نائب سابق عن “الليكود”: انزلاق إسرائيل إلى حرب إقليمية مقامرة كبيرة وخطِرة للغاية
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
#سواليف
يحذّر عضو #كنيست سابق عن “الليكود” المحامي #أوريئيل_لين، الرئيس السابق للغرف التجارية في إسرائيل، من انزلاقها إلى #حرب_إقليمية يعتبرها “ #مقامرة كبيرة وخطِرة للغاية”، متطابقاً بذلك مع #تحذيرات مراقبين إسرائيليين في الأيام الأخيرة.
في مقال نشرته صحيفة “معاريف”، يقول لين إنه إذا كان علينا تحديد الأهداف البعيدة المدى لإسرائيل، فإنه يمكن القول ببساطة إنها: القضاء على التنظيمات “الإرهابية” المستعدة لمهاجمتنا فعلاً، وردع الأعداء الذين ليست لنا قدرة على القضاء عليهم، وإقامة علاقات مع دول صديقة غربية، عربية وإسلامية، وأيضاً مع الصين.
طبقاً للين، هكذا يجب أن تكون عموماً السياسة الخارجية لإسرائيل، إنها تبسيطية جداً لكن يمكن استيعابها، لأن الرؤية البعيدة المدى هي التي تبلور سياسة حكيمة، لكن حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر عقّدت وضعنا، وجعلت من الصعب تحقيق هذه الأهداف الواضحة.
مقالات ذات صلةوبالنسبة للين، لا شك بأن على إسرائيل القضاء على “حماس”، منوهاً أنه لا يقصد “حماس” كفكرة، إنما “حماس” كقوة “إرهابية” عسكرية، لكن من أجل تحقيق هذا الهدف، تواجهنا عقبتان معروفتان: تحرير المخطوفين، ومسألة المسّ بالسكان المدنيين، وخصوصاً الأطفال الذين يسكنون في قطاع غزة، ولا يغير شيئاً إذا كان هؤلاء السكان يؤيدون “حماس” أو أن الحركة تستخدمهم كدروع بشرية. لا يمكن للمس بالسكان المدنيين أن يكون مقبولاً من العالم الواسع من كل الطبقات الاجتماعية طوال الوقت، وهذا يمكن أن يجعلنا نخسر تأييد العالم لنا كلما استمرت الحرب”.
ويرى أنه بالنسبة للمحتجزين في غزة، فقد انتهجت إسرائيل سياسة خاطئة، ويذكّر أنه أشار أكثر من مرة، في مقالات سابقة، على هذه النقطة. ويعلّل ذلك بالقول: “كان وهماً وضع تحرير المخطوفين مع القضاء على “حماس” كهدف مشترك واحد، ومن الواضح أن “حماس” لن تطلق سراح المخطوفين- أقوى سلاح في يدها- إلاّ إذا حققت أهدافاً مهمة من الصفقة، ولن تعيدهم وتتيح القضاء عليها، فالعالم كلّه، ونحن ضمنه، يتحدث عن صفقة كسبيل وحيد لحل مشكلة المخطوفين. وها نحن، بعد مرور 10 أشهر على الكارثة الوطنية، ولا يزال المخطوفون في أسر “حماس”، ولم نتمكن من القضاء عليها. إن العدالة المتأخرة ليست عدالة، كما يقول الشاعر الوطني الإسرائيلي حاييم بياليك في قصيدته “على المذبحة”؛ وتحرير المخطوفين المحتجزين منذ 10 أشهر في زنزانات “حماس” من دون معرفة متى، ليس تحريراً حقيقياً”.
أهداف الحرب
كما يرى لين أنه منذ البداية، كان يجب أن تضع إسرائيل هدفاً واحداً فقط؛ تحرير المخطوفين، ليس عن طريق صفقة، إنما بواسطة الكفاح المسلح، ولو وضعت هذا كهدف وحيد، وقالت إنها لن تجري صفقة مع “حماس”، ولن تتعامل معها كطرف شرعي، إنما ستخوض ضدها قتالاً لا هوادة فيه حتى إطلاق آخر مخطوف، لأصبح كفاحها مفهوماً ومقبولاً أكثر في العالم، ولكان في إمكانها القول للرئيس التركي أردوغان وللآخرين ما يجب قوله: “إذا كنتم تحرصون على السكان الفلسطينيين، أثبتوا صدق نياتكم واحرصوا على إطلاق المخطوفين، وبذلك نكون قد كسرنا النموذج الذي شكّلناه بأيدينا؛ وهو أنه من المفيد والمجدي أن تخطف التنظيمات “الإرهابية” مدنيين أو عسكريين وتجري مفاوضات أمام العالم كله كطرفين متساويين”.
