أزمــة ســيـاســيـة بقلم أ. د. بــثــيــنــة شــعــبــان
تاريخ النشر: 12th, August 2024 GMT
يمرّ العالم الذي نعيش به اليوم بأزمة سياسية غير مسبوقة منذ عقود تترك آثارها وارتداداتها ونتائجها على حياة البشر وأمنهم ومستقبلهم. فحتى نهاية القرن الماضي كان السياسيون يشكّلون على الأقل ركيزة واضحة من ركائز الجدليات والمعطيات السياسية؛ حيث تتصارع في الفضاء العالمي قوى ذات إيديولوجيات مختلفة أو متناقضة تعمل كلّ منها على إيضاح منهاجها وأهدافها لاستقطاب التابعين والموالين والمؤيدين.
أما اليوم فقد غاب عن الساحة السياسية رجال الدولة الحريصون على مكانتهم، ليس فقط وهم يتبوؤن المناصب العليا وإنما بين الأجيال القادمة وبعد أن يغادروا هذه الحياة والذين يفكرون بإرثهم أكثر مما يفكرون بحياتهم القصيرة هذه فأصبح من الصعب علينا اليوم أن نسمّي رجال دولة حقيقيين على أصابع اليد الواحدة في العالم. أما ما تبقى منهم فهم يسيئون أيما إساءة للمواقع التي تبوؤها والألقاب التي حملوها والرسالة التي ينتظر منهم تأديتها بأمانة فتركوا الجماهير المحكومة مذهولة من هول ما يجري، مصعوقة من غرابة الأحداث والعجز المطلق أو الإهمال المفضوح لفعل أيّ شيء لتقويم الأحداث بما يتناسب مع العقل والمنطق وبديهيات الحياة الإنسانية التي تحكم عادة تصرفات البشر. وقد كان كلّ هذا واضحاً لي وجلياً على قسمات وجه أب فلسطيني ينتشل أشلاء أطفال من مدرسة قرب المواصي قصفها الطيران الإسرائيلي فحوّلت أجساد الأطفال الغضّة إلى أشلاء مجهولة الملامح والأسماء. أمسك ببعض منها ورفع البعض الآخر بجسده ويديه المفجوعتين ونظر جانباً وقال: ماذا نقول؟ لقد قلنا كلّ شيء ولا أحد يسمع أو يرى، فلماذا نقول أيّ شيء. أي إنّ الكلام قد فقد أهميته وجدواه ومعناه لأنه يقع على آذان لا يسمعون بها وقلوب لا يفقهون بها. وما هو موقف السياسيين الغربيين تجاه مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية؟ موقفهم المخزي ضخ المزيد من الأموال والأسلحة لمجرمي الحرب لقتل المزيد من الأطفال بذريعة الدفاع عن النفس.
من ظواهر هذا العالم الذي نعيشه والذي يمكن وصفه بحالة إرباك شديدة لأن السياسة قد فقدت معناها، والسياسيين قد فقدوا مكانتهم ومصداقيتهم هي أنّ سياسييّ الدول الصناعية الغربية فشلوا إلى حدّ اليوم في إدانة قتل أطفال خلقهم الله على صورته ونفخ فيهم من روحه. بل وبعد أن استباح القاتل المدن والعواصم وارتكب أبشع أنواع المجازر بحقّ الأبرياء وهدّد علناً بإبادة المدنيين منهم يجتمع أولياء أمور هذه الدول ليعبّروا عن خوفهم من عدم القدرة على حماية هذا القاتل من ردود الفعل ويفرجوا له في الوقت ذاته عن مليارات الدولارات لاستكمال جرائمه ويرسلون له القنابل المحرّمة دولياً كي يستمرّ بالفتك بالناس والتعذيب والتنكيل المخزي بالأسرى في معتقلات أسوأ من معتقلات النازيّة والأمريكية في أبو غريب وغوانتينامو، ويملؤون الإعلام صخباً وضجيجاً عن حماية أمن هذا القاتل دون خجل أو تردّد.
والأكثر من ذلك أنهم وفي معظم دولهم يحاسبون من يتعاطف مع الضحية ومن يغضب لرؤية كلّ هذا الإجرام ومن يطالب بوقفه بينما يدعو القاتل إلى تصفية من يشاء ويقوم بتصفية من يشاء ويستمرّ في إبادة مقصودة ومدروسة دون رادع أو خوف.
يكمن في جذر هذا كلّه عنصرية متأصلة في أدب وثقافة وممارسات الدول الغربية التي لم تتخلص بعد من إرثها الاستعماري بأن الحياة الإنسانية لغير الغربيين لا تساوي أبداً مثيلاتها من حياة الغربيين، ولذلك فهم يستهجنون ويحاسبون أيّ غربي يتعاطف مع الضحايا غير الغربية وكأنهم ليسوا جديرين بالمكانة ذاتها التي يتمتّع بها الغربيون. ولكن وكما أنهم لم يستفيقوا إلى خطر هتلر إلا بعد أن دخل الاتحاد السوفييتي بالحرب وقدّم ملايين الشهداء لدرء خطر هتلر، فإنهم اليوم لم يستفيقوا إلى أنّ هذه العنصرية التي يبنون حساباتهم عليها ستطرق أبوابهم وستأتي لهم بكلّ الأمراض القاتلة التي ظنوا أنفسهم أنهم في منأى عنها، وقد بدأت اليوم تطلّ برأسها في بعض دولهم وحين تنفلت من عقالها لن تقتصر سمومها على المهاجرين والملونين بل ستكون الداء الذي لن ينجو منه أحد.
