في ذكرى ميلاده.. قصور الثقافة بالغربية تحتفي بالكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
استضافت مكتبة دار الكتب بمدينة طنطا فعاليات الندوة الاحتفالية التي نظمتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة عمرو البسيوني، وذلك للاحتفال بذكرى ميلاد الكاتب والروائي الراحل أسامة أنور عكاشة، تحدث فيها الشاعر مصطفى منصور، رئيس نادي الأدب المركز بالغربية السابق، وأدارتها نيفين زايد، مديرة الدار، وبحضور الشاعر عمر فتحي، رئيس نادي الأدب المركزي بالغربية، والأديب محمد عبد السميع نوح، عضو مجلس إدارة نادي أدب قصر ثقافة طنطا، وعدد من رواد الدار.
في كلمته، أكد الشاعر مصطفى منصور أنه من المهم أن يتم تسليط الضوء على الرموز من المبدعين في الثقافة والأدب والعلم والشعر والسياسة والصحافة وكل المجالات، باعتبارهم الذخيرة الحقيقية للتقدم والنمو، مشيرا إلى أننا في حاجة ماسة لإعادة إنتاج تراثنا من جديد وخاصة للشباب الذي لا يعرف شيء عن هؤلاء المبدعين من أمثال أسامة أنور عكاشة، لافتا إلى أنه على المؤسسات الثقافية والإعلامية وكل من له دور أن يبحث عن هؤلاء ويقدمهم للجمهور.
وأضاف "منصور" أن الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة كاتب نوعي وبدأ مسيرته الفنية والأدبية في سن صغير بعد وفاة أمه لتتحول حياته تماماً، وبدأ في قراءة مختلف أنواع الكتب التي كانت في مكتبة والده داخل غرفة صغيرة مغلقة، لتخرج إلى النور أول قصة له وعمره 7 سنوات، تحت عنوان "المغامرة الكبرى"، ويرسلها إلى الإذاعة المصرية ويقوم الإذاعي الكبير "بابا شارو" بإذاعتها لتكون البداية له والدفعة القوية وينطلق بعدها نحو الكتابة.
وقال الشاعر عمر فتحي إن الأدب والإبداع ينبع من رحم المعاناة، والشيء الآخر أن الفشل ليس عيبا لكونه يعد أول خطوة في النجاح، مشيراً أن الفن دائماً يقدم قضايا مهمة ويصل في النهاية إلى نتيجة، وهو ما نجح فيه الأديب أسامة أنور عكاشة من خلال أعماله المختلفة، فيما أشار الأديب محمد نوح أن أصعب أنواع الكتابة هي كتابة الدراما، والتي تشمل كل فنون الكتابة من شعر وأدب وسرد وقصص وغيرها فكتابة حلقة من حلقات الدراما أصعب بكثير من كتابة ديوان شعر، خاصة أن الدراما ليس فيها غياب عن الوعي والتنوير على مثل هذه الرموز أمر مهم، ولكن ينبغي أن نبحث عن غيرهم لاستكمال المسيرة حتى لا تتوقف ويظهر على الساحة من هم دون المستوى.
من جهتها أكدت نيفين زايد مديرة دار الكتب، أنه من منطلق الدور الذي تقوم به الهيئة العامة لقصور الثقافة فإن الدار نظمت مجموعة من الورش الأدبية لتعليم الكتابة الأدبية بهدف اكتشاف المواهب الصغيرة وتبنيها حتى يخرج لنا كتاب كبار يكملوا مسيرة الكتاب الراحلين.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الهيئة العامة لقصور الثقافة قصور الثقافة أسامة أنور عكاشة أسامة أنور عکاشة
إقرأ أيضاً:
تأملات في الكتابة عن العبقرية
في إحدى زياراتي إلى شارع المتنبي، أهداني صديقٌ كتابًا مترجمًا عن ليوناردو دافينشي، من تأليف والتر إيزاكسون وترجمة محسن بني سعيد. فأثار فضولي: كيف يمكن لمؤلفٍ أن يعالج شخصية موسوعية بحجم دافينشي دون الوقوع في شرك الإعجاب المبالغ فيه؟
إنّ التصدي لكتابة سيرة رجلٍ تُجمع الألسن على عبقريّته مغامرة قد تجرّ إلى درك التمجيد. فالتاريخ حافل بسِيَرٍ تحوّلت فيها الشخصيات إلى رموزٍ معصومة، بعيدًا عن التناقضات الواقعية. ولعلّ كتاب جورجيو فازاري حياة الفنانين «1550» مثال على الهالة الأسطورية التي أُضفيت على عمالقة النهضة، ما يفسّر جزئيًّا الأسعار الخيالية لأعمالهم اليوم، كبيع لوحة سلفاتور مندي المنسوبة لليوناردو بقيمةٍ قاربت 450 مليون دولار.
