بقلم عمر العمر
مشاورات جدة محطة زائدة للمماطلة والمراوغة لا موقع لها على درب السلام أو في متن القاموس السياسي. هي فرصة خاطئة دولياً استثمرها دعاة الحرب وأنصارها.فأجندة الساعة السودانية ليست سوى وقف إطلاق النار. ذلك نداء وطني واجب التلبية الفورية والتجاوب العجول ملزمٌ لقيادات الجيش والقوى السياسية مثلما هو لكل وطني مخلص وفي للشعب.
*****
فعذابات البسطاء المنداحة على رقاع النزوح ،التشردوالتكدس والتسكع على أرصفة الفاقة في الداخل والخارج تستوجب تلبية نداء الشعب بوقف الحرب. إذا كان أشعال هذه الحرب جريمة وطنية فان شرعنة إطالة أمدها وعذاباتها جريمة كبرى. هذا حال يفرض على كل وطني غيور اغتنام أي سانحة من شأنها إنهاء ذلك الشقاء الجماعي على الرجال ، النساء،الشباب والأطفال ،فتعدد المدائن،البلدات والقرى المهجورة وتكاثر البيوت الخالية على عروشها ،المدارس ،المستشفيات والمؤسسات المعطلة خراب تتضاعف كلفة إعادة بنائه مع مراكمة الأيام وتكدس الأعباء الاقتصادية.الخبير الدولي إبراهيم البدوي يقول يتطلب الأمر عقدا من السنين بغية الرجوع إلى ماكان عليه الوضع وقت تبديد الانقلاب نطفة
النظام الديمقراطي. لعل البدوي استهدف بث التفاؤل فالحديث عن المستقبل لا يكون مصيبا بمنطق الماضي إذا استقام بمعايير الحاضر.
*****
مشاورات جدة تعري متخذي الحرب غايةً داخل الحرب المعلنة و ناشري ثقافة الموت ، التدمير والإبادة. في القاموس السياسي مصطلحات ثلاثة متشابهات .فهناك وقف اطلاق النار،الهدنة والتهدئة.وقف النار يعني تعليق جميع العمليات العدائيةمن طرف واحد أو أكثر؛جزئيا أوكليا.الهدنة هي إلزام بوقف الأعمال القتالية وفق شروط محددة .الهدنة أقصر زمنا من وقف النار.ميثاق الأمم المتحدة لم يفصح عن شيءٍ في شأن إطلاق النارلكن فقهاء القانون يحددون إقرار الحكومات شرطا لسريانه الوقف أو الهدنة.كلاهما لا يتضمنان شروطا عسكرية أو سياسية بل يغلب على وقف النار الطابع الإنساني لذلك فإن المحاججة بشروط ومشاورات مسبقة بغية الاستكشاف ليس غير مراوغة خرقاء للشعب والرأي العام على الصعيدين في الداخل والخارج.
*****
كما أن حربنا القذرة ليست أول حرب أهلية فإن العديد من الحروب شهدت اتفاقات لوقف النار وانتهت أخرى بإملاء شروط المنتصر على المهزوم.في كل الأحوال جاءت الاتفاقات رغبة في خروج الشعوب من مستنقع المعاناة وعودتهم إلى دروب الحياة الطبيعية.فكل الفسيفساء اللبنانية انخرطت في حربهم الأهليةالمجنونة. لكنهم بعد خمسة عشر عاما في التقتيل الممنهج والتدمير العشوائي لم يجدوا بدا من تبادل التنازلات . علي عبد الله صالح استبدل أهل الشطر الجنوبي كابوس الحرب بأحلام الوحدة في العام ١٩٩٤ ،فآثر علي سالم البيض ورفاقه الهروب إنقاذاً لما يمكن انقاذه من الإنجاز . السادات بادر لقبول وقف إطلاق النار في حرب اكتوبر ١٩٧٣ حفاظا على أعظم إنجاز عسكري في التاريخ العربي المعاصر. مع ان ذلك القبول شكل ثغرة هجوم مكثّف عليه. الخميني رأى قبول وقف النار في اغسطس ١٩٨٨ كأساً من السم لكنه تجرعه من أجل إنهاء عذاب الشعب الإيراني طوال ثمان سنوات.من مفارقات التاريخ قبول الرئيس العراقي صدام حسين نفسه شروطا أميركية مجحفة -إن لم نقل مذلة- في صفوان لانهاء حماقته الكبرى بغزو الكويت في مارس ١٩٩١ حفاظا على ما تبقى من الدولة .
*****
التوغل في الحرب أو التسليم بوقف النار يأتي رهين بموازين القوى العسكرية على الأرض والسياسية على الخارطة الجيوسياسية. ماكان لمشاورات جدة ان تكسب قيمة إلا بإعلان عزم البرهان المشاركة في مفاوضات جنيف.فالمشاورات المزعومة أشبه بتبادل بلاغات.رفض الذهاب إلى جنيف يفصح عن ضيق خيال سياسي يفضي إلى مزيد من التوغل في الفشل والخسائر الوطنية مع استمرار هيمنة زبانية الحرب الخفية على الجنرالات داخل الحرب المعلنة.ذلك نهج يزيد الزبانية والجنرالات عزلة في الداخل والخارج.كما يزيد الضائقة على الشعب استحكاما لكن أوان الأزمة لن يطول حتما.ربما من الأفضل للجميع ذهاب قيادة الجيش إلى جنيف بغية نقل ساحة الحرب إلى ميدان آخر باسلحة مغايرة. للتذكير الجنرال عون اضطر للاستسلام من داخل السفارة الفرنسية.هو مصير أفضل من نهاية علي عبد الله صالح وصدام حسين .
