الذكاء السري.. مايكروسوفت وبالانتير تطوران إمكانات الجيش الأميركي
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
أعلنت شركتا مايكروسوفت وبالانتير عن تعاون مهم لدمج إمكانات الذكاء الاصطناعي المتطورة في قطاعي الدفاع والاستخبارات الأميركية، ويعد هذا التعاون الأول من نوعه في توظيف الذكاء الاصطناعي في الأنظمة السرية، إذ يجمع بين خدمات مايكروسوفت السحابية "أزور" ومنصات تحليل البيانات المتطورة التي توفرها شركة بالانتير، وفقا لما ذكرته مايكروسوفت على مدونتها.
أصبحت الخدمات السحابية ضرورية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي تتطلب موارد حاسوبية ضخمة، لا توفرها أجهزة الحاسوب العادية المتاحة. وبالاستفادة من الموارد التي تقدمها الخدمات السحابية، يمكن استضافة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتشغيلها عن بُعد للتغلب على محدودية الأجهزة الموجودة.
وترغب وكالات الأمن والاستخبارات في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدتها على فهم وتحليل الكميات الهائلة من المعلومات السرية التي تظهر يوميا، ولكنها يجب أن توازن بين اللجوء إلى نماذج لغوية كبيرة متاحة للعامة وبين خطر تسرب أي بيانات حساسة إلى العلن أو محاولة اختراقها عمدا.
وهنا يأتي دور هذه الشراكة، إذ ستعمل شركة بالانتير، وهي شركة رائدة في مجال تحليل وتكامل البيانات، على دمج تقنياتها مع البنية التحتية السحابية "أزور" وهي الخدمات السحابية المعتمدة من الحكومة الأميركية.
ويتضمن هذا التكامل استخدام نماذج لغوية متطورة مثل نموذج "جي بي تي-4″، مما يتيح لوكالات الأمن القومي ووكالات الاستخبارات الأميركية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة في إطار بيئات آمنة وسرية.
مايكروسوفت اقترحت استخدام أداة توليد الصور الشهيرة "دال-إي" التي تطورها "أوبن إيه آي"، لمساعدة وزارة الدفاع الأميركية في تصميم برمجيات لتنفيذ العمليات العسكرية (رويترز)بهذا، ستتمكن وكالات الدفاع والمخابرات والأمن القومي الأميركية من توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات مع الحفاظ على مستويات الأمن والرقابة اللازمة لمهامها الحساسة، تشمل هذه المجالات إدارة الخدمات اللوجيستية والتخطيط للعمليات والتعاقدات، وهي مجالات يستطيع الذكاء الاصطناعي تعزيز عمليات اتخاذ القرار بها بتوفير معلومات فورية مستندة إلى البيانات، وفقا لما ذكرته شركة بالانتير.
كما تتيح هذه الاتفاقية الجديدة استخدام منتجات "بالانتير" الأخرى، ومنها منصة "فاوندري" لتكامل البيانات وبرنامج "غوثام" لتخطيط المهام، ضمن خدمات مايكروسوفت السحابية المعتمدة من الحكومة. ودعما لتفعيل هذه الإمكانات، ذكرت الشركتان أنهما ستوفران "تجارب تمهيدية" لأجهزة الأمن والاستخبارات لتجربة هذه التقنيات المدمجة.
علاقات قائمةتستند هذه الشراكة إلى علاقات الشركتين القائمة مع الجيش الأميركي في مجال الذكاء الاصطناعي. ففي مايو/أيار الماضي، طرحت مايكروسوفت نموذجا قائما على "جي بي تي-4" ضمن شبكة سحابية حكومية حصرا، إذ أصدرت الشركة نموذجا للذكاء الاصطناعي التوليدي منفصلا تماما عن الإنترنت، قائلة إن وكالات الاستخبارات الأميركية يمكنها استخدام هذه التقنية الفعّالة بأمان لتحليل المعلومات السرية للغاية، كما أشارت وكالة بلومبيرغ.
وصرّح أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة أن هذه أول مرة يعمل فيها نموذج لغوي كبير منفصل تماما عن الإنترنت. فبينما تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي على الخدمات السحابية، فإن مايكروسوفت أرادت توفير نظام آمن تماما لمجتمع الاستخبارات الأميركي.