ويمضي لين في قراءته النقدية لتوجهات الاحتلال، موصياً، بعكس مراقبين آخرين يدعون لمهاجمة وضرب “رأس الأفعى”: “في مواجهة هذه السياسة الخاطئة في الصراع مع “حماس”، لم نتوقف لإعادة التفكير، وها نحن نواصل الركض قدماً في بلورة سياسة خاطئة أُخرى إزاء إيران. نحن نَجُرّ بأيدينا إيران إلى مواجهة مباشرة معنا. صحيح أن إيران تبني وتسلح وتشجع التنظيمات “الإرهابية” على مهاجمتنا، وهي تفعل ذلك بواسطة وكلائها، لكن من الأفضل أن نخوض صراعاً فقط ضد وكلائها، وليس ضد إيران نفسها. إن الصراع المباشر مع إيران يحمل طابعاً مختلفاً تماماً عن الصراع مع وكلائها، إذ لديها اليوم علاقات خاصة مع روسيا التي هي في حاجة إليها في حربها ضد أوكرانيا”.
أوريئيل لين: ليس لدى إسرائيل مصلحة ولا قدرة على توسيع الصراع مع الحوثيين و”حزب الله” و”الحرس الثوري” إلى حرب مباشرة مع إيران“محور الشر”
وضمن تحذيراته، يشير لين إلى أن هناك دولاً أُخرى في “محور الشر” تتعاطف مع إيران، وليس لدى إسرائيل مصلحة ولا قدرة على توسيع الصراع مع الحوثيين ومع “حزب الله” و”الحرس الثوري” إلى حرب مباشرة مع إيران. ويقول إن هذه مقامرة كبيرة وخطِرة جداً، ويتعين علينا، مع مرور الوقت، تهدئة المواجهات المباشرة مع إيران، والسعي لبناء علاقات ودية مع تركيا. كما يقول إن الإيمان بعدالة الطريق يمكن إعطاء قوة داخلية، لكن هذا يجب ألاّ يحول دون انتهاج سياسية خارجية حكيمة، وهذا لا يعني التخلي عن مبدأ أن مَن يقتل إسرائيليين لن نسامحه قط، وسنلاحقه حتى يدفع حياته ثمناً، لكن هذا سيكون خاضعاً لاعتبارات المكان والزمان.
ويختتم لين بالقول: “إنَّ فَهْمَ مصالح وبنية القوى الفاعلة اليوم في الساحة الدولية هو أكثر تأثيراً من كل مبادئ العدالة والتحركات التي نقرّر القيام بها اليوم”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف كنيست حرب إقليمية مقامرة تحذيرات الصراع مع مع إیران
إقرأ أيضاً:
إيران وحماس بين لُغة المقاومة وخطاب المصالح.. قراءة في كتاب
الكتاب: إيران وحماس، من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى ما لم يرو من القصةالكاتب: فاطمة الصمادي
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات ط1، الدوحة - قطر 2024
عدد الصفحات: 386.
ـ 1 ـ
عقدت الثورة الإيرانية الصلة بالفصائل الفلسطينية منذ كانت تحشد أنصارها وتجهز نفسها للاستيلاء على الحكم. فمن بريد الإمام الخميني تعرض الباحثة فاطمة الصمادي رسائل له تبادلها مع ياسر عرفات. وأبرز ما نتوقف عنده طلب الإمام الخميني من الزعيم الفلسطيني "التضامن مع شعبه المظلوم وأن يكون صوتاً لهم وأن يسخر وسائل إعلامه لإيصال صوتهم إلى العالم". ومن تورد أخرى وردت عليه من أبو جهاد عبر له فيها عن تضامن حركة فتح مع نضال الشعب الإيراني وعرض عليه وضع إمكانات منظمة التحرير تحت تصرفه وتصرّف معارضي الشاه.
