#نصر_عسكري و #هزيمة_استراتيجية
بقلم: د. هاشم غرايبه
مقال الإثنين: 12 /8 /2024
في أواخر عام 2023 أعرب وزير الدفاع الأمريكي “أوستن” عن تخوفه من أن تنتهي الحرب التي شنت على القطاع الى هزيمة استراتيجية رغم الانتصار العسكري، وقد استعار هذه العبارة من عنوان الكتاب الذي أصدره العقيد الأمريكي “هاري سمرز” في وصفه لهزيمة أمريكا في حرب فيتنام رغم تفوقها العسكري الكاسح.
هنالك الكثير من نقاط الالتقاء في حالتي احتلال فيتنام وفلسطين، فقد ورثت أمريكا احتلال فيتنام بعد خروج فرنسا منها مدحورة، وتمسكت بها عن طريق تنصيب نظام تابع لها في جزئها الجنوبي، بسبب موقعها الاستراتيجي في قلب الشرق الأقصى، مثلما ورثت احتلال بريطانيا لفلسطين، التي اقامت عليها نظام احلال عنصري، وتمسكت أمريكا بها أيضا لموقعها الاستراتيجي في قلب المنطقة الاسلامية التي استعصت على الاوروبيين قرونا.
ما أوحى لـ “أوستن” بالفكرة التي حذر منها أن بداية الهزيمة الأمريكية في فيتنام كانت يوم الاحتفال بعيد “التيت” الفيتنامي، في 31/12/1968 اذ تسلل 19 من نخبة الفدائيين الفيتناميين الى محيط السفارة الأمريكية في “سايغون” وتمنوا من فتح ثغرة في جدارها المحصن واحتلوا السفارة، بالطبع فقد تمكن الامريكان من استعادتها سريعا وقتلوا جميع الفدائيين، لكن هذا الاقتحام الجريء كان اشارة لبدء هجوم واسع شمل كافة العواصم الاقليمية في فيتنام الجنوبية.
صحيح أن القوات الأمريكية تمكنت خلال شهر من إنهاء هذا الهجوم بسبب عدم قدرة قوات “الفياتكونغ” على الاحتفاظ بالمواقع التي احتلتها، كونها تستخدم أساليب حرب العصابات، ورغم أن المهاجمين فقدوا أكثر من نصفهم، لكنها بتقدير “سمرز” شكلت نقطة التحول في الحرب التي كانت أمريكا فيها مطمئنة بسبب امكانياتها اللوجستية الهائلة وقدراتها التقنية المتفوقة بشكل ساحق في التدمير والقتل.
وذلك التحول يعود الى الفارق الهائل في العقيدة القتالية، بين من يقاتل دفاعا عن بيته وأطفاله، وبين من يقاتل لجني المكاسب، فعندما أحست أمريكا بأن عدوها يمتلك هذه العزيمة بالقيام بهجوم رغم أنه في التقدير العسكري، وبحسب موازين القوى يعتبر عملا انتحاريا، لكن من يملك هذه العزيمة ومستعد لتقديم التضحيات يصعب هزيمته، لذلك وبحسابات الربح والخسارة فقد وجد القادة الأمريكيون أن الكلف الهائلة التي ينفقونها لحماية نظام “سايغون”، والخسارات التي لا تعوض لأرواح شبابهم بسبب قلة الخصوبة الانجابية في المجتمعات الغربية، كل ذلك يشكل استنزافا لا طائل وراءه، لذلك بادروا الى الانسحاب بعد مفاوضات في “باريس” تحفظ ماء وجههم أمام شعوبهم.
ما دفع كثيرين في الادارة الأمريكية الى تذكر الحالة الفيتنامية مثل السناتور الديموقراطي “ساندرز” الذي قال: “إن غزة هي فيتنام بايدن”، هو التطابق في أوجه كثيرة بين الحالتين، فأسلوب هجوم السابع من اكتوبر يماثل أسلوب هجوم “التيت” على سايغون، في المفاجأة بسبب غياب المعلومات الاستخبارية لعدم القدرة على اختراق المقاومين تجسسيا، وفي تكتيك الاقتحام، وطبيعة استخدام المقاتلين لحرب العصابات الفدائية، والجرأة في دخول المواقع المحصنة، والنجاح الكامل باستخدام عنصر المفاجأة، ولو لم تتوفر القدرة على الاحتفاظ باحتلال الموقع.
كان ذلك مشابها لما حدث في عمية الطوفان، وشكّل صدمة لم يفق منها الكيان اللقيط بعد، ولو تؤد عملياته الانتقامية على شراستها الى تهدئة النفوس المرتعبة، بل ما زال القلق على أشده، وارتفع منسوب فقدان الثقة بالقدرات العسكرية رغم تفوقها الساحق، وانعكس ذلك بتزايد أعداد المقتنعين بأن هذه الأرض لم تعد ذلك الوطن الآمن الذي وعدهم به مؤسسو دولة الاحتلال الأوائل، وأنه خير لهم أن يحزموا أمتعتهم ويتركوا هذه الأرض عائدين من حيث أتوا.