مايكروسوفت طرحت نموذجا قائما على "جي بي تي-4" ضمن شبكة سحابية حكومية حصرا مما يوفر نظاما آمنا تماما لمجتمع الاستخبارات الأميركي (رويترز)كما اقترحت شركة مايكروسوفت في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، استخدام أداة توليد الصور الشهيرة "دال-إي" (DALL-E)، التي تطورها شركة "أوبن إيه آي"، لمساعدة وزارة الدفاع الأميركية في تصميم برمجيات لتنفيذ العمليات العسكرية، وفقا لمواد داخلية للعرض التقديمي التي اطلع عليها موقع "ذي إنترسبت"، وأشار لها في تقريره الصادر في أبريل/نيسان الماضي.
وتوفر مواد العرض التقديمي الخاصة بشركة مايكروسوفت، بعنوان "الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام بيانات وزارة الدفاع"، تفاصيل عامة حول كيفية استفادة البنتاغون من أدوات وتقنيات تعلم الآلة الخاصة بشركة أوبن إيه آي، التي تشمل روبوت المحادثة الشهير "شات جي بي تي" ومولد الصور "دال-إي"، وذلك لمهام تتفاوت بين تحليل المستندات والمساعدة في صيانة الآلات.
تلك الوثائق التي قدمتها مايكروسوفت مستخرجة من مجموعة مواد كبيرة عُرضت في ندوة تدريبية لوزارة الدفاع الأميركية حول "الإلمام والتثقيف بتقنيات الذكاء الاصطناعي"، نظمتها وحدة القوات الجوية الأميركية في لوس أنجلوس في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتضمنت الندوة مجموعة مختلفة من العروض التقديمية من الشركات المتخصصة في مجال تعلم الآلة، بما فيها شركتا "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي"، بشأن ما يمكن أن تقدمه تلك الشركات للبنتاغون.
أنظمة متطورةأما بالنسبة لشركة بالانتير، المعروفة بنشاطها المكثف مع وكالات الأمن الأميركية، فقد حصلت على عقد بقيمة 480 مليون دولار مع الجيش الأميركي لتطوير نظام "مافن" (Maven) الذكي، وهو نظام ذكاء اصطناعي متطور صُمم لتحديد أنظمة الخصم في الوقت الفعلي.
ويستفيد نظام "مافن" -المُستخدم حاليا في منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط- من الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من أنظمة استخبارات ومراقبة واستطلاع متعددة، ويحدد المخاطر المحتملة بسرعة ودقة عالية، في محاولة لمساندة العمليات العسكرية عبر تقليل الوقت اللازم لاكتشاف التهديدات والاستجابة لها، وفقا لبيان صحفي صدر في فبراير/شباط الماضي عن الحرس الوطني لولاية كنتاكي.
وفي شهر مارس/آذار الماضي، اختار الجيش الأميركي شركة "بالانتير" لتطوير نظام "تيتان" (TITAN)، في عقد بقيمة 178 مليون دولار. وذكرت الشركة أن هذا العقد سيسمح لها بتطوير تقنيات متقدمة في ساحة المعركة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وأضافت الشركة أنه بمجرد استخدام النظام، سيتمكن "تيتان" من اكتشاف التهديدات في عدة جهات، تشمل الفضاء والجو والبر والبحر والفضاء السيبراني، باستخدام تقنيات خاصة بشركات الأسلحة من بينها "نورثروب غرومان" و"أندوريل إندستريز" و"إل 3 هاريس تكنولوجيز" و"باسيفيك ديفنس".
كما ذكرت الشركة أنها على مدى العامين القادمين ستعمل على تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لمعالجة كميات أكبر من البيانات في ساحة المعركة. وقد التزمت الشركة بتسليم 10 أنظمة -نصفها مصنف على أنه متطور- لكي تُدمج في المركبات العسكرية التكتيكية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاستخبارات الأمیرکی الذکاء الاصطناعی الخدمات السحابیة الجیش الأمیرکی أوبن إیه آی الشرکة أن جی بی تی
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن للعالم أن يحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي؟
يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى تنظيم وحوكمة وتشريعات قانونية في ظل التطورات المتلاحقة التي تثير الكثير من المخاوف، وذلك للحفاظ على التوازن بين الابتكار التكنولوجي والأمن، وفقا للكاتب علي أوغوز ديريوز في مقال نشرته صحيفة "إندبندنت" بنسختها التركية.