وتذكر أنّ الخميني تفاعل إيجابا مع الرسالة. فعين ممثلا له لدى حركة فتح. ولاحقا عقدت بعض شخصيات الثورة الإيرانية المؤثرة علاقات مع المجموعات الفلسطينية المقاتلة في لبنان خوّل لها أن تفيد من خبراتها القتالية لتدريب العناصر التي أخذت على عاتقها بناء الحرس الثوري بعد أن استقام لها أمر الحكم. وهذا ما كان شاه إيران قد اشتكى منه. فقد قال في مقابلة مع مجلة "الحوادث" اللبنانية "لقد وقفنا، وما زلنا، إلى جانب الفلسطينيين، رغم أن بعض مجموعات المقاومة دربت مخربين إيرانيين على اقتحام أراضينا وقتل الناس وتفجير منشآت مختلفة. نحن نعرف كيف نميز بين عدالة قضية فلسطين والظلم الذي يوجه ضدنا من قبل بعض الفلسطينيين. ما أخشاه هو أن يسمح الفلسطينيون للظروف الدولية بجعل قضيتهم أداة لإستراتيجية سوفيتية أو إستراتيجية دولية أخرى على مصر والسعودية، وسوريا، والدول العربية الأخرى مساعدة الفلسطينيين على تجنب مثل هذه المآزق".
ـ 2 ـ
من الذين أسهموا في تدعيم العلاقات بين الثورة الإيرانية والفصائل الفلسطينية المقاومة أنيس النقاش عضو حركة فتح. فقد كان أول من أطلق تشكيلات المقاومة في جنوب لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1978. وكان هاجسه، فيما تنقل الباحثة عنه، كيفيةَ الاستفادة الروح الثورية في إيران لتفعيل الروح الإسلامية في جنوب لبنان. وبالفعل فقد أثمرت خططه شكلا من أشكال العودة إلى التدين في الكتيبة الطلابية، فبدأت عناصرها وضباطها يترددون على المساجد والحسينيات. وأمكن له استقطاب بعض المتطوعين الإيرانيين الرّاغبين في قتال الإسرائيليين في جنوب لبنان. فقد وكانوا جزءا من الثورة الإيرانية لكن بعد انتصارها حوّلوا وجهتهم إلى القتال في سبيل فلسطين. وبانتصار الثورة شكّلت إيران "وحدة المستضعفين وحركات التحرر". وأرادتها الجمهورية الإسلامية أداة لتصديرها. وكان من بين العقول الدافعة نحو تركيزها، كل من محمد منتظري الشخصية ومهدي هاشمي (الذي أعدم في عهد هاشمي رفسنجاني بتهم كثيرة على صلة بمناهضة النظام والتحريض على الفتنة). فالرّجلان آمنا بأن قدر الثورة أن تكون عابرة للحدود وأن تتبنى القيم الثورية العالمية المشتركة، وحثا على عقد علاقات خارجية متشعبة تجاوزت المنظمات الإسلامية المعارضة في الخليج والعراق إلى المنظمات الثورية في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وأميركا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني.
ـ 3 ـ
مثل فيلق القدس صياغة جديدة لفكرة "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" ولكن بصورة مؤسسية أكثر. فقد أنيطت بعهدته مهمة تشكيل شبكة من الحلفاء بالخارج لتمثل"جبهة مقاومة قوية في مواجهة الصهيونية وأميركا في المنطقة من البحر المتوسط إلى شرقي آسیا" ولتجعل هدفها تحقيق مبدإ "وقف العدو خارج الحدود". وسيكون الدفاع عن إيديولوجيا الثورة الإيرانية موجهها الرئيسي بدل فكرة التحرّر مطلقا التي كانت تحكم "وحدة المستضعفين وحركات التحرر" بحيث تكون إيران المركز الذي تخاض الحروب في الخارج حماية له.
شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.يشرح وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقاني سبب تسمية فيلق القدس بهذا الاسم. فيجعلها ترجمة ميدانية لمبدإ "طريق القدس يمر من كربلاء" وتجسيما لفلسفة خامنئي رئيس المجلس الأعلى للدفاع في إيران وقتها وللعقيدة الحربية الإيرانية برمتها التي تتبنى فكرة "الدفاع الفسيفسائي". والمراد بالعبارة خوض أتباع إيران المرتبطين بها عقائديا واقتصاديا وإستراتيجيا معارك صغيرة في بقاع متفرقة يستقل بعضها عن بعض. فإيران وفق خامنئي "لا تريد الآن الدخول بحرب هناك" (واسم الإشارة يعود على جنوب لبنان الذي هاجمته إسرائيل) فطريق القدس يمر من كربلاء. وهكذا يمكن للسلطة المركزية الإيرانية ممارسة الدبلوماسية في المنطقة من دون حضور ميداني عملياتي مباشر . ولكن عند حدوث هجوم أميركي أو إسرائيلي عليها، فبإمكانها أن تخوض حربا فسيفسائية عبر أتباعها وأن تجعل القواعد الأميركية والإسرائيلية في مرمى صواريخها.
