ماذا أعدت طهران لمواجهة إسرائيل وحلفائها الغربيين؟
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
طهران- تعيش منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن منذ اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية بالعاصمة الإيرانية طهران، حيث توعدت الأخيرة بإنزال العقاب القاسي بإسرائيل.
وعلى وقع حشد إسرائيل وحلفائها الغربيين -وعلى رأسهم الولايات المتحدة- إمكانياتهم العسكرية لصد الهجوم الإيراني المرتقب، سارعت طهران إلى إعادة تموضع أنظمتها الرادارية في ربوع البلاد، وضربت طوقا من مختلف مضاداتها الجوية حول منشآتها الحيوية.
وانطلاقا من تجربتها في عملية "الوعد الصادق"، حينما شنت إيران في أبريل/نيسان الماضي -لأول مرة في تاريخها- هجوما عسكريا مباشرا على إسرائيل ردا على استهداف قنصليتها في دمشق، عملت طهران كخطوة استباقية على تجهيز دفاعاتها الجوية وتعزيز قدراتها الهجومية والقيام بتمرينات عسكرية غربي البلاد كونها الأقرب إلى فلسطين المحتلة.
في غضون ذلك، كشف قائد الدفاع الجوي في الجيش الإيراني العميد علي رضا صباحي فرد عن تجهيز الدفاعات الجوية بأنظمة صاروخية ورادارية ومسيّرات في سياق تطوير القدرات القتالية للوحدات الإستراتيجية، مضيفا أن الارتقاء بقدرات الرادارات والصواريخ والمسيّرات جاء متناسبا مع التهديدات المتوقعة وتلك الجديدة.
خطوة متناسبة
وعلى وقع الترقب الإسرائيلي للردّ الإيراني، كانت طهران ترصد انتشار الأساطيل البحرية الأميركية في المياه الإقليمية، مما حدا بالحرس الثوري أن يضم إلى قوته البحرية بالمياه الخليجية نحو 2654 نظاما عسكريا، بينها صواريخ كروز بعيدة ومتوسطة المدى تتمتع بقدرة عالية على التخفي وتحمل رؤوسا حربية شديدة الانفجار.
وقال الحرس الثوري في بيان إن قوته البحرية حصلت على منظومات رادار جديدة وأنظمة الحرب الإلكترونية ومسيّرات، كما حصلت على أحدث أنواع التجهيزات العسكرية المضادة لجميع الأهداف البحرية.
ويقرأ الباحث العسكري محمد مهدي يزدي في إزاحة الحرس الثوري الستار عن تسليحات عسكرية ردا متناسبا على حشد حاملات الطائرات الأميركية والمدمرات والغواصات الغربية في المنطقة، موضحا أن ما كشفه الحرس الثوري جزء بسيط مما يتوفر لديه، وأنه تعمد عرض بعض الأسلحة القادرة على اصطياد وتدمير القطع البحرية.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأى يزدي أن بلاده "ترسل رسائل عملية للأطراف الغربية التي تحشد هذه الأيام أحدث تسليحاتها لصد الهجوم الإيراني المرتقب على الكيان الصهيوني، وتحذرها من مغبة أي سوء تقدير قد يبرر لطهران سحق مصادر التهديد في عرض البحر".
وبرأي الباحث، فإن إضافة وحدات الحرب الإلكترونية إلى ترسانة الحرس الثوري تحمل دلالات بخصوص بعض السيناريوهات المحتملة عقب الهجوم الإيراني المرتقب وتطورات البحر الأحمر.
وأكد أن بلاده "تعتبر البحرية الأميركية خصمها الرئيس في أعالي البحار، وأن التسليحات الجديدة موجّهة ضدها بالدرجة الأولى. ناهيك أن الخصم سيتفاجأ من فاعلية بعض الأسلحة التي لم تعرض بعد".
الحلفاء الشرقيون
وفي حين ترى شريحة من الإيرانيين حشد الأسلحة الغربية بالمنطقة دليلا على عجز إسرائيل عن حماية نفسها، تتساءل شريحة أخرى عما أعدت طهران لمواجهة الأساطيل الجوية، لا سيما طائرات الشبح التي نجحت خلال عملية "الوعد الصادق" في صد نسبة كبيرة من الصواريخ والمسيرات الإيرانية.