وهم ماضون في تقاعسهم عن تحمّل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية والأممية يشعلون فتيل الحروب من خلال هذا الاحتلال الفظيع للحكم والعدالة ثمّ يطلبون من رعاياهم مغادرة المنطقة. أي يرسلون البوارج والقنابل والأموال للجناة والقتلة ويصدّرون لهم صكوك التأييد والحفاظ على أمنهم وعدم المحاسبة أبداً على ما اقترفوه ثمّ يدعون رعاياهم للانسحاب إلى مناطقهم الآمنة في بلدانهم بعيداً عن الحرائق التي أشعلوها بأيديهم والتي انتصروا فيها للإرهاب والإرهابيين والمحتلين والمستوطنين والقتلة والمجرمين. وفي السياق يتمّ اغتيال الأصوات الإعلامية العاملة على إيصال الحقيقة كي لا تخرج من أرض النار ولا تترك أثراً في ضمائر من تمسّكوا بإنسانيتهم وحرصوا على التعبير عنها رغم كلّ التهديد والابتزاز والاستهداف.
هؤلاء الباقون هنا والقابضون على الجمر والذين يدفعون أبناءهم وشهداءهم ثمّ يسجدون على هذه الأرض الطاهرة مجددين الالتزام بها وبحرمتها وأمنها والدفاع عنها، هؤلاء يعيشون بمنظومة قيمية وأخلاقية وسياسية لا صلة لها بممارسة الغرب وصنيعته الصهيونية بحقّهم. يعملون من أجل إرث الأجيال ومن أجل استمرارية الأمانة التي حملوها منذ نعومة أظفارهم مؤمنين أنّ عدالة قضيتهم هي التي سوف تنصرهم على العدوان والإجرام. وكيف لا وهذه هي أرضهم وهذا هو تاريخهم وهنا يعملون من أجل مستقبل من تبقّى من أبنائهم.
ألا يشعر هؤلاء السياسيون بالخجل وهم يدعون مواطنيهم لمغادرة الديار التي أشعلوا فيها حرباً؟! ألا يخجلون من أبناء هذه الديار ومن نظرات أهلها وأطفالها ومسنّيها إلى ما اقترفوه بحقّهم ثمّ ارتكسوا إلى جحورهم غير آبهين بما يمكن أن يحصل خارجها؟ لا شكّ أبداً أنّ الأزمة السياسية وأزمة القيادة بالذات التي يعيشها الغرب اليوم هي جذر كلّ الأزمات التي نعاني منها نحن اليوم، سواء أكانت اقتصادية أم أخلاقية أم مجتمعية. والمشكلة اليوم هي أنّ هذا الغرب الذي يعيش بالفعل أزمة بنيوية خانقة يقفز فوقها ويتجاهلها ويكابر عليها ويعمل من خلال السلاح والمال والإرهاب على إثبات قوته وسطوته وقدرته على الانتصار للإرهاب والإرهابيين وترويع من تسوّل له نفسه بالخروج عن حدود طاعته. لو تدارسنا كلّ ما يجري في عالمنا اليوم من غزّة وفلسطين إلى فنزويلا وكولومبيا وأمريكا اللاتينية إلى دول الساحل الأفريقي إلى المغرب العربي إلى بحر الصين مروراً بأوكرانيا لوجدنا أنّ منطلق هذه الفتن والحروب هو المحاولات اليائسة للمركزية الغربية على الاستمرار في مقعد القيادة بعد أن فقدت كلّ المقوّمات السياسية والأخلاقية والأممية وبقي فقط لديها تفوّقها العسكري وامتلاكها الأسلحة الفتاكة والمال واستعدادها لوضع كلّ ما تملك من هذا وذاك من أجل استمراريتها. ولكنّ التاريخ حكم سلفاً ومرّات عديدة أنّ الامبراطوريات لا يمكن أن تستمرّ بالمال والسلاح فقط وأنّ انهيارها الأخلاقي والسياسي والمجتمعي هو نذير أكيد على انهيارها الحتميّ القادم دون تأخير
بقلم أ. د. بــثــيــنــة شــعــبــان 2024-08-12alineسابق الصين تؤكد دعمها للجهود القانونية التي تبذلها إيران للدفاع عن سيادتها وأمنهاآخر الأخبار 2024-08-12الصين تؤكد دعمها للجهود القانونية التي تبذلها إيران للدفاع عن سيادتها وأمنها 2024-08-12منح إجازة استثمار لمشروع إنتاج “البيليت” في المدينة الصناعية بحسياء 2024-08-12هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين: الاحتلال يستغل إصابات وأمراض الأسرى لتعذيبهم 2024-08-12255 مستوطناً يقتحمون المسجد الأقصى 2024-08-12انطلاق فعالية “ليكن لكل طفل صوت يسمع” بمناسبة مرور عام على إطلاق البرنامج الوطني للكشف والتدخل المبكر لنقص السمع 2024-08-12لبنان.. إصابة 3 أشخاص بغارة إسرائيلية على بلدة كفركلا 2024-08-12إصابة فلسطينيين خلال اقتحام قوات الاحتلال جنوب نابلس 2024-08-12مستوطنون يستولون على مساحات من الأغوار الشمالية 2024-08-12أبرز تطورات عملية طوفان الأقصى 2024-08-12استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته برصاص الاحتلال شرق خان يونس
مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بدعوة مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع للانعقاد لأول مرة يوم الأربعاء 21 الشهر الجاري 2024-08-11 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بتعديل المادة (26) من قانون خدمة العلم 2024-08-01 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يتضمن أسماء الفائزين بعضوية مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع 2024-07-29الأحداث على حقيقتها استشهاد امرأة وابنتها وإصابة سبعة مواطنين إثر اعتداء لميليشيا “قسد” على بلدة البوليل بريف دير الزور 2024-08-09 وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي 2024-07-16صور من سورية منوعات ناسا ترجئ مهمة إطلاق رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية 2024-08-07 الصين تطلق بنجاح مجموعة أقمار صناعية جديدة 2024-08-06فرص عمل الخارجية والمغتربين تعلن عن إجراء مسابقة لتعيين 25 عاملاً في السلك الدبلوماسي 2024-07-24 السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة توظيف بفرعها بحمص 2024-06-27الصحافة أزمــة ســيـاســيـة بقلم أ. د. بــثــيــنــة شــعــبــان 2024-08-12 دقيقة من فضلكم؟- بقلم أ.د. بثينة شعبان 2024-08-05حدث في مثل هذا اليوم 2024-08-1212 آب 2017 – الجيش العربي السوري يسيطر على مدينة السخنة 2024-08-1111 آب 2017 – السباح السوري العالمي فراس معلا يحرز برونزية سباق 3 كيلومترات في بطولة العالم للماسترز المقامة في هنغاريا 2024-08-1010 آب 1973.. الاتحاد السوفيتي يطلق سفينة الفضاء الرابعة إلى المريخ باسم “مارس -7” 2024-08-099 آب 1929- اندلاع ثورة البراق في مدينة القدس إبان الانتداب البريطاني على فلسطين 2024-08-088 آب 2008- افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقامة في بكين. 2024-08-077 آب 1998 – تفجير سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
جون بولتون: الصورة السياسية في أمريكا مشوهة للغاية بسبب ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقًا، إن الصورة السياسية في أمريكا مشوهة للغاية، والسبب في ذلك يرجع إلى حد كبير إلى دونالد ترامب، إذ أن ترامب يمثل انحرافًا عن السياسة الأمريكية المعروفة.
وأضاف «بولتون»، خلال لقاء خاص بالانتخابات الأمريكية 2024، مع الإعلامية جيهان منصور، المُذاعة عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، أنه في حالة خسارة ترامب في الانتخابات أتوقع أن يعود الحزب الجمهوري بسرعة إلى مبادئ ريغان، وإذا فاز ترامب سيثور الكثير من الجدل والنقاشات لاسيما في الحزب الجمهوري.
وأكد جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقًا، أنه من الصعب التوقع ما سيفعله المرشح الرئاسي بالانتخابات الأمريكية 2024 دونالد ترامب حال انتخابه رئيسًا؛ لأنه لا يملك فلسفة وقراراته مرتجلة ومعاملتيه ومتقطعة ومرتجعلة ولا ينفذ السياسة بالطريقة التي يفهمها الأمريكيين أو الطريقة التقليدية.
وأوضح «بولتون»، خلال لقاء خاص بالانتخابات الأمريكية 2024، مع الإعلامية جيهان منصور، المُذاعة عبر شاشة «القاهرة الإخبارية»، أن ما جاء في تصريحات ترامب وبرنامجه الانتخابي حتى الآن، أنه يريد أن تنتهي الحرب بين إيران وإسرائيل بحلول 20 من يناير، قائلًا: «قد يحدث ذلك وقد لا يحدث».
وأشار إلى أن ترامب قال إن الحرب لم تكن لتحدث ابدًا لو كان رئيسًا ذلك، موضحًا أنه أكد أنه كان سيؤدي أكثر من بايدن، مشددًا على أنه يطلب من الشعب الأمريكي ألا يظنوا أنه من الضروري أن يفعل ترامب ما فعله في ولايته الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، منوهًا بأنه ليس من المؤكد أن يؤيد إسرائيل كما في السابق وهناك ظروف مختلفة، ولا يمكن توقع ما سيفعله.