ويقرّ علي خامنئي بفضل من أسماهم بـ"ـمدافعي الحرم". فيقول عن عائلاتهم "هذه العائلات لها دين في عنق الإيرانيين جميعًا، فقد قاتل أبناؤها دفاعا عن حريم آل البيت في سوريا والعراق وواجهوا أعداء إيران في الخارج، وبدون هذه المواجهة كان يمكن لهؤلاء الأعداء أن يدخلوا إيران، ولو لم يقفوا في وجههم فإن إيران كانت مجبرة على محاربتهم في كرمنشاه وهمدان وبقية المدن الإيرانية ".
ـ 4 ـ
ولم تغرق الباحثة في التفاصيل الكثيرة إلا لتوفر لنا قاعدة بيانات تخوّل لنا أن نفهم العلاقة بين إيران وحماس التي ستظهر على الساحة في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. وسيُحدث ميلادها تحولا كبيرا في جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. فتنتقل من حركة اجتماعية تربوية إلى قوة سياسية عسكرية تزاحم القوى العلمانية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.
تعرف حركة حماس نفسها ضمن المادة الثانية من الباب الأول من ميثاقها "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة. في التصور والاعتقاد في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع في القضاء والحكم. في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام في الغيب والشهادة وفي باقي مجالات الحياة". وسيكون لخلفيتها الإيديولوجية وقع كبير على علاقتها مع إيران مدّا وجزرا. فبين هذين المكونين من مكونات الإسلام السياسي من نقاط الالتقاء التي تقرّب بقدر ما بينهما من نقاط الاختلاف التي تباعد. فتتشابه مرتكزاتهما الفكرية في عدة جوانب، أبرزها النظر إلى الإسلام باعتباره أساسا لفلسفة السياسية ومكانة الشريعة في الحكم وضرورة تطبيقها والموقف من الديمقراطية ومن منزلة المرأة في الأسرة والمجتمع ودورها في السياسية والموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويختلفان جوهريا فيما يتعلق بالأهداف والأساليب والتفاعل مع السياقات السياسية المحيطة.
ـ 5 ـ
انتصر عرفات إلى صدام حسين عند غزوه للكويت ما جعله يخسر التعاطف الخليجي. ولعلّ موقفه غير الحكيم ما جعله يقود منظمة التحرير الفلسطينية في مسار تسوية أعرج. وبالمقابل، شاركت حماس في وساطات لإنهاء الاحتلال بتسوية عربية، وزارت وفود منها دولا عربية وإسلامية. ونسجت من خلال دورها شبكة علاقات خارجية. ورأت في مؤتمر مدريد تهديدًا للقضية الفلسطينية ثم رفضت مؤتمر أوسلو مما جعلها ممثلا لخيار المقاومة مما جعلها تنتزع مكانة منظمة التحرير في الشارع الفلسطيني وعند بعض دول الخليج.
جعلت هذه التّحولات إيران تناقش صلتها الممكنة بحماس في أعلى دوائر صنع القرار.. ولمّا بدأت الاتصال بها رسميا كان بين قيادات الحركة من يعارض إقامة مثل هذه العلاقات. وتقدّر أنّ إيران تريد عبرها شيئا من القبول في الأوساط السنّية. وكانت بعض القيادات الإيرانية تعارض بدورها هذه الخطوة. وكانت ظلال" الصراع الشيعي السني كثيفة. ثمّ عقد اجتماع بينهما في أحد فنادق الإمارات العربية المتحدة عام 1990 نقل خلاله الطرف الإيراني رغبته الصريحة في بناء علاقة مع الحركة.
مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".ورغم التقارب طلبت حماس تأجيل تفعيل الصلة إلى ما بعد عقد مثلها مع السعودية والعراق. ورفضت مقترح الدعم المالي. ثم زار المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) طهران لأول مرة في سبتمبر1992. فأسست الزيارة تفاهما سياسيا شاملا بشأن القضية الفلسطينية. وفتحت قنوات مختلفة للتعاون في العمل المقاوم. ومثّل إبعاد إسرائيل 415 قياديا فلسطينيا من حماس والجهاد الإسلامي في أواخر 1992 إلى منطقة مرج الزهور جنوبَ لبنان، المنعطف الثاني في حياة العلاقة بين الطّرفين. فقد استغلت إيران الفرصة للتواصل مع نخب من حماس وتوفير الدعم لها.