يعتمد إيزاكسون في كتابه منهجًا يجمع بين التأريخ والتحليل، متتبعًا أعمال ليوناردو ومشاريعه، من رسومٍ ولوحاتٍ وصولًا إلى ابتكاراته الهندسية. يُضيف بذلك بُعدًا علميًّا يبني على أحدث الاكتشافات، مثل نسب والدته الحقيقي، واكتشاف لوحة مبكرة للقديس سباستيان في مزادٍ فرنسي عام 2016، إلى جانب تحليلٍ بالأشعة تحت الحمراء يكشف عن فروقٍ بين نسختي عذراء الصخور. ويؤكّد المؤلّف أيضًا أنّ حقبة النهضة كانت زمنًا للعمل الجماعي، حين تلاقحت المواهب في ورشٍ مشتركةٍ تحتضن العقول المتقدة، فلا تكون العبقرية حِكرًا على فردٍ بعينه.
وقد جاءت سيرته أشبه برصد متحمّس لكل مشروع تبنّاه ليوناردو، لا بوصفها تأريخًا لحياته فحسب، بل استقصاءً لرحلة إبداعه. وليس في ذلك مأخذ، بل يُحمد للكاتب أنه يضع بين يدي القارئ أحدث ما توصل إليه الباحثون المعاصرون، من إثبات نسب والدته الحقيقي، إلى الكشف عن لوحة مبكرة للقديس سباستيان عُثر عليها في دار مزادات فرنسية عام 2016، فضلًا عن تحليل الأشعة تحت الحمراء الذي كشف الفروق بين نسختي عذراء الصخور.
كذلك، لا يغفل الكاتب عن الإشارة إلى طبيعة الفن في عصر النهضة، مؤكدًا أنّ العبقرية الفردية لم تكن وحدها المحرك، بل كان العمل الفني ثمرة ورش جماعية، حيث تتلاقى العقول وتتضافر الجهود، ليولد الإبداع من روح الجماعة لا من فردية النبوغ وحدها.
ولعلّ أبرز إنجاز لإيزاكسون هو رسم صورة ليوناردو فنانًا مسكونًا بالكمال حدّ الوسواس؛ إذ ينوء تحت وطأة مشاريعه التي لا تُستكمَلُ إلا بشقّ النفس، كما في التمثال الفروسي الضخم للودوفيكو سفورزا في ميلانو، والجدارية العظمى لمعركة أنغياري في فلورنسا، وحتى مشروعه الطموح لتغيير مجرى نهر أرنو. ويخصّص الكاتب مساحةً واسعةً لتحليل تنظيرات ليوناردو حول فن الرسم، مقارنًا إياها بلوحاته الباقية. وتبرز جرأته في مخالفته بعض المختصين، كما في تفسير الإصبع البارزة في لوحة القدّيس يوحنا المعمدان في متحف اللوفر، إذ يصرّ على أنها ابتكارٌ متعمَّد. وحتى إن لم نقتنع ببعض هذه الاجتهادات، فإنّ الكتاب يبهرنا بالرسومات الملونة واللوحات المدمجة التي تُعين القارئ على تتبع أفكار المؤلّف خطوةً خطوة، ولا سيما عندما يشرح تقنية سفوماتو التي جعلت لوحات ليوناردو تنبضُ بالحياة.