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: وقف النار
إقرأ أيضاً:
تحذيرات من جر جيش الاحتلال لحرب استنزاف مدمرة.. تضاؤل الآمال في تحقيق تقدم بمفاوضات وقف الحرب في غزة
تراوح مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة مكانها، بسبب العراقيل التي يضعها رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، كلما اقتربت فرصة لوقف العدوان وتبادل الأسرى، كظاهرة مستمرة منذ بداية جولات المفاوضات، التي جرت على مدار عام.
رغم تحذيرات متكررة من خبراء عسكريين إسرائيليين بشأن مرحلة حرب الاستنزاف التي يواجهها جيش الاحتلال، ومطالبتهم باستثمار الإنجازات المحققة في غزة لتجنب المزيد من الخسائر، تظل أصوات المتطرفين في حكومة نتنياهو هي «الأعلى» مما يتماشى مع رغبته في استمرار العدوان لأهداف شخصية، خوفا على مستقبله السياسي.
جولة المفاوضات الأخيرة عانت من نفس مصير سابقتها، حتى المبادرة المصرية التى تدعم الوقف المؤقت لإطلاق النار لمدة أيام، يتم خلالها تبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية، تليها مفاوضات لوقف دائم وإجلاء كامل للجيش الإسرائيلي من غزة، لكن رغم الترحيب الأولي بالمبادرة التى حركت حالة الجمود، فإن حكومة إسرائيلية وضعت عراقيل وشروطًا يصعب الموافقة عليها.
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر قدمت اقتراحًا لوقف إطلاق النار لفترة محدودة، يشمل الإفراج عن أربعة محتجزين إسرائيليين مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين وإدخال مساعدات إنسانية، يتبع ذلك استئناف المفاوضات خلال عشرة أيام لتحويل الهدنة إلى دائمة.
رغم الترحيب بالمقترح المصري في الأوساط السياسية الإسرائيلية، فإن رئيس الوزراء نتنياهو أعرب عن اعتراضاته، خاصة أنه جاء بعد شهرين من الجمود في المفاوضات. ورغم اعتبار المحلل رفيف دروكر أن الصفقة عبقرية، فقد رفض نتنياهو تمريرها. ويأتي هذا الاقتراح وسط ظروف إنسانية قاسية، حيث أسفرت الحرب عن أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطيني.
كشف القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، عن بوادر فشل جديدة في المفاوضات الجارية حاليًا، والتي بدأت قبل أكثر من أسبوع بلقاءات في القاهرة بين قادة الوفود المشاركة والوسطاء، تلتها لقاءات في الدوحة، وأن حركته معنية بوقف المحارق والإبادة الجماعية في قطاع غزة، مؤكدا التعاطى بإيجابية للتوصل إلى اتفاق لوقف المجازر، دون أن ندير ظهورنا لأي اتفاق.
وقال أبو زهري (في تصريحات صحفية معممة): هدفنا هو وقف دائم لإطلاق النار، مع التركيز على الانسحاب وإبرام صفقة تبادل عادلة وعودة النازحين. الجانب الأمريكي يسعى إلى اتفاق شكلي فقط بشأن غزة، وبما أننا نرغب في صفقة تبادل عادلة وعودة النازحين، فلا يمكننا تسليم الاحتلال أسراه بينما يواصل قتل أبناء شعبنا. نعتقد أن الاحتلال غير جاهز لإبرام اتفاق حقيقي حتى الآن.
نقلت وسائل إعلام عن أحد قياديي حماس أن الحركة تلقت أفكارًا من مصر وقطر بشأن هدنة لفترة محدودة، وزيادة المساعدات، وتبادل جزئي للأسرى. لكنه أكد أن هذه المقترحات لا تعالج احتياجات الشعب الفلسطيني للأمن والإغاثة والإعمار، ولا تتضمن فتح المعابر، خصوصًا معبر رفح. كما أشار إلى أن المقترحات لا تشمل وقفًا دائمًا للعدوان، أو انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، أو عودة النازحين ورفع الحصار، دون اعتراض من الحركة على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735، مع توفير مقومات الحياة، وإعادة الإعمار، وتحقيق تبادل يخفف المعاناة عن الأسرى الفلسطينيين.
على الجانب الآخر، وقف الجناح المتطرف في حكومة نتنياهو، ممثلاً بوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسئيل سموتريتش، اللذين رفضا وقف إطلاق النار حتى لو ليوم واحد، مطالبين بمزيد من الضغط العسكري على قطاع غزة والمقاومة، وفي المقابل، تسعى الإدارة الأمريكية الحالية جاهدة لتحقيق أي تقدم في المفاوضات، خصوصًا مع وجود عدد من الأمريكيين ذوي الجنسيات المزدوجة بين المحتجزين.
ترى الإدارة أن إحراز تقدم في هذا الملف قد يُعزز موقف مرشحة الحزب الديمقراطي، التي تواجه منافسة شديدة من مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، المدعوم من نتنياهو، والذي يأمل في فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة غدًا الثلاثاء، فيما روجت إسرائيل لفكرة أن رحيل قائد حماس، يحيى السنوار، سيفتح الطريق لمفاوضات سهلة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ولكن الحركة تمسكت بنفس شروط السنوار في المفاوضات، ورفضت أي تنازلات عما التزمت به سابقًا.
يشير محللون إسرائيليون إلى أن الجيش الإسرائيلي دخل مرحلة تآكل الإنجازات، وأن فشل المفاوضات سيزيد من هذا التآكل. فالإنجازات التي حققها الجيش على الأرض لا يمكن تعزيزها، ولا يمكن تحقيق أهداف كبرى جديدة. ما يحدث حاليًا هو حرب استنزاف للجيش الإسرائيلي، ومن المرجح أن يؤدي الاستمرار في الحرب إلى مزيد من الخسائر.