وقال الكاتب، وهو أستاذ مشارك بجامعة توب للاقتصاد والتكنولوجيا في أنقرة، إن هناك بالفعل جهودا دولية من أجل سن تشريعات تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي تضع له أطرا قانونية، حيث يركز الاتحاد الأوروبي حاليا على إدارة المخاطر الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، في حين شرعت الهند بصياغة تدابير تنظيمية أكثر صرامة، لكنه يرى أن تجنب الآثار السلبية يحتاج إلى جهود إضافية وتعاون دولي أوسع.
وأوضح أن تلك الجهود يجب أن تشمل تنظيم العملات المشفرة والأصول الرقمية، لأن مخاطرها تتجاوز الاعتبارات الأمنية وتمسّ سيادة الدول، معتبرا أن جمع الضرائب وإصدار العملات النقدية يجب أن يبقى حكرا على الحكومات.
وحسب رأيه، فإن الجهود التنظيمية في مجال العملات المشفرة يجب أن تركز على مكافحة غسل الأموال وتمويل الأنشطة الإجرامية وعمليات الاحتيال المالي، خاصة أن البورصات غير المنظمة للعملات الرقمية قد تهدد استقرار الأسواق والاقتصادات الوطنية.
إعلان
إجراءات تنظيمية أكثر صرامة
أضاف الكاتب أنه رغم قدرة التكنولوجيا على تسهيل حياتنا اليومية وزيادة كفاءة أعمالنا، فإنها تشكّل تهديدا على مستقبل بعض الوظائف.
وفي هذا السياق، أقر الاتحاد الأوروبي قانونا جديدا للذكاء الاصطناعي يعتمد على تقييم المخاطر، ويفرض قواعد صارمة لمجابهتها، كما يحظر بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تُصنَّف بأنها ذات مخاطر غير مقبولة.
وأشار الكاتب إلى أن الهند التي تتبوأ مكانة رائدة إقليميا وعالميا في إدارة بيانات الذكاء الاصطناعي، والتي تبنّت في الماضي نهجا منفتحا تجاه الابتكارات في هذا المجال، قد تكون في طريقها نحو سياسة تنظيمية جديدة أكثر صرامة.
وأضاف أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي كان يتحدث باستمرار عن فوائد الذكاء الاصطناعي ودوره في تعزيز الابتكار والمشاريع الجديدة، اعتمد في الفترة الأخيرة نهجا يلمح إلى أن الهند تسعى لتحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم لمواجهة المخاطر والتحديات الأمنية المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وشدد الكاتب على أن تركيا مطالبة بمتابعة التطورات التقنية، ليس فقط في سياق الاتحاد الأوروبي، نظرا لارتباط تركيا بالعديد من المؤسسات الأوروبية في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضا في دول مجموعة بريكس مثل الهند.
وقال إنه من الملاحظ أن تركيا، كدولة تفخر بامتلاكها نفوذا في المجال التكنولوجي، تبنّت مؤخرا موقفا أكثر حذرا تجاه تنظيم الذكاء الاصطناعي، مما يعكس إدراكها للتحديات والفرص المصاحبة لهذه التقنيات.
قمم عالمية منتظرة
ذكر الكاتب أن العديد من الدول ستشارك في اجتماعات وقمم دولية في عام 2025 لمناقشة كيفية الموازنة بين مزايا الذكاء الاصطناعي ومخاطره، ومن بينها "القمة العالمية للذكاء الاصطناعي" التي ستُعقد في العاصمة الفرنسية باريس في فبراير/ شباط 2025.
ومن المنتظر أن تتناول القمة 5 محاور رئيسية، تشمل الذكاء الاصطناعي لصالح الجمهور ومستقبل الوظائف والابتكار والثقافة والثقة في الذكاء الاصطناعي والحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي.
إعلانوأكد الكاتب أن التعاون الدولي يعدّ ضرورة ملحة للتعامل مع عيوب الذكاء الاصطناعي قبل استفحالها، حيث إن تجاهل هذه العيوب قد يؤدي إلى مشكلات أكبر في المستقبل، معتبرا أن هذه الجهود تتطلب مشاركة الحكومات والشركات والمجتمع الدولي لضمان إدارة هذه التقنيات بشكل يخدم الصالح العام.