمرة السلطة المدنية الديمقراطية , وتؤدي مهام توصيفها الوظيفي فقط ويحاسب من يحاول تجاوزه , في هذه الحالة سينهار العمود الفقري للتنظيم الإسلامي , إذ لم تعد لدعاياته السياسية الدينية التي سمم بها الفضاء العام من جدوى مع انتشار وسائط الحصول على المعرفة والتنوير وهذا هو بيت القصيد في هواجس الإسلاميين , نهاية الحرب سلميا تهدم كل طموحهم القائم على العسكرة للمجتمع وتحويله إلى أفراد خاضعين للأوامر العسكرية . ورطة الدعم السريع قد تكون أقل فداحة , إذ ليس لديهم تنظيم سياسي آيدولوجي يتوسل العسكرية كسبيل لبلوغ الحكم , ربما كان غاية طموحهم عسكري صرف , الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري معترف به ومن ثم سريان عملية الإصلاح وبناء الجيش المهني القومي الموحد على أن يكونوا هم ضمن قوامه الاساس , وهذه كلها من المسائل السياسية ذات الطبيعة الفنية والتي تتوفر فيها تجارب وخبرات عالمية يمكن الإستفادة منها والإستعانة بها . أما جماعات الكفاح المسلح , فأمرهم واضح إذ صاروا جزءا من الجيش يسري عليهم ما يسري عليه صرفا أو عدلا , اللهم إلا إذا أعلنوا عن موقف آخر , هذه الحركات في معظمها ذات طبيعة سياسية عسكرية , أو تنظيمات سياسية مسلحة , ربما الفرق بينها وبين تنظيم الإسلاميين في أنها _عدا حركة العدل والمساواة_ لا تنطلق ويتحكم فيها العنصر الآيدولوجي الصارخ , وهذه نقطة مهمة للغاية , فالإستجابة لمطلوبات الإصلاح والتغيير والتحديث أسهل بالطبع وسط مجموعات غير مؤدلجة .
الوسومخالد فضلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خالد فضل
إقرأ أيضاً:
المصالح الأجنبية تعمّق الحرب في السودان ولا سبيل لإيقافها سوى الدبلوماسية الإقليمية
نشر موقع "كونفرسيشن" الأميركي مقالا لأحد الأكاديميين الأفارقة بالمؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة، يتناول فيه الحرب في السودان ويقترح كيفية الوصول إلى السلام هناك.
يستهل الأكاديمي جون موكوم مبّكو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ويبر ستيت الأميركية والزميل الأول غير المقيم في مؤسسة بروكينغز بواشنطن، مقاله باستعراض الأهوال التي نتجت عن الحرب في السودان، وأبرزها مقتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزوح أكثر من 14 مليونا، بينهم 3 ملايين فروا إلى دول الجوار، وتحول العاصمة الخرطوم إلى مدينة منكوبة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: ما الذي تتوقعه واشنطن من حكومة الشرع في سوريا؟list 2 of 2خبير إسرائيلي: عزل أيمن عودة من الكنيست إعلان حرب على عرب الداخلend of list جذور الحربويرى المقال أن جذور هذه الحرب تعود إلى توترات عرقية وسياسية واقتصادية قديمة، لكنها ازدادت سوءا بسبب التدخلات الخارجية غير المحايدة، حيث فاقمت الأطراف الدولية والإقليمية الصراع بدلا من حله.
واستشهد بعبارة لمنظمة العفو الدولية حول الاستجابة الدولية للصراع في السودان، إذ وصفت المنظمة هذه الاستجابة بأنها "مخيبة للآمال بشكل مؤلم".
ويشير الكاتب، المتخصص في أزمات الحكم الأفريقية، إلى أن إنهاء الصراع في السودان يتطلب التزاما دوليا جادا بالحياد، مع دعم الشعب السوداني لحل أزماته بنفسه.
دور الاتحاد الأفريقي
ولتحقيق ذلك، يقول الكاتب، يجب تفعيل الدبلوماسية الإقليمية، وعلى رأسها دور الاتحاد الإفريقي.
ثم يعود مبّكو مستدركا أن الاتحاد الإفريقي، رغم شعاره القائل "حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية"، لم يُفعّل دوره كما يجب، إذ لم يُحاسب قادة الحرب، ولم يحصّن المدنيين.
ويقترح المقال خطوات يمكن للاتحاد الأفريقي اتخاذها، منها:
التعاون مع الأمم المتحدة لإرسال بعثة لحماية المدنيين ومراقبة حقوق الإنسان، خصوصا النساء والفتيات، والمساعدة في عودة النازحين. تشكيل فريق خبراء للتحقيق في الانتهاكات، لا سيما العنف الجنسي، ورفع النتائج إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي. التنسيق مع الجامعة العربية لضمان موقف موحد يخدم مصالح السودانيين في السلام والتنمية. معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، مثل: الفقر، والتمييز، والتهميش السياسي، والاقتصادي. جون موكوم مبّكو: السلام في السودان لن يتحقق إلا من خلال عمل دولي وإقليمي منسق وجاد، يدعم الديمقراطية ويبني مؤسسات مستقلة، ويعزز ثقة المواطنين بمؤسساتهم، باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد نحو الاستقرار والتنمية. خبرات الزعماء الأفارقةويقترح الكاتب أيضا الاستفادة من خبرات الزعماء الأفارقة الحاليين والسابقين في الوساطة وحل النزاعات، مثل: ثابو مبيكي، وموسى فكي، وأولوسيغون أوباسانغو.
إعلانأما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فيقول الكاتب إنها لعبت دورا مهما في الماضي من خلال "اتفاقيات أبراهام"، التي أدت إلى تطبيع جزئي بين السودان وإسرائيل، ورفعت اسم السودان من قائمة "الدول الراعية للإرهاب".
الدور الأميركيوأشار إلى أن هذا التقارب مع أميركا كان من الممكن أن يشكّل أساسا للتعاون المستقبلي، خاصة بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2025، لولا أن الحرب الحالية وعدم الاستقرار السياسي عطّلا هذا المسار.
ويستمر مبّكو ليقول إن ترامب لم يبدِ اهتماما فعليا بالسودان، رغم أن اتفاقيات أبراهام كانت إنجازا كبيرا له، إذ لم يتطرق إلى هذه الأزمة خلال زيارته إلى السعودية في مايو 2025.
ويختم الكاتب المقال بالتشديد على أن السلام في السودان لن يتحقق إلا من خلال عمل دولي وإقليمي منسق وجاد، يدعم الديمقراطية ويبني مؤسسات مستقلة، ويعزز ثقة المواطنين بمؤسساتهم، باعتبار أن ذلك الطريق هو الوحيد نحو الاستقرار والتنمية.