لكن لهذا التركيز الشديد سلبياته؛ إذ يقع إيزاكسون في شرك الحماسة المفرطة لعبقرية ليوناردو، ويورد إشاداتٍ قد تُبخس حقَّ معاصريه وأسلافه. ففي حقبته الفلورنسية الأولى، على سبيل المثال، لا نجد تفصيلًا وافيًا لأثر جوتو وماساتشيو، اللذين أثّرَا في تطوُّر فن الرسم وشكّلا أرضيةً ألهمت ليوناردو نفسه. ولعل السبب هو قناعة الكاتب بفكرة «العبقرية الخالدة عبر التاريخ»، إذ يرى في ليوناردو مثالًا فذًّا لا يحتاج إلى إرثٍ سابق. إلا أنّ هذه النظرة قد تغفل التراكمات الحضارية والعلمية التي أسهمت في تطوّره.
وفي هذا السياق، يلمّح إيزاكسون إلى أنّ ليوناردو سبق غاليليو ونيوتن في منهج البحث القائم على الملاحظة والتجريب، لكنه يتجاهل الجذور التي أرساها ابن الهيثم وجان بوريدان وغيرهما ممن وضعوا الأسس الأولى لنظريات الحركة. وليس لأحدٍ أن ينكر سبق ليوناردو في كثيرٍ من الجوانب، غير أنّ إغفال عناصر التأثر لا يزيد الصورة إلا تشويهًا بدلًا من أن يضفي عليها وهجًا مستحقًا.
وفي القسم الأخير من الكتاب، يستشهد المؤلف بعبارة شهيرة من إعلانٍ لشركة أبل، كتبها ستيف جوبز: «الذين هم مجانين بما يكفي ليعتقدوا أنهم قادرون على تغيير العالم، هم الذين يفعلونه حقًّا». ثم يمضي في نثر نصائح تحفيزية، تُضفي على الكتاب طابعًا احتفائيًا بالعبقرية، ولو كان ذلك أحيانًا على حساب حقائق التاريخ وسياقه الأشمل.
وإن كانت هناك مآخذ على تركيز الكتاب على عبقرية ليوناردو الفردية وإغفال السياق الأوسع، فإنّه يظلّ علامةً بارزةً فيما كُتب عن هذه الشخصية في المكتبة المعاصرة.
ومن الطبيعي أن يركّز إيزاكسون على ما يراه الأجدر بالاهتمام في شخصيةٍ فذّةٍ يصعب الإحاطة بكل أبعادها في مجلدٍ واحد. ورغم أنّ الكتاب تجاوز 800 صفحة، فإنّ القارئ الحصيف سيجد نفسه مدفوعًا للبحث عن مصادر أوسع، تتيح له رؤية أشمل للفترة التاريخية التي تألّق فيها ليوناردو، وتكشف عن بيئته الثقافية والاقتصادية التي أثّرت في إبداعه.
لقد نجح والتر إيزاكسون في إماطة اللثام عن جانبٍ كبيرٍ من عبقرية ليوناردو، وإنْ كان قد اكتفى أحيانًا بمقاربةٍ تُعلي من شأن الفرد على حساب تراكمات التاريخ. وبفضل الترجمة، ينفتح أمام القارئ العربي أفقٌ معرفيٌّ ثريٌّ حول شخصيةٍ يصعبُ حصرها في مجالٍ واحد، ليكتشف، في تفاصيل السيرة، كيف كانت مخيلة ليوناردو الجامحة وراء اختراعاتٍ حلّقت بأفكار البشر إلى آفاقٍ جديدة. وإذا أيقظ هذا الكتاب في أنفسنا الرغبة في تعميق البحث واستكشاف جذور عصر النهضة وامتداداته، فقد حقّق غايته، إذ إنّ الكشف عن عبقرية فنانٍ بحجم ليوناردو ليس غايةً في حد ذاته، بل مدخلٌ للتأمّل في رحلة الإبداع الإنساني، وفي الكيفية التي يرسم بها التاريخ ملامح من يُعدّون مناراتٍ ساطعةً في مسيرة الحضارة البشرية.