وبينما دأبت الصحافة الفارسية على استذكار المناورات العسكرية المشتركة التي تجريها الجمهورية الإسلامية سنويا بمشاركة روسيا والصين في مياه المحيط الهندي، تساءلت بعض الأوساط الإيرانية عن مصير التحالفات الإستراتيجية بين طهران وحلفائها الشرقيين، في حين انتقد طيف آخر تباطؤ الجانب الروسي في تسليم مقاتلات سوخوي-35 التي اشترتها طهران قبل أكثر من عام.
وتوجهت الجزيرة نت بهذه الأسئلة إلى القيادي السابق بالحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم، الذي استشهد بالمثل القائل "عدو عدوي صديقي"، مؤكدا أن "تقديرات العدو التي تعتبر طهران وحيدة في مواجهة حلفاء إسرائيل خاطئة وأن الزيارة الأخيرة للأمين العام لمجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى طهران جاءت في هذا السياق".
وفي حديثه للجزيرة نت، كشف كنعاني مقدم -المعروف بقربه من مراكز صنع القرار الإيرانية- عن تسلّم بلاده من الحليف الروسي أنظمة إس-400 للدفاع الجوي وعددا من مقاتلات سوخوي-35، موضحا أن المعدات العسكرية المتطورة التي وصلت البلاد على أتم الاستعداد للقيام بالمهام المنوطة بها.
وعلى ضوء الصمت الإيراني الرسمي حيال تقارير الإعلام الغربي حول وصول أسلحة روسية إلى الجمهورية الإسلامية، سارعت بعثة طهران الدائمة لدى الأمم المتحدة، في العاشر من أغسطس/آب الجاري، إلى نفي صحة التقارير التي تحدثت عن إرسال طهران صواريخ إلى روسيا، مستدركة أنها "أبرمت شراكة إستراتيجية طويلة الأجل مع روسيا في مجالات متعددة، منها التعاون العسكري.
وخلص المتحدث نفسه إلى أن الاتفاقيات الإستراتيجية الموقعة بين طهران وكل من موسكو وبكين تصب في مصلحة جميع الأطراف، وأن التنسيق بين أطراف المعاهدات يمضي على قدم وساق، مستدركا بأنه "لا حاجة للكشف عن الخطوات المقبلة قبل الإقدام عليها".
مناورات عسكرية
ومع استمرار طهران بالتوعد بالرد دون البدء به حتى الآن، ترجع بعض الأوساط سبب التأخير في شن الهجوم المرتقب إلى قيام الحرس الثوري بمناورات للتمرين على الخطط المرسومة، في حين يرى مراقبون أن إبقاء عصا الانتقام مرفوعة لفترة أطول سيكون مكلفا جدا لتل أبيب وحلفائها الغربيين، وأن استمرار حالة التأهب قد تؤدي إلى انهيار الحالة النفسية لدى المستوطنين وتكبيد الاقتصادات الغربية خسائر أكبر.
وأفادت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا)، أمس الأحد، بأن الحرس الثوري يجري تدريبات عسكرية في المناطق الغربية من البلاد قرب الحدود العراقية "لتحسين الاستعداد القتالي"، موضحة أن التدريبات العسكرية بدأت يوم الجمعة الماضي ومن المقرر أن تستمر حتى يوم غد الثلاثاء.
وعلى وقع الوساطات الإقليمية والدولية الرامية لثني إيران عن تنفيذ تهديدها، تقول الأخيرة إنها لا تساوم على سيادتها ولا على دماء ضيفها، بيد أن بعض الأطراف يحذرون من مغبة إطالة أمد الهجوم المرتقب خشية قيام إسرائيل بهجوم استباقي ضد الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يبدو مستبعدا في الوقت الراهن.
ويرى مراقبون في إيران أن إسرائيل غير قادرة على شن هجوم استباقي على إيران، نظرا لاستنزاف طاقات تل أبيب جراء عدوانها المتواصل على غزة، ناهيك عن أن الهجوم سيكون غير مجد بسبب اتساع جغرافيا الجمهورية الإسلامية، وأنه سوف يفتح الباب على مصراعيه للرد بحرب طويلة الأمد قد تقضي على ما تبقى من قدرات إسرائيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجمهوریة الإسلامیة الحرس الثوری
إقرأ أيضاً:
ماذا ينتظر وكلاء طهران في اليمن بعهد ترمب...وهل سيكون هناك استهداف للقادة الحوثيين من المستويات العليا؟
يترقَّب اليمنيون عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وما ستؤول إليه السياسات الأميركية في ولايته المقبلة تجاه اليمن، وكيفية التعاطي مع أزمته وحربه المستمرتَّين منذ عقد من الزمن، ضمن تغيرات تلك السياسات نحو قضايا وأزمات الشرق الأوسط، بأمل حدوث تطورات تؤدي إلى تلافي أخطاء الإدارات السابقة.