فقد نشرت مجلة “زمان” في الكيان اللقيط نقلا عن احصاءات دائرة السكان، أن ما يقارب النصف مليون غادروا خلال الشهور الستة الماضية، ولم يعد منهم أحد الى الآن، كما ان الهجرة اليه انخفضت بنسبة 70%.
منذ عشرة شهور والى اليوم هنالك تزايد في العوامل المحبطة لدى قاطني الكيان اللقيط ولدى الغرب الذين يمدونه ويحمونه، ليصبح ذلك حملا ثقيلا لايغطي المردود الذي ينتظرونه من بقائه وسط بيئة كارهة له، وفي عالم لم يعد يعميه رماد التضليل.
فصبرا آل غزة، فلمعاناتكم نهاية بإذن الله، وثمرة ذلك كله التحرير الكامل، ونصر الله قريب.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هزيمة استراتيجية
إقرأ أيضاً:
رحلة عبر الكهوف والمياه.. اكتشف سحر خليج هالونغ الجاف في فيتنام
تعد فيتنام من أشهر الوجهات السياحية في آسيا بفضل تنوعها البيئي والمناظر الطبيعية الخلابة، التي تهيمن عليها مئات الجزر الصخرية البديعة والكهوف البحرية المدهشة والتاريخ العريق المرتبط بالأساطير.
وتسود أجواء رطبة للغاية في المنطقة المعروفة باسم "خليج هالونغ الجاف"، التي يقصدها السياح لركوب قوارب التجديف المتهالكة -التي يطلق عليها قوارب السامبان التقليدية- حيث يمارسون التجديف وسط المناظر الطبيعية الخلابة، التي تضم الجبال الكارستية الشاهقة والغابات المطيرة الكثيفة والكهوف البحرية، حيث المياه هي العنصر المهيمن على هذا المشهد الطبيعي.
وعلى العكس من "خليج هالونغ" الشهير الذي يعد من أشهر المناطق السياحية في فيتنام، فإن "خليج هالونغ الجاف"، والمعروف أيضا باسم "ترانغ آن"، لا يقع في البحر، ولكنه يوجد وسط فيتنام جنوب هانوي.
وتتقاطع هذه المنطقة مع دلتا النهر الأحمر، التي تتفرع على مساحة شاسعة، والتي شكلت المناظر الطبيعية البديعة هناك على مر السنين. وبفضل المناظر الطبيعية الخلابة، التي تضم منحدرات الحجر الجيري في خليج تونكين الأخضر الزمردي، فإنه يمكن مقارنة "خليج هالونغ الجاف" مع الخليج الشهير، إذ يتمتع كل منهما بمزاياه المتفردة.
إعلانالمرشد السياحي كوي فو أشار إلى أن المنطقة الطبيعية "ترانغ آن" ليست مزدحمة بالسياح، كما لا توجد سفن سياحية أيضا. وينحدر المرشد السياحي، البالغ من العمر 34 عاما، من مدينة "نينه بينه" ويصطحب السياح من العاصمة الفيتنامية هانوي، التي تبعد 100 كلم، إلى موطنه عدة مرات في الأسبوع، وتستغرق الرحلة نحو ساعتين ونصف الساعة بالحافلة.
وبمجرد مرور الحافلة من آخر ضواحي العاصمة النابضة بالحياة، والتي تنتشر بها الدراجات النارية الصاخبة، يمر السياح على حقول الأرز الشاسعة وتستلقي حيوانات جاموس الماء تحت أشعة الشمس، وفي القرى يجلس الأشخاص في الشوارع أمام المتاجر والورش من أجل التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية.
قائمة التراث العالمييبدو الوضع أكثر إرباكا على رصيف القوارب في "ترانغ آن"، الذي يقع على مسافة بضعة كيلومترات فقط من عاصمة المقاطعة "نينه بينه"، وتبدأ رحلات القوارب في جنوب الدلتا عبر المناظر الطبيعية الكارستية الواسعة في "ترانغ آن"، والتي تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو عام 2014.
وتصطف قوارب السامبان الملونة وتتأرجح على صفحة المياه، وعادة ما تصل القوارب وتنطلق وهي تحمل مجموعات جديدة من السياح، ولا بد أن تتم عمليات النزول والركوب بسرعة، لأن الرحلات مجدولة بشكل جيد، من أجل تجنب التكدسات أمام مداخل الكهوف.