ـ 6 ـ
تحقّق التواصل في مرج الزهور في ظل الحاجز المذهبي العميق بين حماس وإيران. فيذكر مجتبى ابطحي أنّ عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يترأس اللجنة الإعلامية في مخيم المبعدين بادره قائلا: "ابق مكانك ولا تقترب أكثر" ويضيف: "أذكر تحفظهم، كانوا يعتقدون أننا كفار ومشركون ويظنون أننا نعبد الإمام علي، حتى إن بعضهم لم يكن يرغب بمد يده للسلام عليّ.. لكن لاحقا عقدنا رابطة أخوة". فقد كان الاتفاق على عدم التطرق إلى الموضوع الفكري والطائفي في معسكرات التدريب. وكان طلب حماس أن تبقى فلسطين موحدة على مذهب واحد، لتكون قادرة على مقاومة الاحتلال، فلن يفيد فلسطين أن يصبح لديها مئة شيعي. وكان جواب الإيرانيين أنّ الجمهورية الإسلامية لا تسعى وراء تشييع فلسطين. وهذا ما ساعد على تفاهمات حول التدريب والتسليح وعقد الصلة بحزب الله. ولكن العلاقة تطوّرت أكثر بانتقال ملف حماس إلى مؤسسة الحرس الثوري. وتحقّق ذلك على مراحل ليصبح بإشراف هذا الجهاز كليّا عقب فوز حماس في الانتخابات، عام 2006. فقد مهّد وصول حماس للسلطة لمرحلة جديدة من الدعم الإستراتيجي العسكري والمالي. وكان على حماس تحمّل اتهامها بالتغاضي عما يصفه منتقدوها بـ "المشروع التخريبي الإيراني" في المنطقة.
ـ 7 ـ
مثّل "طوفان "الأقصى" اختبارا كبيرا لعمق هذه العلاقة. فإيران كانت تعلن تأييدها لـهجوم حماس وفي الآن نفسه كانت تتعامل مع تبعاته بحذر بالغ. وقياداتها الإصلاحية والمعتدلة خاصّة كانت تدعو إلى ضرورة الانتباه إلى "من يحاولون جر رجل إيران إلى المعركة".
تفسّر الباحثة هذا الارتباك في التعامل الإيراني مع هجوم حماس بعوامل عديدة. فالمشهد السياسي محكوم بانقسام حاد بين المعسكر الأصولي والمعسكر المحافظ. ولا حاجة له بقضايا خلافية جديدة. وطهران تدرك جيّدا أنها غير قادرة على حشد المجتمع للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينات. ولا يمكنها الرهان على فشل إسرائيل أمام هجوم حماس حتى تغيّر إستراتيجيتها الناجحة تجاهها. وطبيعة علاقتها بحماس تمنعها من الذّهاب بعيدا في دعمها. فالحركة ليست في مقام تلقي الأوامر كما هو الشأن بالنسبة إلى وكلائها ممن يشتركون معها في خلفيتها العقائدية، ولا يمكنها أن تكون يوما من "مدافعي الحرم" أو طرفا في فلسفة "الدفاع الفسيفسائي". ومبادئها معلنة: أن يكون عملها داخل الأراضي المحتلة، وأن يوجه بشكل مباشر ضد إسرائيل، وعليه فهي ملتزمة بألاّ تمارس أيّ عمل عسكري ضد أي دولة أخرى.
ولا ينفصل المستوى السياسي عن منظومة النضال ضد الاحتلال. فهو يتكامل مع فعل المقاومة المسلحة وقاعدة المصالح التي تنبني عليها التحالفات السياسية يجب أن تستند دائما إلى مصالح الشعب الفلسطيني أولا. أما استقلالية قرارها فخط أحمر يحصنها من كل تبعية للخارج.
ـ 8 ـ
تفسّر كل هذه العوامل تحول العلاقة بين الطرفين الإيراني والحمساوي من التجاذب في وسط الثمانينات إلى الودّ الذي ظل يتدعّم من بداية التسعينات إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023 إلى ما يصنّف سُنيا بالخذلان بعد طوفان الأقصى.