وواجهت إدارة جو بايدن الحالية انتقادات كبيرة داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية؛ بسبب تعاطيها غير الحاسم مع الملف اليمني، خصوصاً بعد إقدام الجماعة الحوثية على تحويل البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة باليمن إلى ساحة صراع، مُعرِّضةً طرقَ الملاحةِ، والتجارةَ الدوليَّتين للخطر، ومتسببةً بخسائر كبيرة للاقتصاد العالمي، ويتوقع أن تكون سياسة ترمب مغايرة.
وأعلن بايدن في مشروعه الانتخابي، ولاحقاً بعد توليه الرئاسة، أن إنهاء الحرب في اليمن إحدى أهم أولويات السياسات الأميركية في عهده، وعيّن مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، هو السياسي تيموثي ليندركينغ، إلا أن العام الأول من ولايته شهد تصعيداً عسكرياً كبيراً من قبل الجماعة الحوثية التي حاولت الاستيلاء على مدينة مأرب، أهم معاقل الحكومة الشرعية شمال البلاد.
ومن المنتظر أن تأتي إدارة ترمب الجديدة بتحولٍ كبيرٍ في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، كما يرى بشير عبد الفتاح، الباحث في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، وهذا التحول سيحدث بناء على واقع فرضته إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، بعد توجيهها ضربات موجعة لأذرع إيران، بمشاركة من الولايات المتحدة نفسها، وشملت تلك الضربات مواقع الحوثيين في اليمن.
ونقلت صحيفة«الشرق الأوسط»عن عبدالفتاح قوله بأن ترمب يسعى إلى وقف العمليات العسكرية في المنطقة، لكن ليس بشروط إيران وأذرعها، بل بشروط إسرائيل، ليتم تخيير هذه الأذرع بين وقف إطلاق النار والتزامها بقواعد جديدة للتهدئة تضعها الولايات المتحدة وإسرائيل، أو أن يتم إطلاق يد الجيش الإسرائيلي للإجهاز عليها عسكرياً.
وأعلنت الجماعة الحوثية أن نتائج الانتخابات الأميركية لن تؤثر في موقفها، واتهم زعيمها عبد الملك الحوثي، ترمب بالحرص على دعم إسرائيل والتباهي بأنه فعل لها ما لم يفعله الرؤساء الأميركيون من قبله، وبإعطائها مزيداً من الأراضي العربية.
تشديد الحصار الاقتصادي
لن تكون إيران مستعدة للتضحية بأذرعها العسكرية في المنطقة إلا في حال توفر بدائل لها وفقاً لعبد الفتاح، وهو أيضاً رئيس تحرير «مجلة الديمقراطية»، وأن تتمثل هذه البدائل في إبرام صفقات مع الولايات المتحدة تُمكِّنها من التخلص من العقوبات، أو أن تتمكَّن من تطوير قدراتها النووية.
ويشير إلى أن وضع الجماعة الحوثية يختلف قليلاً عن باقي الأذرع العسكرية لإيران، وذلك لبعدها الجغرافي عن إسرائيل من جهة، ولسيطرتها على مؤسسات الدولة اليمنية، وهو ما يصعب من استهدافها المباشر وتوجيه ضربات كافية لإنهاكها من قبل إسرائيل، إلا أن السياسات الأميركية نحوها لن تختلف عن بقية الفصائل.
وتذهب الأوساط السياسية الأميركية إلى أن إدارة ترمب ستتخذ موقفاً أكثر حزماً ضد الجماعة الحوثية من سلفه بايدن، ضمن سياسة الضغط على إيران لأقصى حد، مع احتمالية استهداف قادة حوثيين من المستويات العليا.