تسعة كهوفوبينما يخيم الصمت والهدوء على المكان تخترق "آهات" الإعجاب الجماعية عندما يدور القارب حول المعبد البوذي أو "الباغودا" الذي تم بناؤه في الماء مباشرة، ويصرخ المرشد السياحي "اخفض رأسك" بينما يتجه قائد القارب نحو شق صخري، تصعب رؤيته، وهنا ينزلق القارب بصمت إلى كهف "هانغ ثانه ترود"، الذي يبلغ طوله 320 مترا، ويعتبر أطول الكهوف التسعة، التي يمكن زيارتها في جولة تستغرق 3 ساعات.
وفي أثناء الجولة، يتوقف القارب وينزل السياح منه لزيارة معبد "سوئي تيين"، ويصعد السياح بعض الدرجات، التي تؤدي إلى البناء الخشبي الفخم، الذي يمتاز بسقف الباغودا. وبعد السير لمسافة قصيرة على الأقدام يظهر جبل "ديا لينه"، الذي يبدو بشكل عمودي من المياه، ويظهر بمظهر منتفخ مثل الريشة، ويعتبر من أشهر المواقع السياحية في المنطقة، حيث يحب السياح التقاط كثير من الصور.
إعلانولقد نال هذا الموقع إعجاب المخرج العالمي غوردان فوغت روبرتس واتخذ من "ترانغ آن" موقعا لتصوير فيلمه "كونغ: جزيرة الجمجمة" (Kong: Skull Island) عام 2017، وبالطبع لن يشاهد السياح القرد العملاق "كينغ كونغ" الشهير، ولكن يمكنهم زيارة القرية، التي تم بناؤها من القش خصيصا لهذا الفيلم الخيالي.
وتنتشر صور هذا الموقع على وسائط التواصل الاجتماعي بشكل لا حصر له، بفضل المناظر الطبيعية وإدراجه على قائمة منظمة اليونسكو، وبالتالي تستعد المنطقة لاستقبال أعداد أكبر من السياح، كما يرغب المرشد السياحي كوي فو في استغلال هذه الطفرة وافتتاح فندق لمبيت السياح أو ربما مطعم صغير، بالإضافة إلى زيادة الوعي السياحي لدى السكان، حيث تركز المنطقة على السياحة المعتدلة، ولا يوجد هوس بالمشروعات الإنشائية من دون مراعاة الأبعاد البيئية.
وفي رحلة استكشاف "ترانغ آن" يمكن للسياح التبديل بين القارب والدراجة الهوائية، حيث يصل السياح عبر الشوارع الجانبية الضيقة إلى المستوطنات، التي تضم المزارع الصغيرة والحدائق النباتية وحقول الأرز، التي تحيط بها الجبال الاستوائية.
المدينة الملكية "هوا لو"وتصل الجولة السياحية إلى المدينة الملكية "هوا لو" القديمة، التي تم تشييدها لتكون حصنا عسكريا عام 968م، وكانت ذروة ازدهارها في عهد الأسرات "ديناه" و"لي" و"لو" خلال القرن الـ11 الميلادي. وقد أعيد بناء معبدين على أطلال الأساسات القديمة خلال القرن الـ17.
ويتم الآن استغلال هذه المعابد للمناسبات الروحية والثقافية، ومنها مهرجان "هوا لو" السنوي، الذي يقام في شهر أبريل/نيسان من كل عام، ويعتبر هذا المهرجان الأكبر والأكثر شهرة، ويرجع تاريخه إلى حوالي ألف عام.
ودائما ما يظهر الماعز الجبلي البري على الجدران الصخرية شديدة الانحدار، سواء كان السياح في القارب أو على الدراجة الهوائية، وتعتبر هذه الحيوانات بمثابة الشعار غير الرسمي لمدينة "نينه بينه"، كما أنه يدخل في كثير من الأطباق الشهية.
إعلانوتتطلب المرحلة التالية من الجولة السياحية أن يتمتع الجميع، سواء كانوا رجالا أو نساء، بالقوة البدنية للوصول إلى منطقة "هانغ موا"، التي تقع على مسافة 10 كيلومترات. وإلى جانب الكهف الشهير، تمتاز المنطقة أيضا بمنصة المشاهدة على الهضبة، التي يبلغ ارتفاعها 65 مترا.
ويتعين على السياح صعود 500 درجة للوصول إلى القمة. كما يتطلب الأمر أخذ فترات راحة منتظمة لتناول المشروبات، ولكن الإطلالة البانورامية 360 درجة تستحق كل هذا التعب والمجهود، حيث ينعم السياح بمشاهدة الجبال الكارستية اللانهائية وحقول الأرز الخضراء الزاهية والأنهار المتعرجة، والتي تعتبر من أجمل المناظر الطبيعية في فيتنام.