غير أن ترمب سيركز على تشديد الحصار الاقتصادي على الجماعة الحوثية وفقاً للباحث الاقتصادي عادل السامعي، وهو الحصار الذي فرضه ترمب نفسه في ولايته السابقة، عندما وجهت إدارته بوقف مصادر التمويل التي تصل إلى مناطق سيطرة الجماعة، وحرمانها من الكثير من الإيرادات الموجهة عبر الأعمال الإنسانية.
ويمكن لترمب تعزيز الإجراءات الخاصة بتضييق الخناق اقتصادياً ومالياً على الجماعة الحوثية، كما يوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط»، وما يشمل ذلك من مضاعفة العقوبات التي تبنتها إدارة بايدن؛ بسبب الهجمات العدائية الحوثية في البحر الأحمر، وبينما كانت إدارة الأخير تتحجج بالأوضاع الإنسانية الصعبة في مناطق سيطرة الحوثيين لتبرير محدودية عقوباتها؛ فإن إدارة ترمب لن تبالي بذلك.
ونظراً لكون ترمب غير مستعد لخوض حروب على حساب دخل المواطن الأميركي، وفق رؤيته الدائمة؛ ويتخذ من الإجراءات الاقتصادية والعقوبات سلاحاً أكثر فاعلية في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، فمن المنتظر أن تتضاعف هذه النوعية من العقوبات، ما سيدفع إلى تعقيد الواقع السياسي، وربما العسكري أيضاً، إذ سيؤدي ذلك إلى رفض الجماعة الحوثية تقديم أي تنازلات، إلا أنه، في المقابل سيضعفها عسكرياً.
تراجع فرص السلام
على نهج سلفه بايدن، يدّعي ترمب أنه سينهي الحروب، وإن كانت أدواته تختلف كثيراً عن أدوات الرئيس الحالي الذي فشل في تنفيذ وعوده، غير أن ما سيواجه عهده الجديد ينذر بتعقيدات كثيرة، وفي اليمن قد تكون هذه التعقيدات أكثر مما يتوقع هو أو غيره.
ويميل ترمب إلى المبالغة، وربما الادعاء، في رفع مستوى التهديدات التي تحيط ببلده ومصالحها، ومن بين تلك التهديدات، الممارسات الحوثية في البحر الأحمر. وعلى الرغم من عدم نزوعه إلى خوض الحروب والتصعيد العسكري؛ فإنه قد يركز أهداف ضربات الجيش الأميركي على القيادات الحوثية العليا فقط.
ويبدو أن الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة ترمب، وبالاستناد إلى تجربتها في فترة حكمه السابقة، ستتبع سياسة أكثر صرامة تجاه التهديدات التي تمثلها جماعة الحوثي المسلحة في البحر الأحمر، طبقاً لرأي الكاتب والباحث السياسي محمد عبد المغني، فقياساً على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يتبناه دائماً؛ يمكن القول إن إدارته ستعمل على تعزيز التصدي للتهديدات الاقتصادية المباشرة على المصالح الأميركية.
ومن المحتمل، برأي عبد المغني الذي أدلى به أن يؤدي هذا إلى إعادة تصنيف الحوثيين «جماعةً إرهابيةً أجنبيةً»، وهو ما يخالف تصنيف إدارة بايدن لهم «جماعةً إرهابيةً عالميةً»، ليصبح التفاوض مع هذه الجماعة المسلحة أمراً غير وارد، وقد ينتج عنه تقليص دور المبعوث الأميركي إلى اليمن، أو ربما إلغاء هذه المهمة.
وأبدى سياسيون وباحثون يمنيون، مخاوف شديدة من أن تؤدي سياسات ترمب المتوقعة نحو اليمن إلى مزيد من انفلات المواجهة بين الجماعة الحوثية من جهة، وإسرائيل والغرب من جهة أخرى، وما سيتبع ذلك من مفاقمة الأوضاع الإنسانية المعقدة، وإلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية المنهكة؛ بسبب الانقلاب الحوثي والحرب.
وبعد إعلان فوز ترمب برئاسة الولايات المتحدة، توعدت الجماعة الحوثية باستمرارها في استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، بحجة ارتباطها بإسرائيل، كما أكدت مواصلة عملياتها باتجاه إسرائيل، ولوَّحت بأنها ستهاجم أي سفينة تشتبه أنها تستخدم التمويه لإخفاء ملكيتها الإسرائيلية، حسب زعمها.